جاءت فكرة هذا المقال استجابةً لرسالة تلقيتُها من زملاء متقاعدين، عبّروا فيها عن انتمائهم العميق للمؤسسة الجامعية، وتناولوا واقع حياة الأستاذ الجامعي بعد التقاعد. لم تكن الرسالة شكوى، بل طرحت تساؤلات مشروعة حول طبيعة هذا الانقطاع المنتظر عن العمل الأكاديمي، وإمكانية الاستفادة من خبرات الأساتذة المتقاعدين بصيغٍ مرنة، تضمن استمرارية الأثر العلمي.


إن ما ورد في هذه الرسالة لا يعكس حالة فردية، بل يسلّط الضوء على إشكالية في علاقة المؤسسة الجامعية بأعضاء هيئة التدريس في مرحلة ما بعد التقاعد. فالمسألة تتجاوز الأبعاد الإدارية لتطرح سؤالًا جوهريًا حول مدى قدرة الجامعات على إدارة رصيدها المعرفي، وتحقيق الاستفادة القصوى من الخبرات المتراكمة، التي تمثلها هذه الفئة.
إن العلم في جوهره ليس وظيفة مؤقتة، ولا نشاطًا ينتهي بقرار إداري، بل مسار معرفي يتطور وينضج بمرور الوقت. والأستاذ الجامعي، بحكم تجربته الممتدة في التعليم، والبحث، والإشراف، والإسهام العلمي، يمثل عنصرًا أساسيًا في منظومة إنتاج المعرفة، وتكوّن الهوية الأكاديمية للمؤسسة.
وفي هذا السياق، تنظر العديد من الجامعات العالمية العريقة إلى استمرار الأستاذ الجامعيّ بعد سن التقاعد؛ بوصفه امتدادًا طبيعيًا للعطاء العلمي، لا استثناءً منه. في المقابل، لا تزال بعض البيئات الجامعية الأخرى تتعامل مع التقاعد كفاصل نهائي، بغض النظر عن الجدارة أو الرغبة في الاستمرار .
وفي مقابل هذا التحدي، تسجَّل ممارسات إيجابية قائمة بالفعل، حيث تمنح بعض الجامعات للأساتذة المتقاعدين صفة “متعاون”، أو تتيح لهم المشاركة في اللجان العلمية والتحكيمية. وهي نماذج جيدة يمكن تطويرها والبناء عليها في إطار واضح وموحّد.
وانطلاقًا من ذلك، يبرز مقترح “المسار الأكاديمي المستمر” كأحد الحلول الممكنة، وهو صيغة مرنة داخل الجامعات تتيح للأستاذ بعد التقاعد اختيار مجالات المشاركة المناسبة له، بما يضمن استمرار عطائه الأكاديمي في حدود الخبرة والقدرة، دون أن يرتبط ذلك بالتكليف الوظيفي الكامل.
إنّ الجامعات التي تتبنى هذا النهج لا تُحسن فقط إدارة مواردها البشرية، بل تضمن استدامة المعرفة المؤسسية، وتُعزّز من نضج بيئتها العلمية، وتُرسّخ ثقافة الوفاء للكفاءات التي ساهمت في بنائها. ويجد هذا التوجه صداه في نماذج عالمية تحوّل لحظة التقاعد إلى مناسبة للتقدير والتوثيق، لا للانقطاع، من خلال ندوات تكريمية أو إصدارات توثيقية لتجارب الأساتذة.
كما أن المطلوب ليس تجاوز الأنظمة، بل تطويرها وفق رؤية مؤسسية تراعي الفوارق الفردية، وتُوازن بين الحاجة العملية والتشريعات الإدارية. ويمكن في هذا الإطار صياغة نموذج مرن للتقاعد الأكاديمي، يمنح الجامعات صلاحية الاستفادة من الخبرات، ضمن ضوابط تحفظ الحقوق وتراعي الجودة.
ومن هنا، أوجّه هذه الرسالة إلى صانع القرار الأكاديمي، الواثق بحرصه على رفع جودة التعليم الجامعي وتفعيل دوره التنموي، بأن يُبادر إلى صياغة سياسات تُمكّن الجامعات من استبقاء الخبرات العلمية بعد التقاعد، لأن إدارة العقول ليست امتيازًا مؤسسيًا، بل ضرورة وطنية تُبنى بها الجامعات، ويُصاغ بها المستقبل.
أستاذ علم النفس بالجامعة الإسلامية

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: بعد التقاعد

إقرأ أيضاً:

بنك السلام كابيتال يشارك في الحوار الأمريكي _ العربي الأفريقي للقطاع الخاص 2025 بنيويورك

انضم إلى قناتنا على واتساب

شمسان بوست / نيويورك

في خطوة تعكس حرصه على مواكبة المستجدات الاقتصادية والمصرفية الإقليمية والدولية، شارك بنك السلام كابيتال للتمويل الأصغر الإسلامي في فعاليات الحوار الأمريكي – العربي الأفريقي للقطاع الخاص (US-MENA PSD 2025)، الذي نظمته وزارة الخزانة الأمريكية واستضافه بنك نيويورك (BNY Mellon) بمدينة نيويورك، بمشاركة واسعة من كبار صُنّاع القرار والخبراء الماليين والمصرفيين من مختلف دول العالم.

ومثل البنك في هذا الحدث الدولي كلٌّ من رئيس مجلس الإدارة الأستاذ أحمد عبدالله أحمد عيشان، ونائب رئيس مجلس الإدارة الأستاذ طارق عبدالله أحمد عيشان، حيث ناقشا خلال جلسات الحوار أبرز التحديات والفرص أمام القطاع المالي العربي والأفريقي في ظل التحولات العالمية المتسارعة.

وأكدت مشاركة البنك على حضور “السلام كابيتال” الفاعل في المشهد المالي الدولي، وسعيه الدائم نحو تبادل الخبرات والتجارب في مجالات الامتثال المالي ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT)، والتحول الرقمي والحوكمة المالية، إلى جانب توظيف الذكاء الاصطناعي في تعزيز الشفافية وإدارة المخاطر المؤسسية.

ويجسد هذا الحضور التزام البنك الراسخ بتبني منظومة مصرفية حديثة وآمنة تتماشى مع المعايير الدولية، وتدعم توجهه نحو الريادة في التمويل الإسلامي الرقمي داخل اليمن وخارجها، بما يسهم في تمكين الفئات المنتجة وتعزيز التنمية المستدامة.

وأكد الأستاذ أحمد عيشان أن “مشاركة بنك السلام كابيتال في هذا الحوار الدولي تأتي انطلاقًا من رؤيته بأن يكون جسر السلام المالي بين اليمن والعالم، ونموذجًا يُحتذى في الجمع بين الأصالة والابتكار في تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية الحديثة”.

بهذه المشاركة، يواصل بنك السلام كابيتال ترسيخ مكانته كمؤسسة مالية يمنية رائدة تسعى لربط الاقتصاد الوطني بالعالم الخارجي، وتعزيز حضوره في المحافل الدولية التي تُعنى بمستقبل التمويل والاستثمار المستدام.

#بنك_السلام_كابيتال
#عالم_من_الخدمات_المصرفية
#USMENAPSD2025

مقالات مشابهة

  • اتحاد المصارعة يستعرض تبادل الخبرات مع جورجيا
  • «حلول مبتكرة للتكيف مع تغير المناخ واستدامة المياه».. انطلاق فعاليات أسبوع القاهرة الثامن للمياه
  • حلول مبتكرة للتكيف مع تغير المناخ واستدامة المياه.. انطلاق فعاليات أسبوع القاهرة الثامن للمياه
  • رئيس الوزراء: الدولة تولي دعما كبيرا للتعليم الجامعي
  • "الحصاد الأسبوعي".. نشاط مُكثف لوزارة الأوقاف دعويّا واجتماعيّا
  • بنك السلام كابيتال يشارك في الحوار الأمريكي _ العربي الأفريقي للقطاع الخاص 2025 بنيويورك
  • تحقيق في الانقطاع.. بدء عودة الاتصالات والإنترنت لأحياء بالرياض
  • اليمن يستأنف مشاوراته مع صندوق النقد الدولي بعد 11 عاما من الانقطاع
  • رئيس جامعة سوهاج يؤكد تنفيذ حكم قضائي لصالح الإداريين بالمستشفى الجامعي
  • رئيس جامعة سوهاج يؤكد تنفيذ الحكم القضائي لصالح الإداريين بالمستشفى الجامعي