دولة محطمة.. الحرب في السودان تدخل عامها الثالث
تاريخ النشر: 16th, April 2025 GMT
خلفت الحرب الوحشية في السودان، والتي دخلت الآن عامها الثالث، عشرات الآلاف من القتلى، وملايين النازحين، حتى صارت "أكبر أزمة إنسانية في العالم"، وسط تجاهل دولي.
والمشهد في السودان اليوم يضم عاصمة طالها الدمار، وبلدا يفتقر لسبيل واضح يخرج به من مسار إراقة الدماء والعنف، ولا تزال الحصيلة الدقيقة لقتلى الصراع غير واضحة.
ومنذ استعادة الجيش السوداني السيطرة على العاصمة الخرطوم في مارس الماضي، ظهرت صور مروعة على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر ضحايا الحرب.
واليوم، تتناقض صور المقابر الجماعية وضحايا العنف الذين تُركوا في شقق خاوية مع الإشارات الأولية للحياة الجديدة في الخرطوم. وصارت منطقة وسط الخرطوم وكأنها مدينة أشباح، حيث المباني المحترقة والمركبات التي اخترقتها طلقات الرصاص.
وفي أجزاء أخرى من العاصمة، بدا بعض السكان العودة إلى المدينة.
ووفق وكالة الصحافة الألمانية، فإن "معظمهم كانوا يريدون معرفة ما إذا كانت منازلهم لا تزال قائمة، وهل تعرضت ممتلكاتهم للنهب." وفي بعض المناطق، عاد بائعو الشاي لينتظروا الزبائن في مفترق الطرق، وعاد الأطفال ليلعبوا كرة القدم في الشوارع. ولكن أسعار المواد الغذائية صارت ثلاثة أمثال ما كانت قبل الحرب، ليس فقط في الخرطوم.
أزمة إنسانيبة
وأفاد شون هيوز، المسؤول عن السودان لدى برنامج الأغذية العالمي، بنزوح قرابة 13 مليون شخص، وبأن 25 مليونا آخرين يواجهون خطر المجاعة. وأوضح هيوز: "هذه أكبر أزمة إنسانية في العالم من حيث النزوح(...) يعاني قرابة خمسة ملايين طفل وأم من سوء التغذية الحاد.
وأكد أن "حجم ما يحدث في السودان يهدد بتقزيم كثير مما شهدناه خلال العقود الأخيرة."
وعلى مستوى جهود وقف الحرب، فقد أخفقت جهود دبلوماسية متعددة في الوساطة من أجل وقف إطلاق النار، وبدء مفاوضات لإحلال السلام. وتتهم منظمات حقوق الإنسان طرفي الصراع بارتكاب جرائم حرب.
وأعربت منظمات إغاثة كثيرة عن إحباطها من أن أزمة السودان تحظى باهتمام عالمي أقل بكثير من الحرب في الشرق الأوسط وأوكرانيا – وهو أمر ينعكس، ليس فحسب في التغطية الإعلامية، بل أيضا في التمويل.
يشار إلى أنه حتى الآن، لم يصل سوى 10% من الأموال المخصصة لخطة الإغاثة الدولية للسودان. وبحسب الخطة، هناك حاجة إلى 8ر1مليار دولار. وتعلقت الآمال بمؤتمر المانحين الذي عقد في لندن يوم الثلاثاء، حيث يعتمد ما يربو على 30 مليون شخص في السودان، الذي يزيد إجمالي سكانه عن 50 مليون نسمة، على المساعدات.
و استضافت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي المؤتمر الذي استمر يوما واحدا، وكان يهدف بشكل أساسي إلى تقديم المساعدات للسودان.
وتعهدت بريطانيا والاتحاد الأوروبي بتقديم مئات الملايين من الدولارات لتخفيف معاناة السودانيين.
من جانبه، دعا الاتحاد الأفريقي إلى وقف فوري للأعمال العدائية، ولكن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أقر بأن تحقيق السلام سيستغرق وقتا وتجديد الجهود الدولية و"دبلوماسية صبورة"، بحسب ما أوردته وكالة أسوشيتد برس .
وكان لامي قد أعلن قبيل انعقاد الاجتماع تخصيص 120 مليون جنيه إسترليني (ما يعادل 158 مليون دولار) من ميزانية المساعدات الخارجية البريطانية المحدودة بشكل متزايد، لتوفير الغذاء لـ 650 ألف شخص في السودان خلال العام المقبل.
خطر التقسيم
ورغم أن استعادة الجيش السوداني السيطرة على الخرطوم كان بمثابة نصر رمزي، لا تزال قوات الدعم السريع تسيطر على أجزاء واسعة من غرب السودان.
وفي منطقة شمال دارفور، آخر معقل رئيسي للحكومة، لا تزال مدينة الفاشر محاصرة منذ قرابة عام.
وأعلنت قوات الدعم السريع عزمها تشكيل حكومة موازية مع الجماعات السياسية والعسكرية الأخرى في المناطق التي تسيطر عليها، وهو ما يعني أن البلاد قد يهددها المزيد من الانقسام. وعقب عقود من الحرب الأهلية، استقل جنوب السودان رسميا كدولة عن السودان في عام 2011، حيث تم تأسيس دولة.
.
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات السودان الجيش السوداني السودان قوات الدعم السريع حرب السودان الحرب السودانية وقف حرب السودان الجيش السوداني الدعم السريع السودان الجيش السوداني السودان قوات الدعم السريع الملف السوداني فی السودان
إقرأ أيضاً:
النفط يُحمى.. والشعب السوداني يترك للمجهول!
ابراهيم هباني
في السودان لا يحتاج المرء الى جهد كبير ليفهم ما الذي يجعل الاطراف المتحاربة تتفق بسرعة، وما الذي يجعلها تختلف حتى اخر مدى.
يكفي النظر الى ما جرى في هجليج، وما جرى قبله في الفاشر وبابنوسة، ليتضح ان اولويات الحرب لا علاقة لها بحياة الناس، بل بما فوق الارض وتحتها.
في هجليج، انسحب الجيش السوداني الى جنوب السودان، ودخلت قوات الدعم السريع الحقل بلا مقاومة كبيرة، ثم ظهر رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت ليؤمن المنشاة الحيوية التي يعتمد عليها اقتصاد بلاده.
ولم يحتج الامر الى جولات تفاوض او بيانات مطولة. اتفاق سريع، وترتيبات واضحة، وهدوء مفاجئ. السبب بسيط: الحقل شريان لبلدين، وله وزن في حسابات دولية تتابع النفط اكثر مما تتابع الحرب.
لكن الصورة تختلف تماما عندما نعود الى الفاشر. المدينة عاشت اكثر من خمسمئة يوم تحت الحصار. 500 يوم من الجوع والانهيار، بلا انسحاب من هذا الطرف او ذاك، وبلا موافقة على مبادرة لتجنيبها الحرب. سقطت الفاشر لانها ليست هجليج. لا تملك بئرا، ولا انبوبا، ولا محطة معالجة. ولذلك بقيت خارج الحسابات.
وبابنوسة قصة اخرى من النوع نفسه. المدينة ظلت لما يقارب 680 يوما بين حصار واشتباكات وانقطاع، ثم سقطت نهائيا.
وخلال ذلك نزح منها ما لا يقل عن 45 الف شخص. ومع ذلك لم تعلن وساطة عاجلة، ولا ترتيبات لحماية المدنيين، ولا ما يشبه العجلة التي رأيناها في هجليج الغنية بالنفط!
بابنوسة، مثل الفاشر، لا تضخ نفطا، ولذلك لم تجد اهتماما كبيرا.
دولة جنوب السودان تحركت في هجليج لانها تعرف ان بقاءها الاقتصادي مرتبط بانبوب يمر عبر السودان.
والصين تراقب لان مصالحها القديمة في القطاع تجعل استقرار الحقول مسألة مهمة.
اما الاطراف السودانية، فاستجابت بسرعة نادرة عندما تعلق الامر بالبرميل، بينما بقيت المدن تنتظر نصيبا من العقل، او نصيبا من الرحمة.
المعادلة واضحة. عندما يهدد النفط، تبرم الترتيبات خلال ساعات. وعندما يهدد الناس، لا يحدث شيء. هجليج اخليت لانها مربحة. الفاشر وبابنوسة تركتا لان كلفتهما بشرية فقط.
والمؤسف ان هذا ليس تحليلا بقدر ما هو وصف مباشر لما حدث. برميل النفط حظي بحماية طارئة، بينما المدن السودانية حظيت بالصمت.
وفي نهاية المشهد، يبقى الشعب السوداني وحيدا، يواجه مصيره بلا وساطة تحميه، وبلا اتفاق ينقذه، وبلا جهة تضع حياته في اولوياتها.
هذه هي الحكاية، بلا تجميل. النفط يوقع له اتفاق سريع. الشعب ينتظر اتفاقا لم يأت بعد.
الوسومإبراهيم هباني