جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-20@19:28:14 GMT

كواليا الذكاء وزومبي الآلة

تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT

كواليا الذكاء وزومبي الآلة

ماجد المرهون
majidomarmajid@outlook.com


بدأت الحياة بعد خلق الجزيء البروتيني الأول، تسارعًا بيولوجيًا منتظمًا، ومر بمراحل تطورية كثيرة تعتمد على المبدأ الذي لا يزال مستمرًا؛ وهو المعلومات المُكتسبة للكائنات وتفاعلها مع بيئتها وفي محيطها، ولكنه تطورٌ بطيء نسبيًا قياسًا بقوانين وقتنا التقليدي، حتى إذا ترسَّخ مفهوم الحياة بوجود الكائنات الحية العاقلة وعلى رأسها الإنسان توسعت مُدركاته إلى التطور الثقافي بحيث يُعيد تصميم أساليبه الفكرية إلى مراحل أكثر تقدمًا من الإبداع، وصولًا إلى الفنون والمُعتقدات والأديان ثم تبسيط سُبل معيشتهِ بُغية الرفاهية بأقل جهد مُمكن، إلى أن وصلنا اليوم للتطور التكنولوجي وبدأت تلوح في الأفُق ملامح تطور البرمجيات لإعادة تشكيل نفسها باكتساب وعيها الذاتي القادر على اتخاذ القرار في معزلٍ عن تدخل صانِعها الإنسان.


بدأ اعتقاد سيطرة الذكاء الاصطناعي على الإنسان وربما الإنسانية يتسرب إلى أفكار الكثير من الناس، وقد جاء هذا الاعتقاد نتيجة التراكُم الثقافي من خلال التأصيل له في صناعة السينما وقصص الخيال العلمي، حتى بات البعض يُجزم بأن هذا التطور سيقضي على الكثير من الصناعات والوظائف، طبعًا لن يحل الذكاء الاصطناعي الذي لا يصنع رغيفًا محل الذكاء الإنساني إلا في حالةٍ واحدةٍ فقط وهي عزل الإلهام الفِطري -مُحرك الإنسان الخفي- وهذا الاستثناء يُكافئ مُعتقد عبَّاد العلم واللادينيين من مُنكري الروح، ويميل بهم جدًا إلى تأكيد فرضية سيطرة الآلة إلى درجة التحكم بكل مفاصِل الحياة وهو افتراض لا يتأكد عن المؤمنين بوجود الخالق والروح والتكليف المُرتبط بالوعي.
لا يزال الوعي في أصلهِ مُبهمًا ولا يوجد له تعريفٌ حقيقي مُقنع، إلّا أن الإدراك العقلي للحدث واتخاذ القرار في نوعية التعامل معه هو أبسط شرحٍ يُمكن تلخيصه، كما أن للحيوانات نوعا من الوعي بتطويع تفاعلها غرزيًا للبقاء فقط وهذا في أقل مفاهيمه أو ما يُعرف بـ"الكواليا"؛ وهي الطريقة التي يرى بها كل مخلوق العالم من منظورهِ الخاص وكيفية إدراكه وتحليله وآلية التعامل معه واستقلالية قراره بما في ذلك الفِطرة الحيوانية، إلا أنها تختلف عن فطرة الإنسان الدافعة للبحث والترقي المعرفي والمعيشي السريع، وهي تواكب حقيقة بقاء الإنسان مُتحكمًا بمجريات الأمور وفي مُقدمتها صناعة واتخاذ القرار، باعتبار أن ذكاء الآلة مهما بلغ حجم المعلومات وتنظيم الأولويات اصطناعيا سيفتقر على الدوام لاكتساب وعيه الخاص لعدم وجود الروح وما ينتج عنها من تفاعلات لاعتبارات حسية وعاطفية.
سيقوم الإعلام من مُنطلق شغف الإنسان بالغرائب والعجائب بالترويج لفرضيات هيمنة الآلة بذكائها المُصطنع على تسيير مُجريات الأحداث مُستقبلًا بحيث تعمل بموجب وعيها الخاص والذي تبني عليه عملية صناعة القرار من الصفر ونزاهة اتخاذه دون دخالةٍ إنسانية، مع أنه أمر غير وارد، إلّا ما تم إدخاله إنسانيًا لها ولكن هناك من يُحاول تأكيد الوعي المُستقِّل للذكاء الاصطناعي وتضخيمه إلى منزِلة تحكُمه المُطلق بِكل شيء، ومن البديهي أن تظهر في هذه المرحلة تحديات أخلاقية حول مفاهيمٍ لم تُعرف سابقًا ويمكن تحليلها في تأمُلاتٍ عقلية جديدة تُفضي إلى فلسفة الزومبي كنُسخة من الإنسان المُتصرف ولكنه غير قادر على إدراك نفسه.
يذهب بعض خُبراء الغرب من علماء وفلاسفة محدثين وشخصياتٍ مرموقةٍ من رجال أعمال وسياسيين إلى ما بعد الذكاء الاصطناعي فيما يُسمى بالذكاء الخارق، وذلك لأن الإنسان هو المخلوق الوحيد على الأرض الذي يُمكنه تصور خيالات وخُرافات وما ورائيات قد لا تكون موجودة إلّا في خياله، ومع إضفاء بعض المُمارسات الحياتية المتزامنة مع تلك التصورات فإنها ستتخذ نوعًا من الصلابةِ في ذهنه وتتحول بمرور الوقت إلى مُسلَّماتٍ شبه حقيقةٍ يمكنه التعامل معها على أسس وجودية كالتطور التكنولوجي الخارق، بحيث تُعيد الآلة بناء وعيها الذاتي وتنقلب على البشر وهذه رؤية ذات نزعة خيالية مُحبَّبه وجاذبة، مع عدم نفينا بأن قمة الذكاء أن يتحاور المرء مع جهازٍ إلكتروني في حديثٍ يصل إلى عدم القدرة على التمييز بينه وبين الإنسان، ولكن هذا لا يُثبت أن تلك الآلة تتحدث بوجوب وعي إدراكي كون حديثها ما هو إلا بِناء على مخزونٍ تراكميٍ هائل من المعلومات تقوم بحوسبة خوارزمياتها محركات صياغة بالغة السرعة وهي تتضخم وتتعاظم شبكيًا بحسب زيادة عدد المُستخدمين والذين يقومون بدورهم في تغذيتها بالمعلومات، فضلًا عن المعارف الموسوعية التي غُذيت به تلك المُحركات، وسوف تعود للعدم في حالة انقطاع الكهرباء عنها.
وفي الأخير.. لا يسعني إلّا التساؤل أين نحن من كُل هذا، وهل نعي فعلًا أهمية سباق الذكاء الاصطناعي؟! لا يبدو لي ذلك لأنني سئمت مقولة توحد الجهود العربية وبتنا نقف موقف المُتفرج على حرب تقنيةٍ باردةٍ في ظاهرها ساخنة وفي باطنها كما تفرجنا سابقًا على عدة معارك، وأمثلنا طريقة هو من يستطيع الكلام كما أفعل الآن وانتظار نتائج اصطراع المُعسكر الغربي الأمريكي مع المُعسكر الشرقي الصيني في محاولات السيطرة عليه وامتلاك النفوذ الأكبر للتحكم به، لأنها بلغت مبلغًا بعيدًا من الوعي في إدراك أهمية وضرورة هذه الثورة العلمية الاستثنائية وغير المسبوقة في تاريخ التطور الإنساني.
 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

وزير العمل: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل مستقبل الوظائف

أكد الدكتور محمد جبران، وزير العمل، أن الذكاء الاصطناعي أصبح أحد المحركات الرئيسية لإعادة تشكيل مستقبل الوظائف وسوق العمل عالميًا، مشيرًا إلى أن الثورة التكنولوجية الراهنة تُحدث تحولات عميقة في طبيعة المهن والمهارات المطلوبة في مختلف القطاعات.

وأوضح جبران، خلال كلمته في المؤتمر الدولي للذكاء الاصطناعي، أن التطور التكنولوجي السريع أدى إلى اندثار العديد من الوظائف التقليدية، في مقابل ظهور وظائف جديدة تتطلب مهارات نوعية ومتخصصة. وأضاف أن سوق العمل أصبح يتغير تلقائيًا وفقًا لمعادلة العرض والطلب، مما يفرض على الدول والحكومات إعادة النظر في سياساتها التدريبية والتعليمية لتواكب هذا التغير المتسارع.

وأشار الوزير إلى أن وزارة العمل شكلت لجنة وطنية لوضع استراتيجية مستقبل الوظائف في مصر، بهدف إعداد تصور شامل للمهارات المطلوبة في السنوات المقبلة، وبناء كوادر بشرية مؤهلة من خلال برامج تدريبية حديثة تتماشى مع متطلبات سوق العمل الجديد.

كما أعلن جبران عن إطلاق دراسة متكاملة حول تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل المصري، لبحث التحديات والفرص الناتجة عن التحول الرقمي، مع العمل على تصميم أنشطة تدريبية تُسهم في اكتساب مهارات المستقبل، وتشجيع الشركات الناشئة العاملة في مجالات التعليم والتوظيف الذكي.

وأكد الوزير أن وزارة العمل تسابق الزمن في تطوير خدماتها إلكترونيًا، بما يتوافق مع التوجه نحو التحول الرقمي الكامل في أداء الخدمات الحكومية. 

وقال إن الوزارة تسعى إلى تعزيز التدريب باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، لتأهيل الشباب للمهن الجديدة التي يفرضها الاقتصاد القائم على الذكاء الاصطناعي.

وأضاف جبران أن قانون العمل الجديد جاء ليواكب هذه التحولات الرقمية، حيث أدخل أنماط عمل حديثة مثل العمل عن بُعد والعمل المرن، وهي أنظمة أصبحت واقعًا عالميًا في ظل انتشار التكنولوجيا. 

وأوضح أن القانون تضمن تحديثًا شاملًا لتوصيف المهن، مع مراعاة متغيرات سوق العمل وتطور متطلبات التوظيف في ظل الثورة الصناعية الرابعة.

أكد أن مستقبل الوظائف في مصر يعتمد على الاستثمار في الإنسان، مشددًا على أن التكنولوجيا لا تُلغي الوظائف بقدر ما تُعيد تعريفها، وأن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة لبناء اقتصاد أكثر كفاءة وعدالة يعتمد على المعرفة والابتكار.

مقالات مشابهة

  • الرئيس السيسي يوجه بتجديد الخطاب الديني وتعزيز الوعي لمواجهة التطرف.. نواب: خطوة فعالة لبناء الإنسان.. وتحتاج دعاة مخلصين للدين والوطن
  • الذكاء الاصطناعي والتنمية الاقتصادية
  • مفتي الجمهورية ووزير الثقافة يوقعان بروتوكول تعاون لتعزيز الوعي وبناء الإنسان المصري
  • لتعزيز الوعي وبناء الإنسان المصري.. توقيع بروتوكول تعاون بين «الإفتاء» و«الثقافة»
  • الأجيال الجديدة لا تتخيل الحياة بدون الذكاء الاصطناعي.. الآلة تتحكم بالبشر
  • الذكاء الاصطناعي يكتشف السرطان في عينات دم خلال دقائق
  • برلماني: كلمة الرئيس في الندوة التثقيفية تجديد لعهد الوعي وبناء الإنسان المصري
  • المرأة في عصر الذكاء الاصطناعي
  • وزير العمل: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل مستقبل الوظائف
  • OxygenOS 16 يصل مع OnePlus 15 .. تحول كامل نحو الذكاء الاصطناعي