تحول المجال السوداني لحيز إختبار لتفوق المسيرات !
 
بقلم : محمد بدوي
 

الأحداث التي شهدها السودان في مطلع الشهر الاول من مايو ٢٠٢٥ والذي يصادف بداية السنة الثالثة للحرب في السودان بين الأطراف الرئيسية الجيش والدعم السريع وتحالفاتها المقاتلة والتي برزت مع إستمرار الحرب، والتي تمثلت في قصف الجيش  لطائرة شحن من طراز بوينق بمطار نيالا بولاية جنوب دارفور والتي راح على اثرها ما يقارب ال٧٩ من جرحي مقاتلي الدعم السريع بما يشمل طاقم الطائرة الكابتن الذي وفقا لوسائل الاعلام تنحدر أصوله من دولة جنوب السودان،  بالإضافة إلي ثلاثة آخرين من مساعديه الكينيين، بالمقابل إستهداف الدعم السريع عبر المسيرات مطارات كسلا وبورتسودان ومواعين الوقود وأعيان مدنية اخري ببورتسودان، إمتد الامر الي قصف لسد مروي بالولاية الشمالية، والدمازين بالنيل الازرق، خزانات نفطية بكوستي ، ومواقع بكنانة بولاية النيل الابيض، مثلت نقلة نوعية شرسة ومتسارعة في سياق القتال، حيث برزت أهداف الدعم السريع في قصف المطارات، المقار العسكرية  ومخازن السلاح، محطات تخزين الوقود .

الجدير بالذكر أن دخول المسيرات في حرب السودان بدء بالتقريب في أغسطس ٢٠٢٤ من طرف  الدعم السريع، بينما تأخر الجيش حتي مارس ٢٠٢٤، وفقا للمصادر المفتوحة وليست معلومات موثوقة فقد يكون أمتلاك الأطراف للمسيرات قبل ذلك لكن جاء الإستخدام في التواريخ المشار اليها .
بالعودة إلي سياق الحرب فقد أعلن الدعم السريع على لسان قائده الفريق محمد حمدان دقلو حميدتي في خطابه الذي جاء عقب بدء  الخروج/ إنسحاب قواته من ولاية الخرطوم وبررت الخطوة باعادة  التموضوع العسكري، ليظل الامر مختلفا حول أسبابه كما يتضح ذلك من تصريحات دالجيش التي  ذهبت الي العكس بان السيطرة تمت عسكريا أي الإجبار على الخروج مع الإشارة إلي تواجد قوات للدعم السريع غربي أمدرمان .

عقب ذلك كشف الدعم السريع عن إسقاط طائرات عسكرية بكل من الفاشر ونيالا والخرطوم الامر الذي إسند بامتلاك أسلحة متطورة تشمل المسيرات وأجهزة الرادارات  التشويش، في ظل هذه السردية جاء قصف الجيش لطائرة الشحن بمطار نيالا، ليكشف القصف عن ثقوب في  سردية تامين الفضاء الجوي من قبل الدعم السريع نسبيا، ويشير في ذات الوقت الي إمتلاك الجيش أسلحة يرجح أن منها مسيرات حديثة وتقنية تمكن  من إختراق رادارات الدعم السريع .

لعل هذا التطور يكشف التحرك السريع  للدعم السريع  سلسلة الإستهدافات لعدة مناطق أدخلت الاقليم الشرقي إلي دائرة الحرب بعد استقرار دام عامين، بينما إستدعت السلطات السودانية  قبل وقت قصير السفير الصيني بالخرطوم لاستفساره عن امتلاك الدعم السريع لمسيرات صينية الصنع، ربما يكشف هذا التوجيه الذي وجهته الحكومة الصينية لاحقا لرعاياها المتواجدين بالسودان للمغادرة فورا.

بالمقابل في ٤ مايو ٢٠٢٥أي اليوم التالي للاستهداف الأول لمطار بورتسودان الدولي وقاعدة فلامنقو العسكرية،  كشفت مصادر صحفية عن هبوط وإقلاع طائرة اسعاف تركية، عملت على إجلاء طاقم تركي فني على صلة إشرافية على  مسيرات تركية إمتلكها الجيش والتي يرجح أنها وراء قصف مطار نيالا في الاول من مايو٢٠٢٥.

المعلومات غير الرسمية التي رشحت من الجيش أو الدعم السريع أو وسائل الاعلام المحلية يمكن تلخيصها لتتبع أسباب هذا التطور العسكري العنيف، في امتلاك الاطراف الرئيسية للحرب لمسيرات تركية وصينية الصنع، مع تفوق الجيش في اختراق رادارات الجيش بمطار نيالا، وتدمير مخزون من الأسلحة، الأمر الذي قاد إلي سباق من قبل الدعم السريع للقضاء على مخزون الجيش من المسيرات التركية وغيرها من الاسلحة المتطورة المتواجدة بمطارلي ببورتسودان، وإستهداف المستودعات  النفطية للتأثير على الحركة اللوجستية للجيش،  وإدخال نشاط  الحرب إلي  إلي قرب ساحل البحر الأحمر، قبل أن تقف الغارات الأمريكية على الحوثي باليمن على خلفية أستهداف السفن التجارية من قبل الحوثي، ولعل تاثير تلك العمليات الحوثية على السفن، أثر في عائدات قناة السويس بنسبة كبيرة خلال ٢٠٢٤.

عطفا على ما سبق مع  بداية العام الثالث للحرب في السودان، صار هناك سباق لإمتلاك الاسلحة المتطورة من قبل الأطراف، بالمقابل تمثل الحالة إحالة إلي  ضعية تفوق للمسيرات لصالح الدول المصنعة، يمكننا تقصي ذلك في تفوق المسيرات التركية في اختراق مطار نيالا، وفشل الدفاعات الارضية في بورتسودان من صد المسيرات الصينية.

من ناحية ثالثة  ووفقا لتقرير حقوقي من منظمة هيومان رايتس ووتش ان دولة الامارات أعادت تصدير أسلحة صينية الصنع للدعم السريع، الأمر الذي يعيد الربط بين الامارات ومحاولاتها السابقة خلال الفترة الانتقالية للسيطرة الايجارية  على ميناء بورتسودان، ثم التحول الي التفكير في ميناء آخر بمنطقة أبوعمامة، بالمقابل فقد ظل وجود تركيا بميناء سواكن في فترة سيطرة النظام السابق وبعض الوقت خلال الفترة الانتقالية، فيما ظلت إسرائيل تسعى لحيز أمني أيضا على ساحل البحر الاحمر في تلك الفترة والتي نشطت فيها جهود محاولات حمل السلطة الانتقالية آنذاك للتطبيع معها.

جميع هذه النقاط يمكن تلخيصها في سياقين داخلي وخارجي، فالداخلي أن الحرب التي بدأت في ١٥ أبريل ٢٠٢٣ في السودان وصلت مرحلة التنافس في امتلاك التقنيات العسكرية الحديثة، وما حدث في مطاري نيالا وبورتسودان رهين بما ستكشف عنه الأيام القادمة ومن سيتمكن من الحصول على تقنيات عسكرية تفوق الآخر بما يشكل المسيرات والرادارات.

أما في السياق الخارجي  فإن الحرب صارت أكثر ارتباطا بمصالح  الحلفاء الاقليميين، والخريطة الجديدة للموارد، حيث لابد من الوقوف على أن ٢٠٢٥ شهد قصف لمدن بورتسودان والحديدة اليمنية الساحليتان !! إضافة إلي الأحداث الموازية التي لا تنفك عن مشهد التنافس حول تقنيات التسليح حيث التفوق الصيني علي مقاتلات الرافال الفرنسية في الصراع الذي بدأ بين الهند وباكستان، الحالة التي اثبتت أن وقف القتال ممكنا بالوعي والإرادة السياسية .

تحول سماء السودان إلي ساحة إختبار لتقنيات الاسلحة الحديثة لصالح لدول المصنعة يشير إلي أن إتساع نطاق الاطراف الدولية  في حرب السودان، الأمر الذي ينعكس مباشرة طول أمد الحرب في السودان عبر تحول الحيز والمجال السوداني لساحة إختبار لتفوق الأسلحة لصالح الدول المصنعة! وأن القادم هو من الحليف الدولي الذي سيظهر في مشهد السيطرة على مواني بورتسودان والحديدة والساحل !

الخلاصة: ما يجري في السودان لابد من النظر إليه في سياقه التاريخي بدء من الأزمة المالية العالمية في ٢٠١٣، صراعات حزب المؤتمر الوطني المحلول حول إنتخابات الرئاسة ل٢٠١٥، إقتناص أطراف بالوطني المحلول للصراع وإعادة تنظيم حرس الحدود إلي الدعم السريع في ٢٠١٤، حصول القوات الرديفة بدارفور على ٥٤ مليون دولار في ٢٠١٤ من عائدات الذهب بأسواق دبي،  وأن السبب الرئيسي لبدء إنسحاب  بعثة  اليونامد في ٢٠١٧ عقب التلويح  بالقرار في  ٢٠١٥ إلي إكتماله في ٢٠١٩ مرتبط بتاثير الازمة المالية العالمية وتغير سياسات بعض الدول الممولة للبعثة مثل الإدارة الامريكية، تعاقد الأمارات على ميناء بربرا بارض الصومال في ٢٠١٥ وإستئجار مهبط بميناء عصب الاريتري في ٢٠١٧، ليمر العالم بازمة مالية آخري نتيجة لجائحة الكوفيد، مع العلم أن السودان وصل ذروة الأزمة الاقتصادية بدء من٢٠١٦ حتي سقوط نظام الحركة الإسلامية في ٢٠١٩، ليتم زعزعة الفترة الإنتقالية في السودان بعدة طرق من النظام السابق للعودة للسلطة، ثم جاء إنقلاب ٢٠٢١ الذي مثل مرحلة ما قبل حرب ٢٠٢٣ الراهنة، لنختم القول بأن التنافس الداخلي والخارجي حول السلطة والموارد هما دافعا الحرب، ليمثل التاخير في وقف الحرب من الاطراف الداخلية قد يقود إلي ضم الحالة إلي المشهد الدولي الذي ترتبط فيه التسويات مقابل الموارد، أو إحتمال الإخضاع للإشراف الأجنبي ايضا كطريق للسيطرة.

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الدعم السریع فی السودان من قبل

إقرأ أيضاً:

تحالف “الحلو” و”حميدتي” هل يسعى لتطويق الجيش السوداني في كردفان؟

وكالات- متابعات تاق برس- قالت إذاعة مونت كارلو أنه وفي وقت مازالت الحرب فيه مستعرة بالسودان، ومازالت الأطراف المتناحرة فيها تبحث عن مكاسبها الخاصة، وفي وقت تواجه فيه البلاد أزمات إنسانية واقتصادية واجتماعية بأشكال غير مسبوقة. بسبب المعارك، التي أنهكت السودانيين ودمرت نسبا كبيرة من البنى التحتية في البلاد؛ تشهد ولاية كردفان تطورات حاسمة؛ مع إعلان الحركة الشعبية شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو، الإثنين الماضي سيطرتها على منطقة الدشول في ولاية جنوب كردفان، إثر معارك ضارية استمرت لأيام مع الجيش السوداني.

 

وأوضحت الإذاعة أن نائب رئيس الحركة جقود مكوار، قال في كلمة أمام مقاتلي حركته أنه لا بديل لمشروع السودان الجديد إلا مشروع السودان الجديد، مؤكدا مواصلة القتال ضد الجيش السوداني، ومشددا على جاهزية قوات “تأسيس” (تحالف السودان التأسيسي) واستعدادها الكامل لـ”تحرير كافة الأراضي السودانية من الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه”.

وأضاف أن “القوات في أفضل حالاتها وتمتلك زمام المبادرة العسكرية، والحركة الشعبية ماضية في مشروعها لتأسيس سودان علماني ديمقراطي لا مركزي يسع الجميع”، متوعدا بتحقيق “انتصارات مهمة خلال الأيام والأشهر المقبلة”.

 

ومنذ الأربعاء الماضي، احتدمت المعارك بين الجيش وقوات الحركة في الدشول، بينما تتصاعد المعارك في محور غرب كردفان بين قوات الجيش والمجموعات المتحالفة معه والدعم السريع وحلفائها.

ووفقا لمراقبين، يأتي هذا التطور في وقت يسعى فيه الحليفان، الحركة والدعم السريع، إلى تطويق الجيش السوداني بين الدشول ومحور غرب كردفان.

لكن على الرغم من تحالفهما، سياسيا وعسكريا، تبرز الكثير من الأسئلة حول متانة الحلف بين الحركة والدعم السريع، بالأحرى بين الحلو ودقلو. وينظر العديد من الفاعلين داخل الحركة إلى دقلو بعين الريبة، متخوفين من سعيه لبسط سيطرته على منطقة جبال النوبة، العمق الاستراتيجي للحلو.

يذكر أن الحركة الشعبية شمال في جنوب كردفان، تقاتل الجيش السوداني منذ عام 2011. وبعد سقوط نظام البشير أعلن الجانبان وقف إطلاق النار، لكن سرعان ما تجددت المعارك بينها بعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، وتحالف عبد العزيز الحلو مع حميدتي.

وكانت الحركة قد وقعت اتفاقا مع الدعم السريع في أبريل الماضي، إضافة إلى مجموعات وشخصيات سياسية أخرى، لتأسيس تحالف سياسي عسكري تحت مسمى “تحالف السودان التأسيسي”.

في الأثناء قال الجيش السوداني اليوم الأربعاء أن قواته بمدينة الدلنج التابعة للفرقة الرابعة عشرة مشاة – كادوقلي بجنوب كردفان استطاعت تدمير مجموعة كبيرة من مرتزقة مليشيا الدعم السريع واستلام عدد من الأسلحة والطائرات المسيرة.

 

الجيش السودانيالحركة الشعبية شمالحميدتي

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يحقق انتصارات جديدة ويلحق بقوات الدعم السريع هزائم موجعة
  • الجيش السوداني يواصل التقدم ويسيطر على منطقة جديدة بالنيل الأزرق
  • طيران الجيش السوداني يقصف مواقع عدة
  • الجيش السوداني يعلن استعادة "بالدقو" ومحيطها بولاية النيل الأزرق
  • الجيش السوداني يعلن استعادة بالدقو ومحيطها بولاية النيل الأزرق
  • تحالف “الحلو” و”حميدتي” هل يسعى لتطويق الجيش السوداني في كردفان؟
  • السودان يطالب المجتمع الدولي بتصنيف ميليشيا الدعم السريع جماعة إرهابية
  • الخرطوم: “الدعم السريع” ارتكبت “إبادة جماعية” والدول الراعية للمليشيا متورطة في الجريمة
  • الجيش السوداني يستولي على مسيرات ودانات تابعة للدعم السريع
  • السودان: دولتان عربية وإفريقية تعترفان برعاية مليشيا “الدعم السريع”