سودانايل:
2025-05-28@08:43:57 GMT

متلازمة سياسية سودانية

تاريخ النشر: 20th, February 2025 GMT

إضفاء صبغة حداثية على انشقاق التحالف المدني الديمقراطي(تقدم) استنادا لحدوثه سلما محاولة بئيسة لتجميل عاهة مزمنة متمكنة من الحركة السياسة. فالفراقُ السلميُ بين القيادات ليس جديداً على المشهد السوداني .كل الأُطر الحزبية عانت وتعاني من وباء الانشقاق حتى غدا ظاهرةً سياسية. لا فرق بين انقسام ناعم و آخر خشن .

القاسمُ المشترك بين مكونات تلك الظاهرة هو شبقُ السلطة والتكسًّب وإن لم تنج أحياناً من عناصر الغيرة والحسد في التنافس بين القيادات . فالراصد لحركة المنشقين غالبا ما يشهد الهرولةَ إلى امتيازات السلطة دافعا للخروج عن التنظيم ،لا يهم سواء كان حزبا أو تحالفا. ربما في حالتي انشقاق مبكرتيْن وسط اليسار واليمين يكاد المرءُ يستبين ملمحاً فكرياً. جرثومة الانشطار تسللت إلى جسم الحركة السياسية مع بدء نشوء نواته الأولى. فقد بدأت الحركة مشوارها الوطني قبيل الاستقلال بانقسام حول (المسألة السودانية)حسب تعريف الصحافي الرائد حسين شريف.
*****
فمع بروز جمعية اللواء الأبيض وهي بذرة القوى الوطنية الحديثة اتخذ زعماء القوى التقليدية موقفا مناوئا لم يعرقل فقط نموَها بل قصم ساقها إذ عزلها عن تربتهاالشعبية. مع تشكل نادي الخريجين، النواة البكر لبلورة الوعي الوطني المنظّم، ظهر فيروس الانقسام تيارين فيما عُرف بالشوقيين (محمد على شوقي )والفيليين(السيد الفيل). (أسباب الانشقاق ظلت في التحليل النهائي ذاتية محضة)وفق قراءة البروفيسور فيصل عبد الرحمن علي طه. هذا الانشطار تسلل إلى الحركة السياسية إذ نهضت الكتلة الاستقلالية في مواجهة القوى الاتحادية مصبوغاً بتباين تجاه قضية الاستقلال.هو انشاق هيْمّن على خارطة العمل السياسي عقودا عديدة منذ عشية الاستقلال. إن لم تكن خطوطه ماثلة للعيان فربما لا يزال يلقي ظلالاً على المشهد.لعلك تجد منها داخل( تقدم ).
*****
هذه الشروخ المبكرة لم تكن عابرةً إذ ساهمت القيادات التقليدية والحديثة في تعميقها رأسيا و أفقيا.هي لم تضرب هياكل الأحزاب، بل نالت من روح الأمة (القومية)السودانية. فكل انقسام سياسي يمحق أي جهد مبذول أو محتمل لبعث الروح القومية كما أشار الدكتور حيدر إبراهيم علي. انسياق غالبية أبكار المثقفين وراء القطبين الطائفيين جذّر ممارسات التشقق وسط النخبة السياسية. هكذا لم يتوقف الضعف على القوى الحزبية، بل تعطّلت عمليةُ ترسيخ الإحساس الوطني في الأوساط الشعبية .فالقاعدة الجماهيرية سقطت بدورها أسيرةً لكاريزما القيادات فاقدة الثبات على الانتماء و الولاء ، خاصةً في ظل افتقاد الأحزاب المشروع الفكري أو البرنامج الوطني ، بالإضافة إلى إصابتها بحمى التنافس الفردي.
*****
لئن رصد البروفيسور فيصل سردا تاريخياً للبناء والتشققات داخل الحركة الوطنية في سفره الموسوم ( الحركة السياسية السودانية والصراع المصري السوداني) فإن الدكتورة عفاف عبد الماجد أبو حسبو تعمّقت في أطروحتها لنيل الدكتوراه في تشريح تلك الانقسامات وعلاقاتها التبادلية مع السلطة الاستعمارية. هذه القضية شغلت عدداً من المفكرين من أمثال الراحليْن جعفر بخيت ،محمد عمر بشير وحيدر إبراهيم . ربما كان مؤتمر الخريجين إطارا مناسبا لبناء حركة سياسية قومية قابلة للنمو .لكن انتخابات ١٩٤٤ (مثّلت نهاية المؤتمر كمؤسسة قومية) حسب رصد البروفيسور . أربعة تيارات خاضت الانتخابات ليفتقد المؤتمر معها وحدته. لو احتفظت التيارات الأربعة (الاتحاديون -الأحرار-الأشقاء-القوميون ) بكينوناتها لاستوت الحركة الوطنية ربما.غير أن أيا منها لم يستطع مقاومة وباء الانشطار.
*****
المجموعة الموالية لإمام الأنصار كانت أول المنسحبين من المؤتمر فشكلوا (حزب الأمة)باكورة الأحزاب السودانية. غير أنهم نقلوا معهم فيروس الانقسام. فمناعة الحزب لم تصمد بعد وفاة الإمام عبد الرحمن،ثم بدأت الانشطارات تتعدد إثر رحيل الصديق وصعود الصادق على عجل ثم تنازعه مع المحجوب والهادي. مرض التنازع الانقسامي استشرى داخل الحزب حتى بلغ التفسخ بحماقات مبارك الفاضل .تحالف الاتحاديين وُلد موبوءا بالفيروس و لا يزال ينهش كل خلاياه الأميبية . الانشقاق بين ازهري ونور الدين ينسج انموذجا للتنافس الفردي وشهوة امتيازات السلطة .الرجلان تبادلا حق الفصل بحجة الخروج عن الحزب.رأب الصدع بينهما استدعى تدخل النحاس باشا (حفاظا على وحدة وادي النيل ).مكمن وباء تشظي الحزبين الكبيرين.هو الداء وراء انهيار كل محاولات اكتسابهما مناعةً كشريكي زواج سياسي.هو وباء ينهش جسم الحركة السياسية .
*****
لعل الإنقساميْن المبكرين داخل الحزب الشيوعي والأخوان المسلمين اتسما دون غيرهما بملامح التباين الفكري أو الرؤى للعمل السياسي وسط الجماهير . الوصول إلى السلطة لم يكن في قدرة كليهما وقتذاك. عبد الخالق افلح في قيادة تيار أقصى مجوعة عوض عبد الرازق من منطلق أخراج الحزب من حالة ركود وانكفاء فكري وتتظيمي إلى رحاب العمل الجماهيري الواسع ب(صبر دؤوب وعمل خلاق ).مرتكزه في ذلك تطوير المستوى القيادي للحزب عبر منظور استراتيجي وتكتيكي. حسب توصيف عبد الخالق نفسه. غير أن الحزب لم يبرأ من جرثومة الانشقاق. عبد الخالق ظل على قناعة راكزة بأن القفز إلى السلطة عبر أي محاولة انقلابية ستتم بواسطة البورجوازية الصغيرة وليست لصالح الحزب .لكن شهوة السلطة أغرت ثلة من (رفاق راسخين) ،هجروا الحزب مهرولين إلى نظام مايو في انفلاق عظيم . المغامرة برمتها انتهت إلى حمام دم ضحيته القيادة والحزب معا!
*****
كذلك لم يكن الانقسام داخل الأخوان بقيادة حسن الترابي بعيدا عن مسألة تكتيك الخروج من دائرة الدعوة والتبشير بفتح الأفق أمام التنظيم للعمل وسط الجماهير. الانقلاب اتسم بطابع سلمي ،بل ربما ديمقراطي . إذ تمت إزاحة الرشيد طاهر بكر إثر تورطه في محاولة علي حامد الانقلابية. كما أُزيحت أو تراجعت كوكبة القكر والتنوير من طراز مالك بدري وجعفر شيخ ادريس .لكن التيار القيادي الجديد استهدف الإستيلاء على السلطة غاية لا تعلو عليها أولوية فكرية. شهوة السلطة وامتيازاتها تمكّنت من الجماعة حتى العظم . حينما لم يبلغ التيار ذلك الهدف بالتحالفات لجأ إلى خيار الإنقلاب ثم لم يتردد في الاحتفاظ بالسلطة عبر القمع المفرط وحمامات الدم.مع ذلك لم ينج التنظيم من الانقسام إذ لم يبرأ من الفيروس السياسي المزمن فوقعت (المفاصلة).
*****
تحالف (تقدم)يفتقر منذ نشأته إلى غالبية-إن لم نقل كل-شروط النجاة والحياة. فلا نجاح لحركة سياسية عارية من نظرية سياسية. هو تجمعٌ جرى تشكيله على عجل على الصعيد القيادي .هو رد فعل لانشطار وقع بقوة السلاح داخل معسكر ثورة ديسمبر .عدم توفر قسمات التجانس داخل المعسكر ثم داخل التحالف برز غير مرة . الهوة ظلت واسعة بين القاعدة الجماهيرية والقمة.غياب القيادة عن تجمعات المنكوبين في الداخل خاصة والخارج عامة أضعف فرصها لتوسيع تأثيرها. ذلك سلوك ظلم قياديين لا تنقصهم مؤهلات النجاح. مع ذلك فانسلاخ المشقين يجسّد اخفاقا فاضحاً .فالهرولة هنا إلى هيكل دولة معلق في الفضاء . هو لهاث وراء السراب لايفتقد فقط نور الحكمة والعقل بل يعري كذلك تضخم الذاتية وسعار شهوة السلطة! هذا انقسام يؤشر إلى فقدان الروح الوطنية.إذ يتجاوز انشطار التحالف إلى تقسيم الوطن. هذا هو البؤس السياسي في أشنع تجلياته!
*****
على نقيض تجربة (جبهة الهيئات)اتخذت (الحرية والتغيير) جذر (تقدم )مساراً معاكسا.مع ان النقابات شكّلت العمود الفقري للتحالفين في ثورتي اكتوبر ثم ديسمبر.إلا أن الأولى اصطدمت بالقوى السياسية التقليدية فيما أسندت الثانية ظهرها إلى تلك القوى.أبعد من ذلك تناقضاً ؛ فيما استقوت القوى التقليدية ب(عنف البادية) في اكتوبر بغية بلوغ غاياتها والانتصار على الجبهة لجأ المنشقون عن (تقدم) إلى محترفي (عنف البادية) سيئ الصيت من أجل أهداف تشكل ردة إن لم تكن خيانة!

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرکة السیاسیة

إقرأ أيضاً:

تقرير لمجلس الحساسيات يرصد خروقات مالية داخل 10 أحزاب سياسية تحصل على الدعم العمومي

زنقة 20. الرباط

أصدر المجلس الأعلى للحسابات، اليوم الثلاثاء، تقريره المتعلق بتدقيق حسابات الأحزاب السياسية برسم سنة 2023، وفحص صحة النفقات المصرح بها برسم الدعم العمومي الممنوح لها، للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها وتنظيم مؤتمراتها الوطنية العادية، وذلك في إطار المهام والاختصاصات المنوطة بالمجلس، طبقا لأحكام الفصل 147 من دستور المملكة، ومقتضيات المادة 44 من القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، والمادة 3 من القانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية.

وذكر بلاغ للمجلس الأعلى للحسابات أن هذا التقرير يتضمن في جزئه الأول عرضا للنتائج العامة للتدقيق، بما في ذلك تتبع إرجاع مبالغ الدعم إلى الخزينة، سواء تعلق الأمر بدعم غير مستحق، أو غير مستعمل، أو مستعمل في غير الغايات التي منح من أجلها، أو الذي لم يتم إثبات صرفه بواسطة الوثائق المبررة.

كما يتناول هذا الجزء تتبع مدى تنفيذ التوصيات الصادرة عن المجلس في تقريره السابق، لا سيما تلك المتعلقة بإنجاز المهام والدراسات والأبحاث التي التزمت بها الأحزاب في إطار الدعم السنوي الإضافي لسنة 2022، والإدلاء بمخرجاتها للمجلس، في حين يعرض الجزء الثاني من التقرير نتائج التدقيق الخاصة بكل حزب سياسي على حدة.

وفي ما يتعلق بتقديم الوثائق والمستندات المكونة للحسابات السنوية، يفيد التقرير بأن المجلس الأعلى للحسابات توصل بحسابات 27 حزبا من أصل 33، وقد احترم 22 حزبا الأجل القانوني لتقديم هذه الحسابات، في حين تخلفت ستة أحزاب عن تقديمها.

ولاحظ المجلس أن 23 حزبا من بين الأحزاب التي أدلت بحساباتها، قدمت حسابات مشهودا بصحتها من طرف خبير محاسب مقيد في هيئة الخبراء المحاسبين، منها 19 حسابا مشهودا بصحته بدون تحفظ، وأربعة حسابات مع تسجيل تحفظات، بينما أدلت أربعة أحزاب بحساباتها السنوية دون الإشهاد بصحتها من قبل خبير محاسب.

وسجل المجلس أن سبعة أحزاب لم تدرج كافة الجداول المكونة لقائمة المعلومات التكميلية، المنصوص عليها في الملحق رقم 2 من المخطط المحاسبي الموحد للأحزاب السياسية.

وفي السياق ذاته، لم تقدم ثلاثة أحزاب جميع الكشوفات البنكية المتعلقة بالحسابات المفتوحة بأسمائها، كما لم تدل ثلاثة أحزاب بجرد تفصيلي للنفقات المنجزة برسم سنة 2023، ولا بوضعية المقاربات البنكية.

وبخصوص فحص صحة الموارد، سجل المجلس الأعلى للحسابات نقائص بخصوص إثبات تحصيل الموارد الذاتية، بلغ مجموعها 1,72 مليون درهم، أي ما يمثل نسبة 1,64 في المائة من مجموع الموارد المصرح بها برسم سنة 2023 من طرف الأحزاب السياسية، والتي بلغت ما مجموعه 104,25 مليون درهم.

وقد همت هذه الملاحظات ثمانية أحزاب من أصل 27، وتوزعت بين موارد لم يتم دعم تحصيلها بوثائق الإثبات القانونية (بقيمة 853.164,60 درهم)، وموارد تم تحصيلها نقدا (بقيمة 865.900,00 درهم)، بالرغم من تجاوزها للسقف القانوني للتحصيل النقدي المحدد بموجب القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية.

أما في ما يتعلق بدعم صرف النفقات بوثائق الإثبات القانونية، فقد سجل المجلس نقائص همت نفقات تدبير بلغت قيمتها حوالي 5,73 مليون درهم، أي ما يمثل نسبة 6,27 في المائة من مجموع النفقات المصرح بصرفها من طرف الأحزاب السياسية البالغة 91,37 مليون درهم.

وتعد هذه النسبة أقل من تلك المسجلة خلال سنة 2022، والتي بلغت 26 في المائة. وقد سجلت هذه النقائص على مستوى 17 حزبا من أصل 27، وتوزعت بين نفقات لم يتم دعمها بأي وثائق إثبات قانونية، بمبلغ إجمالي قدره 5,34 مليون درهم، ونفقات تم تبريرها بوثائق غير كافية من حيث الشكل أو المضمون، بما قيمته 308.745,54 درهم، بالإضافة إلى نفقات أ رفقت بوثائق معنونة في غير اسم الحزب المعني، بلغ مجموعها 74.688,73 درهم.

وفي ما يتعلق بتتبع عملية إرجاع مبالغ الدعم غير المستحقة، أو غير المستعملة، أو المستعملة لغير الأغراض التي منحت من أجلها، أو التي لم يتم إثبات صرفها بوثائق الإثبات القانونية، إلى الخزينة، وعملا بالمقتضيات التشريعية والتنظيمية ذات الصلة، سجل المجلس أن 24 حزبا قام، خلال الفترة الممتدة من سنة 2022 إلى غاية متم شهر مارس 2025، بإرجاع مبالغ دعم إجمالية قدرها 35,92 مليون درهم إلى الخزينة.

وتوزعت هذه المبالغ بين مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية برسم اقتراعات سابقة، بما مجموعه 28,71 مليون درهم، والمساهمة في تغطية مصاريف التدبير بمبلغ 2,42 مليون درهم، إضافة إلى المساهمة في تمويل المهام والدراسات والأبحاث بمبلغ 4,79 مليون درهم.

وسجل المجلس كذلك أن 15 حزبا لم يقم بعد بإرجاع مبالغ دعم تناهز 21,96 مليون درهم إلى الخزينة علما أن عملية الإرجاع تتواصل بشكل مستمر وتخضع لتتبع سنوي من طرف المجلس.

وتتوزع هذه المبالغ بين مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية المتعلقة باستحقاقات سنتي 2015 و2016، والتي بلغ مجموعها 2,41 مليون درهم تخص ثلاثة أحزاب، ومساهمة الدولة في تمويل اقتراع سنة 2021، بمبلغ 18,13 مليون درهم يخص سبعة أحزاب، فضلا عن مبالغ متعلقة بمساهمة الدولة في تغطية مصاريف التدبير خلال السنوات 2017 و2020 و2021 و2022 و2023، بمبلغ إجمالي قدره 1,42 مليون درهم يهم سبعة أحزاب.

مقالات مشابهة

  • برلمانية: الحوار الوطني أسهم في خلق توافقات تشريعية تاريخية داخل البرلمان
  • الحركة الشعبية ينفي التحاق قياديين بـ”المنشقين”
  • حزب الاتحاد: نخوض الانتخابات بالنظام الفردي ومنفتحون على كل القوى السياسية
  • حماس تنفي تقارير عن وجود خلافات داخل الحركة
  • تقرير رسمي يكشف تفشي “النوار” داخل الأحزاب السياسية
  • تقرير لمجلس الحساسيات يرصد خروقات مالية داخل 10 أحزاب سياسية تحصل على الدعم العمومي
  • قيادة الحركة الشعبية تراسل وزارة الداخلية حول "قرصنة" اسم الحركة الشعبية
  • القوى الوطنية تبحث المستجدات السياسية والوضع الداخلي
  • انشقاق داخل الحركة الشعبية وتأسيس حزب جديد
  • وزير الشئون النيابية: الحكومة تركت القوى السياسية والأحزاب تقرر النظام الانتخابي الأنسب