سامح قاسم يكتب: محمود خير الله.. شاعر الحانة وراوي المدن الخائفة
تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في زحام الشعر المصري المعاصر، يخرج صوت محمود خير الله كما لو كان خارجًا لتوه من قبو تحت الأرض، ممسكًا بكأس نصف ممتلئة، وسيجارة محروقة حتى المنتصف، وعينين تريان الخراب كأنه شرط ضروري للجمال. ليس شاعرًا زاهدًا ولا ناسكًا، بل هو شاعر الخسارات اليومية، الفرح القصير، والحياة التي تُستهلك بسرعة في مقهى، في غرفة ضيقة، أو في ذاكرة لم تعد تحتمل المزيد.
ولد خير الله عام 1971، لكنه لم يولد شاعرًا بقدر ما صار كذلك عنوة، ضدًا على السائد، في مواجهة قاسية مع اللغة والزمن والعالم. لا يكتب ليثبت مهارة، بل لأنه محكوم بالكتابة كما يُحكم العاشق بوجه الحبيبة التي غابت، والمدينة التي تغيرت، والجسد الذي صار هشًّا في عالم يزداد فظاظة.
ينتمي خير الله إلى جيل التسعينيات الذي حمل إرثًا ثقيلًا من الهزائم السياسية والجمالية، لكنه خرج منه بأخلاقيات مغايرة للشعر، أخلاقيات الهامش، والهروب، والمواجهة الناعمة. كتب قصيدة النثر لا كخيار فني فحسب، بل كموقف وجودي. قصيدته لا تهدف إلى الغنائية، ولا تستعير بلاغة العصور، بل تبني سردًا شعريًا يعيد الاعتبار لما هو عادي، لما هو مهمّش، لما لا يُلتفت إليه.
في ديوانه "لعنة سقطت من النافذة"، لا نجد قصائد عن المجاز الرفيع أو الحنين المدرسي، بل عن الشارع بوصفه مسرحًا للشعر، عن الحانة كمعبد، وعن الرجل الخائف الذي يعبر ليل المدينة حاملًا صوته الهشّ كمن يحمل جرحًا مفتوحًا دون ضماد.
ما يميز شعر خير الله ليس فقط الموضوع، بل اللغة. لغة مشحوذة كسكين، لا تقطع بقدر ما تكشف. هو لا يكتب ليزين الواقع، بل ليعريه. في قصائده نبرة سخرية مُرة، حزن غير معلن، غضب مكظوم. لا تجد صراخًا في شعره، بل نظرة طويلة، حزينة، تقول أكثر مما يُقال. لغته ابنة الحارة والكُتاب، الليل والذاكرة، اللهجة الساخرة والمفردة الفصيحة في آن.
في كتابه النثري "بارات مصر: قيام وانهيار دولة الأنس"، لا يكتب خير الله عن الخمر فحسب، بل عن التاريخ المصري من زاوية لم يطرقها أحد. يرى في البارات صورة مصغرة للمجتمع، مرايا تكشف الخوف، والأنس، والانهيار، كما لو أن الحانة هي آخر مكان يمكن أن نكون فيه صادقين. كتابه هذا ليس تأريخًا للمشروب، بل للمشروب بوصفه مهربًا، وطقسًا، وخلاصًا شخصيًا وجمعيًا.
ما من شيء مركزي في شعر خير الله. كل شيء في الهامش: الناس، الأصوات، الحكايات، حتى القصيدة نفسها. هو شاعر لا يسعى إلى الضوء، بل يكتفي بالظل. لا يبحث عن المعنى المباشر، بل يترك القصيدة مفتوحة، كجرح لا يندمل. قد تقرأ له فلا تلتقط الرسالة، لأن الرسالة الوحيدة هي أن لا رسالة، بل أثر، ومزاج، ونبرة تبقى في أذنك مثل لحن مألوف لا تذكر من أين جاء.
في زمن يركض فيه الجميع خلف المعنى، وخلف الجوائز، وخلف الاعتراف، يبدو محمود خير الله كمن يمشي عكس التيار، لا ببطء المتأمل، بل بخفة من لا ينتظر شيئًا. يكتب لأنه لا يستطيع أن يفعل غير ذلك. يكتب ليقاوم، لا العالم، بل نفسه. يكتب ليذكّرنا بأن الشعر قد لا يغير العالم، لكنه يجعلنا نراه بطريقة أقل قسوة.
هو شاعر لا يصرخ، ولا يهمس، بل يتكلم بصوت رجل عاد للتوّ من حانة قديمة، وجلس يروي لنا كل ما رأى، دون أن يزيف شيئًا، ولا حتى حزنه.
لو أردت أن تعرف وجه القاهرة الخفيّ، وجهها المتعب، وجهها الإنساني الذي لا تلتقطه العدسات، فاقرأ محمود خير الله، لا كقارئ، بل كرفيق في نزهة حزينة، داخل مدينةٍ لا تنام، ولا تحب، لكنها، رغم كل شيء، لا تكفّ عن الانتظار.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: محمود خیر الله شاعر ا
إقرأ أيضاً:
نعيم قاسم: الحرب مع إسرائيل لم تنتهِ والخيارات الأخرى مطروحة إذا فشلت الدولة في أدائها
قال الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، اليوم الأحد، إن الحزب والدولة اللبنانية ملتزمان بالكامل باتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، غير أن الأخيرة خرقت هذا الاتفاق أكثر من 3000 مرة، مضيفًا: "ما زلنا نتعرض لعدوان إسرائيلي مستمر". اعلان
وفي كلمة متلفزة، شدد قاسم على أن "الحرب مع إسرائيل لم تنتهِ بعد، لأنها لم تلتزم بترتيبات وقف إطلاق النار"، محذرًا من أن "الخيارات الأخرى موجودة إذا فشلت الدولة في أدائها"، ومشيرًا إلى أن "المقاومة لا تستسلم"، بحسب تعبيره.
وأضاف: "ليس أمامنا سوى طريقين، إما النصر أو الشهادة"، معتبرًا أن "على إسرائيل أن تبادر أولًا إلى الانسحاب من الأراضي اللبنانية قبل أن تطالب الحزب بأي شيء".
كما نوّه قاسم ببيان صادر عن قائد الجيش اللبناني، العماد رودولف هيكل، معتبرًا أنه يعكس "وطنية القيادة العسكرية"، وشدّد على تمسك حزب الله بمعادلة "الجيش والشعب والمقاومة".
وفي سياق حديثه عن الحرب على غزة، وصف العمليات العسكرية الإسرائيلية بأنها "إبادة جماعية" و"عنف وحشي وهمجي مدعوم من الولايات المتحدة".
ثمّ توجه قاسم برسالة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، داعيًا إياه إلى "التحرر من قبضة إسرائيل".
Related"صورة نادرة لا تحدث كل يوم".. جدل بعد لقطة جمعت رئيس لبنان وزعيم الطائفة الدرزية في إسرائيلعون يلتقي عباس وسلاح المخيمات على بساط البحث: لن يكون لبنان منطلقًا لأي عمل عسكرينائبة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط: نزع سلاح حزب الله يجب أن يشمل الأراضي اللبنانية كافةورغم انقضاء المهلة المحددة للانسحاب الإسرائيلي بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن الجيش الإسرائيلي لا يزال متمركزًا في خمسة مواقع استراتيجية جنوب لبنان، هي تلة الحمامص، تلة العويضة، جبل بلاط، اللبونة، والعزية، بذريعة ما توفره هذه المواقع من ميزات في مجال الرصد والمراقبة.
وتعتبر الدولة اللبنانية هذا التمركز خرقًا واضحًا لسيادتها، موجّهةً نداءات متكررة إلى المجتمع الدولي من أجل التدخل الفوري لوقف هذه الانتهاكات، في ظل استمرار امتناع إسرائيل عن استكمال انسحابها من الأراضي اللبنانية.
وبحسب نص الاتفاق، كان من المفترض أن يتم الانسحاب الإسرائيلي الكامل بحلول 27 كانون الثاني/ يناير الماضي، إلا أن تل أبيب رفضت التنفيذ بحجة أن الجيش اللبناني لم يقم بواجباته في المناطق الحدودية على النحو المطلوب.
وكان اتفاق وقف إطلاق النار قد دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، بوساطة أمريكية وفرنسية، بعد نزاع دام أكثر من عام وتحوّل إلى مواجهة مفتوحة منذ أيلول/ سبتمبر من العام نفسه.
ونص الاتفاق على انسحاب مقاتلي حزب الله من منطقة جنوب نهر الليطاني، الممتدة على مسافة نحو 30 كيلومترًا من الحدود، مقابل تعزيز انتشار الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في تلك المناطق، لتأمين خطوط التماس مع إسرائيل.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة