د. أحمد التيجاني سيد أحمد

مدخل: الجغرافيا التي تنطق بالأمل

من وادي حلفا شمالًا إلى قيسان شرقًا، ومن سواكن على ساحل البحر الأحمر إلى فاشر السلطان في غرب السودان، يمتد وطنٌ متشظٍّ بين الهامش والمركز، بين التاريخ والخيبة، بين الأمل واليأس. هذا الامتداد الجغرافي ليس مجرد رسم على الخريطة، بل هو خارطة الألم والرجاء، وهو اليوم أيضًا، خارطة ميلاد السودان الجديد.



حميدتي: من الهامش إلى صناعة السياسة

القايد حميدتي لم يصل إلى قلب المشهد السوداني بالقوة وحدها. ما يلفت الانتباه في شخصيته هو حرصه الدائم على التعلم، على التفويض، على الاستماع إلى المستشارين، وعلى إحاطة نفسه بمن يمتلكون الكفاءة والقدرة. خلف مظهر الرجل الشعبي تقف شبكة من المستشارين والخبراء في القيادة، العدالة الانتقالية، والتحولات السياسية، لا تجد مثيلاً لها في مؤسسات الدولة السودانية المتهالكة.

 

ومن أقواله: **نحن مع التحول الديمقراطي ومع دولة مدنية كاملة.** ، **ما دايرين حكم عسكري في السودان، نحن دايرين دولة عدالة ومساواة.** ، **الناس في السودان تعبت، وحقها علينا نوقف الحرب ونبني بلدنا.**

التعلم والنضج القيادي: من الذات إلى الجماعة

حميدتي لم يكتفِ بتعلم مهارات القيادة التقليدية، بل انفتح على التكنولوجيا الحديثة، واستخدم أدوات إدارة الأزمات الرقمية، واستثمر في تدريب مستشاريه. يذكرنا هذا بنموذج **العادات السبع** لستيفن كوفي: **من النصر الشخصي إلى النصر العام وشحذ المنشار**. لم يبقَ التعلم حكرًا عليه، بل أتاحه لمحيطه السياسي في بحث دائم عن النضج.

تأسيس: مشروع السودان الجديد

**تحالف تأسيس** ليس حركة عابرة بل محاولة لإعادة كتابة العقد الاجتماعي السوداني، بإسقاط الإسلام السياسي، كسر المركزية، وبناء دولة مدنية لا مركزية تعترف بالتنوع.

الحمض النووي السياسي: استعارة لفهم السودان

الحامض المنوي (DNA) هو المادة التي تحمل المعلومات الوراثية، والجين اوً الموروثة (Gene) جزء منه. بينما الجيًن هو وحدة المعلومات الوراثية في الكائنات الحية. بكلمات بسيطة: إذا اعتبرنا الحمض النووي (DNA) كتابًا ضخمًا، فإن الجينات هي الفصول أو الصفحات التي تحمل وصفات محددة مكتوبة داخله.

سياسيًا يمتلك السودان حمضًا نوويًا (DNA) وطنيًا غنيًا، لكن جيناته الوطنية ظلّت معطلة. وكما يحدث في العلم، حيث يحتاج الحمض النووي DNA أحيانًا إلى طفرات لإعادة تفعيل الجينات، فإن السودان يحتاج إلى طفرة سياسية واجتماعية تُعيد إليه الحياة والحيوية.

لماذا السودان الجديد ضرورة تاريخية؟

رواندا، إثيوبيا، كينيا، جنوب إفريقيا… كلها أمثلة على بلدان أعادت تشكيل ذاتها. السودان بحاجة إلى قيادة جديدة تعيد تشغيل جيناته الوطنية.

الحلول الجذرية

١- اجتثاث الإسلام السياسي.

٢- بناء نخبة جديدة.

٣- إعادة توزيع السلطة والثروة.

٤- إصلاح التعليم والإعلام.

٥- فتح السودان على العالم كشريك.

ما قل ودل

تندر الجهلة والآفاقون على خلفية القائد حميدتي الريفية والقروية، وكأن الشعب السوداني قادم من حضر إنجلترا أو ولاية كاليفورنيا! وهذا بحد ذاته يكشف عورة ما تُسمى بالنخب المركزية، التي لا تفتخر بأصولها ولا بتاريخها ولا بجذورها.

فمثلا، انا اعجمي منً أقصى شمال السودان بينما القايد حميدتي من أقصى غرب السودان. تجمعنا المواطنةً و مخافة الله. كلانا من اهل الطريق **تيجانية متصوفةً**؛ ولقد شببت في مجتمع كان يسمي لكل طفل شاة او غنيماية يقوم بالاعتناء بها الي ان يبلغ عمر الكتاب. مجتمع علمونا فيه بان رعاية الماشية والأغنام مهنة الرسل والأنبياء يأتي في مقدمتهم المصطفى صلى الله عليه وسلم ولهذا تعتبر من اشرف وأعظم المهن.

بحثتُ ووجدتُ أن القائد حميدتي أذكى وأقوى شكيمة من كثيرين من هذه النخب المصابة بالقنوط والتي برعت في ممارسة الفشل: تفرغ القايد حميدتي لدروس القيادة والعدالة الاجتماعية والانتقالية، تأكد من أن أعوانه ومستشاريه يتحصلون على أرفع الدرجات والقدرات في القيادة، أتقن مهارات التروي قبل اتخاذ القرار، ولم يُضِع وقته مع الجهلة والمدعين.

**لكن هناك ما هو أعمق من التعلم**؛ هناك تلك الخصلة المحددة لكل مخلوق، اسمها الحمض النووي (DNA). باختصار: DNA هو المادة الكيميائية التي تحمل المعلومات الوراثية، والجين (gene) هو جزء من ال DNA يحمل تعليمات لصنع بروتين معين أو أداء وظيفة محددة. بمعنى آخر: تخيّل أن الـDNA هو كتاب ضخم، والجينات هي الفصول أو الصفحات التي تحمل وصفات محددة داخله.

**فاهمين حاجة؟

**فاهمين لماذا سقط البرهان؟

**فاهمين لماذا يختفي الكيزان كالجرذان؟

**فاهمين لماذا اندلعت الحرب في السودان؟

الحرب :الإجابة القصيرة والواجبة:

الحرب في جوهرها نتيجة مباشرة لسببين:

-  نخبة سياسية وفكرية قاصرة ومتخلفة منذ الاستقلال،

-  ومؤامرات وهيمنة الإسلام السياسي على مجريات الأمور في السودان منذ ١٩٧٧.

الحلول واضحة:

أولًا: وبصورة عاجلة: القضاء التام على الإسلام السياسي الكيزاني العنصري المرتشي،

ثانيًا: إعادة بناء نخبة مركزية تعرف أصولها التاريخية والجزْرية وتنظر إلى الداخل لا إلى الخارج العروبي العنصري بخنوع وادعاء.

الخاتمة: هل نحن مستعدون لميلاد السودان الجديد؟

**من وادي حلفا إلى قيسان، ومن بورسودان إلى فاشر السلطان، يمتد الجرح، ويمتد الأمل.

**وراء الحرب فرصة لبناء وطن.

**وراء حميدتي وتحالف تأسيس مشروع وطن يريد أن يولد.

السؤال: هل نحن مستعدون لنكون جزءًا من هذا الميلاد؟

والسلام على من اتّبع الهدى.

د. أحمد التيجاني سيد أحمد

٧ مايو ٢٠٢٥ — روما/نيروبي

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الإسلام السیاسی السودان الجدید الحمض النووی فی السودان التی تحمل

إقرأ أيضاً:

ماذا وراء خطة نتنياهو بشأن غزة التي “لا ترضي أحدا”؟

#سواليف

نشرت شبكة “CNN”، مساء السبت، تحليلا سلط الضوء على #خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين #نتنياهو بشأن قطاع #غزة والتي “لا ترضي أحدا”.

وذكرت القناة أنه وبعد مرور ما يقرب من عامين على حرب غزة، صوّت مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي على توسع عسكري جديد للسيطرة على مدينة غزة.

وهذه الخطة التي بادر بها ودفع بها نتنياهو نفسه، تكشف بلا شك عن مناوراته السياسية الداخلية أكثر مما تكشف عن أي استراتيجية عسكرية مدروسة جيدا.

مقالات ذات صلة حماية المستهلك تحذر الأردنيين من تسمم الحر 2025/08/10

وأفادت الشبكة بأنه تم اعتماد الخطة رغم الاعتراض الشديد من القيادة العسكرية الإسرائيلية والتحذيرات الخطيرة من أنها قد تفاقم #الأزمة_الإنسانية وتعرض الخمسين رهينة المتبقين في غزة للخطر.

ويأتي هذا التوسع الكبير في الحرب أيضا على خلفية تراجع كبير في الدعم العالمي لإسرائيل، وتراجع في التأييد الشعبي الداخلي لاستمرار الحرب.

ومع ذلك، دفع نتنياهو بخطته قدما لما لها من فائدة واحدة على الأقل غير معلنة: إنها تمنحه وقتا للكفاح من أجل بقائه السياسي.

ومع شركائه الحاليين في الائتلاف اليميني المتطرف، فإن هذا يعني إطالة أمد الحرب، علما أن حلفاء نتنياهو إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش أحبطا مرارا وتكرارا التقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار وأجهضوه مهددين بانهيار حكومته إذا انتهت الحرب.

وفي الواقع، لا ترقى خطة نتنياهو لمحاصرة مدينة غزة إلى مستوى مطالب شركائه في الائتلاف، إذ يدفع بن غفير وسموتريتش باتجاه احتلال كامل للقطاع المحاصر كخطوة أولى لإعادة بناء المستوطنات اليهودية في غزة، وفي نهاية المطاف ضمها، كما أنها أقل مما روج له نتنياهو نفسه قبل الاجتماع.

وفي مقابلة الخميس، صرح نتنياهو لقناة “فوكس نيوز” بأن إسرائيل تنوي السيطرة على غزة بأكملها، كما لو أنه حسم أمره باحتلالها بالكامل.

وبدلا من ذلك، اختار نتنياهو الترويج لخطة تدريجية تركز فقط على مدينة غزة في الوقت الحالي دون السيطرة على مخيمات أخرى قريبة، حيث يعتقد أن العديد من الرهائن الإسرائيليين العشرين المتبقين محتجزون.

كما تعمد نتنياهو تحديد موعد نهائي فضفاض نسبيا لبدء العملية (بعد شهرين) تاركا الباب مواربا أمام دفعة دبلوماسية أخرى لإعادة إطلاق صفقة تبادل الرهائن لوقف إطلاق النار وإلغاء العملية برمتها.

والآن، يبدي شركاؤه اليمينيون غضبهم من القرار، مدعين أن الخطة غير كافية وأن تصعيد الحرب وحده يكفي.

وقال مصدر مقرب من سموتريتش: “قد يبدو الاقتراح الذي قاده نتنياهو ووافق عليه مجلس الوزراء جيدا، لكنه في الواقع مجرد تكرار لما حدث.. هذا القرار دون معنى وليس أخلاقيا ولا صهيونيا”.

ولفتت الشبكة الأمريكية إلى أن خطة نتنياهو الأخيرة لم ترض شركاءه في الائتلاف ولا القيادة العسكرية الإسرائيلية.

وخلال اجتماع مجلس الوزراء الماراثوني الذي استمر 10 ساعات، قدم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير، معارضة الجيش القاطعة لخطط الحكومة لإعادة احتلال القطاع.

وحذر كبير جنرالات الجيش الإسرائيلي من أن أي عملية عسكرية جديدة ستعرض كلا من الرهائن المتبقين والجنود الإسرائيليين للخطر، محذرا من أن غزة ستصبح فخا من شأنه أن يفاقم استنزاف قوات الجيش الإسرائيلي المنهكة أصلا جراء ما يقرب من عامين من القتال المتواصل، وأنه يعمق الأزمة الإنسانية الفلسطينية.

وتعكس المخاوف العسكرية مشاعر الرأي العام الإسرائيلي على نطاق واسع: فوفقا لاستطلاعات رأي متكررة، يؤيد غالبية الإسرائيليين اتفاق وقف إطلاق نار من شأنه إعادة الرهائن وإنهاء الحرب، لكن عملية صنع القرار الحالية لنتنياهو منفصلة عن كل من المشورة العسكرية والإرادة الشعبية، بل مدفوعة كما يقول المحللون والمعارضون السياسيون، بضرورة البقاء السياسي الضيقة.

كما تضع خطة الاستيلاء على غزة نتنياهو وإسرائيل في عزلة دولية غير مسبوقة، فعلى الرغم من الحرية المطلقة التي منحها له البيت الأبيض بقيادة الرئيس ترامب في حرب غزة، إلا أن المجاعة وأزمة الجوع المتزايدة قد قللت بالفعل من الشرعية العالمية لحرب إسرائيل، وكانت التداعيات الإضافية لقرار الحكومة الأخير سريعة وواضحة حيث أعلنت ألمانيا ثاني أهم حليف استراتيجي لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، أنها ستعلق بعض صادراتها العسكرية إلى إسرائيل مما مهد الطريق أمام دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لمزيد من تخفيض مستوى العلاقات.

ووفق “CNN” يمضي نتنياهو قدما بـ”خطة لا ترضي أحدا” فحلفاء إسرائيل في الخارج، وقيادتها العسكرية، وجمهور يريد إنهاء الحرب من جهة، ومن جهة أخرى شركاؤه المتشددون المستاؤون الذين يرون أنها لا تكفي.

والجمهور الذي تخدمه هذه الخطة هو نتنياهو نفسه بالأساس فهي تمنحه مزيدا من الوقت لتجنب الخيار الحتمي بين وقف إطلاق نار حقيقي قد ينقذ الرهائن أو تصعيد عسكري شامل يرضي ائتلافه، إنها أكثر من مجرد خطوة استراتيجية بل مناورة كلاسيكية أخرى من نتنياهو لإطالة أمد الحرب مع إدامة الأذى والمعاناة لسكان غزة والرهائن الإسرائيليين على حد سواء وكل ذلك من أجل بقائه السياسي.

مقالات مشابهة

  • نُحي كل المقاتلين في فاشر السلطان على هذا الثبات الأسطوري
  • قريبا.. خط سكة حديد بين عطبرة ووادي حلفا
  • قتل الشاهد.. الجريمة التي تُضاعف جريمة الحرب
  • جنرال إسرائيلي: لماذا لم تُهزم “حماس” بعد كل الضربات التي تلقتها؟
  • الفاشر تمنحنا شارة إشارقة الغد المأمول
  • د. جبريل إبراهيم يشيد بصمود القوات المسلحة والقوات المشتركة في معركة فاشر السلطان
  • جنرال إسرائيلي: لماذا لم تُهزم حماس بعد كل الضربات التي تلقتها؟
  • فاشر السودان … سِفْرٌ من دموع الرمال والذاكرة
  • ماذا وراء خطة نتنياهو بشأن غزة التي “لا ترضي أحدا”؟
  • ما وراء خطة نتنياهو بشأن احتلال غزة التي لا ترضي أحدًا؟