دونير كباب.. وجبة اخترعها المهاجرون الأتراك وعشقها الألمان
تاريخ النشر: 9th, April 2025 GMT
يحرص كان كينيدي -وهو من الشخصيات المؤثرة على المنصات الإلكترونية- أن تكون تقييماته لمستوى الجودة بمحلات الكباب على منصة "تيك توك" موجزة ولطيفة.
وعلى سبيل المثل يقول إن "الخبز أكثر من رائع، والشطيرة ممتلئة باللحم، والصلصلة جيدة بشكل مذهل".
ولأكثر من عام كان كينيدي الذي يبلغ من العمر 42 عاما، يشق طريقه بين متاجر بيع الكباب ببرلين، التي تعرف باسم أكشاك "دونير" متذوقا ما تقدمه من وجبات، غير أنه لا يجرب وجبات جميع المحلات على إطلاقها.
ويقول كينيدي "إنني أجرب وجبات الكباب في المحلات الموجودة، بالقرب من محطات مترو الأنفاق أو بداخلها في مختلف أنحاء برلين"، كما يبث هذا الرجل الذي يمكن إطلاق وصف "ناقد الكباب" عليه، مقاطع الفيديو التي يصورها على منصات أخرى مثل "يوتيوب".
وتستضيف المنصات الإلكترونية عددا هائلا من "نقاد الأطعمة" الذين يقيّمون جودتها، وبعضهم يحظى بعدد كبير من المتابعين، ويتنقل كثيرون منهم عبر ألمانيا بحثا عن أفضل وجبات الكباب.
ويضيف كينيدي -وهذا ليس اسمه الحقيقي- "يتوجه كثيرون منهم دائما، إلى نفس المحلات التي تنال الشهرة".
والمهمة التي يقوم بها ليست سهلة، ذلك لأنه يوجد بشبكة مترو أنفاق برلين 175 محطة.
إعلانووجبة "دونير كباب" التي تعرف بالعربية باسم الشاورما هي طبق تركي الأصل، تعد من لحم يطهى على عمود أفقي دائري توقد النار خلفه، ويستخدم الطاهي سكينا لقطع شرائح رفيعة من الطبقة الخارجية الناضجة من كتلة اللحم.
والشطيرة الحديثة المتطورة من هذا الطبق من الكباب، أدخلها المهاجرون الأتراك في برلين الغربية، في السبعينيات من القرن الـ20 قبل توحيد الألمانيتين وأسهموا في انتشارها.
وتقدم شطيرة شرائح اللحم في هذه الوجبة عادة، مع سلطة الخضراوات وأنواع مختلفة من الصوص.
وتعد متاجر بيع شطائر "دونير كباب" نشاطا عائليا، وفي هذا الصدد يقول كينيدي "إن هذه الوجبات تباع ممزوجة بكثير من الشغف".
ومن ناحية أخرى تشمل تقييمات كينيدي بالإضافة إلى مذاق الأطعمة وجودتها، الجو العام المحيط بالمكان والود الذي يبديه العاملون، وفي كثير من الأحيان تعمل المتاجر التي يديرها أصحابها بشكل أفضل بكثير من المحلات التي يديرها موظفون.
ويوضح كينيدي أن هذه المحلات "هي نشاط عائلي، حيث تقوم الأم أحيانا بالخبز في خلفية المتجر بينما يساعد الابن في إعداد الوجبات، الأمر الذي يضفي جوا من الشغف والحب على العمل، بشكل يستطيع الزبون أن يتذوقه في الطعام المقدم إليه".
ويمكن أن يكون لتدوينات ومقاطع الفيديو، التي يبثها المؤثرون الذين يقيّمون جودة الأطعمة تأثير هائل، وفقا لما يقوله ميشائيل كوريات وهو صاحب مطعم وخبير في التسويق ومنصات التواصل الاجتماعي، ويضيف أن "أعداد المتابعين في حد ذاتها ليست لها أهمية حقيقية، غير أنه إذا تم تحديد متجر معين للكباب على أنه جيد وتمت مشاركة التدوينة بخصوصه، فيمكن أن يحقق ذلك شهرة هائلة له".
وبالنسبة للجيل "زد" الذي ولد بعد عام 1995، تعد منصة "تيك توك" في الغالب أكثر المصادر أهمية للحصول على المعلومات الخاصة بالمطاعم والحانات التي تقدم الأطعمة الخفيفة، وفي هذا الصدد يقول كوريات "لم يعد أفراد هذا الجيل يستخدمون محرك البحث غوغل".
إعلانويضيف: إنهم يبحثون عن المتاجر على منصة "تيك توك"، ويشاهدون آراء الآخرين حول أدائها وجودتها، ثم يقررون وفقا لذلك ما إذا كانوا سيتوجهون إليها أم لا.
بينما يقول كينيدي إنه جرب تسويق أطعمة أخرى على منصات التواصل الاجتماعي، مثل عروض الوجبات أثناء مباريات فريق هيرتا برلين لكرة القدم في الملعب الأولمبي بالعاصمة، أو في معرض تجاري لأطعمة نباتية، غير أنه لم تولد هذه المحاولات نفس رد الفعل الذي أحدثته تقييمات الكباب التي يبثها.
ويؤكد كنيدي أن "الكباب عبارة عن طعام بسيط، وكل شخص له رأي خاص به تجاهه" والناس يتناولون الكثير من الكباب، وأعتقد أن هناك كثيرون يتذوقونه ويقبلون عليه".
ومن جهة أخرى يؤكد محمد جام المتحدث باسم رابطة منتجي الـ"دونير" التركي في أوروبا، أن الـ"دونير كباب" الذي تم اختراعه في برلين لم يعد مجرد وجبة من الأطعمة السريعة، فقد "تطور وأصبح الآن يقدم في فندق أدلون الشهير".
وتشير تقديرات الرابطة إلى أنه يتم حاليا إنتاج نحو 400 طن من الكباب يوميا في مختلف أنحاء أوروبا، وأن قرابة 60 ألف شخص يعملون في هذا النشاط التجاري، وتولد صناعة الكباب في ألمانيا إيرادات سنوية تقدر بحوالي 2.4 مليار يورو (2.5 مليار دولار)، ونحو 3.5 مليارات يورو في أوروبا.
كما تشير البيانات المتاحة على بوابة "ستاتيستا"، إلى أن برلين تحتل المرتبة الأولى في قائمة المدن الألمانية الكبرى المستهلكة للكباب، وكان يوجد في عام 2022 قرابة 18 متجرا لبيع الكباب لكل 100 ألف من سكان برلين، وتأتي مدينة درسدن في المرتبة الثانية بوجود 17 متجرا لكل 100 ألف من سكانها، تليها مدينة نورمبرغ في المرتبة الثالثة بوجود 16 متجرا لكل 100 ألف من سكانها.
إعلانوقرر ناقد الأطعمة كينيدي أن يجري اختبارات لمحلات الكباب، في مدن ألمانية أخرى بخلاف برلين مستقبلا، غير أنه يتعين عليه أولا أن يكمل اختباراته للمحلات الكائنة في محطات مترو الأنفاق ببرلين، حيث إنه لم يستكمل بعد بعض المتاجر في الخطوط التسعة للمترو.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات لکل 100 ألف من غیر أنه فی هذا
إقرأ أيضاً:
خاص | كواليس حل حزب العمال الكردستاني ودور القوميين الأتراك (شاهد)
قال رئيس المركز الدولي للعلاقات والدبلوماسية (MID)، جلال الدين دوران، إن قرار حل حزب العمال الكردستاني يمثل "حدثا مفاجئا وتحولا كبيرا في تاريخ الدولة التركية"، بعد أكثر من أربعة عقود من الصراع المسلح.
وأضاف دوران في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "هذه اللحظة التاريخية ما كانت لتتحقق لولا نضوج الظروف الداخلية والإقليمية، وتحوّل إدراك الأكراد نحو التعايش مع الدولة التركية بدل المواجهة".
وتوصل حزب العمال الكردستاني المدرج على قوائم الإرهاب في أنقرة، الاثنين، إلى قرار حل نفسه وإنهاء الصراع المسلح مع الدولة التركية، تاركا الباب مفتوحا أمام الأحزاب السياسية الكردية من أجل "تطوير الديمقراطية الكردية وضمان تشكيل أمة كردية ديمقراطية".
ويأتي الإعلان الذي وصف بالتاريخي عقب جهود قادها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحليفه زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي، لإنهاء ملف الصراع، ضمن مساعي أنقرة لتحقيق هدف "تركيا خالية من الإرهاب".
وأكد دوران أن الصفقة التي جرى التوصل إليها بين التنظيم المسلح والدولة التركية تمت برعاية استخباراتية، وبمشاركة أكاديميين وخبراء، وتضمنت بنودا دقيقة حول تسليم السلاح، وتسوية أوضاع المنتمين للحزب.
وأشار دوران إلى أن التحول السياسي تجاه الحل بدأ منذ أكثر من عام، وأن دخول القوميين، وخاصة حزب الحركة القومية، على خط هذا المشروع منح الدولة غطاءً سياسيًا مهمًا.
كما أوضح أن المعارضة التركية، باستثناء بعض الأصوات القومية المتشددة، أبدت تفهما واسعا للخطوة، التي من شأنها أن تُنهي واحدة من أطول حروب الداخل في تاريخ الجمهورية التركية.
وتاليا نص المقابلة الموسعة:
كيف تنظرون إلى قرار حل حزب العمال الكردستاني، وهل كان مفاجئا في السياق التركي؟
لا شك أن قرار حل حزب العمال الكردستاني يُعد تطورًا كبيرًا ومفاجئًا في السياق التركي، خاصة أنه يأتي بعد أكثر من أربعين عامًا من الصراع المسلح الذي كلّف الدولة والمجتمع كثيرًا من الدماء والموارد.
نحن لا نتحدث عن تنظيم محلي فقط، بل عن شبكة إقليمية امتدت إلى سوريا والعراق وإيران، وكان لها ذراع في أوروبا أيضًا. ذروة هذا الصراع كانت في التسعينات، حين واجهت الدولة عمليات دموية، وتم تهجير آلاف القرى، وإفراغ مناطق كاملة لأسباب أمنية.
نقطة التحول كانت عام 1999 مع اعتقال رئيس التنظيم عبد الله أوجلان، ومنذ تلك اللحظة بدأ التفكير بصيغ بديلة عن الحسم العسكري. لكن الظروف السياسية في تركيا آنذاك لم تكن تسمح بذلك: حكومات هشة، أزمات اقتصادية، وتدخلات عسكرية مستمرة. لذلك بقيت الفكرة في إطارها النظري.
مع صعود الرئيس أردوغان، بدأت معالم سياسة مختلفة تظهر. فقد اقترب من القضية الكردية من زاوية إنسانية إسلامية، لا قومية ولا أمنية فقط. وبدأت خطوات ملموسة نحو الاعتراف بالهوية واللغة، وإشراك الأكراد في الحياة السياسية. هذا ما مهّد الأرضية لما نعيشه اليوم.
كيف تطور التعامل مع القضية الكردية خلال فترة حكم أردوغان، خاصة بعد محاولة الانقلاب عام 2016؟
بين عامي 2008 و2013، أطلقت الدولة ما عُرف بـ"المسار الكردي"، حيث جرت لقاءات ومفاوضات مباشرة، حتى مع قيادات الحزب داخل السجون. وكان ذلك تطورا غير مسبوق في تاريخ الجمهورية. لكن الصدمة الكبرى جاءت حين اختار الحزب العودة إلى العنف داخل المدن، وهو ما شكل منعطفا خطيرا.
المواجهات التي شهدناها حينها في ديار بكر وماردين وشرناق وغيرها أعادت للأذهان مشاهد دمار شبيهة ببعض المناطق السورية. لكن الدولة استعادت السيطرة، والمجتمع التركي وقف ضد هذا المسار، وانهار المشروع السياسي حينها.
ثم جاءت محاولة الانقلاب في 15 تموز 2016، فأعادت ترتيب أولويات الدولة بشكل كامل. صار التهديد الأكبر داخليا وخارجيا، من تنظيم "غولن" أولا، ومن شبكات دولية تستثمر في الورقة الكردية. الولايات المتحدة، إسرائيل، وأحيانًا إيران، كلها استخدمت هذا الملف للضغط على تركيا.
في هذه المرحلة، تحول الصراع إلى ورقة إقليمية، ووجدت الدولة نفسها مضطرة للعودة إلى الخيارات الأمنية، فتقلص وجود الحزب، وتمت تصفية كثير من قياداته في الداخل.
إذا كانت المعالجة الأمنية حققت نتائج، لماذا تعود الدولة اليوم إلى المسار السياسي؟
هذا هو السؤال الجوهري. لماذا تُطرح الآن فكرة الحل السياسي؟ ومن أين جاءت هذه الموجة الجديدة من الحديث الإيجابي؟
اللافت أن المبادرة لم تأتِ من الإسلاميين أو الليبراليين، بل من القوميين أنفسهم، وتحديدًا من داخل حزب الحركة القومية، المعروف بتشدده تجاه القضية الكردية. وهذا بحد ذاته يُعتبر تحوّلًا استراتيجيًا عميقًا.
ببساطة، لا يمكن لأي حل أن يكون فاعلًا دون أن يشمل القوميين، لأنهم يمثلون جزءًا أصيلًا من البنية السياسية والاجتماعية. دخولهم في الخطاب السياسي الجديد أعطى المسار شرعية وغطاء مهمًا، وسمح بطرح حلول أكثر واقعية دون خوف من ردود الفعل.
هل تم تنسيق هذه المواقف بين الحركة القومية والرئيس أردوغان؟
نعم، ما جرى لم يكن مفاجئا لأهل القرار، بل كان نتيجة مشاورات وتفاهمات بدأت قبل التصريحات بخمسة أشهر على الأقل. شخصية مثل دولت بهتشلي، الزعيم التاريخي للحركة القومية، كانت لاعبًا محوريًا في هذا المسار.
رغم كل الانشقاقات التي عرفها الحزب، بقي متماسكًا، وتخلّص من التأثيرات المرتبطة بتنظيم غولن وبعض التوجهات الأوروبية. وهذا جعله أكثر استعدادًا للعب دور مسؤول في القضايا الوطنية الكبرى، وعلى رأسها ملف الأكراد.
كيف قرأت ردود فعل قيادة حزب العمال الكردستاني حين انطلقت المبادرة التركية؟
ردود الفعل كانت متباينة. الجناح العسكري في قنديل (جبال قنديل شمالي العراق الذي يتخذها التنظيم مقرا له) كان حذرا، وأرجأ موقفه إلى حين معرفة موقف عبد الله أوجلان، الذي لا يزال يُعتبر المرجعية العليا. في المقابل، الجناح الأوروبي أبدى مواقف أكثر استقلالًا، وقال إنه لا يتبع أوجلان، ما كشف عمق الانقسام داخل التنظيم.
الجناح الأوروبي اليوم في حالة عزلة، بعد أن تم ربطه بأجهزة استخباراتية غربية، وبعض عناصره كانوا على صلة بتنظيم غولن. أما القرار الفعلي، فقد عاد إلى قنديل، وهذا ما سهل التفاهم لاحقًا مع الدولة.
ما العوامل التي دفعت التنظيم إلى اتخاذ قرار الحل في هذا التوقيت تحديدا؟
العامل الأبرز هو غياب الحاضنة الدولية. لم يعد هناك من يرغب في دعم هذا النوع من التنظيمات. أمريكا لم تعد تكترث، العراق وسوريا لم يعودا ساحة آمنة، وإيران غارقة في أزماتها. حتى إسرائيل، رغم محاولاتها، لا تملك القدرة على ضمان دعم طويل الأمد.
في هذا السياق، أدرك الأكراد ـ خاصة في الداخل التركي ـ أن مستقبلهم الحقيقي لا يكمن في الصدام مع الدولة، بل في الشراكة معها. كما أن كثيرا من مطالبهم التي رُفعت سابقا تحققت بالفعل، بحسب اعتراف أوجلان نفسه.