سؤال الساعة السودانية لا يتعلق بإطفاء نار الحرب إنما حول المعافاة من جراحها. ألسنة الحرائق لن تسكت -تلك ليست هي القضية- إذ يعايشها الشعب طويلا. لكنّما الخروج من تحت الأنقاض يشكّلُ مهمةً عسيرة. في أفضل التصورات تفاؤلا ؛الدولة تعبر من حرب شرسةٍ فُرضت على الشعب قسرا إلى حروب أشد ضراوةً في ميادين متعددة .
*****
دخول الجيش وحلفائه قصر الرئاسة يشكل بغض النظر عن حجم كلفته فاصلا عسكريا في مسار الحرب لكنه لا يعني نهاية الكارثة الوطنية. تضخيم دلالاته السياسية محاججةٌ إعلامية لا تصمد أمام المنطق. فالقصر ظل في قبضة الميليشيا منذ بداية الحرب لكنه لم يكسِبها شرعيةً أو يضيف إليها ثقلا سياسيا، إبان الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية تتعرض قصور الرئاسة إلى الهجوم والاحتلال من أجل كسر شوكة الأنظمة وتهشيم هيبة السلطة أولاً قبل تكريس سلطان القوى المضادة .فقصور الرئاسة هي عُشُ السلطة أو وَكرُها -حسب طهر النظام أو ظلمه - جماهير الثورات الشعبية عندما تزحف نحو مقار الرئاسة انما تستهدف اقتلاع رأس النظام دون المساس بالسيادة الوطنية.
*****
هناك مقار المساس بها -دع الاعتداء عليها-يشكل تعديا جارحًا على السيادة والكرامة الوطنية. من ذلك السيطرة على مقر الاذاعة المسموعة والمرئية. منذ بداية الحرب شهدنا كيف قطعت الميليشيا لسان النظام الانقلابي حينما استولت على مقر الإذاعة والتلفزيون. هكذا تحولت الدولة إلى كائنٍ أخرس غير قادر على بث أحاديث رأس النظام ومعاونيه بل فقد لسان الدولة الرسمي القدرة على النطق بحال سيدته. هذه جريمةٌ لم تكن اعتداءً على السيادة أو الكرامة بل بلغت حد الإهانة في حق الأمة . مع ذلك لم تحفل الأصوات المهلّلة بانتصار القصر كما باسترداد مقر الإذاعة!كلاهما طللٌ على طلل.
*****
إبان الحرب الأهلية اللبنانية تعرض قصر بعبدا -مقر رئيس الجمهورية- للقصف مرات عدة. سليمان فرنجية اضطر لاخلائه بعد تدمير أجزاء منه .إلياس سركيس شيّد ملجأ تحت الأرض غير أن القصر تعرض لتدمير كبير في حرب عون مع الجيش السوري فأعاد الهراوي ترميمه مجدا. السيادة اللبنانية تأثرت بقوى ناعمة أكثر مما بأضرار القصف على قصر الرئاسة. علي عبدالله صالح خرج بمقر الرئاسة اليمنية من زحام صنعاء إلى سفح (النهدين) هربًا من تهديدات محتملة حيث ابتنى مجمعاً حصينًا في العام ١٩٨٨. مع ذلك استهدفته ميليشيا الحوثيين وكبار معاونيه عبر تفجير داخل مسجد المجمع في ٢٠١١. ثم أحكمت الميليشيا قبضتها على المجمع في العام ٢٠١٥ في معركتها مع عبد ربه منصور. ذلك وهذا ضمن فصول الصراع على السلطة في اليمن ،ليس على السيادة. حتى عند ما قصفت طائرات اميركية مجمعا سكنيا لمعمر القذافي في إبريل ١٩٨٦ لعل تلك الغارة الجوية جاءت حملة تأديبية للزعيم الليبي دونما استهداف السيادة الليبية.فالغارة جاءت ثأرا لأميركيين قتلوا في ملهىً ليلي ببرلين .
*****
مرحلة إعادة البناء والإعمار عقب سكون هذه الحرب المدمرة تعيد حتما فساد الانقاذ لا محالة . هذه بيئة الوالغين في المال العام . على نحو أشد شراسة تتناسل عصابات احتكار السلع الأساسية ، المتاجرين بالغذاء والدواء ، زبانية السوق السوداء وسوق المناولة ،السوق الموازية وسوق السلاح ،وسوق البشر .كما ينشط رجال الأعمال المتنفذون،رجال الدين ووجهاء العشائر.كذلك يبرز هذه المرة المتكسبون بالابتزاز السياسي والمال السياسي. لكن أخطر من أؤلئك قادة الميليشيات أدعياء أبوة (النصر ) فهولاء حذقوا مهارات الاستثمار في أزمات الشعب.هؤلاء هم أثرياء الحرب ورثة (التحالف التقليدي بين السوق والأمن) هؤلاء ميليشيات مرحلة الانتقال المأمولة.
*****
السودان ليس استثناء في هجرة أوتهجير رؤوس المال. لدينا نخب عشوائية غارقة في فساد الاستثمارات من وراء الشعب ذهبت برساميلها إلي الخارج . هناك أسماء معروفة متداولة في بورصة الفساد .لكن يوجد آلاف المنتفعين بهذا الفساد المحموم خارج شبكات الرصد الرسمي والشعبي. لا سارق أو مهرب متهرب من الحساب يحاول استعادة ما نهبه للاستثمار في الداخل مجددا. لذلك كما خسرنا ثروات من قبل سنكسب أثرياء جدد. هؤلاء لن يهددوا فقط عملية النهوض من تحت الأنقاض بل ربما السيادة الوطنية كذلك . العام يشهد موجة محاكاة لدول أمست ملاذات آمنة لرؤوس الأموال الواجفة الهاربة من أوطانها.
نقلا عن العربي الجديد
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
ماكرون يعلّق على صفعة بريجيت وزاخاروفا تدخل على الخط
في أول تعليق على "الصفعة الزوجية" التي تلقاها، قلّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أهمية ما جرى بينه وبين زوجته بريجيت لحظة نزولهما من الطائرة في مطار العاصمة الفيتنامية هانوي خلال زيارته الرسمية لجنوب شرق آسيا.
وقال ماكرون، "كنا نمزح… نتشاجر ونمزح، ثم يتحوّل كل شيء إلى كارثة عالمية. الفيديو صحيح، لكنه يُستخدم لنشر الكثير من الهراء. لا يوجد أي خلاف، ولا شيء يُقلق".
وأضاف الرئيس بنبرة ساخرة، "يقضي بعض الناس وقتا طويلا في تفسير مقاطع فيديو لا تعني شيئا. خلال الأسابيع الأخيرة، قيل إنني أتناول الكوكايين، ثم خضت شجارا مع الرئيس التركي، والآن أتشاجر مع زوجتي. كل هذا غير صحيح".
وأردف: "نحن بحاجة إلى علاقة صحية مع المعلومات، لأن غيابها سيبقي هذا العبث مستمرا".
"C'est une chamaillerie": Emmanuel Macron réagit à l'image où l'on voit Brigitte Macron lui donner un coup au visage à la descente de leur avion au Vietnam pic.twitter.com/gAXl1v5MV1
— BFMTV (@BFMTV) May 26, 2025
قصر الإليزيه: "لحظة ودية"وكانت الرئاسة الفرنسية أصدرت بيانا أكدت فيه صحة الفيديو، لكنها أوضحت أن ما حدث لم يكن إلا لحظة "عفوية وودية"، مشيرة إلى أن العلاقة بين ماكرون وزوجته تتسم بالقوة والتفاهم، ونفت وجود أي خلاف بين الطرفين.
إعلانوكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد ضجّت بالمقطع الذي يُظهر بريجيت ماكرون وهي تلمس وجه زوجها بطريقة بدت وكأنها صفعة خفيفة، بينما بدا ماكرون متفاجئا للحظة، قبل أن يتحول سريعا إلى أداء التحية الرسمية.
مشهد متداول للرئيس الفرنسي ماكرون يتلقى صفعة من زوجته على متن طائرة بعد وصولهما إلى فيتنام pic.twitter.com/oQZtDeNlny
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) May 26, 2025
الإعلام الروسي يسخروأثار المقطع اهتمام الإعلام الروسي أيضا؛ فقد نشرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا منشورا ساخرا عبر "تليغرام"، قالت فيه "ربما أرادت السيدة الأولى إصلاح ياقة قميصه، فوصلت يدها إلى وجهه! أو أرادت أن ترفع معنوياته بلمسة حنان، فبالغت قليلا؟".
وختمت بسخرية: "ربما كانت يد الكرملين!".
ردود الفعلوفي فرنسا، انقسمت آراء الجمهور بين من رأى في الحادثة تعبيرا عن توتر داخلي بين الزوجين، وبين من اعتبرها لحظة طبيعية لا تستحق كل هذا التهويل. وذهبت بعض المنصات الإعلامية إلى انتقاد تعامل الإليزيه الأولي مع المقطع، خاصة أنه تم التشكيك في صحته بادعاء استخدام الذكاء الاصطناعي، قبل أن تعود الرئاسة وتؤكد أنه "موقف بسيط تم تضخيمه".
وتعد زيارة رسمية لماكرون إلى فيتنام الأولى لرئيس فرنسي منذ ما يقرب من عقد. وقد أسفرت الزيارة عن توقيع اتفاقيات إستراتيجية بقيمة 9 مليارات يورو، شملت شراء 20 طائرة من طراز "إيرباص"، ومشاريع للتعاون في مجالات الطاقة النووية والدفاع والنقل، واتفاقيات لتطوير البنية التحتية والأقمار الصناعية واللقاحات.
وتأتي هذه الاتفاقيات في وقت يشهد اضطرابات اقتصادية وتجارية عالمية، في ظل تصاعد التوترات بين أوروبا وشركائها التجاريين، ما يمنح الزيارة أهمية دبلوماسية واقتصادية كبيرة.