حـاجـة الفلسفة إلى العـلـوم الاجتـماعيّـة
تاريخ النشر: 30th, April 2025 GMT
منذ الثّـورة المعرفيّـة الهائلة التي أحدثها التّحليل النّفسيّ، قبل نيّـفٍ وقرن، بتسليطه الضّوء على فعل العوامل غيرِ المُوعى بها في الحياة السّيكولوجيّة وغيرِ المراقَبة من أنـا متـشبّعةٍ بالقيم وبالعقـل؛ ومنذ الانقلاب الكبير في نظرتنا إلى ظواهر الاجتماع الإنسانيّ وإلى بِـناهُ وعلاقاته بأثـرٍ من الدّرس الأنثروپـولوجيّ المعاصر.
وهذا معناهُ أنّ إحسانَ فهـمِ الكينونةِ الإنسانيّة والمجتمعيّة فهما مطابِـقا أو، على الأقلّ، مقترِبـا من وضعها الفعليّ بات وقْـفا على أخذ تلك الأبعاد في الحسبان، وعلى توسّلها في تحليل ظواهر الإنسان والمجتمع، وعلى عدم الاقتصار - بالتّالي- على العوامل المُوعَى أو المشعور بها.
ما من شكٍّ في أنّ هذه الثّورة المعرفـيّة، التي أوقـدْتها العلومُ الإنسانيّة والاجتماعيّة، سدّدت ضربة كبيرة لنزْعاتٍ فكريّة عدّة ازدهرت في القرن التّاسع عشر من قبيل الوضعانيّـة والعِـلْمـويّة، في امتداد الانتصارات التي سجّلها العلم في القرنين الـ 17 والـ 18. ولكنّ الذي لا مِـرْية فيه أنّ الفلسفة تلـقّت، بدورها، قسطها من تلك الضّربة التي آذتْها طويلا، بمقدار ما كان قد أصابها أذى أوّلٌ من انفصال علوم الاجتماع والإنسان عنها، واستقلالها بموضوعاتٍ لها كانت في جملة أحكار الفلسفة طوال تاريخها الإمبراطوريّ الممتـدّ من العهد الإغريقيّ حتّى مطالع القرن التّاسع عشر. نعم، بدتِ الفلسفةُ وكأنّها لا تأبـه، كثيـرا، بهذا المتغيّـر المعرفيّ الجديد ولا تعترف له بمشروعيّـة استيلائه على مسائـلَ كانت من أحيازها الفكـريّة.
هكذا استمـرّت في انشغالها بما زُوحِمت فيه من موضوعات من قِـبَـل العلوم الجديدة، ولئلاّ تنحشـر في الزّاوية الأضيق فيستـقـرّ كيانُها على هيئةٍ واحـدةٍ وحيدة (الميتافيزيـقا)، حافظت على فروعها التّـقليديّة محاولة إنتاج معارف في نطاقها. من ذلك: فلسفة الدّين، فلسفة السّياسة، فلسفة الأخلاق، فلسفة التّربيّـة، فلسفة اجتماعيّـة، فلسفة اللّغة، فلسفة العلوم...إلخ، لتجد نفسها تعمل في الميادين عـينِها التي قـامت عليها علـوم جديدة.
والحقّ أنّ الأمرَ ما كان مكابَرَة من الفلسفة أمام فُـتُـوّة المعارف الجديدة، بل أتى يمثّـل فِعْـلا من أفعال الإقدام المعرفيّ الذي لم تـتنـكّب عنه الفلسفةُ يوما، حتّى وهي تُـعَـاين - وعلى مدار قرون عـدّة - كيف يتـقـدّم العلـمُ ظافرا فـيَحْرِمها من حقّ القول في ميادينَ انـتهت إليه ملكـيّـتُها الحصْريّة (= العلوم التّجريبيّـة والرّياضيّة). على أنّ إسقاط فرضيّة المكابَرة من الحسبان لا يُسْقِـط أنّ الفلسفة ما استطاعت، دائما، أن تُجارِيَ علوم المجتمع والإنسان في مناهجها واشتغالها المعرفيّ في مسائل بعينها بانَ فيها تـفـوّقُـها السّاحق على الفلسفة. والغالبُ على ذلك البوْن الذي يفصل بينهما (= الفلسفة من جانبٍ والعلوم من جانب ثانٍ) أنّه ناشئ عن غزارة موضوعات التّـفكير في تلك العلوم قياسا بما هي عليه من شحّـةٍ في الفلسفة! وهي شحّـة قـد تكون غيرَ مفهـومة، تـماما، في نـظامٍ من المعـرفة (= الفلسفة) وَلَج إلى عالم الفكر من باب السّـؤال، منذ ابتداء أمره، واستمرّ فِعْـلُ السّؤال وتوليد الأسئلة والإشكالـيّات يَسِـمُه ويَمِيـزُهُ عن أيّ نظامٍ آخـر من المعرفة.
لقد نشأت، اليوم، حاجةٌ ماسّة إلى أن تنفتح الفلسفة على العلوم الاجتماعيّـة والإنسانيّـة: على علم الاجتماع السّياسيّ، والأنثـروپـولوجيا السّياسيّـة، وعلم السّياسة، وعلم الاقتصاد، وعلم التّاريخ، وعلى التّحليل النّـفسيّ... إلخ؛ وإلى أن تـنتهل منها مناهجَها وطرائـقَها في الدّرس، ومفاهيمَها التي تفتح بها أفـقا جديدا للمعرفة.
إنّها حاجة حيويّـة لها، اليوم، لا لِتحسين موقعها الفكريّ التّـنافسيّ في مواجهة تحـدّي تلك العلوم، بل من أجل توسعة تدخُّلها المعرفيّ في حقول السّياسة والدّين والاجتماع والتّربيّـة وسواها من المسائل التي تتناهـبُها علومُ المجتمع والإنسان. وكم هو نـافلٌ أن يقال، في المعرض هذا، إنّ الفلسفة لا تأتي جديدا ولا تُحْـدِث في سيرتها بدعـة بهذا الانفتاح إذا هي أقدمت عليه؛ فلقد ظلّت تفعله منذ ألفيْ عام، فكانت تعيد وضع فرضيّاتها المؤسِّسة على قاعدة نتائج علومٍ مثل الهندسة والفلك... ثمّ الميكانيكا والفيزياء، فتجـدِّد بها نفسَها.
وهذه حقيقة يعرفها كلّ دارسي تاريخ الفلسفة عندما يتوقّـفون عند حقبةٍ منها فـيَلحظون ما كان من أثـرٍ لعِلْمٍ سابق في تكوين پـراديغماتها.
إذا كانتِ المعرفةُ بمجال السّياسة، في المجتمعات الحديثة التي يقوم فيها نظامُ الدّولة الوطنيّة، تمرُّ- حُكـما - بعلوم الاجتماع، منذ أن فرضت أعمالُ ماكس ڤيبر اللاّفتةُ ذلك على الجميع منذ قـرنٍ من اليوم؛ وإذا كان بعضُ تلك العلوم يتوسّل فرضيّاتٍ للدّرس غيرَ مألوفة في الفكر الغربيّ عن استمرار أثر الموروث في بنية الحداثة، في مجتمعات متشبّعة بالعقلانيّة وفي دولٍ تقوم فيها السّياسة على قواعد العقلانيّة، فكيف - إذن - لا تكون للفلسفة العربيّة حاجةٌ بهذه العلوم من أجل إنتاج معرفةٍ أرصن بمجالٍ للسّياسة يَعْسُر على الدّارس، كثيرا، أن يقول إنّه محكوم بقـواعد العقـل والحداثة؟
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: علوم الاجتماع الإنسانی ة الس یاسة
إقرأ أيضاً:
تنسيق الجامعات الأهلية 2025.. اعرف الكليات المتاحة ومصروفاتها
تنسيق الجامعات الأهلية 2025.. مع اقتراب فتح باب التسجيل في المرحلة الأولى من التنسيق، يبحث العديد من طلاب الثانوية العامة عن قائمة الكليات بالجامعات الأهلية والمصروفات الدراسية للعام الجديد.
فتح باب التقديم في الجامعات الأهلية 2025 وتنسيق القبول بهايتم فتح باب التقديم والالتحاق بالكليات الموجودة في الجامعات الأهلية 2025 أمام طلاب الثانوية العامة، عقب إعلان نتيجة المرحلة الأولى من تنسيق الجامعات 2025، ومن المتوقع أن تتقارب مؤشرات تنسيق الجامعات الأهلية 2025 من العام الماضي.
- مصاريف كلية الفنون والتصميم 40 ألف و480 جنيه.
- مصاريف كلية العلوم الأساسية 63 ألف و960 جنيه.
- مصاريف كلية علوم الحاسوب 87 ألف و380 جنيه.
- مصاريف كلية الهندسة 93 ألف و500 جنيه.
- مصاريف كلية تكنولوجيا العلوم الصحية التطبيقية 56 ألف و840 جنيها.
- مصاريف كلية طب الأسنان 162 ألف و800 جنيه.
- مصاريف كلية الطب 173 ألف جنيه.
- مصاريف كلية التمريض 54 ألف و800 جنيه.
- مصاريف كلية الصيدلة 121 ألف جنيه.
- مصاريف كلية العلاج الطبيعي 120 ألف جنيه.
- مصاريف كلية العلوم الإدارية 60 ألف و920 جنيها.
- مصاريف كلية الإنتاج الإعلامي 65 ألف جنيه.
- مصروفات كلية الطب 155 ألف جنيه.
- مصروفات كلية طب الأسنان 125 ألف جنيه.
- مصروفات كلية العلاج الطبيعي 110 ألف جنيه.
- مصروفات كلية الطب البيطري 80 ألف جنيه.
- مصروفات كلية الهندسة 80 ألف جنيه.
- مصروفات كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي 80 ألف جنيه.
- مصروفات كلية التمريض 60 ألف جنيه.
- مصروفات كلية الأعمال 60 ألف جنيه.
- مصروفات كلية الاقتصاد والعلوم السياسية 60 ألف جنيه.
- مصروفات كلية العلوم 60 ألف جنيه.
- مصروفات كلية القانون 50 ألف جنيه.
- مصروفات كلية الإعلام 50 ألف جنيه.
- مصروفات كلية التربية للطفولة المبكرة 30 ألف جنيه.
- مصروفات كلية الطب البشري 150 ألف جنيه.
- مصروفات كلية طب الأسنان 130 ألف جنيه.
- مصروفات كلية العلاج الطبيعي 105 ألف جنيه.
- مصروفات كلية علوم الحاسب وتكنولوجيا المعلومات 80 ألف جنيه.
- مصروفات كلية الهندسة 70 ألف جنيه.
- مصروفات كلية العلوم الإنسانية والتجارة وإدارة الأعمال 60 ألف جنيه.
- مصروفات كلية الدراسات القانونية باللغة العربية «ليسانس حقوق» 60 ألف جنيه.
- مصروفات كلية الترجمة المتخصصة باللغة الإنجليزية 60 ألف جنيه.
- مصروفات كلية العلوم 60 ألف جنيه.
- مصروفات كلية الفنون والفنون التطبيقية 60 ألف جنيه.
- مصروفات كلية تكنولوجيا العلوم الصحية التطبيقية 55 ألف جنيه.
اقرأ أيضاًمصروفات كليات الذكاء الاصطناعي 2025 ومؤشرات الحد الأدنى للقبول
تنسيق كليات الفنون الجميلة 2025.. مؤشرات أولية من العام الماضي
مؤشرات تنسيق الثانوية العامة 2025 علمي علوم.. موعد انطلاق المرحلة الأولى