إنّهما جبريل ومناوي، حينما فارقا الحياد وانخرطا في دعم حرب الحركة الإسلامية الهادفة لاستعادة السلطة، التي نزعها ثوار ديسمبر بمساندة قوات الدعم السريع، بعدما أعلنا ذلك في مؤتمر صحفي بعاصمة الحركة الطريدة بورتسودان، قلنا أن ذلك الموقف الذي اتخذاه قد مثّل أبهى صورة لتجليات العبودية، والارتزاق من دم الأقربين، وبذلك عكسا الوجه الأكثر بشاعةً للانتهازي المتملق القادم من دارفور، المستعد لمسح جوخ أحفاد الزبير باشا سمسار العبــيد، الذي خرق آذان اجدادهما ونظمها بحبل ممتد من دارفور وبحر الغزال، وصولاً لأسواق النخاسة والرق بمصر، فالحرب كشفت لإنسان دارفور حقيقة اخوانه الذين تاجروا به وبقضيته، وجعلوها كالبغي التي تدر على سيدها المال الحرام برمي نفسها في أحضان الرجال، لقد دهشت النساء ورهب الأطفال واحتار الشيوخ في مخيمات النزوح، وهم يشاهدون مناوي وجبريل اللذين وعداهم بجنة الأمن ونعيم الاستقرار، ينامان على حرير أسرّة فنادق بورتسودان – العاصمة المؤقتة لعصابة الإسلام السياسي، لقد فرز أهل دارفور "البيض" من "الحميض"، وادركوا أن (الحوامض) جميعها قد آثرت الارتماء في حضن محتقرها، وحزنت المخيمات لصمت الرجلين حيال ذبح من يحمل صبغة دارفور الوراثية بالمدن المركزية، وصدمت لتمسكهما بالكرسي بعد هول المجزرة التي ارتكبها طيران العدو بإبادة سكان قرية "طُرة" الواقعة شمال مدينة الفاشر، هكذا ختم أمراء الحرب مسيرة الارتزاق، وبلا شك سيلاحقون لما جلبوه من عار.
ما كان للدمار الذي حاق بسكان وبنيان مدينة الفاشر أن يحدث لو مكث الرجلان في حيادهما، وما جرى لقاطني فاشر السلطان من موت وجوع وعطش ونقص في الدواء والغذاء والكساء، يتحمل وزره جبريل ومناوي اللذين أرسلا شباب قبيلتهما لمحرقة الحرب، لجني ملايين الدولارات المصروفة لأجل رفاه الأقربين، لم يحدث أن عق ابن من أبناء الإقليم المنكوب أهله مثلما فعل المرتزقان، فأين هما من "دريج" الحاكم الأسبق للإقليم الذي بنى الطرق؟، فالآن، هل عرف أهل دارفور من هو البناء ومن ذلك النهّاب؟ ومن بني الطرقات ومن سرق المؤسسات (البعثة الأممية المشتركة)؟، وهل يسمح هذا الشعب البسيط بعودة الذين أحالوا دياره لمحرقة تفحمت فيها الجثث وتدمرت فيها البيوت؟، إنّ المدينة التي كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل فج عميق، دخلت في ليل بهيم ودجى مظلم، وسهرت نساؤها مع أصوات المدافع التي أحالتها إلى جحيم لا يطاق، لبؤس الرجلين اللذين اتخذا قرار المواجهة الخاطئ، وما كان لهذه المدينة التاريخية أن تؤول لهذا المآل المرعب لولا أن قرارها ليس بيد أبنائها، لقد أذاها الصحراويون الويل والثبور وعظائم الأمور، إنّها مدينة التلال الرملية الباذخة التي زرتها قبل اندلاع (حرب تحرير السودان) بثلاث سنوات، استنشقت فيها عبق التاريخ في مشهد لن تجده إلّا في الفاشر، ذلك المشهد هو أن سكانها يقدمون للزائر العطر والحلويات والكعك في غير أيام العيد.
سوف تضع الحرب أوزارها ويرمم قصر السلطان وملحقاته، وتمتلئ البحيرة بالمياه الجارفة لدماء الخطيئة الكبرى التي ارتكبها مناوي وجبريل، ويرقص الصغار والكبار على إيقاع "الفرنقبية"، و يُنحر كابوس الشر على بوابة الفرقة العسكرية – مكمن الداء وحصن الأعداء، الذين كادوا لهذه الديار الطيب أهلها كيداً عظيماً منذ العام الأول (للاستغلال)، قريباً سيعود المواطنون لا (النازحون) إلى مدينتهم وبيوتهم الممسوحة غير المسفوحة، والمخططة رسمياً من إدارة الحياة المدنية الجديدة، فبعد هذه المتاجرة الرخيصة لجوقة الشؤم بقضايا النازحين، لن يكون هناك سودانياً واحداً نازحاً على أرضه بعد التحرير، فالعهد الجديد هو عهد المواطنة الحقة التي لا مكان فيها للأحياء العشوائية وحارات العشش وبيوت الصفيح ومدن الكرتون، وسوف يأوي كل سوداني إلى قطعة أرضه المستحقة من الدولة، لا تلك الأرض التي يشتريها من حر ماله بغرض السكن، إذ كيف لمواطن أن يشتري أرضاً سكنية مقتطعة من تراب وطنه؟، هذا السؤال يجب أن يؤخذ في اعتبار القائمين على أمر بناء الحياة القادمة، لقد عشنا زماناً معتقدين أن الواجب علينا شراء الأرض التي نود أن نبني عليها بيوتنا، داخل أوطاننا، إنّ هذا لعمري أكبر فضيحة وعار لدويلة السادس والخمسين، كيف صمت المواطنون السودانيون عن هذه المهزلة الحكومية طيلة هذه السنين؟.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
السودان: توقعات بمعدلات أمطار عالية وفيضانات وحرارة مرتفعة
هيئة الأرصاد في السودان، توقعت تأثر قطاعات الزراعة، المياه والطاقة بمعدلات الأمطار العالية وارتفاع درجات الحرارة خلال فترة الأشهر الثلاثة المقبلة.
بورتسودان: التغيير
توقعت الهيئة العامة للأرصاد الجوية السودانية، معدل أمطار مرتفع في معظم المناطق، ومخاطر محتملة نتيجة لفيضانات وسيول، فضلاً عن ارتفاع درجات الحرارة أعلى من المعدلات خاصةً في الشمال والشرق.
وأشار تقرير التوقعات الموسمية في السودان (يونيو- سبتمبر 2025) الصادر عن الهيئة اليوم الخميس، إلى أن هناك قطاعات قد تتأثر وهي الزراعة، المياه والطاقة.
وأضاف أن الوضع الإنساني في حاجة ملحة إلى التخطيط المبكر، والإنذار السريع، وحماية الفئات الضعيفة.
وأوصى تقرير الهيئة بضرورة تعزيز نظم الإنذار المبكر وتنسيق وطني واستجابة فعالة لدعم المجتمعات المتأثرة بالمناخ وتخطيط زراعي.
إلى ذلك، توقعت نشرة الهيئة لـ24 ساعة القادمة، أن يكون الطقس حار نهاراً، معتدل ليلاً في جنوب، شمال غرب، غرب البلاد، وحار إلى حار جداً نهاراً، دافئ ليلاً في شمال، شرق، أواسط البلاد.
وتوقع استقراراً في درجات الحرارة العظمى وارتفاع طفيف في درجات الحرارة الصغرى.
وتكون حركة الرياح شمالية خفيفة السرعة في شمال، شمال الأواسط، شمال غرب البلاد شرقية خفيفة على ساحل البحر الأحمر جنوبية غربية خفيفة في جنوب الأواسط، شرق وجنوب البلاد.
وتوقعت الهيئة هطول أمطار خفيفة في أجزاء من شرق النيل الأزرق، جنوب شرق دارفور، جنوب دارفور وجنوب وسط دارفور.
أعلى درجة حرارة اليوم 45.0 درجة مئوية في عطبرة، شندي، حلفا الجديدة، ود مدني، وأدنى درجة حرارة صباح الغد 23.0 درجة مئوية في كادقلي.
وعلى ساحل البحر الأحمر يتوقع استقرار درجات الحرارة العظمى وارتفاع طفيف في درجات الحرارة الصغرى.
ويمر الفاصل المداري شمال كسلا، ود مدني، جنوب الخرطوم، وشمال الولايات الغربية.
أعلى درجة حرارة ليوم أمس كانت 45.0 درجة مئوية سجلت في شندي والدويم وأدنى درجة حرارة صباح اليوم 24.2 درجة مئوية في كادقلي.
الوسومالأمطار البحر الأحمر الحرارة السودان النيل الأزرق الهيئة العامة للأرصاد الجوية السودانية دارفور سيول شندي عطبرة فيضان كادقلي كردفان مدني