لجريدة عمان:
2025-06-26@14:24:20 GMT

هل يبدو المستقبل قاتمًا في هذه اللحظة؟

تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT

في العصر الذي يغزو فيه الذكاء الاصطناعي العالم نرى الأب الروحي للذكاء الاصطناعي البريطاني الكندي جيوفري هنتون، الحائز على نوبل الفيزياء ٢٠٢٤، لإسهاماته في بحوث الذكاء الاصطناعي، يقود حملة إعلامية للضغط على الشركات الكبرى لتنهض بمسؤوليتها في العمل على بحوث عاجلة لإنتاج أنظمة آمنة للذكاء الاصطناعي، بحيث تحد من المخاطر المحتملة على البشرية نتيجة سيطرة الذكاء الاصطناعي المستقبلية؛ ومن تلك المخاطر التي بدأت تظهر للعيان ما أعلنه مركز دراسات السياسات العامة البريطاني IPPR نهاية مارس الماضي من أن ٧٠٪ من وظائف (اقتصاد المعرفة) مهددة بسبب الذكاء الاصطناعي، إضافة لتقريره في العام الماضي أن ٨ ملايين وظيفة مهددة بسبب الذكاء الاصطناعي في بريطانيا وحدها.

وبينما تستشرس آلات الإبادة الإسرائيلية في حصاد أرواح الفلسطينيين، شبه العزل من كل شيء سوى كرامتهم وإنسانيتهم المهدرة، تحت طغيان حكومة صهيونية متطرفة، لا تبالي بالأرواح ما دامت تكسب الوقت قبل انهيارها المرتقب وتكسب نقاط تفاوض مستقبلية، يبتلع الصدى صيحات انطونيو جوتريش أمين عام الأمم المتحدة.

والأمم المتحدة نفسها ليست بأفضل حال وتجد نفسها في مرمى الهجوم، وقد بدأت بعض منظماتها الكبرى بالتضعضع، كمنظمة الصحة العالمية التي توشك على إيقاف عدد من برامجها مثل برامج مكافحة انتشار الإيدز والملاريا وشلل الأطفال، جراء انسحاب الولايات المتحدة وهي أكبر مانح لتلك المشروعات الصحية، مع توقعات بزيادة عدد الوفيات العالمية نتيجة تلك الأمراض إلى عشرة أضعاف في هذا العام وحده، وفق تصريح مدير منظمة الصحة العالمية مؤخرًا في المؤتمر الذي عقده في جنيف ١٧ مارس الماضي.

يأتي ذلك مع إعلان رئيس الوزراء البريطاني في تصريح له الأسبوع الماضي حول انهيار منظومة العولمة والتحول إلى نظام التحالفات، وذلك إثر القرار الأمريكي برفع أسعار الضرائب على البضائع المستوردة، في خطة الرئيس الأمريكي الحالي المعلنة لإعادة توطين الصناعات المهاجرة، فيما يبدو خطة فاشلة على المدى القصير وأن المراد بذلك حركة للتفاوض الثنائي مع بعض الدول للحصول على مكاسب، مع استهداف الصين تحديدًا، وهو ما أكدته شبكات الأخبار نهاية الأسبوع؛ فكما يبدو أصبح بث الاضطراب لزيادة المكاسب سياسة.

وفي الولايات المتحدة نفسها اعتمد الكونجرس مؤخرًا موازنة اقترحتها الحكومة بتخفيض ١.٥ تريليون (بليون) دولار من الإنفاق الفيدرالي، وهي الخطة التي يعلن الاقتصاديون أن المتضرر الأول منها هو الاقتصاد الأمريكي ككل، وهو الضرر الذي سيسحق الضعفاء في أدنى سلالمه وأضعف حلقاته، في ظل ارتفاع معدل الفقر في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة ١١٪ من عدد السكان، بإجمالي ٣٨ مليون نسمة، فيما تصنف عشر ولايات أمريكية تحت خط الفقر، في أغنى دولة في العالم.

يحدث كل هذا في الوقت الذي يعلن فيه خبراء اقتصاديون مرموقون مثل اليوناني يانس فاروفاكس في كتابه الأخير نهاية الرأسمالية المعروفة التي حكمت العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، النصف الثاني من القرن العشرين حتى عام الأزمة المالية ٢٠٠٨م، وبداية عصر جديد يدعوه عصر الإقطاعيات السحابية والتقنية وذلك في كتابه: الإقطاعيات التقنية: ما قتل الرأسمالية (٢٠٢٣م) Technofeudalism: What Killed Capitalism، وهو كتاب مثير يعيد إلقاء الضوء على ما حدث في العقد الماضي منذ الأزمة المالية ٢٠٠٨م إلى عام الوباء ٢٠٢٠م، وما نتج من صعود ما يدعوها بالإقطاعيات التكنولوجية، والمراد شركات التقنية الكبرى التي تدعى كذلك عمالقة وجبابرة التقنية.

وسط هذا كله، دون أن ننسى الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة، ولا حالتنا العربية السياسية المعاصرة بكل تشظياتها المستمرة ومخاضاتها العسيرة في كبريات دولنا العربية، مضافًا إليها حالتنا الفلسطينية بفصولها المستمرة بكل معاناتها، من البديهي أن نتساءل أين يمضي العالم؟

ظاهريًا لاشك بأن الأجيال الجديدة، في كل مكان، إما أن تقع فريسة الشك واليأس والتخلي والبحث عن ملجأ آمن وسط هذا العالم الذي يبدو في غاية الاضطراب والفوضى، والذي لا تقدم أخباره شيئًا آخر غير وعد بحروب قريبة مدمرة، ولعل لهذا الجيل الحق في أن يفقد إيمانه بالعالم لما يرى من طراز السياسيين الذين يقودون زمانه، والذين يعلنون بكل صراحة في كل مناسبة عدم اهتمامهم بأي شيء آخر غير مصالحهم، ومصالح الطبقة التي تدعمهم، وهي الطبقة التي رفعتهم ومكنتهم من التصرف بممكنات ومقدرات أجزاء مهمة من العالم، لكن لا أحد يريد، أو حتى بمقدوره، أن يتحمل مسؤولية مستقبل البشرية أو مستقبل العالم، كلهم مشغول بإطالة بقائه لا أكثر، وبالتالي لن يخلفوا للجيل القادم عالمًا أفضل، بل عالمًا مضطربًا في حالة هي أقرب للانفجار، إن لم ينفجر قبل ذلك.

كل ذلك بينما نجد مشهد الشاب المعاصر بسماعته وشاشته، وكأنه راهب معاصر، يرى ما يريد ويسمع ما يريد، لا ما يفرضه العالم عليه، نسبيًا، فيما يبدو شبه عزوف أو عدم اكتراث، بينما هو في الواقع موقف نفسي عام، ينتظر أمرًا غامضًا في عالم لا يعد ولا يقدم أية ضمانات بشيء؛ وبلا شك ستقتصر تطلعات الجيل الجديد على عالمه الفردي، عالمه المكون من شاشته، وهي الشاشة المعممة في غالبية مناطق العالم، في مساواة غير معتادة من نوعها تتساوى فيها كل الطبقات على تفاوت مداخيلها، وكل ذلك يصب في مصلحة شركات التقنية نفسها، تلك الشركات التي يعدنا المحللون والخبراء بأننا سنبقى تحت سيطرتها في المستقبل المنظور. فأين السبيل؟

في الواقع التاريخيّ اعتاد الساسة خلق الاضطراب والتوترات فيما بينهم مقامرين ببلدانهم منذ قديم الزمان، وقد أصبح من المعروف أن التخطيط المبالغ فيه يقع في فخ ثقته العمياء بنفسه، وأن العالم يمضي بطريقته الخاصة وأن الطبيعة، والبشرية منها، لها طرائقها الخاصة في الوصول لمستقبلها، بطرق لا يتمكن ذكاؤنا من التعرف عليها إلا متأخرًا، كذلك في العصر الذي نعتقد فيه، مدفوعين بالخوف، بأننا محكومون سلفًا بمسارات إجبارية لا محيد ومحيص عنها، تتفتح آفاق جديدة لم تكن في الحسبان ولدتها نفس الظروف الخانقة التي كانت سبب شكوانا، وتحولت مع الوقت إلى أطواق نجاة معتمدة لمستقبل جديد، لذلك لا غرابة أن يتخذ الكثيرون منا إزاء العالم وضعية أقرب للمتفرج، متتبعين بذلك رأي فلاسفة مشهورين من الصين للعرب إلى اليونان.

لا شك أن العلم والبحوث دليل استشراف مستقبلي، ولا يمكننا الاستخفاف بالنتائج التي تقدمها، لكن للخبرة البشرية والحس البشري المشترك أساليبه الخاصة كذلك في تلمس طريق المستقبل واتباعه، مهما تعالت الدعوات من كل جانب لاتباع منطق الخوف وأحكامه الاستباقية الداهية، فالبشرية تبعت نداءها الخاص حتى في أحلك الظروف، وهو نداء لا يزال حيًا مع أنه مجهول الملامح، وإن كان واضحًا في كلياته ومبادئه الأخلاقية العامة، وهي ليست غير المبادئ الأخلاقية الكبرى للعدالة والسلم والأخوة البشرية والاحترام الحقيقي بين الأمم والشعوب، وتلك الدعوات لا تبطل مهما استعرت الحرب أو تمادى الطغيان، أو ظن المتحكمون أن بمقدورهم التلاعب بقلق العالم لمصالحهم الضيقة الأفق.

إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

توم كروز فى فيصل.. كيف شكل الذكاء الاصطناعي ملامح جديدة للمشاهير؟

 تحول عدد من مشاهير العالم إلى شخصيات مثيرة للجدل، ولكن ليس بسبب أحداث واقعية، بل عبر صور مفبركة أنشأها الذكاء الاصطناعي، وتداولها الملايين على منصات التواصل الاجتماعي، ما خلق حالة من التضليل والارتباك.

ما هو Perplexity؟.. محرك بحث يقتحم ساحة الكبار ويشعل سباق الذكاء الاصطناعي49 مليار دولار حجم قطاع الأدوية.. تسخير الذكاء الاصطناعي لتعزيز أنظمة الصحة الإفريقيةجورجينا بالحجاب صورة مثيرة للجدل

في واحدة من أحدث الصور المتداولة، ظهرت عارضة الأزياء الإسبانية جورجينا رودريغيز وهي ترتدي الحجاب وملابس محتشمة.

جون سينا “يعتنق الإسلام”والذكاء الاصطناعي هو المُخرج

في يناير 2025، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بأربع صور تُظهر نجم المصارعة الأمريكي جون سينا حاملاً ما قيل إنه "القرآن الكريم"، في لحظة يُفترض أنها توثق اعتناقه الإسلام. 

إلا أن تحليلا دقيقا للصور كشف تناقضات لافتة، أبرزها تغير غلاف الكتاب بين صورة وأخرى، وظهور عبارات غير مفهومة على الغلاف، إلى جانب خلفيات ضبابية غير دقيقة، مما أكد أن الصور ناتجة عن تقنيات الذكاء الاصطناعي.

إيلون ماسك ومحرك "يعمل بالماء"

وفي ديسمبر 2024، ظهرت صورة تنسب للملياردير الأمريكي إيلون ماسك وهو يستعرض محركا جديدا يعمل بالماء فقط، في ادعاء صاحبه أنه اختراع من شركة تسلا "لا ينتج سوى بخار الماء". 

لكن بالرجوع إلى مصادر الصورة الأصلية، تبين أنها نُشرت على حساب باسم "The Jet Fighter" المعروف بمشاركته لمحتوى خيالي وغير دقيق، وأثبتت أدوات فحص الصور أن الصورة مفبركة بنسبة تفوق 98%.

"سيلفي" مع توم كروز في شارع فيصل

لم تتوقف الظاهرة عند الصور المفبركة لأغراض التضليل، بل شقّت طريقها إلى الإبداع الفني أيضا، إذ نشر د. أشرف حمدي، مخرج رسوم متحركة، صورة ذاتية (سيلفي) صممها باستخدام الذكاء الاصطناعي تُظهره إلى جانب النجم العالمي توم كروز في أحد شوارع القاهرة. 

الصورة التي بدت واقعية للغاية، حازت على إعجاب وتفاعل واسع، خاصة بعد أن شارك حمدي خطوات تصميمها، موجهاا نصائح للراغبين في تجربة أدوات الذكاء الاصطناعي في الفن الرقمي.

وتشير تلك الامج إلى المتزايدة للذكاء الاصطناعي على خلق محتوى بصري يصعب تمييزه عن الواقع إلا أن استمرار انتشار هذه الظاهرة، يؤكد الحاجة الملحة إلى التحقق من المصادر والتوعية بالطرق التي يمكن من خلالها كشف الصور المزيفة.

طباعة شارك مشاهير العالم جورجينا بالحجاب سيلفي مع توم كروز جون سينا “يعتنق الإسلام”

مقالات مشابهة

  • توم كروز فى فيصل.. كيف شكل الذكاء الاصطناعي ملامح جديدة للمشاهير؟
  • المستشار عادل ماجد: الذكاء الاصطناعي بإمكانه خدمة العدالة بشرط
  • بين التأييد والرفض.. الذكاء الاصطناعي يدخل قطاع التعليم في الولايات المتحدة
  • حقوق النشر.. معركة مستعرة بين عمالقة الذكاء الاصطناعي والمبدعين
  • متى يُعد استخدام الذكاء الاصطناعي سرقة أدبية؟
  • عندما يبتزنا ويُهددنا الذكاء الاصطناعي
  • العمري: حتى الذكاء الاصطناعي لا يستطيع حل مشاكل النصر
  • حكم استفتاء شات جي بي تي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي .. أمين الفتوى يجيب
  • مساعد العمري: مشاكل النصر لا يحلها إلا الذكاء الاصطناعي.. فيديو
  • أكاديمي: دقة اتخاذ القرار في الذكاء الاصطناعي تتجاوز 90%