جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-15@18:12:17 GMT

توأمة المدن

تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT

توأمة المدن

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

كل ما نرى في الكون من إنجاز سواءً كان صغيرًا أو كبيرًا، إنما بدأ بفكرة وجدت قبولًا ودعمًا وسخرت لها سبل النجاح، وأخيرًا كانت حقيقة كما نرى، ومع ذلك فإنَّ الأفكار ليست مرحبًا بها دومًا وليست بتلك السهولة التي نتوقع فهناك من التحديات ما يكون له جذور ترتبط بالسلوك العام والرؤية الخاصة بالدول والكيانات وترسبات الماضي والأحداث وبعض العادات والتقاليد.

لذلك فإننا نرى فروقًا كبيرة ومُتفاوتة بين شعوب دول العالم ونرى وبكل وضوح أنَّ بعض الشعوب تعمل بجهد كبير يختلف عن دول العالم الأخرى؛ فالصين مثلًا تقدم للعالم نموذجًا فريدًا في الصناعة والتصدير. وعندما أتيحت لي فرصة مناسبة للقاء سعادة سفيرة الصين في السلطنة طرحت عليها سؤالًا لا أعلم كم مرة سؤلت نفس السؤال؛ إذ قلت لها أتمنى من سعادتكِ الإجابة على سؤالي بكلمتين عن سر النهضة الصناعية للصين، فأجابت: إنها الإرادة والإتقان، ولقد كانت تلك الكلمتان بالنسبة لي مدرسة مُتكاملة من معنى النهضة في جانب ما من حياة البشر؛ فالإرادة ترتبط بالسلوك، والسلوك منهج حياة وطبيعةُ قومًا يعيشون في رقعة من الأرض من آلاف السنين ولذلك نحن اليوم أمام أسئلةٍ وتحديات أكثر صعوبة فكيف لإنسانٍ ما أن يغير من طبيعة يومياته وما يؤمن به في عالم الإبداع والكد والتخصص والعطاء والعمل وكيف للنظم والقوانين ‏والعدالة وأسلوب القيادة أن يخلق الفروق الفعلية بين الأعمال المتواضعة وتلك التي تحمل الإبداع والتطوير ومسايرة التحديات العالمية التي لا تنتهي.

إنَّ التغيير الجذري والواضح في هذا المجال يحتاج إلى الإرادة والرغبة الحقيقية التي يجتمع عليها البشر لذلك، ومن هنا انطلق وعن ثقةٍ كبيرة أن وطننا مؤهل وبقوة أن يتصدر دول العالم في الصناعة والإنتاج بشكل عام؛ لأنَّ علاقة عُمان طيبة مع كل دول العالم والصين بشكل خاص وكذلك فإن ماتزخر به من خامات أولية فكل ذلك.

ومن هنا، فإني أرى أن نقوم بتجربة توأمة المدن ومن خلال ذلك نقوم باختيار مدينة وأن تكون مثلًا على الحدود العُمانية، ولتكن على البحر ووجود مطار وميناء وسوق حرة وشروط دخول وخروج خاصة، وعندما نقوم بتوأمة المدينة الحلم مع مدينة صينية مثلًا، فإن كل ما يخص التجارة والصناعة والإدارة يكون شبيهًا بتلك المدينة. أعتقد أن الوضع المحلي والعالمي وتحديات المستقبل بحاجة إلى خطوات بهذا الحجم، وإلّا فإن التعديلات البسيطة والإجراءات المتواضعة لا يُمكن بأي حال من الأحوال أن تصل بالجانب الصناعي والتجاري إلى مستويات تنافسية، وسنبقى إلى ما لا نهاية مُلزمين في كل خططنا وتطورنا؛ بل وحياتنا تمامًا مرهونةً بمستقبل النفط وأسعاره. وأخيرًا فإنَّ هذا الأمر مفتاحٌ للفكر ورؤية مسايرة لنظرة المسؤولين في المستويات العليا والإستراتيجية وعسى أن يأتي أحدٌ بأفضل من فكرتي ونلتقي جميعًا على رأي يحرك المياه الراكدة، ونذهب بوطننا إلى المكان الذي يستحق بين دول العالم المتقدمة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

التطوير العقاري .. بين الاستثمار وأنسنة المدن

محمد بن أحمد الشيزاوي -

اطلعت قبل أيام على عدد كبير من فرص الاستثمار في القطاع العقاري في ثلاث محافظات: مسقط وظفار وجنوب الباطنة، ولعل أبرز ما لفت نظري هو أن فرص الاستثمار في القطاع العقاري لا تزال واعدة سواء للمستثمرين في مجال شراء وبيع الأراضي والوحدات السكنية والتجارية أو في مجال التطوير العقاري من خلال تأسيس الشركات التي تقوم بتشييد مجمعات سكنية أو تجارية وتعرض وحداتها للبيع إلى الجمهور.

هناك كمّ هائل من المعروض، وهناك أراض سكنية جديدة يتم استحداثها بين ولايتي السيب وبركاء على وجه الخصوص بعد تحويل المزارع إلى أراض سكنية، أو تقسيم الأراضي الزراعية الكبيرة إلى مساحات أصغر تستوعب وحدة سكنية مع مواقع مهيأة للزراعة بما يهيئ هذه الأراضي لتكون استراحات أو تركها للمستقبل، وفي قطاع التطوير العقاري يتم بشكل دائم الإعلان عن مشروعات جديدة؛ في القطاعين السكني والتجاري وقطاع المكاتب، وقد شهدت السنوات الأخيرة مزيدا من التركيز على التصاميم والأشكال الهندسية الجذابة والخدمات والمرافق التي يقدمها المطورون العقاريون.

بين هذا كله؛ قال لي أحد المختصين في القطاع العقاري: إن المهم عند شراء أي وحدة من المطورين العقاريين أن ترى إمكانيات هذا المطور وقدراته ونوعية المواد التي يختارها، بعض المطورين حققوا خلال السنوات الماضية سمعة جيدة وأضافوا قيمةً إلى العقارات التي قاموا بتشييدها، والبعض الآخر على العكس من ذلك وابتُلِيَ المشترون بهم.

وفي حقيقة الأمر يبدو أن قطاع التطوير العقاري بدأ يحظى بمزيد من الاهتمام بعد إطلاق مدينة السلطان هيثم والمدن والأحياء المستقبلية في محافظة مسقط والمحافظات الأخرى، كما أن تشييد مدينة السلطان هيثم عند مدخل محافظة مسقط وبالقرب من ولاية بركاء منحَ قيمة معنوية واقتصادية للعديد من الأراضي بمحافظة جنوب الباطنة وأسهم في تسليط الضوء على «مسقط الكبرى» التي تضم أجزاء من ولاية بركاء. ومع التسهيلات المقدمة والتشريعات المنظمة أصبحت هناك فرص استثمارية جديدة في القطاع العقاري لا تقتصر فقط على مجالات بيع وشراء الأراضي كما كان سابقا وإنما بدأنا نشهد صعودا لافتا وحريا بالاهتمام في التطوير العقاري ومجالات الخدمات المساندة المرتبطة به.

يعد قطاع التطوير العقاري واحدا من القطاعات التي تحقق أدوارا اقتصادية عديدة ومتنوعة، فمن جهة تُسهم مشروعات التطوير العقاري في توفير فرص مشجعة لرؤوس الأموال المحلية، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، كما تُسهم في تعزيز فرص العمل، وتعمل في الوقت نفسه على تنشيط عدد من القطاعات الاقتصادية الأخرى كصناعات الإسمنت والحديد وأعمال البناء والتشييد والاستشارات الهندسية والخدمات المساندة الأخرى، ونتوقع أن تشهد السنوات المقبلة مزيدا من التدفق الاستثماري على هذا القطاع وارتفاع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي.

وعلى الرغم من الأهمية الاقتصادية لمشروعات التطوير العقاري هناك أدوارٌ أخرى للتطوير العقاري لا تقل في أهميتها عن الأدوار السابقة تتعلق بـ«أنسنة المدن وتنمية المجتمعات»، وقد شهدت السنوات الأخيرة مزيدا من التركيز على التطوير العقاري ليس بصفته مجالا استثماريا فقط وإنما أيضا أداة استراتيجية يمكن من خلالها إعادة تشكيل المدن وجعلها أكثر «إنسانية» وقدرة على استيعاب احتياجات السكان وتطلعاتهم، وهذا ناتج للعديد من الأسباب لعل في مقدمتها: النمو العمراني السريع في العواصم والمدن الرئيسية، وازدياد الأعباء اليومية للعاملين في القطاعات الاقتصادية المختلفة، والازدحام المروري على مختلف الطرق، وهو ما يجعل المرء يفكر أكثر من مرة قبل أن يغادر مسكنه إلى وجهة أخرى غير العمل، ولهذا ازدادت أهمية مشروعات التطوير العقاري وفي الوقت نفسه ارتفعت تطلعات السكان الذين أصبحوا يركزون على المشروعات التي تتضمن خدمات ومرافق متنوعة بما في ذلك: الحدائق، والمساحات الخضراء، والساحات العامة، والملاعب، والممرات الآمنة للمشي، والأسواق، والمطاعم والمقاهي في أجواء مثالية ومريحة بعيدا عن العمارات الشاهقة والمجمعات المغلقة التي ترفع من الضغوطات اليومية وتزيد من عزلة الأفراد، وهذا يعني أن مشروعات التطوير العقاري أصبحت اليوم تهتم بمعايير الاستدامة من خلال التركيز على الجانب البيئي، ولهذا فإن مشروعات التطوير العقاري التي تركز على البُعد البيئي أصبحت تحظى باهتمام أكبر من قبل المستهلكين، ومع التطورات السريعة في هذا القطاع والتأثيرات البيئية لمشروعات التشييد والإنشاءات أصبحت الجهات الحكومية المنظمة لقطاع التطوير العقاري تتشدد في سياساتها بحيث لا يمكن القبول بمدن وأحياء تعاني من التلوث أو الاختناقات المرورية أو تتجاهل الحدائق وملاعب الأطفال وممرات المشي والمساحات الخضراء، وهو ما جعل مشروعات التطوير العقاري في العديد من الدول تركز على البناء الأخضر واعتماد أنظمة لتوفير الطاقة وعدم هدر المياه بما يضمن تقليل الآثار البيئية في هذه المدن التي يتم تشييدها بشكل يضمن وجود فضاءات مفتوحة ومناطق ترفيهية تقلل من الضغوط النفسية وتوفر أجواء مثالية للأطفال وكبار السن وجميع سكان الحي.

ولهذه الأسباب نجد أن مشروعات التطوير العقاري الناجحة تتمتع بالعديد من المزايا التي «تحترم» حق المرء في الحركة والمشي والتفاعل مع ما حوله، وتوفر له الراحة، وسط العديد من الخدمات والتسهيلات، وتعد المزايا التي تتمتع بها مشروعات التطوير العقاري عاملا حاسما في اختيارات المشترين والمستأجرين، وبهذا تتجاوز أهداف مشروعات التطوير العقاري مجرد توفير مساكن أو تشييد بنايات شاهقة وإنما تمكين المواطنين من الحصول على مساكن تلبي تطلعاتهم واحتياجاتهم.

وفي ظل ازدهار مشروعات التطوير العقاري اتجه العديد من المطورين إلى إحياء المدن القديمة وإعادة تأهيليها لتصبح مدنا نابضة بالحياة مع المحافظة على هويتها وتاريخها، وهو ما يُسهم في تعزيز الانتماء والثقافة والهوية الوطنية التي تعد إحدى أولويات «رؤية عُمان 2040»، ويمكننا اعتبار حارة العقر بولاية نزوى أحد المشروعات الناجحة في هذا الإطار، وقد أسهمت خطة التطوير في تحويل حارة العقر إلى وجهة سياحية وتجارية ناجحة ونموذج رائد لمشروعات إحياء المدن القديمة وإعادة تأهيلها، وهي اليوم أحد المزارات الرئيسية للسياح الذين يقصدون ولاية نزوى.

وبالإضافة إلى دورها الاستثماريّ، والحَضَري، واهتمامها بالتاريخ والتراث والهوية الوطنية فإن مشروعات التطوير العقاري تؤدي العديد من الأدوار المهمة في المجتمع، وتُسهم في توفير حلول إسكانية تراعي تطلعات العديد من فئات المجتمع من خلال الفيلل المستقلة أو المتصلة أو الفيلل التوأم وكذلك من خلال الشقق السكنية المتنوعة وبمساحات مختلفة وبالتالي فإن هذه المشروعات من شأنها تمكين مختلف أفراد المجتمع من الحصول على المسكن الذي يلبي رغباتهم ويحقق تطلعاتهم.

ومع الأهمية التي تحظى بها مشروعات التطوير العقاري في سلطنة عُمان فإننا نرى ضرورة أن تنعكس الاستثمارات التي يتم ضخها في هذه المشروعات على أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكما يعلم الجميع فإن استثمارات مشروعات التطوير العقاري لا تقتصر فقط على الشركات المطورة وإنما تشمل أيضا ملاك الوحدات، ولهذا فإنه من المهم أن تنعكس هذه الاستثمارات على المجتمع وأن تُسهم في رفد قطاع التشغيل وتوفير فرص العمل المناسبة للشباب العُماني، كما أنه من الضروري أن تتجه شركات التطوير العقاري إلى الصناعات المحلية وليس إلى الاستيراد من الخارج، وألا تبالغ في أسعار بيع الوحدات السكنية على وجه الخصوص، وأن تدفع الأنشطة التجارية المحلية إلى النمو بما يعزز الطلب المحلي، وهو ما يحقق الأهداف الحكومية والمجتمعية من إنشاء مشروعات التطوير العقاري.

إن التطوير العقاري ليس مجرد إنشاء مبانٍ جديدة أو استثمار في الأراضي، بل يمكننا اعتباره أداة مهمة في تنمية المجتمعات وتأسيس مدن تنبض بالحياة وتلبي احتياجات السكان وتحقق التوازن بين التنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي وتلبي معايير المدن الذكية والاستدامة البيئية.

محمد بن أحمد الشيزاوي كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية

مقالات مشابهة

  • الفيفا يطمئن: المدن المضيفة لكأس العالم 2026 جاهزة رغم تهديدات ترامب
  • تقرير أممي: اليمن ضمن أكثر البلدان التي تعاني من ندرة المياه في العالم
  • التعلُّم من الدول والقيّادات التي تُغلب مصالِح شعوبها
  • ترامب يهدد بنقل مباريات مونديال 2026 من ضواحي بوسطن بسبب الاضطرابات
  • افتتاحية: الوجه الجديد للمُدن
  • المدن كما لم نعرفها من قبل
  • التطوير العقاري .. بين الاستثمار وأنسنة المدن
  • الملك عبد الله الثاني صوت الحقيقة التي هزمت أكاذيب نتنياهو وحكومتة المتطرفة .
  • رابطةُ العالم الإسلامي تعرب عن تطلعها نحو مخرجات “قمة شرم الشيخ” لتخفيف الكارثة الإنسانية التي يعانيها أهالي غزة
  • "توأمة المدارس".. مبادرة من التعليم لتبادل الخبرات ورفع جودة التعليم