العراق يعتزم إحياء خط أنابيب النفط كركوك-بانياس عبر سوريا
تاريخ النشر: 12th, May 2025 GMT
بغداد – أرسل العراق وفدًا رسميا رفيع المستوى الشهر الماضي إلى سوريا لدراسة الجدوى الفنية والاقتصادية لإعادة تأهيل وتشغيل خط أنابيب كركوك-بانياس وهو أحد أقدم مسارات تصدير النفط في منطقة الشرق الأوسط.
تأتي الخطوة في إطار سعي حكومة العراق لتنويع منافذه التصديرية للنفط وتأمين بدائل مستدامة في ظل التحديات الإقليمية الراهنة.
وتكتسب زيارة الوفد العراقي أهمية مضاعفة كونها أول زيارة رسمية رفيعة المستوى بين البلدين بعد التغييرات السياسية التي شهدتها سوريا في نهاية عام 2024، وتتويجًا لمباحثات أولية جمعت رئيس الوزراء العراقي بالرئيس السوري على هامش لقاءات ثنائية عقدت في قطر في وقت سابق من هذا الشهر.
قال المستشار الحكومي علاء الفهد إن زيارة الوفد العراقي إلى دمشق حملت مؤشرات جدية تركزت حول بحث سبل إعادة تأهيل أنبوب كركوك-بانياس النفطي.
وقال الفهد في تعليق للجزيرة نت إن هذه الزيارة تأتي في إطار سعي الحكومة العراقية لتنويع منافذها التصديرية لتأمين استمرار تدفق الصادرات النفطية العراقية عند حدوث أي طارئ، فضلًا عن تعزيز التعاون الاقتصادي واندماج العراق في محيطه الإقليمي.
وفي ما يتعلق بضمانات استمرار تدفق النفط عبر الأنبوب، أكد الفهد إمكانية إبرام اتفاقات دولية ملزمة تضمن هذا الاستمرار ضمن إطار قانوني واضح، مضيفا أن هذه الضمانات ستشمل إشرافًا أمنيا وفنيا مشتركا على مسار الأنبوب، بالإضافة إلى مشاركة أطراف دولية على شكل شركات أو مراقبين في عملية التشغيل، لافتًا إلى أهمية الاتفاق على حماية الأنبوب من خلال تفاهمات إقليمية أوسع قد تشمل دولًا ذات نفوذ في سوريا مثل روسيا وإيران.
إعلانوعن الخطوات المتفق عليها لوضع آليات إعادة العمل بالأنبوب، بيّن الفهد أن ثمة إجراءات أولية تتمثل في البدء بمسح فني شامل لحالة الأنبوب يتبعه تشكيل لجان فنية مشتركة عراقية سورية تضم خبراء وفنيين لدراسة الحالة الفنية والأمنية للأنبوب، وتقديم دراسة حول متطلبات التأهيل الهندسي والتقني، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية إدخال تقنيات حديثة لتسهيل العمل.
وشدد على أهمية ضمان حماية الأنبوب نظرًا للوضع الأمني غير المستقر في المنطقة، مؤكدًا حاجة العراق لضمانات تمنع تعرض هذا الجزء الحيوي من البنية التحتية النفطية لأي أعمال تخريبية.
وأوضح الفهد أن الكلفة التقديرية الأولية لإعادة تأهيل الأنبوب، الذي تضرر في عام 2003 وتعرض للإهمال منذ ذلك الحين، تراوح بين 300 إلى 600 مليون دولار، مضيفا أن هذه التكلفة قد تشمل استبدال أجزاء متضررة من الأنبوب.
وبخصوص التمويل، أشار إلى أن الخيارات المتاحة تشمل التمويل عبر الموازنة العامة، أو من خلال عقد شراكات مع شركات عالمية متخصصة، أو عبر دعم من شركات إقليمية تستثمر في المشروع بما يضمن تحقيق مردود اقتصادي للعراق وسوريا.
وقالت مصادر في وزارة الطاقة السورية التي تسلّمت مهام عملها حديثًا، للجزيرة نت، إن مشروع خط النفط العراقي يُعد من الملفات ذات الأولوية لدى الوزارة، ويجري النظر فيه ضمن خطة أوسع للتعاون الإقليمي في قطاع الطاقة.
المصالح المشتركةأكد الخبير النفطي أحمد عسكر أن توجه العراق نحو تحسين علاقاته مع جميع دول الجوار يمثل خطوة ضرورية لتحقيق توازن اقتصادي وإنعاش الاقتصاد الوطني.
وتناول عسكر في تعليق للجزيرة نت وضع خط الأنابيب العراقي السوري الذي يمتد إلى ميناء بانياس، والذي أنشئ في عام 1952 قائلا إن هذا الخط، البالغ طوله نحو 800 كيلومتر وبطاقة ضخ تصل إلى 300 ألف برميل يوميا، يعاني من تقادم شديد تجاوز 7 عقود، وتضرر نتيجة للظروف الأمنية غير المستقرة والأعمال التخريبية.
إعلانوعن الجدوى الاقتصادية لإعادة تأهيل الخط، قال عسكر "في ظل إنتاج كركوك الحالي الذي لا يتجاوز 300 ألف برميل يوميا، يبقى السؤال عن قدرة هذا الإنتاج على تلبية طاقة الخط وتحمل تكاليف النقل وإعادة التأهيل"، منوها إلى أنه في حال وجود خطط لزيادة الإنتاج في كركوك، فإن إعادة تفعيل هذا الشريان النفطي قد تمثل خيارًا إستراتيجيا.
ولفت عسكر إلى أن هذا المسار يمنح العراق ميزة الوصول المباشر إلى الأسواق الأوروبية عبر البحر الأبيض المتوسط.
من جانبه، يقول المحلل الاقتصادي سعد الشارع إن الخط تعرض لانقطاعات كبيرة وتفجيرات في مناطق عدة داخل سوريا.
ويقول في حديث للجزيرة نت إن معظم الآراء الفنية تميل إلى أن الخيار الأفضل هو إنشاء خط جديد، بسبب حجم التخريب الكبير، ولأن خط النقل لم يُضخ فيه النفط منذ سنوات طويلة، فأدى ذلك إلى تآكل داخلي كبير يصعب معه إصلاحه أو إعادة تأهيله.
ويضيف أن "تنفيذ هذا المشروع يتطلب أولًا توافقًا سياسيا بين الحكومتين السورية والعراقية، يليه اتفاق اقتصادي بين وزارة النفط العراقية وهيئة النفط السورية"، مشيرًا إلى أن بوادر هذا التفاهم ظهرت في الزيارة الأخيرة لوفد وزارة النفط العراقية إلى دمشق، والتي طُرح فيها موضوع إعادة تفعيل الخط.
عوائد ماليةيرى الأكاديمي والباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية الدكتور عبد المنعم حلبي أن المشروع يحمل أهمية إستراتيجية كبرى، تتجاوز البعد التقني لتصل إلى فرص اقتصادية حقيقية يمكن أن تنعكس على سوريا بشكل مباشر.
ويقول حلبي للجزيرة نت إن العوائد الاقتصادية لهذا المشروع تنقسم إلى قسمين رئيسيين:
الأول: عوائد مالية مباشرة قد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات سنويا تدخل خزينة الدولة. الثاني: عوائد تجارية تتمثل في الحصول على كميات من النفط العراقي بأسعار مخفضة لتكريرها في مصفاة بانياس، بما يسهم في دعم السوق السورية بالمشتقات النفطية. إعلانويشير حلبي إلى أن النظام السوري لم يكن يفصح عن حجم هذه العوائد في الماضي، إلا أن التحصيل كان "جيدًا جدا مقارنة بقيمة الدولار في السبعينيات"، لافتًا إلى أن تقديرات اليوم تُظهر إمكانات مالية كبيرة إذا أُنجز المشروع بنجاح.
وتشير المعطيات إلى أنه في حال تفعيل المشروع، يُتوقع أن يتحول إلى رافعة اقتصادية للبلدين، خصوصًا لسوريا التي تعاني من أزمة وقود مزمنة، وسيتيح لها هذا الخط موارد إضافية وفرص شراكة إقليمية في مجال الطاقة.
ويؤكد حلبي أن نجاح المشروع مرهون بتجاوز العقبات السياسية أكثر من الفنية أو اللوجستية، موضحًا أن العراق له مصلحة إستراتيجية في استخدام الموانئ السورية لتعويض محدودية موقعه الجغرافي، ويمكنه إدارة المشروع ماليا واستقدام الشركات والخبرات اللازمة، بل طرحه للاستثمار المشترك عبر شركة سورية عراقية متخصصة.
وفي ما يتعلق بمنفذ التصدير عبر تركيا إلى ميناء جيهان، أوضح عسكر أنه "كان يمثل خطا إستراتيجيا مهما لتصدير النفط العراقي عبر إقليم كردستان، إلا أن الخلافات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، بالإضافة إلى المطالبات المالية من الشركات العاملة وحكم قضائي لمصلحة العراق لم يتم تنفيذه، أدت إلى توقف تدفق النفط عبر هذا الخط، وذلك ما يكبد العراق خسائر تقدر بمليارات الدولارات".
تحدياتويرى الخبير في شؤون النفط والطاقة عاصم جهاد أن العراق يسعى لإعادة تفعيل خط كركوك-بانياس المتوقف منذ نحو 25 عامًا لتنويع منافذه التصديرية رغم التحديات التي تواجه القطاع النفطي العراقي وتقييد "أوبك بلس" للإنتاج والخلافات مع الإقليم.
وقال جهاد للجزيرة نت إن العراق يواجه تحديًا في تصدير 200 ألف برميل يوميا من حقول كركوك كما كان سابقًا بسبب تراجع الإنتاج الحالي، ويتم تخصيص الإنتاج لتكرير مصافي الشمال.
إعلانوأكد تضرر ما لا يقل عن 40-50 كيلومترًا من الأنبوب داخل الأراضي السورية، مع استعداد العراق لإصلاحه بعد التقييم الفني.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات النفط العراقی للجزیرة نت إن کرکوک بانیاس إعادة تأهیل إلى أن
إقرأ أيضاً:
رأي.. الرئيس العراقي عبداللطيف جمال رشيد يكتب لـCNN: بغداد تقود الجهود لإغلاق مخيم الهول ويحذر من تجاهل المجتمع الدولي
هذا المقال بقلم دكتور عبداللطيف جمال رشيد رئيس جمهورية العراق والآراء الواردة أدناه، تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
في نهاية الأسبوع الماضي، عقد العراق مؤتمرًا رفيع المستوى بشأن مخيم الهول، وذلك على هامش أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. لم يكن هذا المؤتمر مجرد إجراء بروتوكولي، بل مثّل نداءً عاجلًا لتحمّل المسؤولية المشتركة في مواجهة واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية والأمنية التي أهملها العالم طويلًا.
لا يزال مخيم الهول في شمال شرق سوريا يمثل بيئة هشة وعالية الخطورة، إذ يضم ما يقارب 10 آلاف متطرف مع عائلاتهم ينحدرون من أكثر من 60 دولة. إنه بؤرة خصبة للتطرف، وكارثة إنسانية متجددة، وصورة حية لفشل المجتمع الدولي في معالجة ما خلّفته الحروب والإرهاب والنزوح.
يعرف العراق هذه الحقائق جيداً، فما زالت جراح الاحتلال الوحشي لداعش ماثلة في الذاكرة. ففي الفترة ما بين عامي 2014 و2017، قُتل ما يُقدَّر بنحو 95 ألفاً إلى 115 ألف شخص في العراق، من مدنيين ومقاتلين. ورغم إعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي في عام 2017 تحقيق النصر العسكري على داعش، غير أن المجتمعات التي أنهكها النزاع بقيت فريسة سهلة للتطرف، بينما تواصل الحكومة مساعيها الحثيثة لسد فجوات الخدمات وبناء استقرار راسخ يعيد الأمل إلى الناس.
لقد علّمنا التاريخ أن الأزمات حين تُترك دون حلول تتحول إلى تهديدات دائمة. من معسكرات النازحين بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا، إلى أزمات اللاجئين في رواندا وزائير، كانت النتيجة واحدة: الإهمال الدولي يحوّل النزوح المؤقت إلى قنبلة موقوتة.
من هنا، لم ينتظر العراق تحرك الآخرين، بل تحمّل مسؤوليته بالكامل. اتخذنا خطوات صعبة وحاسمة لإعادة مواطنينا من مخيم الهول، عبر عملية منسقة شملت الأبعاد الأمنية والإنسانية والقانونية. وحتى اليوم، أعاد العراق 4915 عائلة (18,830 فردًا) إلى مركز الأمل داخل البلاد، من بينهم 3407 عائلات (12,557 فردًا) تم دمجهم بالفعل في مجتمعاتهم المحلية. كما استقبل العراق 3206 محتجزين من عهدة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وذلك في إطار جهد وطني مكثف لإغلاق هذا الفصل المؤلم وفتح صفحة جديدة قائمة على الأمن والاستقرار.
وراء هذه الأرقام قصص بشرية حيّة. كل فرد أعيد من المخيم هو حياة مزقتها الحروب واليوم تدخل مسار إعادة التأهيل والاندماج. لقد وضعنا خطة وطنية شاملة تتضمن الدعم النفسي، التعليم، التدريب المهني والمصالحة المجتمعية، تنفذها أربع مجموعات فنية تضم مؤسسات عراقية وشركاء دوليين. هذا النموذج يشكل إطارًا عمليًا قابلًا للتطبيق أمام دول أخرى تواجه التحديات نفسها. كما أن العراق لا يكتفي بجهوده الوطنية، بل يدعم أيضًا اللوجستيات الخاصة بعمليات الإعادة في دول أخرى، ويؤكد استعداده لمساعدة أي دولة تسعى لإدارة هذا الملف المعقد.