خاص

روت الفنانة السورية سوسن أرشيد تفاصيل مؤلمة مرت بها وزوجها الفنان مكسيم خليل في رحلة الهروب من سوريا مرورًا بلبنان، وصولًا إلى اللجوء إلى فرنسا .

‎وقالت أرشيد ، إن قرار الخروج من سوريا جاء عقب تلقّي زوجها مكالمة هاتفية تضمنت تهديدًا مباشرًا من قبل أحد أفراد الأمن في النظام السوري.

‎وأشارت إلى أنه خلال المكالمة طلب رجل الأمن من مكسيم تقديم اعتذار رسمي للرئيس السوري السابق بشار الأسد، والتوجه إلى المنابر الإعلامية السورية الرسمية لإعلان تأييده له، وإلا سيتم إيذاء أبنائه.

‎وأضافت: “غادرنا سوريا في اليوم التالي دون معرفتي بأي شيء عن المكالمة، وتوجهنا إلى الحدود السورية اللبنانية، وهناك شعرت بالرعب من لحظات التوقيف، بالرغم من أنه لم يصل أمر رسمي إلى الحدود بأسمائنا على لائحة المطلوبين”.

‎وتابعت أنهما غادرا لبنان إلى فرنسا بعد الاستقرار فيها 3 سنوات، بعد أن أبلغهما حارس المجمع السكني، الذي كانا يقطنان به، أن ثمة سيارة “غامضة” تتردد إلى المجمع للسؤال عن مواعيد ذهاب أبنائهما إلى المدرسة.

وبشأن عودتها إلى سوريا بعد 13 عامًا من الغياب، علقت: “لم أكن أتوقع العودة إلى سوريا، لقد كان شعوري وأنا أستقل الطائرة المتوجهة إلى دمشق لا يوصف، لم أستطع تمالك دموعي وقت أن تذكرت كيف قمع النظام الديكتاتوري ومنع أقدام الملايين من أن تطأ الأراضي السورية”.

;v=x73IgOoFhr0&feature=youtu.be

المصدر: صحيفة صدى

كلمات دلالية: بشار الأسد سوريا سوسن أرشيد

إقرأ أيضاً:

طغيان الحجر.. كيف استخدم نظام الأسد العمارة لإحكام قبضته على سوريا؟

في بلد عُرف على مرّ تاريخه الطويل باحتضانه أطيافا مختلفة من خلفيات ثقافية متنوعة استطاعت التعايش معا، تشكَّلت البيئة المَبنية كي تُعبّر عن ذلك، فتجاورت الكنائس والمساجد، وتفاعلت الأديان والثقافات لتخلق مكانا وروحا شعَر فيه الجميع بالانتماء دون فصل أو عزل، حيث احتفظت كل طائفة بهويتها في تواصل وتشابك.

غير أن العقود الأخيرة شهدت "حلحلة تدريجية" لهذا التوازن، ويمكن القول إنه بدأ عند تخطيط المدن في الفترة الاستعمارية، وتكثَّفَ أكثر أثناء حُكم نظام حافظ الأسد وابنه على مدار 5 عقود.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الأنفاس المعدودة والحركات المرصودة.. كيف أحصى الأسد على السوريين أعمالهم؟list 2 of 2الطريق إلى الشرعية المؤجلة.. السلطة والاستثناء والديمقراطية في سورياend of list

فقد شُيِّدت المدن الجديدة بشكل دمَّر الانسجام المجتمعي ورسَّخ التقسيم على أساس الطبقة الاجتماعية أو الدين، وخلَّف ذلك العزل تغيُّرا في نمط الحياة والشعور بالانتماء.

صارت العمارة وسيلة النظام للإقصاء، واختفت مظاهر التفاعل وروح المكان التي كانت تعبّر عن الوجود المشترك.

إنها "عمارة لا إنسانية" عزَّزت الانقسام والطائفية والكراهية، وأبدلت جماعات اجتماعية منفصلة بالجماعة المتماسكة، وكانت هذه إحدى وسائل النظام لإحكام السيطرة، وكانت التركيبات المعمارية شريكة في استدامة تلك الدولة القمعية، وتجلَّى ذلك ماديا أحيانا، بينما سيطر على العقول والقلوب أحيانا أخرى. كيف إذن ساهمت العمارة في نشوب الحرب السورية وإطالة أمدها؟

بشار الأسد (يمين) ماهر الأسد (وسط) حافظ الأسد عام 1994 (فورين بوليسي) في زمن السلم

كان الناس يتناقلون في دمشق أسطورة شعبية تقول إن حافظ الأسد يراقب الجميع من قصره، وهناك تُستنفَر المدافع منصوبة للإجهاز على أي ثورة قد يقوم بها الشعب. وكان لهذه الأسطورة التي عاشت في أذهان الناس أساسٌ معماري، فالقصر الرئاسي يتربع على قمة جبل قاسيون مُطِلًّا على المدينة المُمتدة من الأعلى.

ويذكِّرنا موقع القصر بتصميم "البانوبتيكون" الذي تناوله المؤرخ الفرنسي ميشيل فوكو في كتاب "المراقبة والمعاقبة"، وهو تصميم للمؤسسات الإصلاحية، يكون المبنى فيه دائريا يتوسَّطه برج للمراقبة، في حين تتوزَّع الزنازين من حوله؛ بحيث يتمكن الحراس في البرج من مراقبة المسجونين في كل الأوقات، في حين لا يعرف المسجونون هل ما زال الحراس في الداخل أم أن البرج صار خاليا، فيشعرون بأنهم مراقَبون على الدوام، وهذا هو مصدر قوة السلطة هنا، إذ إنها حاضرة في أذهان الناس دون إمكانية التحقُّق من وجودها الفعلي في كل لحظة.

إعلان

كان التخطيط العمراني للمدن السورية يشبه السجن؛ فهناك البلدة القديمة، وتحيط بها توسُّعات ومناطق صناعية وتجارية، ثم مناطق السكن الأول ومن حولها المناطق السكانية المكتظة. وقد تحوَّلت مناطق السكن الأول إلى أبراج حراسة يستخدمها النظام لفرض سيطرته ومراقبة الساحات العامة، وهو شكل عمراني أُعِدّ جيدا لاحتواء السكان وإبقاء المدينة في قبضة النظام.

في الأفرع الأمنية ومقرات حزب البعث، تجسَّد نظام المراقبة، فهو يحاصر المواطنين ويزيد شعورهم بأنهم مراقبون، فضلا عن عيون السلطة ومخبريها والشعور الدائم بإمكانية التنصُّت والوشاية ممن لا يمكن توقّعهم في الأكشاك المنصوبة والحدائق. ويكتمل هذا الحصار بتسمية الأبنية والشوارع والساحات باسم الأسد الأب أو الابن، تذكيرا بسطوة النظام الحاضرة على الدوام.

في مقالها "العمران والسلطة والخوف"، تتبَّعت المهندسة المعمارية السورية هـ. ف. أدوات السلطة في إحكام السيطرة على مدينة دمشق قبل الثورة عبر التخطيط والعمران، وأوضحت كيف حتَّمت ممارسة السلطة أن يرتكز التخطيط للمدينة على عناصر ثلاثة هي العسكرة والأمن والخوف.

فمع تمدُّن العالم تمدَّنت الحرب أيضا، وصارت البيئة المعمورة ميدانا لبسط الهيمنة وممارسة السلطة، فصارت الحياة اليومية ساحة حرب ضمنية.

كان التخطيط يقوم على صناعة الحدود بين المدن في محيط اجتماعي مليء بالخوف، في حلقة مفرغة، فالخوف يتغذى على التخطيط، والتخطيط ينبع من الخوف، بحيث لا تعود المدن قادرة على استيعاب العلاقات الاجتماعية، ومن ثمَّ تُعزِّز الإقصاء.

بدأ الأمر منذ المخطط الذي رسمه المهندس المعماري ميشال إيكوشار لتطوير المدينة في ستينيات القرن الماضي، إذ ربط أنحاء المدينة بشبكة من الطرق سهَّلت حركة السيارات، لكنها غيَّرت شكل المدينة، ومَحَت العديد من المناطق الخضراء فيها، وخلقت شقوقا في النسيج المديني المتشابك أشبه بالحواجز، مثل شوارع الربوة وبيروت القديم والثورة وحلب والمتحلق الجنوبي وأوتوستراد درعا وأوتوستراد المزّة.

وقد هُدمت عدة مناطق من أجل بناء شبكة الطرق، وأُعيد بناؤها ثم بيعها بأسعار مرتفعة، فترسَّخت بذلك الهُوَّة بين مناطق الأغنياء والمناطق الشعبية والمُهمشة، ونتج عن ذلك تشويه مناطق أخرى.

كما فَصَلت الطرق السريعة وسكك الحديد بين مدن كانت متلاصقة من قبل، ومَحَت مناطق كانت تحمل ذكريات أبنائها، واضطر السكان في مناطق مثل المزّة أوتوستراد ومزَّة بساتين، وكفرسوسة وكفرسوسة البلد، وداريا ونهر عيشة وغيرها، للخروج منها، ثم اضطرارهم للبحث عن أعمال أخرى قريبة من السكن الجديد، مما زاد شعورهم بالإقصاء.

حي دمشقي مجاور لمخيم اليرموك (الجزيرة) عمارة مهيبة

أتت فلسفة العمارة لتعكس تصوّر السلطة عن النسيج الاجتماعي، وبدت في المدن المختلفة صور العمارة الوحشية أو القاسية (Brutal Architecture) المعروفة بأشكالها الحادة، ووضوح الخرسانة ومواد البناء فيها، وخلو تصميماتها من الزخارف والتزيين؛ بدت وكأنها أسلوب يحتفي بالخشونة، بتأثيراتها العنصرية التي تخلق نوعا من العداء بين الفئات المختلفة، وتُشيع جوًّا من عدم الاستقرار. وفي سوريا كان النموذج يُطبّق بمزيد من العنف والوحشية والقمع.

إعلان

أُجرت جامعة دمشق عام 2015 دراسة على عدد من واجهات المباني العامة في العاصمة السورية، بعنوان "تقييم جمالية المباني العامة المعاصرة.. مثال مباني دمشق". أشارت الدراسة إلى اعتماد المقياس الصَرْحي في المباني العامة في عدد من الأحياء لتحقيق الضخامة والإبهار في تلك المباني التي يستخدمها عدد كبير من الموظفين والمواطنين.

ويتضاعف في البناء الصرحي ارتفاع البناية عشرات الأضعاف مقارنة بطول الإنسان، ويَسهُل بالطبع التعرُّف على الفرق بالنظر إلى المباني المجاورة له، ولا تكون لتلك الضخامة وظيفة سوى بث الشعور بالأهمية والثبات والهيمنة لتلك المباني.

وتبُث تلك العمارة الضخمة رهبة في النفوس، في تجلٍّ لعمارة الأنظمة الشمولية (Totalitarian Architecture)، التي تجسد تصميماتها المعمارية أيديولوجيات النظم الشمولية، فتعكس سلطة الدولة وسيطرتها، وتهمّش في المقابل الفرد والتعبيرات الثقافية البديلة، باستخدام الأبنية الضخمة والبيئات المهيبة التي توحي بهيمنة السلطة.

ما حدث في مدينة حمص يعد مثالا جيدا على دور العمارة في إطالة أمد الحرب، فعبر تاريخها جذبت حمص حضارات مختلفة أثْرَت البيئة العمرانية فيها، فصارت إرثا غنيا شاهدا على ازدهار المدينة على مدار تاريخها.

ورغم هذا الاختلاف، كان النسيج العمراني للمدينة متماسكا ومتصلا، يصِل الأغنياء بالفقراء في المساحات نفسها، ويمثل نموذجا للانسجام والتعايش، ولم تشهد المدينة عبر تاريخها توترات عميقة بين سكانها، إذ تجاورت الأزقة والمنتزهات والأسواق والمنازل والقصور.

مع استمرار النمو العمراني للمدينة، طُرحت في فترة الاحتلال الفرنسي مخططات للمدينة، لكنها قوبلت بالرفض خوفا من تفكيك النسيج الاجتماعي. ومع بداية الثمانينيات شهدت حمص تنفيذ مخططات لا تراعي تاريخ المدينة وطبيعة أهلها، وتغيَّر معها وجهُ المدينة، حيث هُدِمت العديد من الأحياء القديمة والقصور التاريخية، وامتد التغيير إلى تخطيط الشوارع والأحياء تحت ستار التطوير والتحديث، فكانت هندسة الشوارع تُهيئ المدينة للخضوع للسلطة، فتأسَّس التخطيط على التقسيم الطبقي والديني وغيرهما من الاختلافات بين فئات المجتمع.

في كتاب "مقتلة البيوت.. العمارة والحرب وتدمير الوطن في سوريا"، الذي صدر قبل عامين بالإنجليزية، يستعرض المعماري عمار عزوز قصة مدينته عاصمة الثورة، مؤكدا أن التدمير بدأ مبكرا جدا قبل عام 2011، تحت شعار التحديث والتطوير، حيث بدأت سلسلة مشروعات التخطيط العمراني للمدينة، والتي حملت أجندات سياسية وطائفية واقتصادية، أفادت منها النخب الحاكمة وحدها، بينما زاد تهميش الفئات المُهمشة.

هُدمت أحياء تاريخية كاملة في المدينة وقامت مكانها ناطحاتُ سحاب وأبنية تجارية، واختفت شوارع حمص القديمة واقتُلِعت مئات الأشجار التي شكَّلت هوية المدينة، واحتلَّت الكتل الخرسانية المشهد الأكبر، وصارت المدينة خالية من المساحات الخضراء والأماكن العامة. وقد وجد سكان المدينة أنفسهم مُقسَّمين، كل فئة معزولة عن الأخرى، وصارت الفضاءات اليومية محلا لنمو الفصل العنصري والطبقي والطائفي.

هكذا تحول المشروع المسمى "حلم حمص" إلى "كابوس حمص" كما أسماه الأهالي، إذ دمَّر جزءا كبيرا من نسيج المدينة وهويتها، وأعاد تقسيم المجتمع وهندسة التركيبة السكانية في العديد من مناطق المدينة بما يدعم النخب والقوى الاقتصادية المرتبطة بالنظام. وبعد سنوات قليلة من هذا "التطوير" ضاعت معالم المدينة ومُحيت ذاكرتها وتسلَّل الشعور بالنفي والغربة لأهل المدينة، أما ما تبقى من حواضر المدينة العريقة فانزوى في بعض الجيوب المنعزلة.

صورة جوية تظهر مدينة حمص وساحة الساعة الأبرز في حمص (الجزيرة)

سرعان ما مهَّد هذا "التطوير" الطريق لما حدث في حمص بعد الثورة من تدمير شامل، فقد بدا وكأن هناك من أعاد تصميم المدينة لإعدادها لحرب قادمة، حيث الشوارع الواسعة مُمهَّدة لعبور الدبابات والأبراج جاهزة لتكون معقلا للقناصة.

إعلان

وبعد سنوات قليلة من الحرب، كانت المهندسة المعمارية السورية مروة الصابوني، وهي ابنة مدينة حمص، تتأمَّل في حطام المدينة وتفكر في أن أحد أسباب الحرب، بجانب الأسباب الاقتصادية والسياسية، هو التخطيط العمراني، بما له من دور في استقرار المجتمع أو تفكُّكه، حيث تؤكد أنه لعب في سوريا دورا في خلق وتوجيه وتضخيم الصراع بين الفصائل.

وفي كتابها بعنوان "معركة من أجل الوطن.. مذكرات معماري سوري"، المنشور عام 2016، التقطت مروة مثالا هو الأقرب للتعبير عما حدث؛ فالمناطق العشوائية التي قطنها حوالي نصف السوريين في كتل إسمنتية، افتقرت إلى الجمال، وعزَّزت الشعور بالانفصال، وكانت مقدمة ملموسة للحرب، إذ كان إشعال الصراع فيها مهمة سهلة.

العشوائيات.. مخالفات تحت السيطرة

خلال سنوات حكمه، اتبع حافظ الأسد نهجا سياسيا يتسم بالاستبداد العسكري المعزز بعصبيات طائفية، وقد احتكرت الدولة الحياة الاقتصادية وكرَّست اختلال التوازن التنموي بين الريف والمدينة، لذا تزايدت الهجرة الداخلية إلى المدن، وهناك كان النظام يدع مهمة استيعاب القادمين للمدن العشوائية.

وهكذا على أطراف المدن وفي غياب قوانين البناء، أخذت هذه الأحياء تلف المدن لتحيط بها وتصبح جزءا منها، فنمت على الأطراف الجنوبية الغربية لدمشق أحياء مثل المزة 86، ونمت حول حلب العديد من الأحياء حتى شكَّلت نحو نصف المدينة.

اتبع النظام نهجا مزدوجا بين تشديد حظر بناء مساكن عشوائية وإفساح المجال لتسوية مخالفات العقارات، ففي عام 1994 بدا مدُّ العشوائيات في سوريا كبيرا بعد نمو بلغ ذروته في الثمانينيات، مع تزايد الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن، وتلاشت بمرور الوقت الحدود بين المدن والعشوائيات الملاصقة لها، وصار بالإمكان التمييز بينهما فقط من خلال الملامح الجمالية -التي تختفي في العشوائيات- ومستوى الخدمات والبنية التحتية أيضا، واكتسبت العشوائيات هويات اجتماعية دينية وإثنية متمايزة.

وبحكم طبيعتها، كانت العشوائيات غير قابلة للسيطرة، لكن نظام الأسد كان يُعمل أساليبه بعدما أصبحت أمرا واقعا، لتكون في قبضته أيضا، وبين تلك الأساليب أن يكون قاطنوها من نسيج اجتماعي طائفي مثل حي السيدة زينب، أو أن يخلقها النظام بنفسه من نسيج اجتماعي موالٍ له، وهو ما حدث في حي المزة 86 الذي بدأ كمساكن لعناصر سرايا الدفاع من العسكريين القادمين من الريف من طائفة العائلة الحاكمة، ثم أصبح أمرا واقعا وأخذ في التوسُّع، وبقيت النسبة الأكبر لقاطنيه من الطائفة العلوية وعناصر الجيش والشرطة.

بين الأساليب الأخرى التي استعملها النظام في غيرها من العشوائيات، أن يطلق فيها يد "الشبيحة" الموالين له، ويغض الطرف عن حملهم للسلاح، بما يحفظ مصالح النظام. يبدو غريبا أن تستمر المساكن العشوائية أو "المخالفات" -كما أسماها النظام- في التوسُّع، لكن ما حدث هو أن النظام كان يرجئ وضع مخططات تنظيمية للمدن الجديدة استجابة لاحتياجات المواطنين، وكان الحل يكمُن في توسُّع العشوائيات.

العشوائيات كانت جزءا من معادلة السلطة والهيمنة التي فرضها نظام الأسد على السوريين (الجزيرة)

وبدوره كان النظام يغُض الطرف عن المخالفات. وكما تشير ورقة بحثية بعنوان "العشوائيات في سوريا.. حصاد عقود من التجاهل" أصدرتها منظمة "اليوم التالي" عام 2020، فإن أحد تفسيرات الأمر أن بناة العشوائيات كانوا في الحقيقة مقاولين مرتبطين بالنظام، أما سكانها فكانوا مشترين فقط.

وذهبت تحليلات أخرى إلى أن العشوائيات كانت جزءا من معادلة السلطة والهيمنة، وورقة طوَّعها النظام لتكون أداة لكسب الولاء بتحويل ما يقرب من نصف السوريين، وهم قاطنو العشوائيات التي بلغت بحلول عام 2011 نحو 30-40% من إجمالي الوحدات السكنية، إلى "مخالفين للقانون" يساورهم قلق دائم بأن ممتلكاتهم مُهدَّدة وأنهم "تحت رحمة السلطة".

هكذا في المدن والعشوائيات والأرياف، وعبر سنوات من التخطيط، آلت المدن السورية إلى قبضة النظام، وبدا أنه بالإمكان السيطرة على معاقل الثورة، والمناطق ذات البعد الاستراتيجي، لتُستهدف بعد ذلك بالبراميل المتفجرة، ولتنطلق الجرافات لتجتاح كل المدن التي شهدت حراكا ثوريا، فتُهجِّر أهلها بحجة التطوير العمراني والقضاء على المخالفات أو بحجة طرد مقاتلي المعارضة، وتُسوَّى بالأرض، وتكتب على جدرانها: "الأسد أو نحرق البلد".

إعلان الثورة.. المدن في مرمى القصف

ما إن بدأت شرارة الثورة حتى انقلب المُهمّشون من سكان العشوائيات في مناطق مثل حلب الشرقية، وأحياء التضامن والقابون ومخيم اليرموك في العاصمة، وحي المشاع في حماة، وحي بابا عمرو في حمص، وغيرهم، لتكون منطلق الثورة وحاضنة الثوار والحراك الثوري.

بالنظر إلى سوء أوضاعها والتهميش والتمييز اللذين عانى منهما سكانها، كان منطقيا أن تصبح العشوائيات ساحة للمعارضة، ومُتنفسَّا لأهالي المدن بعد أن صادرت السلطات الفضاء العام في الميادين والساحات، فوفَّرت العشوائيات بشوارعها الضيقة وبنيتها الفوضوية العصية على الأجهزة الأمنية مناطق متمردة يمكن إغلاقها وتأمينها بالمتاريس.

استثمر النظام الهويات الاجتماعية والدينية والطائفية للعشوائيات في تأليب سكان المدن بعضهم على بعض، فاستخدم الأحياء الموالية له لقمع الثورة في المناطق المجاورة لها. ومع تزايد حدة الصراع، كان النظام ينظر إلى تلك المناطق ليس فقط بوصفها بؤرا قد تندلع فيها الثورة، وهي التي تحتضن قطاعات واسعة من المحرومين والفقراء، وإنما باعتبارها كذلك أرضا محتملة للأعمال العسكرية، وما إن تحوَّلت الثورة إلى صراع مُسلَّح حتى صارت بالفعل في مرمى القصف والحصار.

وفي مناطق المعارضة بدأت آليات جديدة فعَّلها النظام على مدار السنوات التالية، فعانى أهلها سياسات التجويع، وكان القصف بالسلاح الثقيل طريقة النظام للتخلص منها؛ من المناطق ذاتها لا من الثوار فيها فقط، فشنّ الحرب عليها ليعيد هندستها اجتماعيا ويُوطِّن فيها مليشيات طائفية تقاتل في صف النظام، ومن ثمَّ زاد التفتّت المجتمعي.

وكان الهدم طريقة النظام في إخماد الثورة في المدن الأخرى، كما في حي القابون بدمشق حيث هُدم ما يزيد عن 2000 منزل ومتجر عام 2013 وشهد موجة ثانية من الهدم لم يتسن توثيقها.

عبر كاميرا المتطوعين من الشباب الباقي في المدينة المدمرة، كان سكان حمص وغيرها ممن غادروا البلاد يتابعون حال منازلهم، ويطمئنون عليها أحيانا، وتصلهم أخبار سيئة أحيانا أخرى عن تضرر أجزاء منها. وكان الشباب يتجوَّلون بالكاميرا ليتعرف أهل المنزل على ما حدث فيه، وبالطبع لم تسلم منازل كثيرة، فكانت تصل إلى أصحابها أنباء التدمير لتقطع صلةً أخرى بالوطن المُدمّر وتُعمّق البعد عنه.

لم تكن البيوت أهدافا عسكرية، وكانت تلك خطوة استباقية أو عقابية لشريحة من السكان رأى فيها النظام عناصر تُهدده، ورأى استئصالها؛ إنه مفهوم "الأوروبيسايد" الذي كتبت عنه الناقدة المعمارية الأميركية آدا هوكستابل عام 1968 في صحيفة نيويورك تايمز، لتوضح ما يحدث حين تُستخدَم مشروعات التخطيط العمراني لتطوِّع المدينة وتخلق مجتمعا "متجانسا"، لكنها تُقصي في الحقيقة الآخر المختلف وتُغيِّر حياة كثير من السكان بأشكال عديدة، منها التدمير المادي للمدن أو تعطيل شكل الحياة فيها.

إعادة الإعمار.. حجة أخرى للتقسيم والعنف

في عام 2017، حين بدأ التعامل مع نظام الأسد على أنه أمر واقع، جرى الحديث عن إعادة الإعمار، لكن المفهوم لم يكن يعني إعادة حقوق الناس في مدنهم، وإنما كان واجهة لإعادة النظر في التركيبة السكانية لها، فقد جرت "إعادة الإعمار" في غياب أصحاب المنازل المُدمّرة، ففي حمص -على سبيل المثال- مُنِع العديد من السكان السُنَّة من العودة للعيش في أنقاض منازلهم.

لم تكن "إعادة الإعمار" سوى أداة للإقصاء تُرسِّخ الانقسامات بدلا من إعادة مفهوم العدالة والتماسك بين السكان والاستجابة لمتطلبات المجتمع. وقد وفَّر النظام البنية التحتية لمعظم القرى المسيحية في حمص، بينما تُركت المناطق ذات الأغلبية السنية كما لو أنها تُعاقَب على موقفها المعارض. وفي الوقت الذي دُمِّرت فيه المنازل وعانى ملايين السوريين من الفقر، فُرِضَت ضريبة "إعادة الإعمار"، ولم يستفد منها سوى النخبة.

بعد توقف مؤقت لمشروع حلم حمص إثر قيام الثورة، الذي استهدف قبل الثورة المناطق الفقيرة وهدَّد السكان بمصادرة الأراضي أو هدم المباني، تواصلت بين عامي 2012 و2014 عمليات التهجير وتركزت في الأحياء ذات الأغلبية السنية، مثل باب السباع والقصور والخالدية وبابا عمرو، التي شهدت تهجير ما يزيد عن 50 ألفا من سكانها وتدمير 600 من مبانيها، بينما بقيت أحياء موازية وذات أغلبية علوية كما هي، مثل الفردوس والغوطة والمحطة.

في العشوائيات أيضا كان لاستغلال "إعادة الإعمار" مكان، فقد سمحت السلطات بالتوسّع في عدة مناطق عشوائية، لكنه توسُّع اقتصر على المناطق التي اتخذت مواقف موالية للنظام أو تلك التي بقيت على الحياد. ومكافأة لسكانها، غضَّ النظام الطرف عن "مخالفات البناء" في عشوائيات مثل عش الورور والمزة والدويلعة في دمشق، وجرمانا في ريف دمشق.

ولأن أغلب سكان العشوائيات من المعارضة، فقد منحتها الحكومة أولوية "إعادة الإعمار"، التي تُرجِمت إلى إخلائها من السكان، وإعادة بناء المناطق بما يسلب سكانها حقوقهم في امتلاك مسكن أو في العودة إليها من الأساس. ففي حي القابون بالعاصمة دمشق الذي بلغ عدد سكانه قرابة المئة ألف، لم يمتلك أغلب السكان "طابو" يثبت ملكيتهم، وبعد التهجير القسري لسكانه، تفاقمت مشكلتهم إذ كانت عودتهم بعد ذلك مشروطة بإثبات الملكية، وهو ما لم يكن في استطاعتهم.

كانت إعادة الإعمار وترًا عَزَف عليه النظام لتأجيل عودة اللاجئين من الخارج أيضا، وفي الحقيقة كان المفهوم يعني للنظام مزيدا من نصب تماثيل آل الأسد لتكون السلطة نصب عين السوريين على الدوام، وقد استمر ذلك حتى الشهر الأخير من سقوط النظام، مثلما حدث في خان شيخون بريف محافظة إدلب، عقب سنوات قليلة من مجزرة وهجوم بغاز السارين قتلَ نحو مئة من سكانها وأصاب 500 آخرين، وترك المدينة مدمرة. فبين أطلالها ومعاناة أهلها من الخدمات المعيشية الصعبة، وعدم قدرة غيرهم على العودة إلى المدينة، وجد تمثال الأسد الأب مكانا في وسط المدينة.

في كل أنحاء سوريا وفي تجاهل تام لمعاناة السوريين، كانت تماثيل الأسد الأب توضع في ساحات المدن المُدمّرة، في أجواء احتفالية تتجاهل تضحيات السوريين وآلامهم. إنها التماثيل ذاتها التي خلت من أي ملمح جمالي، وكانت مثل أفرع أمن إضافية تحكم القيد على المواطن قبل الثورة، وتراقبه أينما توجَّه بعد الثورة. وبعدما هدّمها الثوار، كانت إعادتها على رأس المدن المُحطّمة بمثابة سجون أخرى للمواطنين في الداخل، ورسالة لمن بالخارج أن العودة لا تزال مستحيلة.

منذ بدأت عملية ردع العدوان، ومع كل دخول للمعارضة إلى مدينة سورية، كانت الأنظار تتوجه إلى مشاهد هدم تماثيل الأسد، بشكل دعا للسخرية من عدد التماثيل والصور التي كان على السوريين إزالتها.

ورغم سقوط النظام في ديسمبر/كانون الأول 2024، فإن تأثير جرائمه في المدن لم يُمحَ بالكامل بعد، ولا تزال عودة ما يزيد على 6 ملايين لاجئ -وفق المفوضية الأممية السامية لشؤون اللاجئين– تواجه عوائق أبرزها عدم توفُّر المأوى، بعد ما شهدته المدن من تدمير واسع، ولا تزال العودة تتطلب سنوات من الإعمار لضمان الحد الأدنى من الحياة الكريمة للسوريين العائدين إلى الوطن.

مقالات مشابهة

  • عاجل | وزارة الداخلية السورية: إلقاء القبض على شخص يترأس غرفة عمليات لمجموعات خارجة عن القانون في الساحل السوري
  • اقتحام قسم المعصرة يهدد بقاء السيسي
  • يُطبق 2026.. نشر تفاصيل نظام تملُّك غير السعوديين للعقار
  • سوريا في عهد ” الثوار”
  • منة القيعي تروي لأول مرة تفاصيل معاناتها مع المرض خلال تحضيرات زفافها
  • طغيان الحجر.. كيف استخدم نظام الأسد العمارة لإحكام قبضته على سوريا؟
  • شبكة النفوذ الجديدة: كيف يعيد شقيق الرئيس أحمد الشرع رسم ملامح الاقتصاد السوري في الظل؟
  • مدير هيئة الاستثمار السورية طلال الهلالي خلال جلسة حوارية على هامش المنتدى الاستثماري السوري السعودي: تواجهنا تحديات كبيرة لكننا نبذل قصارى جهدنا لتقديم التسهيلات اللازمة للمستثمرين لتشجيعهم على الاستثمار في سوريا
  • فيديو.. قتلى وجرحى في انفجار عنيف في مدينة إدلب السورية
  • وزير الاستثمار السعودي خالد بن عبد العزيز الفالح خلال جلسة حوارية على هامش المنتدى الاستثماري السوري السعودي: الشعب السوري قادر على النهوض من تحت الرماد وبناء وطن يليق به، والعزيمة السورية لم تهزمها القنابل ولا الظروف الصعبة وستصنع مستقبل سوريا الجديد