سواليف:
2025-08-13@23:43:22 GMT

خواطر رمضانية

تاريخ النشر: 13th, March 2025 GMT

#خواطر_رمضانية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 59 من سورة النساء: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ..”.
إن التشريع القرآني قد أغفل قصدا توصيف طبيعة نظام الحكم المقبول شرعيا، لأن الله يعلم أن متغيرات العلاقات البشرية وتطورات مفاهيم البشر ستحدث أنماطا للحكم جديدة قد تلبي متطلبات الحكم الرشيد، لذلك ترك التفاصيل المتغيرة حسب الظرف الزماني والمكاني، لكنه لم يغفل المبدأ السليم الذي بموجبه يتم تداول السلطة.


هذه الآية الكريمة تشكل دستورا ربانيا تحدد مرتكزات النظام السياسي في الدولة الإسلامية، ومنها تستمد السلطة الحاكمة شرعيتها، لذلك لا يجب أن نمر عليها مرورا عابرا بل نتأمل في كل الجزئيات، ونفهم مرادات الشارع الحكيم، في هذه الصياغة اللغوية الجامعة.
1 – بداية يجب التنبه الى أن الخطاب موجه للمؤمنين، أي مواطني الدولة الإسلامية كافة، وذلك يعني أن ما سيرد بعده هو أمر واجب التنفيذ يشمل كل فئات المجتمع الإسلامي حكاما وفقهاء ومحكومين.
2- أول ما يستوقفنا هو تكرار لفظة (أطيعوا)، لبيان الأمر بطاعة الله والرسول، وإذا ما علمنا أن الله لا يكرر كلمة واحدة في القرآن لضرورات الإختصار البلاغي، إن لم يكن لهذا التكرار معنى أراده تعالى، فلماذا لم تأت الصياغة بشكل: (أطيعوا الله والرسول)؟، طالما أن طاعة الرسول هي من طاعة الله ” مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ” [النساء:80].
إن طاعة الله أمر مقطوع به، فهو الإله المعبود والرب المتصرف بكل أحوال البشر، ولا اختيار للمخلوق بين طاعته وعصيانه بعد إذ هو في قبضته.
لكن طاعة الرسول متأتية من عنصرين: الأول أنها في الجانب التشريعي جزء من طاعة الله، وفي الجانب الآخر كقائد سياسي للأمة المسلمة.
3 – هنا نفهم لماذا لم تكرر (وأطيعوا) قبل (أولي الأمر)، فطاعة ولي الأمر عطفت على طاعة الرسول لأنها ليست كالطاعتين السابقتين، بل هي جزء من طاعة الرسول كقائد سياسي كون الحاكم خليفة له ، لكن ليست من طاعة الرسول التشريعية.
4 – وهذا هو الدليل القاطع على أن الدولة الإسلامية ليست دولة دينية، وبخلاف كل الامبراطوريات التي كانت معروفة زمن التنزيل، وكانت تعتبر الحاكم من نسل الآلهة ويحكم بأمره، فالحاكم ليس له موقع تشريعي ولا يستمد السلطة من الإرادة الإلهية، بل من التفويض القيادي السياسي كخليفة لأول قائد للدولة الإسلامية الذي هو النبي صلى الله عليه وسلم، بصفته السياسية وليس التشريعية.
لذا فليس في الإسلام تحديد للحاكم بأنه محصور بالفقيه ولا وليه، بل أيٌّ ممن يختارهم المسلمون من بينهم، فقد انقضت الخلافة التشريعية بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا نبي بعده، وبقيت الخلافة السياسية.
5 – وبما أن طاعة ولي الأمر معطوفة على طاعة الرسول، فهي طاعة مستمدة منها وليست أصيلة بذاتها، بمعنى أنه تكون واجبة إن كان ولي الأمر مطيعا للرسول متبعا لنهجه، ومطبقا تماما للشريعة التي جاء بها، كشرط أول.
6- والشرط الثاني أن يكون (منكم)، أي من بينكم كمسلمين وباختياركم الحر، وليس مفروضا عليكم من جهة أخرى خارج إطار المرجعية الوحيدة، ألا وهي طاعة الله ورسوله، أي دولة إسلامية تطبق منهج الله.
رغم أن النص التشريعي القرآني مقدم على أي مصدر تشريعي سواه، لكن ظهر لدينا من فقهاء الحكم العضوض من استدل بحديث “ولو جلد ظهرك” على وجوب طاعة ولي الأمر المستولي على السلطة جبريا طاعة مطلقة، مع أننا رأينا كم يتعارض ذلك مع التشريع القرآني الآنف توضيحه.
استمرت هذه الظاهرة من خلال جماعات تدعي أمها تتبع السلف الصالح، ظهرت في العصر الحديث برعاية من أعداء الإسلام، بقصد إضفاء الشرعية على حكام أقاموهم في بلاد الإسلام وأرض النبوة من أجل خدمة مصالحهم، ومنع توحد الأمة من جديد.
هؤلاء الجماعات التي تدعي أنهم يجاهدون في السنن، يجدر بهم أن يتبعوا كتاب الله أولا.
ثم أليس أبو بكر شيخ السلف الصالح وأميرهم، فلم لا يتبعوا منهجه؟.
أم يعتبرونه أقل فهما لمنهج الخلافة من شيوخ السلاطين حينما قال: “أَطِيعُوني ما أَطَعْتُ اللَّهَ ورسولَه فإِذا عَصَيْت اللَّهَ ورسولَه فلا طاعةَ لي عليكم”!؟.

مقالات ذات صلة خواطر رمضانية 2025/03/12

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: هاشم غرايبه طاعة الله ولی الأمر من طاعة

إقرأ أيضاً:

عقلنة اللامعقول

تتميز السلطة بكونها الفاعل الرئيس في حياة البشر منذ القدم، فصاحب السلطة يملي آراءه بما يخدم سلطته وبقاءها بالقوة لا بالإقناع، سواء أكان على المستوى الأصغر كالعائلة أو البيت، أم على المستوى الأكبر، القبيلة، فالدولة، فالإقليم، فالعالم. ومنذ البدء، كان واضحا بأن القوة المطلقة تفضي إلى الديكتاتورية الوحشية التي تُبيد وتجعل الخاضع للسيطرة جزءا وظيفيا يؤدي منفعته لصاحب السلطة والقوة فحسب، سواء أكان على المدى القصير أم الطويل. عانى العالم من الويلات منذ سنين طويلة، وبينما كان القادة يتصالحون بعد الحروب المدمرة، كانت الشعوب تتجرع الأذى والحسرات حتى بعد الصلح العلني وتوقف آلة القتل والتدمير وشرعنتها. وبعد قرون من التطاحن والقتل وأنهار الدم الجارفة، ابتكر الشر حيلة أفضل، فلماذا نقاتل بني جلدتنا؟ لماذا نقتتل بيننا؟، فنشأت التحالفات التي تقصر الإنسانية والحقوق في جنس دون الآخر، وفي عِرق بعينه، وفي شعب دون غيره.

هنا تطور الأمر وانتقل إلى مرحلة جديدة من الشر، فبدلا من أن يكون القتل موجها لأي جهة تُعادي الكيان الداخلي، صار موجها لصنع عدو خارجي يتم قتله بضمير مرتاح وبدون مسؤولية أخلاقية أو مجرد همس من الضمير، فضلا عن المراجعات المصيرية للمرء ذاته، ومساءلته لنفسه. وبعدما كان الإنسان كُلًّا واحدًا، أنشأ الغيتوهات، وهي مناطق معزولة لفئة من المجتمع يعتبرهم الناس منبوذين وغير مرغوب بهم، وارتبط هذا الاسم باليهود في أوروبا قديما؛ حيث كانوا يعيشون في مناطق كهذه بعيدا عن بيئة المجتمع وعن الاختلاط به. ثم تحول الأمر إلى تصدير فكرة الغيتوهات من المجتمع الصغير، إلى مناطق أو دول بعينها باعتبارها الغيتو الذي يمكن فيه ممارسة كل شيء بحرية وبدون حساب أو عقاب. فلك أن تقتل أحدا من الغيتو، ولن تتم مساءلتك، ولكن أن تسرق أو ترتكب أي شر بحق أحد من تلك الغيتوهات وتكون آمنا من الحساب أو المسؤولية. وهنا تحديدا، أنشئت الغيتوهات الكبرى، وهي البؤر الاستيطانية.

كان لأصحاب القوة أن يحتلوا مدنا أو دولا وأقاليم بفضل قوتهم وحدها لا لشرعية استقوها من دفع للظلم أو دفاع عن الأرض والعرض. وكان هذا الأمر يسمى استعمارا، وهو أن يتم احتلال أرض ما بهدف نهب ثرواتها، واستغلال أهلها باعتبارهم أياديَ بشرية عاملة ومنتجة، ولبسط النفوذ السياسي والهيمنة العسكرية على المنطقة المستعمرة ذاتها -كالعراق- أو لأهميتها وتأثير استعمارها لا على البلد المُستَعمر وحده؛ بل على الإقليم المحيط به، لتأثيره السياسي والاقتصادي وثقله الجغرافي -كاستعمار مصر قديما- أو لأجل كل ما سبق وأكثر باعتبار ذلك البلد كالكنز الذي لا يحتوي على ما يريده المستعمر ويحتاجه فحسب، بل يتجاوزه إلى مكاسب لا نهائية تؤثر على العالم أجمع كاستعمار الهند من قبل بريطانيا.

انتهت هذه الحقبة الكريهة والمنتنة من تاريخ البشرية، وكانت الأعناق تشرئب لأن يلقى الإنسان أخيرا حريته في وطنه ويبني وطنه بعيدا عن التدخل في شؤون غيره أو أطماعه فيما عند ذلك الآخر، ولكن واقع الحال أنتج ظلما أشد جورا وشرا، فجاءت فكرة الجيوب الاستيطانية الخبيثة. تعد الأمريكيتان الأنموذج الأول للاستيطان بمعناه الخبيث؛ أي بمعنى إحلال أو إبادة شعب مكان آخر. أعجب الأمر الأوروبيين الذين أبادوا أكثر من 90% من السكان الأصليين وفقا لبعض المصادر، فاستنسخوا التجربة في كندا، وجنوب إفريقيا وأستراليا ونيوزيلندا مرورا بالجزائر التي تحررت في عهد قريب، وبعد أكثر من مائة وثلاثين عاما تحت نير الاحتلال والاستيطان الجزئي الفرنسي لها، ومن أشهر مواليد تلك المستوطنات هو الأديب الفرنسي ألبير كامو، الذي لم يكن من الغريب تأليفه لروايته الأشهر «الغريب» بعد تلك التجربة الاستيطانية التي وسمت هويته وذاته للأبد.

في هذا السياق ذاته، لم يكتف الأوروبيون بقرون من الاستيطان والإبادة؛ فكانت خاتمة مستوطناتهم أشدها فتكا ووحشية، وهي الكيان الصهيوني. ولماذا لا نقول الكيان الإسرائيلي أو اليهودي؟؛ لأنه وببساطة شديدة جاءت هذه المستوطنات نتيجة للحركة الصهيونية ذات الأيديولوجيا السياسية، ثم تم استعمال اليهود لتبريرها، ومن ثم «إسرائيل» لإذابة المكونات المختلفة التي لم تعد تقتصر على السكان اليهود. إن قراءة التاريخ الطويل من القتل المتعمد والاستعمار وإبادة الشعوب الأصلية واستيطان مواطنها الهانئة قبل المقدم المشؤوم للمحتل، يجعلنا ندرك المنطلقات الفكرية والسياسية والهوياتية التي تشرعن ما يفعله الصهاينة في فلسطين المحتلة. ولأن حرب الإبادة الأخيرة على غزة وكل أشكال الحياة فيها كان شيئا مختلفا وصادما هز الوعي الأوروبي الحديث الذي اعتاد سماع الخطابات الكولونيالية التي تبرر «تمدين الآخر» و«نشر الديمقراطية والحرية والمساواة»، بسبب وسائل الإعلام الحرة ووسائل التواصل الاجتماعي التي أفلتت سلطة أي وسيلة إعلام عليها أو على احتكارها لرواية «الحقيقة» و«الواقع»؛ لأجل هذا كله ليس مستغربا أن يقدم الكيان الصهيوني على قصف خيمة الصحفيين واغتيال صوت الحقيقة قبل أربعة أيام. فليس أنس الشريف ومحمد قريقع وزملاؤهما من الصحفيين الذين تخطى عددهم المائتي شهيد، ليسوا هم المقصودين لذواتهم؛ بل لما يمثله صوته من مساءلة السائد في الوعي الغربي تجاه الشعوب «المتخلفة والإرهابية» التي اكتشف بغتة أنها شعوب أصيلة تدافع عن أرضها وعرضها، وأن الذي يسمهم بالإرهاب هو ذاته أُسُّ الإرهاب ومنبعه. إن العالم مقبل على تغيير شامل لا محالة، فهزات الوعي الجمعي لا تلبث أن تتحول إلى ردة فعل على أرض الواقع، فكيف سيتصرف من بيدهم زمام التغيير في قادم الوقت؟ أم أننا سنترقب التسونامي العالمي بمراكب خشبية تستجدي رحمة الموج؟

مقالات مشابهة

  •  محافظ إب يتفقد سير العمل في توسعة ساحة الرسول الأعظم
  • عقلنة اللامعقول
  • الضرائب والمياه في البيضاء تحتفيان بذكرى المولد النبوي الشريف
  • فعالية ثقافية للإرشاد والمؤسسة الاقتصادية في حجة بذكرى المولد النبوي
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: حوارات
  • تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي الشريف في الضالع
  • عدد من المكاتب الخدمية في البيضاء تحتفي بذكرى المولد النبوي الشريف
  • حكم طاعة الوالدين في الأمر بطلاق الزوجة.. الإفتاء تجيب
  • قطاع التربية والبحث العلمي ومحو الأمية والتعليم الفني في البيضاء يحتفلان بذكرى المولد النبوي
  • وزير الشؤون الإسلامية يوجه بتخصيص خطبة الجمعة للحديث عن حق الوالدين ووجوب برهما