موقع النيلين:
2025-08-17@02:20:02 GMT

إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث للغد 2)

تاريخ النشر: 28th, June 2025 GMT

ونكتب أمس عن المثقفين… كفانا الله شرهم…
ونُفاجأ بأن حسين خوجلي يكتب في اليوم ذاته عن الأمر ذاته… وهذا يعني أن الشعور بهذا الأمر هو ما يطغى الآن.
… والردود تكفينا اليوم.
و… حسن المك.
هل نحن ضد المثقفين؟ لا…
نحن ضد العقرب التي ترتدي ثوب النحلة.
وعبدالله سيد…
رأي العارفين، ممن يشعرون بأن الإنجليز ينظرون إلينا باحتقار، رأي يصنع الحكاية التي تقول: في الوفد السوداني الذي يهبط لندن أيام الحرب العالمية لتهنئة الملك هناك بالنصر، كان أحد أعضاء الوفد يعامل (الحمال) الذي يحمل حقائبهم باحترام شديد.


ولما سألوه قال في سخرية البرامكة:
:: نعمل حسابنا… يمكن يجيبوه لينا حاكم عام!
… لكن المثقفين جابوه بالفعل… فالسادة المثقفون يبلغون درجة نقل السلوك الإنجليزي بكل سجمه ورماده إلى البلد…
وإلى درجة أن عبد الله الطيب يرسم صورة لـ(قعدة) المثقفين وهم يكرعون الـ(هيج)، حتى إذا امتلأ واحد منهم وثب على التربيزة وأخذ يُلقي قصيدة وِردز، ورثها عن نساء دوفر اللائي يجلسن على الشاطئ كل ليل ينتظرن رجالاً لن يعودوا أبداً… (ذهبوا للحرب).
وأمس نقول إن المثقفين عندنا، الذين وُلِدوا في العيلفون والقطينة وأم دبيكرات والشبشة، وحملوا اللوح والشرافة… هؤلاء المثقفون إذا شربوا من الثقافة الغربية انشبحوا بين سودانويتهم المسلمة… وبين روائح أحجار مكتبات وشوارع لندن…
والمثقفون هؤلاء، وللاستمساك بالسودانوية، تجد عندهم ظاهرة إنشاد أشعار الطيب ود ضحوية:
(وسروجنا الغلبن صائح القماري حسوسن…)
وتجد عندهم ظاهرة النزول في نوبة حمد النيل ومدائح ود حاج الماحي…
ثم هم مخلصون جداً في عشق اللقمة، وملاح التقلية، والشطة، والبصل الذي يجعل (النخرة) تسيل…
سودانية لها شواهد…
لكن السودانوية هذه تذكّرك بمشهد في فيلم روسي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي…
وفي الفيلم، مسؤول شيوعي… أيام البريسترويكا… يشاهد فيلماً يسخر من الجنون الشيوعي…
والمسؤول (المتحرر) يضحك ويُظهر التحرر…
حتى إذا خرج من القاعة التفت قائلاً للمسؤول الثقافي، غاضباً:
:: مش عايز أشوف وسخ زي ده تاني!
وتعامل مثقفينا مع السودانوية شيء يقدم المشهد ذاته… ثم يقول الجملة ذاتها…
… والجماعة معذورون…
وحكاية عن طبيب في لندن تقول:
طبيب ظل يصف لمرضاه دواء معيناً لسنوات طويلة، والطبيب هذا يُصاب بالمرض ذاته…
ويجد أن الدواء الذي ظل يعالج به مرضاه دواء فاشل…
وطبيب حديث يكشف له ذلك…
عندها، الطبيب المريض – الذي يعرف أن علاجه كان فاشلاً – يقول للطبيب الحديث: :: لقد ظللت أعالج الناس لأربعين سنة بهذا الدواء… والآن تريد مني أن أعترف بأنه دواء فاشل؟ مما يعني أنني أضعت عمري في وهم؟ لا… لا… أفضل أن أموت على أن أفعل هذا!
ومثقفونا الذين كرعوا الحياة الغربية… ثم اكتشفوا أنهم أضاعوا عمرهم… المثقفون هؤلاء يفضلون الموت على مواجهة هذه الحقيقة…
ومثقفونا قرأوا… تينيسون… ووالت ويتمان… وسارتر… وفرجينيا وولف… وديوي… وبيكوس… ولام… وجونسون… وهازليت… وإيمرسون… وأرفنج… وملفيل… وشو… وشكسبير… وكونراد… وهيكسلي… و…
آلاف آخرين…
قرأهم مثقفونا… وأصحاب الكتابات هذه هضموا مثقفينا… ثم (أفرزوهم) في الخلاء…
ومثقفونا هؤلاء لم يقرأوا للشاطبي… ولا ابن تيمية… ولا ابن خلدون… ولا ابن سينا… ولا الفارابي… ولا القرطبي… ولا ابن سناء الملك… ولا الآلاف من الأماجد الذين ظلوا شامخين حتى اليوم…
… معركة وحكاية ضياع مثقفينا حكاية أهم ما فيها هو أنها غيّبت عنهم تماماً أن هناك إلهاً معبوداً… وهناك مصيراً… وهناك آخرة… وهناك حفرة ثم بعث…
وفي جملة واحدة… هناك (دين إلهي جاء به محمد) صلى الله عليه وسلم…
في التسعينيات شرعنا في كتابة حكايات شيوعيين…
ومنهم القيادي الشيوعي الذي يجده أهل الدامر في محراب المسجد ساجداً يبكي…
ثم هو بعدها يبدأ التعلم… يبدأ التعلم، نعم…
والرجل يبدأ بأن يسلم إصبعه لتلاميذ الخلوة… ليمسك التلاميذ هؤلاء بإصبعه ويعلمونه كيف يكتب على الأرض… ألف… باء… تاء… ثاء…
ولن تجد رجعة مثل هذه…
… الخلاصة هي أننا نعيش الآن مرحلة لتجديد حياتنا…
تجديد لا يحتمل تكرار الخراب الطويل…
الخراب الذي صنعه مثقفون يجهلون ثلاثة أشياء:
يجهلون السودان…
والإسلام…
وأنفسهم…
حتى أنفسهم لا يعرفونها…
والناس لن تسلّم السودان لهؤلاء.

إسحق أحمد فضل الله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: ولا ابن

إقرأ أيضاً:

تقليد الببغاء

وجهة نظر جاءتنى وأنا أشاهد وأستمع لهؤلاء الببغاوات الاستراتيجيين فى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والرياضية، الكل يكرر ما يقوله الآخرون، لا جديد لديهم ولا إبداع، لا فرق بينهم غير ألوان الملابس كما هى ألوان الريش للببغاوات. هذا التقليد الأعمى لا يخرج عن كونه كلاما فى كلام لا فائدة منه حتى لمحدثه إلا الفائدة المادية التى يتقاضاها مقابل أن يكرر أمامنا تلك الكلمات المُعادة، والذى يُقال من فلان يُكرره فلان مرة ومرات دون مبالغة أو تقصير فى لفظ أو معنى، والناس من كثرة الكلام أصابها الصمم والعمى، هؤلاء الذين يحاولون أن يُفهمونا أن الزمن الذى نحيا به بحكمة القدر، وتحول هذا القدر على ألسنتهم إلى أصنام نلوذ بها بعد أن ضاق بيننا البيان، وهذا الصنم يُعبد وهو لا يسمع ولا يُبصر ولا يغنى عن شىء، ليس هذا فحسب بل جعل هؤلاء الببغاوات من هذا الصنم الذى يعبدونه ويطالبون الناس بالسجود له أن يعبدوه لمجرد أنهم مفتنون به. فى غمرة هذا الهرج عيّنوا أنفسهم رُهبانا للمعبد، فهؤلاء ليسوا رجال معارك أو علم حقيقى، لم يُسجل لهم أى موقف أنهم يقفون بجوار الضُعفاء.. كله من أجل المال.

 

 

 

مقالات مشابهة

  • عادل الباز يكتب عن: الفاشر.. ستالينغراد إفريقيا
  • تقليد الببغاء
  • عالم بالأزهر يوضح ضوابط أكل الصيد في ضوء حديث النبي
  • شريف حافظ ينضم لأبطال فيلم “حين يكتب الحب” أمام أحمد الفيشاوي وجميلة عوض
  • ناشطات وأكاديميات وإعلاميات في حديث خاص لـ(لأسرة):المولد النبوي.. إحياء وارتباط واقتداء، وتفرد يمني على مستوى العالم
  • رئيس حكومة لبنان: حديث نعيم قاسم تهديد مبطن بالحرب الأهلية
  • أحمد الأشعل يكتب: مصر والأردن.. تحالف لا تهزه العواصف
  • أنا في كرب شديد فما الدعاء الذي يبشرني بالفرج القريب؟ .. الإفتاء تجيب
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (أوراق تنتظر الكتابة)
  • أحمد جمال.. ابن بني سويف الذي واجه ألسنة النار بشبر الخيمة وعاد إلى قريته محمولًا على الأكتاف