قال الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني، إمام وخطيب المسجد الحرام : راقب الله في كل نفس وخاف الله في دينك وأرجُه في جميع أمورك واصبر على ما أصابك فإن الصبر من الإِيمَان بِمَنْزِلَة الرَّأْس من الْجَسَد فَإِذا قطع الرَّأْس ذهب الْجَسَد.

بمنزلة الرأس من الجسد 

وأضاف " الجهني"  خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة : وَإِذا سَمِعت كلمة تغضبك فِي عرضك فَاعْفُ وَاصْفَحْ فَإِن ذَلِك من عزم الْأُمُور.

قال تعالى وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ، واعْمَلْ كَأَنَّك ترى الله، وعد نَفسك فِي الْمَوْتَى وَاعْلَم أَن الشَّرّ لَا ينسى وَالْخَيْر لَا يفنى وَاعْلَم أَن قَلِيلاً يُغْنِيك خير من كثير يُلْهِيك وَإِيَّاك ودعوة الْمَظْلُوم.

وأوضح أنه ما أقبل عبد بِقَلْبِه إِلَى الله عزوجل إِلَّا جعل الله قُلُوب الْمُؤمنِينَ تنقاد إِلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ والمودة، وَاحْذَرْ مَوَاطِن الْغَفْلَة ومخاتل الْعَدو وطربات الْهوى وضراوة الشَّهْوَة وأماني النَّفس فَإِن رَسُول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً قَالَ (أعدى أعدائك نَفسك الَّتِي بَين جنبيك) أخرجه البيهقي.

وتابع : وَإِنَّمَا صَارَت أعدى أعدائك لطاعتك لَهَا وكل أَمر لَاحَ لَك ضوؤه بمنهاج الْحق فاعرضه على الْكتاب وَالسّنة والآداب الصَّالِحَة فَإِن خَفِي عَلَيْك أَمر فَخذ فِيهِ رَأْي من ترْضى دينه وعقله وَاعْلَم أَن على الْحق شَاهداً بِقبُول النَّفس لَهُ أَلا ترى لقَوْل رَسُول الله ﷺ (استفت قَلْبك وَإِن أَفْتَاك الْمفْتُون) رواه أحمد وإسناده جيد .

الذي يستفتي قلبه

وأشار إلى أن الذي يستفتي قلبه ويعمل بما أفتاه به هو صاحب القلب السليم ، لا القلب المريض ، فإن صاحب القلب المريض لو استفتى قلبه عن الموبقات والكبائر لأفتاه أنها حلال لا شبهة فيها ، مستدلاً بقول شيخ الإسلام ابن تيمية "رحمه الله": حيث قال : فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا يلتذ ولا يسر ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه، وحبه، والإنابة إليه، ولو حصل له كل ما يلتذ به من المخلوقات؛ لم يطمئن ولم يسكن، إذ فيه فقرٌ ذاتيٌ إلى ربه.

وأوصى : واحم الْقلب عَن سوء الظَّن بِحسن التَّأْوِيل وادفع الْحَسَد بقصر الأمل وانف الْكبر باستبطان الْعِزّ واترك كل فعل يضطرك إِلَى اعتذار وجانب كل حَال يرميك فِي التَّكَلُّف وصن دينك بالاقتداء واحفظ أمانتك بِطَلَب الْعلم وحصن عقلك بآداب أهل الْحلم، واستعن بِاللَّه فِي كل أَمر واستخر الله فِي كل حَال وَمَا أرادك الله لَهُ فاترك الِاعْتِرَاض فِيهِ وكل عمل تحب أَن تلقى الله بِهِ فألزمه نَفسك وكل أَمر تكرههُ لغيرك فاعتزله من أخلاقك وكل صَاحب لَا تزداد بِهِ خيراً فِي كل يَوْم فانبذ عَنْك صحبته وَخذ بحظك من الْعَفو.

وأفاد بأن َقيد الْجَوَارِح يكون بإحكام الْعلم وأَن من آثر الله آثره وَمن أطاعه فقد أحبه وَمن ترك لَهُ شَيْئا لم يعذبه بِهِ كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي بن ابي طالب رضي الله عنه (دع مَا يريبك إِلَى مَا لَا يريبك) أخرجه الترمذي وأحمد ، موضحاً أَن كتاب الله تعالى ما أنزل إلا للعَمَل بِحكمِهِ من الْأَمر وَالنَّهْي وَالْخَوْف والرجاء لوعده ووعيده وَالْإِيمَان بمتشابهه وَالِاعْتِبَار بقصصه وَأَمْثَاله فَإِذا أتيت بذلك فقد خرجت من ظلمات الْجَهْل إِلَى نور الْعلم وَمن عَذَاب الشَّك إِلَى روح الْيَقِين قَالَ الله جلّ ذكره ـ الله ولي الَّذين آمنُوا يخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور .

العمل بنظام الإسلام

ونبه إلى أن المسلمين أحوج في هذا الزمن المملوء بالفتن والمحن والمصائب المملوء بالحقد والحسد والضغائن المحفوف بالعقوبات والأخطار، إلى العمل بنظام الإسلام من مكارم الأخلاق التي حث عليها القران الكريم والسنة المطهرة فيتحلى المسلم بها وبآدابها، ويكون على عقيدة ومنهج قويم بها يدعو غير المسلمين للإسلام فإنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن تسعوهم بأخلاقكم.

وأكد أن تقوى الله عز وجل أنفع الوسائل والذخائر، ولا تكونوا كالذين بدلوا نعمة الله كفراً، ولم يلتفتوا إلى ما أمامهم من الموارد والمصادر ، وراقبوه فإنه مطلع عليكم يراكم ويعلم حركاتكم وسكناتكم : يَعْلَمُ خَائنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ، حاسبوا أنفسكم ما دمتم في دار المحاسبة والعمل، قبل أن تحاسبوا في دار الجزاء وانقطاع الأمل ، وتأهبوا للقاء ربكم ، وتزودوا بزاد التقوى والصلاح لقبوركم وليوم نشوركم واحذروا الغفلة ، احذروا الغفلة فإنها ضياع وباطل ، وتورد المهالك ، وتسد المسالك وارضوا عن الله فيما قدره لكم ، فكل ما قدره الجليل هو الجميل.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: خطيب المسجد الحرام خطبة الجمعة من المسجد الحرام الله ف ى الله

إقرأ أيضاً:

الهجرة مشروع الإيمان والتضحية .. دلالات إيمانية من محاضرة السيد القائد ضمن سلسلة القصص القرآني

يمانيون / خاص

تناول السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله في محاضرته الرابعة ضمن سلسلة القصص القرآني،  موضوع الهجرة من منظور قرآني، موضحًا أنها استراتيجية لتحرير الدعوة من القيود وتحقيق التأثير، وبيّن أن الإيمان الحقيقي يرتبط بالتضحية والاستعداد للانتقال في سبيل الله، كما عقد مقارنة بين هجرة نبي الله إبراهيم وهجرة رسول الله محمد صلى الله عليه وآله، مبرزًا أثر كل منهما في نشر الرسالة. مؤكداً أن الهجرة ليست هروبًا، بل انتقال واعٍ يخدم المشروع الإيماني في فضاء أوسع.

 الهجرة كاستراتيجية لتحرير الدعوة من القيود وتحقيق التأثير
يبرز السيد القائد البعد الاستراتيجي للهجرة في حياة الرسالات الإلهية. فالهجرة ليست مجرد تنقّل جغرافي، بل هي خطوة محسوبة لكسر الحصار والقيود التي تفرضها قوى الكفر والاستكبار على الدعوة. من خلال الهجرة، استطاعت الرسالة أن تتحرر من التهديد والملاحقة والتضييق، وتنفتح على فضاء أوسع للتأثير والانتشار. وبالتالي، هي ليست انسحابًا بل تحرّكًا نحو القوة والتمكين ، ولها مدلول إيماني يظهر أن المشروع الإلهي يحتاج إلى مرونة استراتيجية وشجاعة إيمانية، وأن التحرك من موقع إلى آخر لا يعني الضعف بل يعكس فهماً عميقاً لمعطيات الواقع.

 العلاقة بين الإيمان الحقيقي والاستعداد للتضحية في سبيل الله
يركّز السيد القائد على أن الإيمان الحقيقي لا يُفصل عن الفداء والبذل والتضحية، وأن الاستعداد للهجرة وترك الأهل والوطن والمصالح الشخصية يتطلب إيمانًا صادقًا وراسخًا. فالمهاجر في سبيل الله يتحرّك بدافع روحي عميق، وليس لمكاسب دنيوية والهجرة تُعدّ ميزانًا للإيمان الصادق، حيث يتمايز فيها الصادقون عن المدّعين. وهي تأكيد أن التحرك في سبيل الله يتطلب نفسًا مؤمنة مستعدة للابتلاء والامتحان.

 مقارنة بين هجرة النبي إبراهيم وهجرة النبي محمد صلوات الله عليه وآله 
عقد السيد القائد مقارنة عميقة بين هاتين الهجرتين التاريخيتين، لبيان الأنماط المتكررة في مسيرة الرسالات. إبراهيم (عليه السلام) هاجر من أور إلى فلسطين ثم إلى مصر، وكانت هجرته لبناء مجتمع التوحيد بعيدًا عن الأصنام والطغيان. أما النبي محمد صلوات الله عليه وآله فكانت هجرته من مكة إلى المدينة، إيذانًا ببناء الدولة الإسلامية وتمكين الرسالة
هذه المقارنة تُظهر أن الهجرة منهج ثابت في مسيرة الأنبياء، وأنها أداة إلهية لإحداث التحول الجذري من الضعف إلى القوة، ومن الاستضعاف إلى التمكين.

 الهجرة ليست هروبًا بل انتقالًا إلى فضاء أوسع لخدمة المشروع الإيماني
أكد السيد القائد أن من يظن أن الهجرة هروب أو ضعف يجهل حقيقتها. فالهجرة انتقال واعٍ وهادف لخدمة المشروع الإلهي. إنها تحوّل تكتيكي ضمن الخطة الإلهية الكبرى لنشر الهداية ومواجهة الطغيان وهنا يكرّس السيد القائد حفظه الله  فهمًا راقيًا للهجرة كجزء من سُنن التغيير الإلهي، ويقدّمها كرمز للمبادرة، والحكمة، والثقة بالله.

خاتمة
قدم السيد القائد حفظه الله ’’الهجرة’’  كمفهوم إيماني عميق، يتجاوز حدود الزمان والمكان  لفهم التحرك في سبيل الله كجزء من مشروع تحرري شامل، يربط بين الماضي والواقع المعاصر. وفي ذلك تأكيد أن كل من يسير على نهج الأنبياء لا بد أن يخوض تجربته في الهجرة – سواء المكانية أو المعنوية – من أجل نصرة الحق.

مقالات مشابهة

  • لماذا نطوف بالبيت الحرام وهو على ناحية اليسار؟.. اعرف السر
  • الهجرة مشروع الإيمان والتضحية .. دلالات إيمانية من محاضرة السيد القائد ضمن سلسلة القصص القرآني
  • «الحج» تحث ضيوف الرحمن على 4 إجراءات للوقاية من ضربات الشمس
  • المعيقلي إماماً وخطيباً لصلاة العيد بالمسجد الحرام
  • أكبر منظومة في العالم.. 155000 ألف طن طاقة تبريد المسجد الحرام
  • الشيخ ماهر المعيقلي إمام وخطيب صلاة ⁧عيد الأضحى⁩ في المسجد الحرام
  • خريطة تفاعلية للإرشاد المكاني بالمسجد الحرام لخدمة ضيوف الرحمن
  • حكم لبس قبعة المظلة الشمسية المثبتة على الرأس للمحرم
  • خريطة تفاعلية للإرشاد المكاني بالمسجد الحرام
  • صور| خشوع ودعاء في رحاب المسجد الحرام قبل أيام من وقفة عرفة