تشهد فرنسا تحولًا نوعيًا في مقاربتها لقضايا الإرهاب، بعد أن تولّت النيابة العامة لمكافحة الإرهاب لأول مرة التحقيق في جريمة قتل ارتكبها عنصر من اليمين المتطرف ضد مواطن تونسي، وُصفت بأنها "عنصرية وإرهابية". اعلان

في مشهد غير مسبوق علىالساحة القضائية الفرنسية، أعلنت النيابة العامة لمكافحة الإرهاب تولّيها التحقيق في جريمة قتل ذات خلفية عنصرية، نفّذها مشتبه به من اليمين المتطرف في مدينة بوجيه سور أرجانس جنوب البلاد، ما يشكّل نقطة تحوّل بارزة في مقاربة الدولة لملف الإرهاب الذي طالما ارتبط في المخيلة الرسمية والجماهيرية بالتطرّف الجهادي.

الضحية، تونسي يبلغ من العمر 45 عامًا، سقط برصاص جاره الفرنسي (من مواليد 1971) الذي لم يكتفِ بتنفيذ الجريمة، بل عمد إلى توثيقها بخطاب عنصري مسجّل قبل وبعد إطلاق النار، ونشر مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يحرض فيها على الكراهية، ويعلن فيها ولاءه للعلم الفرنسي، داعيًا صراحة إلى استهداف الأجانب.

النيابة العامة وصفت الجريمة بـ"العمل الإرهابي المرتكب على أساس العرق والدين"، مشيرة إلى أن التحقيقات تشمل أيضًا تهمة "مؤامرة إرهابية إجرامية". وقد عُثر في سيارة الجاني على ترسانة من الأسلحة، بينها بنادق ومسدسات أوتوماتيكية، ما يدل على نية التخطيط لأفعال قد تتجاوز حدود الجريمة الفردية.

Relatedفرنسا تتهم الاستخبارات الروسية بشن هجمات سيبرانية متكررة منذ 2015فرنسا تراجع قوانينها الجنائية بعد فوضى ليلة دوري أبطال أوروبافرنسا: مشروع قانون حظر الحجاب في الملاعب: تمسك بالعلمانية أو تمييز ضد المسلمين؟

الجريمة التي هزّت فرنسا والجالية التونسية جاءت في مناخ سياسي واجتماعي مشحون، يتغذّى من خطابات كراهية واستقطاب سياسي غير مسبوق. فحسب ما نشرته صحيفة لوموند، فإن التهديد الإرهابي اليميني المتطرف عاد ليطفو على السطح منذ عام 2017، وقد فُتح أكثر من 20 تحقيقًا في هذا الإطار، دون أن يصل أي منها، حتى اللحظة، إلى مستوى التحقيق في جريمة قتل.

الموقف اللافت جاء من وزير الداخلية برونو روتايو، المعروف بمواقفه اليمينية المحافظة، والذي أقرّ صراحة بأن الجريمة "عنصرية"، مستخدمًا لهجة حادة في توصيف الفعل، في خطوة نادرة من مسؤول بموقعه، ما يعكس ربما تصاعد القلق داخل الأروقة السياسية من تآكل الخط الفاصل بين الخطاب السياسي المتشدد والفعل الإجرامي العنصري. تصريح روتايو، الذي لم يتوان عن المجاهرة بتبنيه نهجا محافظا قد يقترب من أقصى اليمين، يفتح الباب أمام جدل واسع حول مسؤولية الطبقة السياسية في تغذية مناخ الكراهية.

من جهتها، سلّطت صحيفة ليبيراسيون الضوء على تطور ظاهرة الإرهاب اليميني، مشيرة إلى أن السلطات الفرنسية نجحت منذ 2017 في إحباط عدة هجمات مستلهمة من هذه الأيديولوجيا، إلا أن النيابة لم تكن قد تعاملت حتى الآن مع أي جريمة قتل ضمن هذا الإطار. ما يجعل حادثة مقتل التونسي هشام الميراوي علامة فارقة، ليس فقط على المستوى القضائي، بل في رسم معالم المرحلة المقبلة من سياسات مكافحة الإرهاب.

وفي مقابلة مع "فرانس 24"، أوضح الدكتور مجيد بودن، أستاذ القانون الدولي، أن "الدافع العنصري بحد ذاته لا يكفي لتصنيف الجريمة كإرهابية"، لكن توفّر نية ترويع المجتمع، ووجود خطابات تحريضية معلنة، و"سعي المجرم إلى جعل فعله نموذجًا يُحتذى" كلها عوامل جعلت النيابة تختار تصنيف الجريمة ضمن الإرهاب.

تزامنًا مع هذه الجريمة، لا تزال قضية مقتل الشاب المالي أبو بكر سيسيه في مسجد جنوب شرق فرنسا تُثير الجدل، إذ لم تُدرج ضمن خانة الإرهاب لعدم توفّر "البعد الجماعي أو التحريضي" وفق نتائج التحقيقات الأولية، ما يعكس تباينًا في المعايير القضائية يثير قلق الجاليات المستهدفة.

العنصرية.. أرقام مقلقة

وتفيد بيانات رسمية بأن عام 2024 شهد ارتفاعًا بنسبة 11% في الجرائم العنصرية والمعادية للأجانب والدين، ما يعزز المطالب بضرورة التطبيق الصارم للتشريعات الموجودة، والضرب بيد من حديد على كل محاولة لتسييس الكراهية أو شرعنتها بخطابات تغذيها بعض الأصوات الإعلامية والسياسية.

التحقيقات لا تزال في بدايتها، لكن المؤشرات تؤكد أن فرنسا تقف عند مفترق حادّ. فبين القتل والنية في زرع الرعب، خيطٌ رفيع ترسمه السلطة القضائية اليوم من جديد. خيطٌ تحوم حوله تساؤلات عديدة: هل يُعيد هذا التحوّل تعريف مفهوم "الإرهاب" في فرنسا؟.

ويرى المراقبون لحالة الاستقطاب السياسي السائدة في فرنسا، أن محاربة هذه الظواهر هي مسؤولية مشتركة. فالدولة بحسب رأيهم، مسؤولة عن تطبيق العدالة، لكن النخب السياسية والثقافية مدعوّة إلى مواجهة الخطاب العنصري بجرأة، بعيدا عن الشعارات والمواقف المعلنة في الحملات الانتخابية التي قد تتحوّل، في أسوأ الظروف، إلى دم على أرصفة المدن الفرنسية.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

المصدر: euronews

كلمات دلالية: إسرائيل السعودية سوريا غزة إيران فرنسا إسرائيل السعودية سوريا غزة إيران فرنسا الإرهاب فرنسا يمين متطرف عنصرية مكافحة الإرهاب جريمة كراهية إسرائيل السعودية سوريا غزة إيران فرنسا أوكرانيا الذكاء الاصطناعي الحج المساعدات الإنسانية ـ إغاثة البرنامج الايراني النووي مكة جریمة قتل فرنسا ت

إقرأ أيضاً:

ذكرى جريمة تفجير مسجد دار الرئاسة.. اغتيال الوطن الذي لا يُنسى

في الثالث من يونيو/حزيران 2011، شهد اليمن واحدة من أبشع الجرائم في تاريخه الحديث، جريمة لم تستهدف فقط أشخاصاً، بل استهدفت كيان الوطن بأكمله.

تمثلت هذه الجريمة بتفجير مسجد دار الرئاسة في صنعاء، والذي كان يُصلي فيه الرئيس علي عبد الله صالح وكبار قيادات الدولة، لم يكن مجرد عمل إرهابي، بل كان محطة مفصلية في مسار اليمن نحو الانهيار.

وبعد مرور 14 عاماً على هذه الجريمة، تبقى أسئلة معلقة: من كان وراءها؟ ولماذا لم تُقدَّم العدالة للضحايا؟ وكيف شكلت هذه الجريمة مصير اليمن؟

وبالنظر إلى تفاصيل الجريمة والحدث الدامي ففي تاريخ: 3 يونيو 2011 (أول جمعة من شهر رجب)، وقع تفجير مسجد دار الرئاسة في صنعاء، أثناء أداء صلاة الجمعة، خلف 13 شهيداً من كبار قيادات الدولة، بينهم رئيس مجلس الشورى عبد العزيز عبد الغني، و200 جريح، بينهم الرئيس الزعيم علي عبد الله صالح، ورئيس الوزراء علي محمد مجور، ورئيس مجلس النواب يحيى الراعي.

وحينها أدان مجلس الأمن الدولي الهجوم ووصفه بـ"الجريمة الإرهابية"، كما صنّفت الجهات اليمنية الجريمة كـ"جريمة القرن"، لاستهدافها رموز الدولة والشرعية الدستورية.

الأطراف المتهمة والأجندة الخفية

وتتهم التحقيقات اليمنية التي أجريت تحالف الإرهاب وقتها بين جماعة الإخوان المسلمين والحوثيين بتنفيذ الهجوم، بهدف معلن وهو إسقاط النظام الجمهوري وإضعاف الدولة لتمهيد السيطرة لاحقاً.

وجاء التفجير في ذروة أحداث ما سمي حينها بـ"الربيع العربي"، حيث حاولت جماعات الإسلام السياسي استغلال الأوضاع لإسقاط النظام.

وكشفت وثائق لاحقة عن تعاون خفي بين الحوثيين والإخوان، تجلّى لاحقاً في صفقات تبادل أسرى عام 2019، حيث أفرج الحوثيون عن متهمين بالجريمة وسلموهم لقيادات إخوانية.

تداعيات الجريمة

وبعد هذه الجريمة دخل اليمن في حالة من الانهيار ثم إلى الحرب وانهارت مؤسسات الدولة وضعفت الشرعية الدستورية، مما مهّد لتصاعد نفوذ الحوثيين الذين انقلبوا لاحقاً في 2014.

يقول مراقبون سياسيون، إن جريمة تفجير مسجد دار الرئاسة تعد الشرارة الأولى للحرب اليمنية، حيث تحوّل الصراع من أزمة سياسية إلى حرب دموية تدخلت فيها دول إقليمية.

محاولة الإفلات من العقاب

ورغم مرور 14 عاماً، لم يُحاسب أي من المتورطين، مما يعكس ضعف المحاسبة الدولية في قضايا الإرهاب.

وتبقى الجريمة جرحاً مفتوحاً في ذاكرة اليمنيين، ورمزاً لخيانة الداخل والخارج.

ويتساءل المراقبون السياسيون هل من عدالة؟

اليوم، بينما يعيش اليمن أسوأ أزماته الإنسانية، يبرز تفجير مسجد دار الرئاسة كجريمة لم تُحاسب، لكنها لا تُنسى، إنها جريمة لم تُقتل فيها أرواح فقط، بل قُتل حلم اليمن المستقر والسؤال الذي ينتظر الإجابة: هل سيأتي يوم يحاسب فيه القتلة، أم ستبقى الجريمة جرحاً ينزف إلى الأبد؟

 

مقالات مشابهة

  • خيط الجريمة.. علاقة محرمة تقود النيابة لكشف جريمة قتل رضيع فى مدينة نصر
  • خيط الجريمة.. علاقة محرمة تقود النيابة لكشف خادمة قتلت طفلها الرضيع فى ميدنة نصر
  • الضرب ليس دائمًا جنحة... متى تصبح الجريمة عاهة مستديمة؟
  • تفاصيل توقيف مشتبه به في المغرب في قضية خطف متداولي عملات مشفرة بفرنسا
  • الإرهاب الصهيوني.. محاولة للتفكيك
  • انهيار الحكومة الهولندية بعد انسحاب اليمين المتطرف من الائتلاف
  • فرنسا تراجع قوانينها الجنائية بعد فوضى ليلة دوري أبطال أوروبا
  • استقالة رئيس الوزراء الهولندي بعد انسحاب اليمين المتطرف
  • ذكرى جريمة تفجير مسجد دار الرئاسة.. اغتيال الوطن الذي لا يُنسى