رحلة أفلام السجون السينمائية بين الرعب والعدالة الاجتماعية
تاريخ النشر: 22nd, July 2025 GMT
وتطورت هذه النوعية من الأعمال عبر عقود من الزمن لتصبح مرآة عاكسة للمجتمع وقضاياه، من قصص الهروب المثيرة إلى الكشف عن أوجه الظلم والفساد في أنظمة العدالة.
وتشكل قصص الهروب من السجون العمود الفقري لكثير من الأعمال الدرامية الناجحة، ولعل أبرزها مسلسل "بريزون بريك" الذي حقق شهرة عالمية واسعة.
واستطاع هذا العمل أن يجذب الملايين من المشاهدين حول العالم من خلال قصة هروب معقدة ومثيرة، مستفيدا من تصوير مشاهده في سجن حقيقي يحمل في طياته تاريخا مظلما من المعاناة الإنسانية.
واستعرضت حلقة (2025/7/22) من برنامج "عن السينما" تفاصيل تصوير هذا المسلسل في سجن جوليت الحقيقي، الذي أغلقته السلطات الأميركية عام 2002 ليصبح بعدها متاحا لصناع السينما والتلفزيون.
ويحمل هذا السجن تاريخا يمتد لـ150 عاما من الخوف والألم والعنف، مما أضفى أجواء واقعية مرعبة على المسلسل وساعد الممثلين على تقديم أداء أكثر صدقا وعمقا.
وتجسدت عبقرية صناع المسلسل في استغلال كل ركن من أركان السجن، من الزنازين إلى المستشفى والباحة والكنيسة، بل بناء زنازين جديدة لتسهيل عملية التصوير.
ولعبت التفاصيل الفنية دورا محوريا في نجاح العمل، كالوشم المعقد الذي حمل في طياته خريطة السجن وخطة الهروب، والذي كان يتطلب ساعات طويلة لرسمه على جسم الممثل، مما دفع المنتجين لاستخدام تقنيات متطورة لتسريع العملية.
عندما يروننا
وتطورت أعمال السجون لتتجاوز مجرد قصص الهروب والإثارة، لتصبح منصة للكشف عن قضايا العدالة الاجتماعية والظلم العنصري، ويبرز مسلسل "عندما يروننا" كنموذج مثالي لهذا التطور، حيث يسرد قصة حقيقية مؤثرة لـ5 شبان من ذوي البشرة السمراء اتُهموا ظلما باغتصاب امرأة بيضاء في نيويورك.
وعكست هذه القصة الحقيقية أوجه الظلم والتمييز العنصري في نظام العدالة الأميركي، حيث مارست المدعية العامة ضغوطا شديدة على هؤلاء الشبان لإجبارهم على الاعتراف بجريمة لم يرتكبوها.
إعلانوقضى هؤلاء الشبان سنوات تراوحت بين 6 و14 عاما خلف القضبان، ليضيع عمرهم ظلما لمجرد اختلاف لون بشرتهم.
وبرز الممثل الشاب جارل جاروم في دور كوري وايز، مقدما أداء استثنائيا حصد به جائزة إيمي وهو لم يتجاوز الـ21 من عمره، واستخدم جاروم تقنيات تمثيلية ذكية، كرفع طبقة صوته في مشاهد ما قبل السجن وخفضها تدريجيا مع دخول الشخصية إلى عالم السجن، عاكسا التأثير النفسي المدمر للحبس الانفرادي.
وحققت هذه الأعمال تأثيرا اجتماعيا عميقا يتجاوز الترفيه، فقد أدى عرض مسلسل "عندما يروننا" إلى انطلاق حملة جماهيرية أجبرت المدعية العامة على الاستقالة، بينما حصل الشبان الخمسة على تعويض قدره 41 مليون دولار.
22/7/2025-|آخر تحديث: 15:42 (توقيت مكة)المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
«أطيافنا أطيافكم».. يجعل الصحراء بطل الشاشة
تُمثّل الصحراء عنصرًا بصريًا ورمزيًا مهمًا في السينما العالمية والعربية، إذ تتجاوز كونها مجرد خلفية طبيعية لتتحوّل إلى فضاء درامي يعكس العزلة، والتحول، والصراع مع الذات والآخر.
في السينما العالمية، حضرت الصحراء بقوة في أفلام مثل لورانس العرب 1962، حيث أصبحت الصحراء رمزًا للتحول السياسي والنفسي، أما في السينما العربية، فالصحراء ظلت حاضرة في أفلام ذات عمق ثقافي وتاريخي أبرزها فيلم الرسالة لمصطفى العقاد الذي أبرز الصحراء كبيئة دعوة وتحول، ومنها أيضا « تمبوكتو» لعبد الرحمن سيساكو الذي جسّد الصراع بين الجمال الطبيعي والتطرف الديني.
وتبقى الصحراء أحد أكثر الفضاءات السينمائية غنى، بما توفره من جمال بصري، وعمق رمزي، ودراما داخلية تعيد تشكيل الإنسان والعالم من حوله، وهذا ما يقدمه معرض أطيافكم في المتحف العربي للفن الحديث، المتواصل حتى 9 أغسطس المقبل.
يفتح المعرض نوافذه على سلسلة أفلام عربية وعالمية أعادت صياغة علاقتها بالصحراء لا كخلفية طبيعية، بل ككيان حي، وراوٍ سردي، وشخصية تتشكل مع كل مشهد.
من السودان إلى الجزائر، ومن المغرب إلى مالي، ومن أمريكا إلى إيران، تلتقي في هذا المعرض أفلام تنتصر للصحراء بوصفها مساحة للتأمل، والتمرد، والانكسار، والتحول. إنها أكثر من مجرد فراغ؛ إنها مسرح داخلي يعكس هشاشة البشر وسط امتداد الطبيعة الصامتة.
لغة السينما
ويقدم المعرض مجموعة من الأفلام التي تتناول الصحراء في أبعادها الثقافية المختلفة و ما فيها من مآس وتحديات أحيانا.
ففي فيلم «السد» (2022) للمخرج اللبناني علي شري، نتابع ماهر، العامل السوداني الذي يبني نصبًا طينيًا سريًا في الصحراء، بينما يهتز العالم حوله بثورة ضد الظلم. هنا، لا تعود الصحراء مكانًا هامشيًا، بل تتحول إلى مسرح داخلي لحلم صغير يبنى ببطء. بيد ماهر المتربة، تنهض الصحراء شاهدًا على الأمل.
أما في فيلم «تمبكتو» (2014) للموريتاني عبد الرحمن سيساكو، فالصحراء تتكلم بلغة الفجيعة، مدينةٌ تاريخية تجتاحها جماعات متطرفة، وساكنو الكثبان يصبحون في مرمى العنف، فالصحراء في هذا الفيلم ليست صامتة، بل تئن.
وفي «أبو ليلى» (2019) للجزائري أمين سيدي بومدين، تصبح الصحراء مسافة للهرب من العنف نحو عنف آخر. ضابطان يبحثان عن إرهابي وسط صحراء تزداد كثافة مع كل خطوة. الطريق الموحل بالرمال يقود إلى عمق النفس لا إلى نهاية الجريمة.
الصحراء متاهة رمزية
وفي فيلم «صحة» (2023) للمغربي فوزي بنسعيدي، يخرج موظفان لتحصيل ديون متعثرة في رحلة عبثية نحو الجنوب الصحراوي. ولكن الصحراء، بدلا من أن تمنحهم الوضوح، ترميهم في حضن الغموض. يظهر رجل مكبّل إلى سقف السيارة، ويبدأ الواقع بالتصدّع. لتسخر الرمال هنا من منطق المدينة وتفضح هشاشته.
وفي «أرض الأحلام» (2021)، للمخرجَين الإيرانيين شيرين نشأت وشجاع أزاري، ننتقل إلى صحراء أمريكية مستقبلية، حيث تعمل «سيمين» في جهاز لجمع أحلام الناس. في هذه الأرض القاحلة، يتقاطع الخيال العلمي بالمنفى، وتصبح الرمال أرشيفًا لأحلام من لا وطن لهم.
إن ما يجمع هذه الأعمال، رغم اختلاف بلدانها وأزمنتها، هو إيمانها العميق بأن الصحراء لا تصوَّر، بل تُصغى إليها. في صمتها معنى، وفي قسوتها حكمة. الصحراء التي صوّرها لورنس العرب في سينما الستينيات كأرض فارغة تغري المستعمر، تعود اليوم كصوت للهوية، ولحكايات الأفراد المهمّشين، ولأحلام مكسورة تُبنى مجددًا.
ولأن كل فيلم في معرض أطيافكم يكتب سيرة مختلفة للرمال، فإن اللقاء بينها يشبه ندوة بصرية عن معنى البقاء وسط القسوة، وعن إمكانية الجمال في وجه الجفاف.
في معرض اطيافنا أطيافكم، تنكشف الصحراء لا كفضاء موحش، بل كأرض أسئلة. من نصب طيني سري، إلى صحراء تحتضن اللاجئين، ومن مدينة تئن تحت الشريعة، إلى رحلة عبثية في الجنوب، نجد في كل فيلم سينمائي أطيافًا متشابكة من الحلم، والعنف، والبحث عن معنى، فالصحراء ليست فقط رمالاً تمتد، بل مرآة واسعة للإنسان حين يُجرّد من كل شيء إلا ذاته.