#خواطر_رمضانية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية 59 من سورة النساء: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ..”.
إن التشريع القرآني قد أغفل قصدا توصيف طبيعة نظام الحكم المقبول شرعيا، لأن الله يعلم أن متغيرات العلاقات البشرية وتطورات مفاهيم البشر ستحدث أنماطا للحكم جديدة قد تلبي متطلبات الحكم الرشيد، لذلك ترك التفاصيل المتغيرة حسب الظرف الزماني والمكاني، لكنه لم يغفل المبدأ السليم الذي بموجبه يتم تداول السلطة.
هذه الآية الكريمة تشكل دستورا ربانيا تحدد مرتكزات النظام السياسي في الدولة الإسلامية، ومنها تستمد السلطة الحاكمة شرعيتها، لذلك لا يجب أن نمر عليها مرورا عابرا بل نتأمل في كل الجزئيات، ونفهم مرادات الشارع الحكيم، في هذه الصياغة اللغوية الجامعة.
1 – بداية يجب التنبه الى أن الخطاب موجه للمؤمنين، أي مواطني الدولة الإسلامية كافة، وذلك يعني أن ما سيرد بعده هو أمر واجب التنفيذ يشمل كل فئات المجتمع الإسلامي حكاما وفقهاء ومحكومين.
2- أول ما يستوقفنا هو تكرار لفظة (أطيعوا)، لبيان الأمر بطاعة الله والرسول، وإذا ما علمنا أن الله لا يكرر كلمة واحدة في القرآن لضرورات الإختصار البلاغي، إن لم يكن لهذا التكرار معنى أراده تعالى، فلماذا لم تأت الصياغة بشكل: (أطيعوا الله والرسول)؟، طالما أن طاعة الرسول هي من طاعة الله ” مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ” [النساء:80].
إن طاعة الله أمر مقطوع به، فهو الإله المعبود والرب المتصرف بكل أحوال البشر، ولا اختيار للمخلوق بين طاعته وعصيانه بعد إذ هو في قبضته.
لكن طاعة الرسول متأتية من عنصرين: الأول أنها في الجانب التشريعي جزء من طاعة الله، وفي الجانب الآخر كقائد سياسي للأمة المسلمة.
3 – هنا نفهم لماذا لم تكرر (وأطيعوا) قبل (أولي الأمر)، فطاعة ولي الأمر عطفت على طاعة الرسول لأنها ليست كالطاعتين السابقتين، بل هي جزء من طاعة الرسول كقائد سياسي كون الحاكم خليفة له ، لكن ليست من طاعة الرسول التشريعية.
4 – وهذا هو الدليل القاطع على أن الدولة الإسلامية ليست دولة دينية، وبخلاف كل الامبراطوريات التي كانت معروفة زمن التنزيل، وكانت تعتبر الحاكم من نسل الآلهة ويحكم بأمره، فالحاكم ليس له موقع تشريعي ولا يستمد السلطة من الإرادة الإلهية، بل من التفويض القيادي السياسي كخليفة لأول قائد للدولة الإسلامية الذي هو النبي صلى الله عليه وسلم، بصفته السياسية وليس التشريعية.
لذا فليس في الإسلام تحديد للحاكم بأنه محصور بالفقيه ولا وليه، بل أيٌّ ممن يختارهم المسلمون من بينهم، فقد انقضت الخلافة التشريعية بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا نبي بعده، وبقيت الخلافة السياسية.
5 – وبما أن طاعة ولي الأمر معطوفة على طاعة الرسول، فهي طاعة مستمدة منها وليست أصيلة بذاتها، بمعنى أنه تكون واجبة إن كان ولي الأمر مطيعا للرسول متبعا لنهجه، ومطبقا تماما للشريعة التي جاء بها، كشرط أول.
6- والشرط الثاني أن يكون (منكم)، أي من بينكم كمسلمين وباختياركم الحر، وليس مفروضا عليكم من جهة أخرى خارج إطار المرجعية الوحيدة، ألا وهي طاعة الله ورسوله، أي دولة إسلامية تطبق منهج الله.
رغم أن النص التشريعي القرآني مقدم على أي مصدر تشريعي سواه، لكن ظهر لدينا من فقهاء الحكم العضوض من استدل بحديث “ولو جلد ظهرك” على وجوب طاعة ولي الأمر المستولي على السلطة جبريا طاعة مطلقة، مع أننا رأينا كم يتعارض ذلك مع التشريع القرآني الآنف توضيحه.
استمرت هذه الظاهرة من خلال جماعات تدعي أمها تتبع السلف الصالح، ظهرت في العصر الحديث برعاية من أعداء الإسلام، بقصد إضفاء الشرعية على حكام أقاموهم في بلاد الإسلام وأرض النبوة من أجل خدمة مصالحهم، ومنع توحد الأمة من جديد.
هؤلاء الجماعات التي تدعي أنهم يجاهدون في السنن، يجدر بهم أن يتبعوا كتاب الله أولا.
ثم أليس أبو بكر شيخ السلف الصالح وأميرهم، فلم لا يتبعوا منهجه؟.
أم يعتبرونه أقل فهما لمنهج الخلافة من شيوخ السلاطين حينما قال: “أَطِيعُوني ما أَطَعْتُ اللَّهَ ورسولَه فإِذا عَصَيْت اللَّهَ ورسولَه فلا طاعةَ لي عليكم”!؟. مقالات ذات صلة خواطر رمضانية 2025/03/12
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: هاشم غرايبه طاعة الله ولی الأمر من طاعة
إقرأ أيضاً:
هيئة مكافحة الفساد: الانقسامات ليست ذريعة والتحديات لن توقف العمل
مستشار هيئة مكافحة الفساد: تراجع ليبيا بالمؤشرات الدولية سببه التعدّي على الصلاحيات لا غياب الجهود
ليبيا – تحدّث مستشار الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد جمال عبد الحكيم عن واقع مكافحة الفساد والدور الذي تضطلع به الهيئة في ظل تصاعد معدلات الفساد وتراجع ليبيا في المؤشرات الدولية، موضحًا أن هذا التراجع يعود إلى جملة من الظروف، من بينها التعدّي على الصلاحيات، خاصة في الجانب الدولي، إلى جانب تغوّل صلاحيات بعض المؤسسات على الاختصاصات الدولية للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
اتفاقية الأمم المتحدة ورمزية الاحتفال
وخلال مشاركته في برنامج “حوارية الليلة” الذي يُبث على قناة “ليبيا الأحرار” من تركيا وتابعته صحيفة المرصد، شدد عبد الحكيم على أن ليبيا كانت من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، مشيرًا إلى أن الاحتفالية التي نظمتها الهيئة بهذه المناسبة جاءت بشكل غير تقليدي، بعيدًا عن مظاهر الترف والاحتفالات الشكلية، إذ تمثلت في اختتام ورشة عمل حول معايير الشفافية في المنافذ البحرية، في خطوة تحمل دلالة واضحة على محاربة الفساد.
تصاعد غير عادي لشبهات الفساد
وأشار عبد الحكيم إلى أن المصطلحات المرتبطة بالفساد داخل المؤسسات باتت متفاوتة، وأن وتيرة شبهات وجرائم الفساد تشهد تصاعدًا غير عادي، ما يعكس تعقّد المشهد المؤسسي والرقابي.
استمرار عمل لجان المتابعة رغم الصعوبات
وأكد أنه رغم الظروف الصعبة والحرجة التي تواجه الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، فإن لجان المتابعة، سواء المعنية بالقطاع المالي أو بالقطاعين العام والخاص، إضافة إلى الإدارة العامة لاسترداد الأموال، تواصل عملها بمهنية عالية رغم كل التحديات.
تآكل استحقاقات ليبيا الدولية
وأوضح أن استحقاقات الدولة الليبية المرتبطة باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بدأت تتلاشى نتيجة التعدّي على هذه الصلاحيات، لافتًا إلى أن فريق العمل الحكومي المكلف بتنفيذ الاتفاقية، والذي كان يضم المؤسسات الرقابية ووزارة الخارجية، تم التعدّي على كامل اختصاصاته خلال السنتين الماضيتين.
إحالة النتائج للجهات المختصة
وبيّن عبد الحكيم أن الهيئة منحت لجان المتابعة الإذن بمواصلة أعمالها داخل بعض المؤسسات رغم الظروف الحرجة، مشيرًا إلى أن هذه اللجان والإدارات المختصة تواصل عملها وتحيل نتائجها إلى الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
تحديات لوجستية وإصرار على الاستمرار
وقال إن الصعوبات الكبيرة، لا سيما اللوجستية ونقص الكوادر، لم تمنع الهيئة من الوصول إلى العديد من الملفات المتعلقة بشبهات وجرائم الفساد في مختلف المجالات، مؤكدًا أن الانقسامات والتعدّي على الاختصاصات ليست ذريعة للتقاعس، وأن الهيئة عازمة على مواصلة عملها والمضي قدمًا رغم كل الظروف.