لماذا الحاجة إلى قمة عربية طارئة الآن؟
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
التطوُّرات التي عرفها العالم العربي في غضون الشهرين المنصرمين مفصلية؛ منها أولًا سقوط نظام بشار في سوريا، وتوقف الحرب على غزة، والعودة إلى الطبيعة الاعتيادية في لبنان بانتخاب رئيس، وهي تحولات تشرع أبواب الأمل، ولكن تظل غيوم مطلة، في الوقت ذاته، يمكن أن تُعطّل الأمل، وتُدخل المنطقة في دوامة من الاهتزازات والتخبط، ومنها تصريح الرئيس الأميركي ترامب الذي لوّح فيه "بتنظيف" غزة، أي إجلاء الفلسطينيين منها.
وهو تصريح ينبغي أن يُحمل محمل الجِد، وقد كرره بمناسبة زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض، من أجل أن تضع الولايات المتحدة يدها على القطاع، لزمن طويل الأمد.
قبل هذا التصريح بدا أن للعالم العربي فرصة ذهبية، لكي يرسي نظامًا عربيًا جديدًا، يكون فيه مالكًا لأمره، يقف على الحد الأدنى من قواعد التعاون البيني والجماعي والتضامن وتدبير الاختلافات.
والحال، أن العالم العربي لم يعد يتحدث لغة واحدة منذ 1979، تحت تأثير حدثين مفصلَين:
الأول: هو اتفاقية كامب ديفيد، وما تمخض عنها من شرخ في "الصف العربي"، وقيام جبهة الصمود والتصدي وعزل مصر.
والثاني: هو الثورة الإيرانية، وما استتبعها من حرب ما بين العراق وإيران، أثرت بشكل سلبي على العالم العربي، وتوزَّع حولها، وضاعف من الأمر وفاقمه اجتياح جيوش صدام للكويت، مما أنهى عمليًا النظام العربي.
إعلانلم ينهض النظام العربي منذ ذلك الحين، والتنظيمات الإقليمية التي تأسست قبل ذلك لم تثبت؛ منها مجلس التعاون العربي، ما بين مصر، والعراق، والأردن، واليمن، وانتهى عمليًا مع اجتياح الكويت سنة 1990.
وقام "اتحاد المغرب العربي"، الذي انتهي عمليًا، مع فرض المغرب التأشيرة على المواطنين الجزائريين سنة 1994، وإغلاق الحدود البرية من قِبل الجزائر.
السياق الجديد يفتح فرصًا جديدة، مع ما عرفته سوريا من انتقال سلس، وآفاق مصالحة داخلية ومع محيطها. من شأن سوريا، أن تكون بوابة نظام عربي جديد من غير تدخل أطراف إقليمية، أو من دون أن يُحجَب الدور العربي في تدبير المنطقة.
ولكن الخطورة تظل قائمة ألا يقوم نظام عربي بديل، ويبقى التشرذم جاثمًا، مع ما لوّح به الرئيس الأميركي بشأن تفريغ قطاع غزة من ساكنته، أو "تطهيره"، والضغط على مصر والأردن كي يقبلا "استقبال" الفلسطينيين من غزة، بدعوى أن الولايات المتحدة ساعدت هذين البلدين، وينبغي أن يقبلا العرض الأميركي. وبالمقابل، يمكن أن يفهم إمكانية التضييق عليهما، من خلال توقيف المساعدات المالية والعسكرية، والتعاون الأمني، وشتى صنوف الضغوط.
ليس "التنظيف"، إلا صورة محينة لفكرة قديمة وهي الترانسفير، وهي تعود إلى أوليات الصهيونية، منذ بن غوريون، كشف عنها من يسمون بالمؤرخين الجدد، وتم التراجع عنها، في ظل المتغيرات الدولية، وانبعثت في خطاب اليمين المتطرف الإسرائيلي، ويعتبر قانون القومية لسنة 2018، أحد عناصرها، وفق قاعدة "شعب واحد، دولة واحدة، لغة واحدة، ولا مكان لأقلية".
ولم يُخفِ اليمين مراميه فيما يخصّ الضفة الغربية، من خلال تكثيف المستوطنات، ووسمها بيهودا والسامرة، واستغل وضع الحرب على غزة ليتحلل علنًا من الالتزامات التي أبرمها منذ أوسلو التي من شأنها أن تنتهي إلى حل الدولتين، وظهر في خضم الحرب، ما سُمي بخطة الجنرالات، أي إخلاء غزة، وأعلن جاريد كوشنر صهر الرئيس في محاضرة له بهارفارد في ربيع السنة الماضية، أن الواجهة البحرية لغزة، لها مؤهلات جمة، من شأنها أن تجعل منها دبي أو سنغافورة ثانية، بإخلائها وإعادة إعمارها.
إعلانخيار إفراغ غزة من ساكنته صورة جديدة لنكبة جديدة، ستقضي على الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، والالتفاف على حقوقه، بصفة نهائية، إذ كيف يمكن الحديث عن شعب، من غير أرض.
سينسف الإفراغ إمكانية قيام عربي، وسُيدخل المنطقة برمتها في دوامة اهتزازات، لن تؤثر على سكينة مجتمعاتها فحسب، بل من شأنها أن تنقل التوتر خارج المنطقة، في فصول مروعة لصدام الحضارات والإرهاب، والعداء.
نعلم أن النكبة الأولى غيرت من الثقافة السياسية في المنطقة، إذ كانت أحد الأسباب التي دفعت الجيش إلى الواجهة في كثير من البلدان، وتمت تصفية الخصوم جسديًا، أي أنها شرّعت للإرهاب، وأجهضت مد الليبرالية العربية، سياسيًا، من خلال وقف تجارب تمثيلية (مصر، العراق، سوريا)، وثقافيًا من خلال الدفع باتجاهات انكفائية وتقويض التوجه الكوني الذي كانت الثقافة العربية تقدمه حينها.
ويمكن تصور الانعكاسات المحتلمة لنكبة جديدة. سيكون من العبث بناء نظام عربي جديد، مع الترانسفير، أو مصالحة مع الذات، أو مع الآخر.
من غير المجدي، أمام تلويح الولايات المتحدة بضغوطات أن تقف الدول الحليفة لها، وحدها. ولذلك لا بد من قمة عربية طارئة، للحديث بلسان واحد، حول النازلة، وحول الوضع الإقليمي بصفة عامة.
ومثلما نهضت دول الاتحاد الأوروبي، بشكل جماعي ضد رغبة الرئيس الأميركي وضع اليد على غرينلاند، فينبغي للعالم العربي، أن يتحدث بلسان واحد، حول قرار مصيري، من شأنه أن يدخل العالم العربي في دوامة اهتزازات، لن تقف تأثيراتها على المنطقة.
لقد عبرت الدول الوازنة والمؤثرة في العالم العربي عن شجبها قرار "التنظيف"، على مستوى وزراء الخارجية، وهي المملكة العربية السعودية، ومصر، وقطر، والإمارات، ويتوجب قمة عربية طارئة، لتدارس المستجدات الإقليمية والدولية، والتنسيق على مستوى دول الطوق، والدولة المعنية، للحديث بلسان واحد. لم تفتأ الإدارة الأميركية، اللعب على ما تنسبه من تصريحات للمسؤولين العرب، مما من شأنه أن يثير البلبلة، وينسف إمكانية موقف موحد.
إعلانومن جهة أخرى، على الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، أن تخرج عن صمتها، لما هو استفراد بالقرار الدولي، والتحلل من القانون الدولي، وإضفاء الشرعية على منطق القوة.
نعم هناك حاجة ملحة لإعمار غزة، ويتوجب انعقاد مؤتمر دولي لهذا الغرض، وأن يقترن إعادة الإعمار مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
فتاريخ المنطقة هو تاريخ الفرص الضائعة، ولا ينبغي أن تفلت الفرصة السانحة، بوضع حد لـ"حلم"، من شأنه أن يُحوِّل المنطقة إلى كابوس.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات العالم العربی من خلال
إقرأ أيضاً:
المرأة التي أيقظت العالم بطريقتها
"حينما ينام العالم"، هو عنوان لكتاب صدر قبل أسابيع، للمقررة الخاصة للأمم المتحدة حول الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، وصدرت ترجمته إلى الفرنسية، بالتزامن مع صدوره بالإيطالية، وهو تشخيص لما أسمته الكاتبة بـ"إغفاءة العالم"، أو نوعٍ من اللامبالاة، والإخلال في التعاطف مع الفلسطينيين.
غزة ليست شأن الفلسطينيين وحدهم ولكنها امتحان للضمير الإنساني، واختبار للقانون الدولي، وللمؤسسات الدولية، وضرورة وضع حد لهيمنة الأحكام المسبقة، والمَعْبر لمستقبل البشرية، يعيد الأمل بعد اليأس.
العالم تكلس، وينبغي -وفق ألبانيزي- أن يستلهم من الفلسطينيين الدروس: الكرامة رغم المعاناة، والجمال رغم الخراب، والحقيقة رغم التسييج والحصار.
في مستهل الكتاب، تستشهد ألبانيزي بامرأة، كنسية أميركية، أليسا وايز، إذ تقول إن التضامن هو الشكل السياسي للمحبة. تعرف ألبانيزي قضايا الشرق الأوسط، وقضايا الفلسطينيين؛ لأنها كانت مقررة للأمم المتحدة عن الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 2022، واشتغلت قبلها مع وكالة الأونروا، وعرفت ما يتعرض له الفلسطينيون في الضفة من سلب ممتلكاتهم، وحرمانهم وإخضاعهم.
اصطدمت في مسرى مهامها، بسلاح الأحكام المسبقة، والتمثلات، والقراءات المغرضة، وبناء الآخر، ولذلك وظفت في كتابها إدوارد سعيد عن الاستشراق حول بناء الآخر والتمثلات، والسرديات الموجهة، واستنجدت بالمفكر الإيطالي الكبير "أنطونيو غرامشي"، وكيف أن الثقافة تدعم السلطة.
ولذلك استشعرت الحاجة إلى إعادة النظر في السرديات، من أجل أن تكون الشاهد الحق، حسب تعبير لإدوارد سعيد. وكما تقول، مما أترجمه عن النص الفرنسي: " فالحياد لا يعني اللامبالاة، و(النزاهة) تفترض التنقيب بصرامة، ومواجهة الأحداث بالقانون، وقول الحقيقة للسلطة، ولو أزعجت، وفي فلسطين يتعين كشف عدم التوازن بين المحتل، ومن هو ضحية الاحتلال، بين المستعمِر والمستعمَر، وكيف أن عقودا من سلب الحقوق أضحت أمرا طبيعيا من قِبل منتظم دولي عاجز".
إعلانالرهان أمس كما اليوم، ليس بروفة غائمة وغامضة حول إحلال السلام، بل في احترام القانون الدولي بإنهاء الاحتلال، والمستوطنات، وإيقاف الضم.
ترى ألبانيزي أن السلم ممكن، ولكن وفق شروط، من شأنها أن تجعل المنتظم الدولي يكتشف معنى التضامن، في إطار أسرة واحدة.
اختارت الكاتبة أن تتحدث، بعد هذه المقدمة، من خلال فصول عشرة، عبر أشخاص، التقتهم في مسرى حياتها، ويرتبطون بمأساة الفلسطينيين، وكل فصل يحيل إلى جانب منها.
أول فصل هو عن "مَلك معطر" الفتاة التي التقتها في القسم الثانوي 2010 وأحدث اهتمامها رسوما تعبق بحب الحياة أو شوق الحياة، لكن شوق الحياة لا ينفصل عن الحدث المؤسس الذي يسكن وجدان الفلسطيني ألا وهو النكبة، ولذلك أفردت في الكتاب مقطعا أوليا عن النكبة، قبل أن تقف عند مَلك، من تحمل مأساة الفلسطينيين، وتُعبر عنها برسوماتها، ومنها اختارت رسما لغلاف كتابها.
تختار ثلاثة أصوات فلسطينية من الداخل، منها الطفلة هند ذات الست سنوات، من وُجدت قتيلة في سيارة، عليها آثار 300 قذيفة أثناء الحرب على غزة، وقرب السيارة، سيارة إسعاف، مع مسعفين قتيلين، ومن خلال هند تستحضر وضع طفولة الفلسطينيين، وتذكر ما قالته لها وديعة الفتاة ذات الـ 14 سنة: "الخوف من الموت لا يمنعك من الموت، يمنعك من الحياة".
أبو حسن دليل مدينة القدس، التقته ألبانيزي، هي وزوجها ماكس، منذ أن حلت بالقدس سنة 2010، حيث يأخذهما إلى أوجه الحياة، وأوجه المعاناة، في مخيم بلاطة، وجنين، والمستوطنات، وأزقة القدس، ولكن أكثر ما علمته من الدليل أبو حسن هو الاعتقال، والمعاناة اليومية، والثقل البيروقراطي.
جورج، مهندس فلسطيني من القدس، قدِم من الولايات المتحدة سنة 2000 لكي يسهم في بناء الدولة الفلسطينية، ولكنه لا يستطيع أن يشتغل مع المنظمات غير الحكومية الغربية التي تشترط عليه عدم إثارة الاحتلال، والأبارتيد، ولا يمكنه العمل مع الإسرائيليين، مَن يُبدون مركب استعلاء حيال الفلسطينيين.
"الحياة في القدس، بالنسبة للفلسطينيين، تقول ألبانيزي، هي التعرض للدونية البنيوية التي تفرضها إسرائيل". تتحدد الهوية، في القدس، ليس بين فلسطيني وإسرائيلي، ولكن بين عربي ويهودي.
وتلحظ ألبانيزي الاستحواذ الثقافي، أو تبني الطبخ الفلسطيني، والمزج مع موروثات أوروبا الوسطى، وهو أمر مقبول، وطبيعي، لولا أنه يقترن بالأبارتيد. كيف تأخذ نتاج من ترفضه أصلا، أو تزري به؟
من الضفة الأخرى، أو الشهود الحق، تختار ألبانيزي ألون كونفيو، وهو إسرائيلي إيطالي يُدرّس في الولايات المتحدة، من يختص في تاريخ الإبادات عبر التاريخ. تقف عند إنغريد من تنتصب ضد الأبارتيد، وتعيش في بيت جالا، مع زوجها محمد جاردات.
تستشهد بغسان أبو ستة، وهو طبيب جراح، وُلد بالكويت من أسرة فلسطينية، وزاول الطب في غزة، إلى أن اضطر للمغادرة في 2023، إذ يرى أن الإبادة هي الجانب الظاهر من الجبل الثلجي، وأن هناك ما لا يظهر، من تواطؤ إعلام دولي.
هناك من الشهود الحق إيال ويزمان، وهو مهندس معماري إسرائيلي بريطاني، من يقف على أسلوب القضاء على الآخر، من خلال إخراجه من بيته. غابور ماتي، وهو طبيب نفسي، كندي من أصول هنغارية، يلح على ضرورة حفظ الذاكرة. يرى أن ديانته اليهودية تم توظيفها، باسم أيديولوجية تمييزية. يتولد عن واقع الاحتلال كدمة، ولتجاوزها يلزم الوعي، والتعاطف، ويبقى المهم هو حفظ الذاكرة.
إعلانوالفصل الأخير، عن ماكس، شريك حياة ألبانيزي من عاش معها المغامرة، في القدس، والضفة وغزة، حمل معها عبء أسرة، وشاطرها توجهها.
تُنهي ألبانيزي سردها بأشعار من الشاعر الفلسطيني، رفعت العرعير، من قُتل في غزة في 6 ديسمبر/كانون الأول 2023.
وحين ينام العالم، تقول ألبانيزي: إنه مع اللامبالاة أو سيادة الأحكام المسبقة، يتوجب أن توقظه الشعوب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline