آثار قرار حزب العمال الكردستاني بالتخلي عن السلاح
تاريخ النشر: 14th, May 2025 GMT
اعتبرت الجمهورية التركية أن اليمين والشيوعية، والانقسام الداخلي تمثل تهديدات أساسية لبنيتها السياسية. الخوف من الانقسام، فقد تجلّى بشكل خاص في القلق من احتمال انفصال الأكراد، الذين يشكلون شريحة سكانية كبيرة داخل البلاد. وقد كان لهذه المخاوف التقليدية أثر عميق على الأكراد، سواء المتدينون منهم أو ذوو التوجهات اليسارية.
رغم أن الانتقال إلى الديمقراطية ساهم في التخفيف من هذه الضغوطات، إلا أن الوصاية التي فرضتها الانقلابات العسكرية حالت دون الوصول إلى حل جذري. وقد حققت حكومة حزب العدالة والتنمية تقدماً ملحوظاً ضمن إطار عملية التحول الديمقراطي، من خلال توسيع الحقوق الديمقراطية للأكراد وتخفيف الضغوط المفروضة على المتدينين. وفي عام 2013، حاولت حكومة أردوغان معالجة القضية الكردية، إلا أنها واجهت معارضة شديدة من الداخل والخارج. وكان من أبرز العوامل التي أعاقت هذه الجهود، الكانتونات التي تأسست بدعم من إدارة أوباما في شمال سوريا (عين العرب)، إضافة إلى الدعم الشعبي الجزئي والقوة المسلحة التي امتلكها حزب العمال الكردستاني، مما شجعه على التمسك بمواقفه.
بعد اثني عشر عاماً، تمكنت حكومة أردوغان من تقليص نفوذ حزب العمال الكردستاني بشكل كبير، وذلك من خلال اتباع سياسة مزدوجة جمعت بين منح الأكراد المزيد من الحقوق ومواصلة مكافحة الإرهاب بحزم. وفي هذا السياق، أثار المقترح الذي قدمه حزب الحركة القومية، حليف الحكومة، في 22 أكتوبر 2024 بشأن حل القضية الكردية، صدىً سياسياً واسعاً. وفي تطور لافت، وجّه عبد الله أوجلان نداءً إلى حزب العمال الكردستاني يدعوه فيه إلى التخلي عن السلاح، وبعد خمسة أشهر من المحادثات والتطورات، أعلن الحزب رسميًا هذا الأسبوع قراره بوقف العمل المسلح. وقد لقيت هذه الخطوة دعماً من حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، مما جعل الاعتراض محصوراً في بعض المجموعات القومية والعلمانية المتشددة. ومع تلاشي معظم العوائق، يبدو أن فرص نجاح هذه العملية باتت شبه مضمونة.
في المرحلة الجديدة، سيقوم حزب العمال الكردستاني (PKK) بتسليم سلاحه والتخلي عنه بشكل كامل. وفيما بعد، سيتم العمل على تحسين ظروف اعتقال زعيم الحزب عبد الله أوجلان، والعفو عن عناصر الحزب الذين لم يتورطوا في جرائم قتل، بينما سيتم تأمين خروج المتورطين والقياديين إلى دول أخرى. ويُلاحظ في هذا السياق وجود تنسيق كامل مع كل من العراق وسوريا وإقليم كردستان العراق. ومن المتوقع أن تؤدي هذه العملية إلى تعزيز مكانة حزب العدالة والتنمية داخل القاعدة الكردية، كما يُرجَّح أن يسحب الحزب، من خلال هذه الخطوات، حزب «ديم» المرتبط بحزب العمال الكردستاني من صفوف المعارضة وينقله إلى معسكر الحكومة.
إن النتيجة الأهم لهذه العملية ستكون في تعزيز مسار التحول الديمقراطي في تركيا، مما سيسهم في تلبية المزيد من المطالب الثقافية للشعب الكردي. كما أن نفوذ الأوساط العسكرية المرتبطة بالوصاية، التي طالما استغلت وجود الإرهاب، سيتراجع بشكل كامل. وستشهد مناطق الشرق والجنوب الشرقي، في ظل غياب خطر الإرهاب، ازدهارًا في مجالات الاستثمار، والسياحة، والتجارة، والصناعة. ومن المتوقع أن تؤدي هذه المرحلة الجديدة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع سوريا في إطار التعاون الوثيق، وكذلك مع إقليم كردستان العراق والحكومة المركزية في بغداد.
لقد أثّر وجود حزب العمال الكردستاني (PKK) وأنشطته سلباً على العلاقات بين تركيا وكلٍّ من العراق وسوريا. فعلى سبيل المثال، تمركز الحزب في جبال قنديل والعمليات العسكرية التي تنفذها تركيا هناك كانت دائماً موضع جدل وتوتر. وقد تسببت هذه المسألة في حدوث خلافات مع حكومة إقليم كردستان العراق، وأحياناً مع الحكومة المركزية في بغداد. غير أن زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الأخيرة أظهرت وجود تفاهم قوي وإرادة مشتركة للتعاون بين الجانبين. ومن المتوقع أن تشهد العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية تطوراً ملحوظاً، خاصة من خلال مشروع «طريق التنمية»، الذي سيُحدث انتعاشاً اقتصادياً كبيراً في المنطقة.
إن تخلي حزب العمال الكردستاني (PKK) عن السلاح ستكون له انعكاسات إيجابية على الوضع في سوريا أيضاً. فمن شأن انتهاء مطالب القوات السورية الديمقراطية (قسد) بالانفصال أو الحكم الذاتي أن يُسرّع من اندماج الأكراد في سوريا الجديدة. ورغم استمرار الدعم الغربي لبعض الحركات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني لأسباب أيديولوجية، إلا أن فكرة الانفصال ستتراجع لصالح فكرة البناء المشترك لسوريا موحدة. والأهم من ذلك، أن الأكراد لن يكونوا بعد الآن حاجزاً بين تركيا والعالم العربي، بل سيتقدمون في طريق الوحدة وتقاسم الثروات مع الجانبين.
لا شك أن هذه التطورات لن تُرضي إسرائيل وإيران، لكنهما لن تكونا قادرتين على الوقوف في وجه مسار التاريخ وروح الأخوّة التركية–الكردية–العربية التي تمتد لألف عام. ومن المؤكد أن لهذه التحولات انعكاسات إيجابية على السلم والاستقرار في المنطقة والعالم.
(الشرق القطرية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه حزب العمال الكردستاني تركيا تركيا اكراد حزب العمال الكردستاني مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب العمال الکردستانی من خلال
إقرأ أيضاً:
أكد أن بغداد تمتلك مقومات كبيرة.. المبعوث الأمريكي: حسم ملف «السلاح» يجنب العراق الخطر
البلاد (بغداد)
حذّر مبعوث الرئيس الأمريكي إلى العراق مارك سافايا، من أن البلاد تقف عند مفترق طرق حاسم، مؤكداً أن المرحلة المقبلة قد تحمل تغييرات واسعة في النظام السياسي والأمني، إذا ما نجحت بغداد في حسم ملف السلاح خارج إطار الدولة وتعزيز هيبة المؤسسات الرسمية.
وقال سافايا، وهو من أصول عراقية، في منشور على منصة”إكس”، إن المجتمع الدولي ينظر اليوم إلى العراق كدولة تمتلك مقومات لعب دور أكبر في المنطقة، لكنه شدد على أن تحقيق ذلك يتطلب إنهاء ظاهرة السلاح غير الرسمي بالكامل. وأضاف أن “أي اقتصاد لن ينهض ولا أي شراكة دولية ستنجح في بيئة تختلط فيها السياسة بالقوة غير الرسمية”، معتبراً أن أمام العراق فرصة تاريخية لترسيخ سيادة القانون وإعادة بناء الثقة الدولية.
وأشار المبعوث الأمريكي إلى أن المستقبل العراقي يتوقف على قدرة الدولة على فرض مؤسسات مستقلة وقادرة على تطبيق القانون، محذراً من العودة إلى حالة التعقيد التي أثقلت البلاد لسنوات. وشدد على ضرورة احترام الدستور، وترسيخ الفصل بين السلطات، ودعم مسار الدولة عبر خطوات عملية تضمن إبعاد السلاح عن السياسة.
وأوضح سافايا أنه يحمل”رسالة خاصة” من الرئيس ترمب إلى كل من الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، مشيراً في مقابلة مع شبكة “روداو” إلى أن تغييرات كبيرة قادمة، ومؤكداً أن واشنطن ستنتقل من مرحلة التصريحات إلى مرحلة الأفعال.
وتأتي تصريحات المبعوث الأمريكي بعد أيام من هجوم جديد بطائرة مسيّرة استهدف حقل كورمور للغاز في إقليم كردستان، ما أدى إلى انقطاع إمدادات الغاز عن محطات الكهرباء. وكشف وزير الخارجية العراقي في حكومة تصريف الأعمال فؤاد حسين أن الحقل تعرض لـ11 هجوماً سابقاً، وأن التحقيقات تشير إلى ضلوع”جهة داخلية” في تلك الاعتداءات، فيما يؤكد سياسيون في الإقليم أن الفصائل الموالية لإيران تقف وراء الهجمات.
وشهد حقل كورمور خلال العامين الماضيين سلسلة من الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ، أسفرت في بعض الحالات عن أضرار مادية وسقوط ضحايا، بينهم أربعة عمال يمنيين في أبريل 2024. وتقول السلطات المحلية إن تلك الاعتداءات تأتي ضمن نمط من الهجمات التي تستهدف منشآت الطاقة والقوات الأميركية في العراق وسوريا.
وتعهدت بغداد مراراً بالتحقيق في تلك الهجمات، إلا أن نتائجها النهائية لم تُعلن، فيما تتصاعد الضغوط الدولية لتأمين منشآت الطاقة وحماية خطوط الإمداد الحيوية.