لجريدة عمان:
2025-06-02@11:29:01 GMT

النّـزاع على حقـوق الإنسـان

تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT

ليس النّـزاعُ على حـقـوق الإنسان نزاعا حصـريّا بين مَـن يتمسّـكون بها مناضلين عنها بثـباتٍ وإصـرارٍ، من جهـة، ومَن يَعـتسفونَـها ويَـنْهكـون حُرمتها، شديـدَ النَّـهْك، من جهـةٍ مقابلة. قـد يكون هـذا هو النّـزاع الـرّئيس بين المنزوعـة حقوقُـه بالقـوّة -فـردا كان أو جماعةً- والمتسـلِّطِ الغاشم الذي يصادِرها مـن النّاس بالإكـراه، غير أنّـه ليس وحـدهُ النّـزاع الدّائـر عليها في المجتمع ولا هو يُخفي، بالتّالي، أنواعا أخرى من النّـزاع في شأنها تـتوزّع فيها قواها على مواقـعَ متباينة وأحياناً متناقضة في المسألة.

تـتبيّـن قيـمةُ التّعريج على النّـزاع على هذه الحقوق حين نأخـذ في الحسبان ما كان سائدا من معـتـقـدٍ حقوقيّ وسياسيّ في العالـم -وإلى عهـدٍ قريب- عن صلة النّسب بين فـكرة حقـوق الإنسان والفكر السّياسيّ اللّيبراليّ؛ حيث دُرِج على تلك النّسبة حتّى باتت من بداهات السّياسة والفـكر السّياسيّ! وليس الأمرُ كذلك، أَلْـبَتَّـةَ، لأنّ تيارات فـكريّـةً وسياسيّة أخرى، غيرَ التّـيّار اللّيبراليّ، كانت شريكا أصيلا في الـدّفاع عن تلك الحقوق وأنتجت مفاهـيمَها الخاصّة لِـتُـبْـنَى عليها استراتيـجيّاتُ عمـلٍ على الصُّـعد المدنيّـة: الحقوقـيّـة والمطلبيّـة ثـمّ السّياسيّـة؛ الأمر الذي يعني أنّ الأيـديولوجيا اللّيبراليّة لم تكن صاحبةَ وكـالةٍ حصريّـة -كما زعـمتْ ألسنـتُها وأقلامُـها- للنّـطق باسم إرادة حماية حقوق الإنسان والمدافَعة عنها في وجه القـوى السّلطويّـة التي تعـتـدي عليها أو تـنال منها.

نعْـلم، على القطـع، أنّ نزاعا على مفهـوم حـقـوق الإنسان نَـشب -واستمـرّ طـويلا- بين تـيّارات أيـديولوجيّـة وسياسيّـة أربعـة جـرّب كـلُّ واحـدٍ منها أن يتـمسّـك بمفهومـه لتلك الحقوق ناظرا إليه بوصفه الصّحيح أو، على الأقـلّ، بوصفـه الأَوْلى بالاعتـناء من غيره. هـذه حقيقة شهـدت عليها قضيّة حـقـوق الإنسان في مجتمعات العالم كـلِّها، مع ملاحظة أنّ غلبة مفهـومٍ على غيره من مفاهيـم حـقـوق الإنسان الأربعة هـذه واقـعٌ يُـفسِّـره ما يَحتـلّه في كـلّ منطقة من العالم الكيانُ الذي يُـفْـتَـرَض أنّه مركزُ تلك الحقوق وقُطبُ الرّحى فيها.

والكيانُ الذي نعنيـه، هـنا، هو الكائـن الاجتماعيّ الحامل لقضيّـة حـقـوق الإنسان أو المنظور إليه من حيث هـو الفاعل الاجتماعيّ المُصادَرةُ حقوقُـه والذي ينبغي أن يُـدَافَـع عنها من قِـبَـلِه ومن قِـبَـل مَـن يدعـم حقّــه من القوى الاجتماعيّـة. أمّـا هـذا الكائن فلا يعـدو -في خطابات التّـيّـارات الأربعـة- أن يكون غيـرَ واحـدٍ من هـذه الحدود الأربعـة: الفـرد، الطّـبقـة والفـئـة الاجتماعيّـة، الشّـعب، والأمّــة. وما أغـنانا عـن القول إنّ كـلّ مفهـومٍ من هـذه يكـوِّن نـواةً لأيـديولوجيا من الأيـديولوجيّـات السّياسيّـة الأربع التي تـدخل في معـمعان ذلك النّـزاع على حقـوق الإنسان، مثـلما يـرمـز إلى حقـبـةٍ من حـقـب السّياسـة والفـكـر السّياسيّ في التّاريخ المعاصر.

حـقـوق الإنسان، بالتّـعريف، هي حقـوق الفـرد في الخطـاب اللّيبراليّ؛ فهـو، عنده، مبدأُ المجتمع والوحـدةُ الأساس فيه الذي تعـتـرف به الـدّولة وتَـسُنّ لـه القـوانين وتُـقِـرّ له الحقـوق وتـفرض عليه الواجبات. حـقـوقُه، بهـذا المعنى، حـقـوقٌ مـدنيّـة وسياسيّـة، كانت تـنـتمـي أمـس إلى منظـومة حـقوق المواطَنـة ولكـن صار يُـراد لها اليـوم -في حقبـة الفـردانيّـة العولميّـة- أن تـكون «كونيّـة» عابرة للأوطان والـدّول. في الخطـاب الاشتـراكيّ أو الماركسيّ يخـتلف الأمـر؛ حقـوق الإنسان حقـوق طبقات اجتماعيّـة في الثّـروة (طبقـة عاملة، فلاّحون، طبقـة وسطى، فـئات مهمّـشة...) وحقـوق فـئات اجتماعيّـة مستَحَـقَّـة (نساء، شباب، أطفـال، مستـهـلكون، مهـنـيّـون...)؛ إذِ المجتمع -في هـذا الخطاب- ليس مـؤّلـفا من أفراد، كما يخال الخطاب اللّيبراليّ، بـل من طبقات وفئات اجتماعيّة متناقضةِ المصالح ومتفاوتـةِ المراتب إزاء الثّـروة العامّـة. ولقد وسّع الخـطاب الوطـنيّ دائـرة الجماعة الاجتماعيّـة فانتـقـل بها من الطّـبقة إلى الجماعة الوطـنيّـة ومادّتها الصّلبة (= الشّـعب).

هكذا أصبحت حقوق الشّـعب (= حـقّ تقـرير المصير الوطنيّ وحيازة الاستـقلال والسّيادة مثـلاً) هي جـوهر حـقـوق الإنسان لدى هـذا التّـيّار؛ فيما كان الخطـاب القـوميّ يـذهـب بعيدا في توسعـتـه إطارَ الجماعة الاجتماعيّـة بحيث تُطابِـق حدودُه حدودَ الأمّة. هكذا انتهى معنى حـقـوق الإنسان عنده إلى حيث بات يُـلـحّ على فـكـرة حـقّ الأمّـة في وضع حـدٍّ لتجزئـتها الكيانيّـة واستعادتها لوحـدتها القـوميّـة التي تعـرّضت للتّـمزيق الاستعـماريّ.

مـن البـيّـن أنّ كـلّ مفهـوم لحـقـوق الإنسان، من المفاهيـم الأربعة هذه، يترجم مرحلةً من الوعي الفلسفيّ والسّياسيّ والحقـوقيّ ويقـترن بحوادث العالم الكبرى التي أسّست له وبـرّرتـه. ارتبطت دعوى حقوق الفـرد، في صيغتها الفلسفيّـة- الحقوقـيّـة الأولى (قـ 17 و18)، بالفلسفة اللّيبراليّـة، وفي صيغـتها العولميّة الجديدة الرّاهنة بالنّيوليبراليّـة؛ وارتبطت دعـوى حقوق الطّـبقات والفئات الاجتماعيّـة بصعود الحركات العـمّاليّـة والنّـقابيّـة والمدنـيّة وتنامي الخطاب الماركسيّ (بين نهايات القرن 19 وسبعيـنيّـات القرن 20)؛ فيما اقترنت دعـوى حقـوق الشّـعب بحقبة الاستعمار الأوروبيّ والأمريكيّ واليابانيّ لبلدان الجنوب وصعود حركات التّحرّر الوطنيّ فيها، واقـترنت دعـوى حقـوق الأمّـة بواقعة التّـجزئة الكولونياليّـة التي تـقـطَّعت بها أوصالُ كيانات عـدّة في القارّات الثّـلاث المستعـمَـرَة ونشوء حركات التّـوحيد القوميّ في الجنوب. نحن، إذن، أمام أربعة مفاهيم تـترجم وعي أربعة تـيّارات سياسيّـة وفكريّـة، بل أربعة أجيالٍ من فكـرة الحقّ: الحقوق السّياسيّـة والقانونيّـة (للفـرد)؛ الحقـوق الاجتماعيّـة (للطّـبقات والفئـات)؛ الحقـوق الوطنيّـة (للشّـعوب)؛ ثمّ الحقوق القـوميّـة (للأمم). وهي مفاهيـم تُظْـهِـرُنا على ذلك الذي أسميناهُ نزاعا على مفهوم حقوق الإنسان؛ أي على سعْـيٍ متعـدِّد الأطراف إلى فرض مفهومٍ بعيـنه لها.

هل من تَعارُضٍ، إذن، بين هذه الأنواع من الحقوق التي جرى النّـزاعُ على معناها ويجري، والتي حاول كـلُّ فريقٍ منخرطٍ فيه أن ينـتـزع لنـفسه حقّ احتكـارِ تسميـةِ حقـوق الإنسان وتعيين ماهـيتها؟

ما مِـن تعارُضٍ، في ما نرى، بين حقـوق الآحاد من النّاس وحقـوق الجماعات، طبقاتٍ وفـئاتٍ اجتماعيّـةً وشعوبا وأمما، طالما ظلّ هناك ما يـبرِّر كـلَّ مدافَعَـةٍ عنها. نعم تـتـبرَّر حقوق الفـرد والطّبقة والشّعب والأمّـة جميعُـها طالما ظلّ هناك تسـلُّطٌ، واستغلالٌ (أو سـوء توزيع الثّروة)، واحتلالٌ، وتجزئـة.

إنّها (حقوقٌ) تكون في حالةِ تَعارُض فـقط إنْ أُخِـذَ بها منعزلةً يُـقابِـل بعضُها بعضا. أمّا إن أُخِـذَت مجتمعةً، بوصفها منظومةً غيرَ قـابلة للمقايضة، فـتبدو على نحـوٍ من التّـرابُط والتّداخُـل والتّـضامُن لا لبْس في مشروعيّـته ويرتفع عنها، بالتّالي، ذلك النّـزاع والتّخاصُم الذي يُباعِـد بين حـدودها.

عبدالإله بلقزيز أستاذ الفلسفة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وحاصل على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حـقـوق الإنسان حقـوق الإنسان الاجتماعی ـة اجتماعی ـة الس یاسی یاسی ـة الذی ی

إقرأ أيضاً:

تكريم أبطال مسلسل 80 باكو في توزيع جوائز الإنتاج الدرامى لحقوق الإنسان

رصدت عدسة صدى البلد صورا أثناء تكريم أبطال   80 باكو  في مهرجان المتميز المعني بالاعلاء من قيم ومباديء حقوق الإنسان الذي 
أقيم مساء أمس في أحد فنادق القاهرة.

حرص على الحضور  كل من النجوم الفنانة انتصار ، المخرجة كوثر يونس ، دونيا سامي ، رحمه احمد ، وليد المغازي ، خالد مختار ، زينه منصور .
         

يأتي ذلك إنطلاقا من دور المجلس فى نشر ثقافة حقوق الإنسان، ولما تتمتع به الدراما التليفزيونية من تأثير ودور هام فى تشكيل الوعى بما يؤثر على هذه الثقافة سلباً أو إيجاباً.

وتقوم قيادات المجلس القومي لحقوق الإنسان وأعضاء اللجنة الثقافية بتكريم الأعمال الفائزة في حضور نخبة من الفنانين، والشخصيات العامة، وكبار الصحفيين والكتاب، وممثلي المجتمع الحقوقي والمدني.

وخضعت الأعمال الدرامية التي عرضت خلال شهر رمضان الكريم للتقييم من جانب لجنة ضمت عددا من كبار النقاد تحت إشراف لجنة الحقوق الثقافية، ووقع الاختيار  علي 5 أعمال لتكريمها في هذه الاحتفالية التي انطلقت في تقليد سنوي قبل 14عاما. وقد ضمت اللجنة هذا العام الناقد الفنى الكبير طارق الشناوى (رئيس اللجنة) وعضوية كلاً من الأب بطرس دانيال والأساتذة النقاد سيد محمود، ومحمود عبدالشكور وهالة البدري.

وقد تابعت اللجنة أربعين عملًا دراميًا عُرضت خلال شهر رمضان، حيث تم تصنيفها وفق معايير تدريجية دقيقة وصولًا إلى الإعلان عن أفضل الأعمال التي تميزت بتناول قضايا إنسانية واجتماعية بعمق ووعي ومسؤولية.

وصرح عزت إبراهيم أمين اللجنة الثقافية أن هذا الحدث يأتي في إطار جهود المجلس لتعزيز دور الفنون، وخاصة الدراما، في نشر ثقافة حقوق الإنسان وترسيخ قيمها في المجتمع المصري، وإظهار دعم أكبر للأعمال التي تدعم نشر هذه الثقافة، خاصة الدراما التلڤزيونية التي تحظي بمشاهدات عالية لعقود طويلة في مصر.

كما يشهد تكريم إسم فؤاد المهندس أحد رموز الفن المصري، تقديراً لإسهاماته الفنية المتميزة. كما سيتم تكريم الفنان القدير محمد صبحي، الذي أثرى الساحة الفنية بأعماله الهادفة التي تناولت قضايا اجتماعية وإنسانية مهمة.

مسلسل 80 باكو :
جاء فى حيثيات اختيار مسلسل 80 باكو الآتى :
  يفتح مسلسل (80 باكو )  الأعين مجددا على ما تعانيه فئة من النساء  في مجتمعاتنا من مشكلات بهدف التحايل على واقعها الاجتماعي البائس ، يتوقف المسلسل أمام حالات متنوعة للمرأة المعيلة التي تتحمل مسؤلية تأسيس الأسر أو الحفاظ عليها  في صورة حية من صور المقاومة بالحيلة بحثا عن نافذة للنور.

 يتحول مجال عمل بطلات المسلسل في حرفة التجميل إلى استعارة جمالية وثيقة الصلة بموضوعه الذي كتبته غادة عبد العال برهافة وحساسية فائقة ،كما يشير اختيار صالون التجميل كفضاء للأحداث الرئيسية إلى ما يمثله كعلامة على المكان الحميم الذي يصعب اختراق تفاصيله مركزة على العلاقة المتوترة  التي يمكن أن تنشأ بين الداخل الحميم والخارج، الذي يرغب في انتهاكه . 

بحرفية بالغة استطاعت المخرجة كوثر يونس أن تحول هذا العالم شديد القسوة إلى جدارية متماسكة من مواد متنوعة خلطت فيها الآلآم بالبسمات وساعدها على ذلك اختيار بقية العناصر الفنية التي تخدم الموضوع ،كما قدمت عبر الفضاء المكاني الذي اختارته وهو وسط المدينة تحية للمكان الذي يمتلك رمزية غير منفصلة عن ما تتعرض له المدينة من أزمات في الوقت الراهن .

يُذكر أن المجلس القومي لحقوق الإنسان هو مؤسسة وطنية مستقلة تأسست عام 2003، تهدف إلى تعزيز وتنمية وحماية حقوق الإنسان والحريات العامة، وترسيخ قيمها ونشر الوعي بها، والإسهام في ضمان ممارستها. يقوم المجلس بإصدار تقارير سنوية عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، ويعمل على تقديم المقترحات والتوصيات للجهات المختصة في كل ما من شأنه حماية حقوق الإنسان ودعمها وتطويرها.

طباعة شارك اخبار الفن نجوم الفن مسلسل 80 باكو

مقالات مشابهة

  • برلماني: المواطن شبع كلام من الأحزاب
  • تكريم أبطال مسلسل ظلم المصطبة في توزيع جوائز الإنتاج الدرامي لحقوق الإنسان
  • تكريم أبطال «لام شمسية» في حفل توزيع جوائز الإنتاج الدرامي لحقوق الإنسان
  • تكريم أبطال مسلسل 80 باكو في توزيع جوائز الإنتاج الدرامى لحقوق الإنسان
  • بحضور نجلها.. ريهام عبدالغفور تحصد جائزة حقوق الإنسان عن «ظلم المصطبة» |تفاصيل
  • قومي حقوق الإنسان يكرم أبطال مسلسل ظلم المصطبة
  • القومي لحقوق الإنسان يكرم أبطال مسلسل لام شمسية
  • منح الفنان فؤاد المهندس جائزة التميز من المجلس القومي لحقوق الإنسان
  • حين يتهجم وزير العدل على مؤسسات دستورية
  • البُعد الأخلاقي في مسيرة الابتكار الإنساني (1- 3)