اليمن يعيد تأسيس المحور وتشكيل الردع
تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT
– سادت خلال شهور- خصوصاً منذ وقف إطلاق النار في لبنان- أخبار عن هزيمة محور المقاومة وتفككه، وشكل استمرار الاحتلال في مناطق لبنانية ومواصلة جيش الاحتلال اعتداءاته دون ردّ من حزب الله، فرصة للاستنتاج في أوساط تنتظر الشماتة بقوى المقاومة للقول إن زمن المقاومة ومحورها انتهى، وخرج رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يقول إن المحور انتهى مع اغتيال السيد حسن نصرالله الذي وصفه بـ «محور المحور»، رغم فشل حكومة نتنياهو بإعادة نسبة وازنة من مستوطني شمال فلسطين المحتلة، بعدما اعتبر نتنياهو أن هذه العودة هي معيار النصر والهزيمة في الحرب، ولاقاه السيد نصرالله بالقول لقد قبلنا التحدّي، وحاول هؤلاء التخفيف من قيمة مواصلة اليمن لأنشطته العسكرية تحت عنوان إسناد غزة، رغم فشل كل المحاولات الأمريكية والإسرائيلية في تأمين عبور أي سفينة من السفن التي يسري عليها قرار المنع اليمني.
– خلال الشهرين الماضيين، ومع استئناف الحرب على غزة وتقاسم الأدوار بين كيان الاحتلال والأمريكيين، بتعهد إدارة ترامب خوض حملات عسكرية شاملة ضد اليمن بأضعاف القوة التي كانت عليها الضربات أيام إدارة الرئيس السابق جو بايدن، وإطلاق يد الاحتلال لاحتلال غزة مجدداً وتجويعها وصولاً لفرض الاستسلام عليها. ورغم الصمود الأسطوري للشعب في غزة بوجه آلة القتل والتدمير والتجويع ومعها آلة إعلامية وأمنية تشارك فيها السلطة الفلسطينية وعدد من دول المنطقة لإخراج شارع مناوئ للمقاومة في غزة، دون أن تنجح بتحريك ما يتجاوز قشرة رقيقة من المجتمع الفلسطيني. ومع هذا الصمود وبالرغم من اجتماعه مع نجاح المقاومة بإعادة تشكيل قواتها بصورة تسبّبت بإرهاق قوات الاحتلال التي كان واضحاً أنها عاجزة عن استعادة عافيتها مع أزمات المجتمع الواقف خلفها والرافض للحرب وامتناع الاحتياط عن الالتحاق بالقتال، كان واضحاً أن غزة تحتاج إلى محور المقاومة لتسريع الضغوط اللازمة لفرض وقف الحرب على غزة بشروط تتناسب مع تطلعات المقاومة.
– كان الرهان الأمريكي على فعالية الحملة العسكرية المصممة ضد اليمن، بتحقيق ثلاثة أهداف إذا تعذر النصر الكامل، بإخضاع القيادة اليمنية لفرض فتح الملاحة في البحر الأحمر أمام السفن المتوجّهة إلى موانئ كيان الاحتلال. أهداف الحد الأدنى الأمريكية كانت أولاً: إلحاق ضرر كبير بمقدرات اليمنيين في مجالي الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، تحول دون التمكن من مواصلة الإطلاق بوتيرة فعالة نحو الأساطيل البحرية الأمريكية وعمق الكيان، وثانياً التسبب بإرهاق وإعماء البنية العسكرية اليمنية عبر تواصل الغارات ليلاً ونهاراً بما يُضعف القدرة على المناورة اللازمة لإخراج الصواريخ من المستودعات وتوضيعها وإطلاقها، وثالثاً تخفيض مستوى الكفاءة الفنية في تحديد الأهداف وفي مستوى الصواريخ وقدرتها على تجاوز الدفاعات الأمريكية والإسرائيلية، بحيث تفقد الصواريخ اليمنية القدرة على التحول الى أداة ضغط يصعب تجاهلها لإنهاء حرب غزة، بما يريح واشنطن من عبء المواجهة ويخفف عن كيان الاحتلال الضغوط التي يخلفها الاستهداف اليمني.
– الأسبوع الأخير حمل حدثين كبيرين كفيلين بحسم النقاش، من جهة جاء سقوط طائرة إف 18 عن سطح حاملة الطائرات هاري ترومان، ليكشف – رغم محاولات التهوين الأمريكية مما حدث في البداية – أن ما جرى كان وصول عدد من الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة المتطورة على سطح حاملة الطائرات الأمريكية، ما تسبب بسقوط الطائرة إف 18 وبالحد الأدنى بلوغ الصواريخ منطقة تموضع الحاملة ما اضطرها لمناورة سريعة قاسية تسببت بسقوط الطائرة، كما تقول الرواية الرسمية. وهذا يعني أمرين، الأول هو أن قدرة اليمن على إطلاق أفضل ما لديها من الصواريخ والطائرات المسيرة وبكميات كبيرة لم تتأثر، وثانياً أن ما لدى اليمن من صواريخ وطائرات مسيرة قادر على الوصول إلى الأهداف دون أن تنجح الدفاعات الأمريكية الشديدة التطور المرافقة لحاملة الطائرات من منعها، بحيث بات ما جرى بعد شهرين من المواجهة كافياً للقول إن الحملة العسكرية الأمريكية فشلت، وإن المواجهة صارت مأزقاً أمريكياً ومخاطرة كبرى، وأن لا حلّ لإنهاء هذه الأزمة إلا إذا توقفت الحرب على غزة وأوقف اليمن استهدافاته فيمكن عندها للأمريكي التوقف دون أن يكون قد هزم..
– ما جرى أمس الأول، في مطار بن غوريون، أكد أن ما جرى مع الحاملة ترومان لم يكن صدفة، بل تعبير عن واقع التوازن الذي نجح اليمن بإنشائه وتثبيته، حيث قدرة الإطلاق وفعالية التصويب ونوعية الصواريخ التي تفشل كل الدفاعات الجوية الأمريكية والإسرائيلية ومنها منظومة ثاد الحديثة، في منعها من بلوغ أهدافها، وهذا الصاروخ – كما يقول اليمن – بداية مرحلة جديدة لحصار جوي شامل على كيان الاحتلال، وهو يعني أن نزول الملايين من المستوطنين إلى الملاجئ إضافة إلى إغلاق النافذة الوحيدة للكيان على العالم للسفر والمسافرين، سوف يصبحان قوة ضغط لا يمكن تلافيها لصالح تيار وقف الحرب على غزة كطريق وحيد للتخلص من هذا الكابوس.
– عملياً تولى اليمن جبهة الإسناد والموقع الأول في محور المقاومة والدور الأول في الردع، الذي كان يتولاه حزب الله، وها هو يُعيد تأسيس محور المقاومة ويُعيد تشكيل قوة الردع، وبالتوازي يبذل قائد اليمن السيد عبد الملك الحوثي جهوداً استثنائية في الشرح والتحليل والحضور الإعلامي رغم ظروف شديدة الصعوبة يواجهها في الظهور الإعلامي، ليعوّض بعضاً من الدور الذي كان يؤديه السيد نصرالله نحو جمهور محور المقاومة، مانحاً حزب الله فرصة أخذ الوقت اللازم لإعادة تكوين قواه وتنظيم صفوفه، فيقول هنا الضاحية من صنعاء، تماماً كما فعلت إذاعة دمشق يوم قصفت إذاعة القاهرة خلال العدوان الثلاثي على مصر قبيل كلمة الرئيس جمال عبد الناصر، وقالت هنا القاهرة من دمشق يوم 2 نوفمبر عام 1956.
* رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الدويري: المقاومة تعتمد حرب العصابات ولم ترفع الراية البيضاء
أكد الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري أن كمين بيت لاهيا الذي نفذته كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- يأتي في إطار إستراتيجية جديدة تعتمد على "حرب العصابات والاستنزاف"، التي تنتهجها المقاومة الفلسطينية بعد 19 شهرا من القصف الجوي والقتال البري والحصار المطبق.
وكانت كتائب القسام قد أعلنت اليوم الاثنين أن عناصرها نفذوا كمينا مركبا في منطقة "العطاطرة" غرب بيت لاهيا شمالي القطاع، استهدفوا خلاله 3 آليات صهيونية بعبوتي شواظ وقذيفة تاندوم، ثم اشتبكوا مع قوة صهيونية أخرى.
وأكدت الكتائب أنها أوقعت أفراد القوة الإسرائيلية بين قتيل وجريح، ورصدت هبوط مروحيات لنقل المصابين يوم الجمعة الماضي.
وأوضح الدويري، في تحليله للعملية التي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف الاحتلال، أن هذا التحول في الإستراتيجية جاء بفعل أن حرب المواجهة المفتوحة لم تعد ممكنة بالنسبة للمقاومة في الظروف الراهنة.
وأضاف أنه من المتوقع جدا حدوث مثل هذه الكمائن لأن مقاربة المقاومة الآن تعتمد على قتال حرب العصابات.
ورغم إقراره بأن قدرات المقاومة انخفضت بسبب القصف الذي ألحق ضررا بصفوف القيادة المتقدمة، فإن الدويري أشار إلى أن المقاومة لم ترفع الراية البيضاء، وتمتلك القدرة على التكيف والتأقلم مع طريقة إدارة المعركة.
إعلان
خصوصية كمين بيت لاهيا
أوضح الدويري أن كمين بيت لاهيا ليس الأول من نوعه، مشيرا إلى سلسلة من الكمائن السابقة مثل كمائن بيت حانون وكمائن في شرق التفاح وكمائن الشجاعية وكمائن خان يونس، وكمائن رفح، سواء كانت كسر السيف أو أبواب الجحيم.
وحول خصوصية موقع الكمين في منطقة العطاطرة ببيت لاهيا، أشار الخبير العسكري إلى أن هذا المكان مماثل بصورة 90% لكمائن كسر السيف، لأنه يقع في أقصى شمال بيت لاهيا.
وأضاف أن منطقة العطاطرة تقع في بدايات المناطق المبنية على نسق كمائن كسر السيف نفسه، التي كانت على مقربة من طريق العودة الترابي الذي يبعد 300 متر عن الحدود.
وقدّر الدويري المسافة بين موقع الكمين والسياج الحدودي بـ1800 إلى 2000 متر، موضحا أن الكمين كان متوقعا لأن جيش الاحتلال دخل إلى ما يوصف بعش الدبابير.
وفي مقارنة بين المناطق المختلفة في شمال غزة، أوضح الدويري أن منطقة بيت حانون تعرضت إلى تدمير يفوق ما تعرضت له منطقة العطاطرة وبيت لاهيا، مشيرا إلى أن معظم التدمير الذي تمّ في بيت لاهيا كان من خلال القصف الجوي أكثر منه من الدخول البري.
إستراتيجية المقاومة
ولفت الدويري إلى أن المقاومة ما زالت تحتفظ بقوتها، وإنْ كانت ليست بالقوة ذاتها التي كانت عليها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أو في الأشهر الأولى بعده.
وأوضح الخبير أن المقاومة تعمل على إدامة قدراتها القتالية من خلال ثلاثة أبعاد رئيسية:
البعد البشري: من خلال عمليات التجميع. البعد المادي: من خلال توظيف الهندسة العسكرية للاستفادة من مخلفات العدو التي لم تنفجر. البعد الاستخباري: حيث لا تزال تملك منظومة استخبارية متطورة.وأضاف الخبير العسكري: كما نجحت كتائب القسام في فريق العودة في الزاوية الشمالية الشرقية من بيت حانون، تمكنت من النجاح في هذه المنطقة أيضا وفي شرقي رفح، وكلها مؤشرات على أن المقاومة ما زالت موجودة.
إعلانأوضح الدويري أن الرسالة المتعددة الأوجه التي تسعى المقاومة لإيصالها من خلال هذه العمليات تتمثل في الحؤول دون تحقيق اختراقات عميقة تسمح لجيش الاحتلال وآلياته للوصول إلى ما تبقى من مدنيين.
وأشار إلى وجود 50 ألف مدني في محافظة الشمال ومليون مدني تكدسوا في مناطق معينة.
وأكد أن المقاومة تحاول أن تنفذ عملياتها بمقاربة ميدانية معينة تحول دون تحقيق اختراقات عميقة من خلال إيقاع القوات المتقدمة بكمائن مركبة توقع خسائر، مشيرا إلى أن جيش الاحتلال في فترة الخسائر بالنسبة له وهذا أمر خطير جدا.
البعد السياسي للعمليات
وفيما يتعلق بتأثير الخسائر البشرية على قرارات الاحتلال، لفت الدويري إلى أنها باتت تمثل معضلة سياسية أكثر منها عسكرية.
وأوضح أن الإعلان عن سقوط قتلى في المرحلة الحالية يختلف وأصبح أكثر إيلاما عن الإعلان عن سقوط العدد نفسه في الأشهر الأولى من الحرب.
وأشار الدويري إلى تغير في موقف المجتمع الإسرائيلي، قائلاً: في الأشهر العشرة الأولى كانت هناك وحدة في المجتمع الإسرائيلي ووحدة في القيادة السياسية والعسكرية.
أما الآن فالجميع يصر -باستثناء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وبعض وزراء أقصى اليمين مع القاعدة اليمينية- على أن هذه المقاربة العسكرية لا تفضي إلى نتائج ذات قيمة ولا يمكن أن تساعد على إنقاذ الأسرى.
وحول البعد السياسي للعمليات العسكرية الإسرائيلية، يرى الخبير العسكري أن الكل مجمع، باستثناء اليمين المتطرف، على أن هذه المعركة الحالية المسماة عربات جدعون هي لخدمة نتنياهو شخصيا ولخدمة أهدافه السياسية وبقائه السياسي.
وأضاف أن المقاومة تحاول أن توقع الخسائر لأن وقعها على الشارع في الكيان الإسرائيلي سيكون مختلفا، مذكرا بكمين البريج الذي أسفر عن مقتل 22 جنديا في لحظة واحدة.
إعلانوأشار إلى أن جيش الاحتلال يدفع ضريبة الدم من أجل بقاء نتنياهو على رأس الحكومة، في إشارة إلى الأهداف السياسية التي باتت تطغى على الأهداف العسكرية في استمرار العمليات.