لم تشهد الخرطوم سيلانا للدماء بعد الخليفة عبد الله التعايشي إلا في المحاولة الإنقلابية الشيوعية في 19 يوليو 1971م .
و هي المحاولة التي مرت ذكراها أمس و سعي الحزب لنكرانها و لم يستطع.
كانت عملاً مليئاً بالخطوات و التقديرات الفاشلة التي أدت لنهاية التحرك في يومه الثالث و جاءت علي غير ما عرف عن الحزب من تجويد عمله و إتقانه .
كانت أول محاولة عسكرية تقع نهارا و قد أحدثت مفأجاة للناس و لكنها يسرت لمقاوميها أن يتحركوا بيسر نهاراً ثم في اليومين التاليين .
تمت العملية المضادة و نجحت في وقت وجيز و بتحرك عفوي من ضباط صف و جنود دون قيادة من ضباط و كانت خاطفة أربكت من تستهدفهم و أسقطت حكمهم ليكون أول إنقلاب لم يتجاوز عمره الأيام الثلاثة و ليكتب الخطأ القاتل الثاني للمحاولة لِما أعتُبر أكبر حزب شيوعي في المنطقة العربية و الأفريقية .
أعلن الرائد هاشم العطا الإستيلاء علي الحكم و تشكيل مجلس قيادة لا يقف هو على قمته بل يرأسه المقدم بابكر النور و هو أمر غريب في الأعراف العسكرية و كأنما هو اختلاف مؤجل حول القيادة من حزب ليس بعيداً عن الخلافات و الإنقسامات.
كان الفشل هذه المرة بسوء التقديرات للعلاقة مع الدول الخارجية ليتم إعتقال قيادته في ليبيا و إسقاط طائرة قادمة من العراق في البحر الأحمر تحمل مؤناً و شخصيات مشاركة .
سوء التقدير الخارجي أدي لسوء التقدير العسكري حينما قصر الفاعلون عن إدراك أهمية مشاركة الرجل الأول و العمل علي تهريبه إلي داخل البلاد لتأمين سلامة و صوله و قيادته المباشرة .
قصر الحزب الشيوعي حينها عن تقدير حجمه الشعبي حينما لجأ لتسيير تظاهرة موالية بلافتات حمراء أكدت الشكوك حول هوية الإنقلاب .
لجأ الإنقلابيون إلي إعتقال كل من يُعرف بمعاداته للشيوعية من الضباط و حبسهم في بيت الضيافة و المعلوم بداهة أن العسكريين هم من أكثر الفئات التي تعرف بعضها البعض و كانت هذه طامة أخري كشفت عنهم .
لجأ الإنقلابيون عند فشلهم لتصفية من حبسوهم بصورة شنيعة ليؤكدوا أن حركتهم حزبية هدفها مستمر لا ينتهي بالإنقلاب و إنما بإنهاء و إبادة خصومهم في الجيش .
قَتلُ أبرياء لم يحملوا سلاحاً و هم في محبسهم، لم يفعل غير أن يؤجج و يزيد الشحناء و البغض و سط الجيش و الجماهير التي لم تتهيب الرصاص و خرجت لتحمل الرئيس النميري من معتقله في القصر الجمهوري إلي الإذاعة السودانية ليبث خطاباً حاداً ضد المحاولة .
مثل هذه الأخطاء المركبة و الأفعال الدموية التي لم يألفها السودانيون كانت نتيجتها الطبيعية أن يشهد الحزب أكبر عملية إعدام لقياداته السياسية و العسكرية و لم يستطع حتی إخفاءها خلاف ما يشاع عنهم من قدرات علي التخفي و العمل السري التي اشتهروا بها، و قد تم تنفيذ الأحكام عليهم في سلاح المدرعات بالشجرة لتكتب نهاية أكبر حزب شيوعي لم يفعل بمحاولته البلهاء غير أن يسجل في تأريخه خاتمة تجعله خارج دائرة الفعل العسكري و السياسي ليتحول إلي جماعة تحسن تسجيل الإحتجاجات بلسان صاخب و فعل عاجز .
راشد عبد الرحيم
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
حركة تنقلات الشرطة السنوية تطرق الأبواب استعدادًا لضخ دماء جديدة
تتجه الأنظار في الوقت الراهن إلى حركة تنقلات الشرطة السنوية، التي دأبت وزارة الداخلية على إصدارها قبل نهاية شهر يوليو من كل عام، في خطوة تهدف إلى تعزيز الأداء الأمني ودعم المواقع الشرطية بعناصر متميزة وكفاءات جديدة قادرة على مواجهة التحديات المتجددة في مجال مكافحة الجريمة بكافة أشكالها.
وتُعد حركة التنقلات إحدى أدوات تطوير الجهاز الأمني، إذ تسهم في تجديد الدماء داخل القطاعات المختلفة، وتمكين قيادات جديدة من تولي مواقع المسؤولية.
وقد أصبح من المعتاد أن تصدر هذه الحركة في شهر يوليو من كل عام، وهي تشمل الترقيات والندب وإعادة توزيع القيادات بما يضمن مواكبة المتغيرات الميدانية ورفع كفاءة العمل الشرطي.
ومن المرتقب أن تُعلن حركة التنقلات لهذا العام قريبا، خاصة بعد الانتهاء من إعدادها ومراجعتها وفقًا للاحتياجات الفعلية في المديريات والقطاعات المختلفة.
ويُذكر أن الضباط يتخرجون من أكاديمية الشرطة بعد دراسة تمتد لأربع سنوات، يحصلون خلالها على ليسانس الحقوق ودبلوم في العلوم الشرطية، ما يفتح المجال أمامهم لمزاولة مهنة المحاماة بعد التقاعد.
ويخضع المتقدمون للالتحاق بكلية الشرطة لاختبارات دقيقة تشمل اللياقة البدنية والفحوص الطبية وكشف الهيئة، إلى جانب شروط تتعلق بحسن السمعة والسلوك.
ويظل يوم 25 يناير 1952 حاضرًا في ذاكرة الوطن، حين واجه رجال الشرطة ببسالة قوات الاحتلال البريطاني في مبنى محافظة الإسماعيلية، ورفضوا تسليمه رغم القصف العنيف، ما أسفر عن استشهاد 50 من رجال الشرطة وإصابة 80 آخرين.
وقد جاء هذا الهجوم بعد قرار مصر إلغاء معاهدة عام 1936 مع بريطانيا، ليصبح هذا اليوم رمزًا لتضحيات الشرطة، وتقرر تخليده سنويًا باعتباره عيد الشرطة.