طهران- في خطوة وُصفت بأنها من أكثر التعيينات السياسية دلالة منذ انتهاء حرب 13 يونيو/حزيران بين إيران وإسرائيل، أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان تعيين السياسي المخضرم علي لاريجاني أمينا للمجلس الأعلى للأمن القومي، خلفا لعلي أكبر أحمديان الذي شغل المنصب منذ مايو/أيار 2023.

يأتي هذا التغيير في سياق داخلي وإقليمي بالغ الحساسية، إذ لا تزال تداعيات الحرب التي استمرت 12 يوما تلقي بظلالها على المزاجين الشعبي والسياسي في إيران، وسط حديث متزايد عن دخول البلاد مرحلة "ما بعد الحرب"، بما تحمله من فرص وتحديات.

علي أحمديان نائب المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني (يسار) مع قاسم سليماني (أسوشيتد برس)ضرورة الاعتدال

يصنَّف علي لاريجاني ضمن أكثر الشخصيات السياسية قدرة على الجمع بين التوجهات المتباينة في الساحة الإيرانية؛ فهو "يساري اليمينيين ويميني اليساريين"، أو كما يُوصف أحيانا "إصلاحي المحافظين الأصوليين، ومحافظ الأصوليين لدى الإصلاحيين".

هذه التركيبة النادرة تمنحه موقعا وسطيا يتيح له التواصل مع التيارين الرئيسيين في البلاد، وهو ما يفسّر قربه من شخصيات معتدلة مثل الرئيس الأسبق حسن روحاني، ووزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف، والأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني.

وُلد لاريجاني عام 1957 في مدينة النجف العراقية، حين كان والده أحد كبار مراجع التقليد الشيعي، وينتمي لعائلة سياسية مؤثرة، شهدت في مرحلة ما تولّي شقيقين من العائلة رئاسة اثنتين من السلطات الثلاث في إيران؛ علي لاريجاني للسلطة التشريعية، وصادق لاريجاني للسلطة القضائية، إلى جانب أشقاء آخرين تقلدوا مناصب عليا في الدولة.

لاريجاني، الذي يشغل حاليا منصب مستشار المرشد وعضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام، سبق أن تولى منصب الأمين العام للأمن القومي ورئاسة البرلمان لثلاث دورات برلمانية متتالية، لكن حضوره في السنوات الأخيرة تميز بدور موازٍ لوزارة الخارجية، فقد تولّى نقل رسائل حساسة وزيارات سياسية مفصلية، كان آخرها إلى موسكو قبل أسبوعين، وسبقها محطات في دمشق وبيروت.

إعلان

ورغم مكانته، لم تخلُ مسيرته من محطات مثيرة للجدل، أبرزها رفض مجلس صيانة الدستور ترشحه للانتخابات الرئاسية الأخيرة، وذلك ما يجعل عودته اليوم إلى منصب أمني رفيع حدثا لافتا يحمل دلالات عميقة.

إيران أعلنت عن تغييرات أمنية شاملة بعد الحرب مع إسرائيل شملت تأسيس "مجلس للدفاع" (الصحافة الإيرانية)تحركات متزامنة

جاء تعيين لاريجاني في وقت حساس، بعد يومين فقط من إعلان تأسيس "مجلس الدفاع الوطني" بموجب المادة 176 من الدستور، وهي هيئة جديدة معنية بدراسة الخطط الدفاعية وتعزيز القدرات العسكرية، برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية قادة الجيش ورؤساء السلطات والوزارات المعنية.

هذا التطور يشير إلى أن إيران بصدد إعادة هيكلة مؤسسات أمنها القومي، ضمن بيئة إقليمية مضطربة، وإستراتيجيات داخلية جديدة.

داخليا، تترافق هذه التحولات مع خطاب سياسي يدعو إلى مراجعة بعض السياسات الاجتماعية والاقتصادية. ففي تدوينة له على منصة "إكس"، أشار مستشار المرشد للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي إلى أن الحفاظ على التلاحم الوطني قد يتطلب "تغيير بعض التوجهات الاجتماعية"، و"الاستجابة الفعلية لمطالب الشعب"، مؤكدا أن "الأساليب المستهلكة لم تعد مجدية في تلبية احتياجات مجتمع ما بعد الحرب".

هذا الطرح يعكس إدراكا رسميا لتحولات اجتماعية عميقة، أفرزتها الحرب الأخيرة، حيث بدا التماسك الوطني أولوية على حساب الخلافات الداخلية، مما يفتح الباب أمام القيادة السياسية للاقتراب أكثر من الشارع.

الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي: #إيران تريد تنظيم الميدان للمرحلة المقبلة وتصفير المشاكل، وهي بحاجة شديدة لعلاقات أمان على الحدود لحمايتها من إسرائيل#الأخبار pic.twitter.com/RcXPMkGAGA

— قناة الجزيرة (@AJArabic) August 3, 2025

رجل المرحلة

ويرى مراقبون أن اختيار شخصية بوزن لاريجاني، بالتزامن مع إعادة هيكلة دفاعية ومؤسساتية، يعبّر عن استعداد طهران لمرحلة إعادة تموضع إستراتيجي على المستويين الداخلي والخارجي، ربما تتّسم بقدر أكبر من المرونة.

ويجمع كثير من المحللين على أن توقيت التعيين ومضمونه يشي بأن لاريجاني سيكون "رجل المرحلة" في إيران، وأن عودته إلى واجهة القرار ستترك أثرا سياسيا وأمنيا واسع النطاق.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال السياسي الإصلاحي محمد علي أبطحي ونائب مستشار الرئيس الأسبق محمد خاتمي إن عودة لاريجاني إلى دائرة القرار تمثل "عاملا حاسما" في دفع إيران نحو "تغيير هادئ" لمصلحة التيارات المعتدلة، على حساب التيارات المتشددة.

واعتبر أبطحي أن لاريجاني شخصية سياسية معتدلة، وهو ما جعله عرضة لهجمات من الأجنحة المتطرفة، مشيرا إلى أن دعمه من رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان، وموافقة المرشد الأعلى على تعيينه، تعطي التعيين بعدا سياسيا بالغ الأهمية.

وأوضح أبطحي أن هذه المعطيات، إلى جانب التطورات الأخيرة، تشير إلى تراجع نفوذ التيارات المتشددة، وصعود جناح أكثر واقعية وعقلانية، مضيفا أن وجود لاريجاني في موقع أمني سيعزز فرص الحوار، وقد يشكّل جبهة سياسية قوية داعمة لمساعي وقف التصعيد. وختم بالقول "أرى في هذا التعيين فألا حسنا".

إعلان

إعادة تعريف

من جهته، رأى الباحث السياسي مهدي شكيبائي أن تعيين لاريجاني يحمل دلالتين مركزيتين؛ الأولى أن المرشد الأعلى يوجّه رسالة واضحة بأن الأمن القومي لم يعد حكرا على الجوانب العسكرية، بل يشمل الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وهو تحول لافت في مقاربة الدولة لهذا الملف.

وأكد شكيبائي في حديثه للجزيرة نت أن لاريجاني يمثل نهجا تفاعليا ومجتمعيا، وذلك يعني تدخله في ملفات متعددة ظلت طوال عقود خارج نطاق اهتمام المجلس الأعلى للأمن القومي الذي كان يركّز بالأساس على الشؤون العسكرية.

أما الدلالة الثانية، فهي الانتقال من نهج أمني عسكري صرف -كما كان في عهد شخصيات مثل علي شمخاني- إلى مقاربة شاملة تتيح المجال للتفاوض والدبلوماسية، ويرى شكيبائي أن هذا التحول قد يفضي إلى تجديد مسار المفاوضات الإقليمية والنووية، ضمن إطار جديد أكثر انفتاحا.

كما توقّع أن يلعب لاريجاني دورا توفيقيا بين مؤسسات النظام، مستفيدا من علاقاته مع رؤساء سابقين وقيادات عسكرية، وهو ما قد يعزز التنسيق بين الحكومة والبرلمان والحرس الثوري وبقية الأجهزة.

وبحسب شكيبائي، فإن تعيين لاريجاني يبعث برسائل واضحة للخارج؛ إذ قد ترى الولايات المتحدة في هذه الخطوة إشارة إلى انفتاح محتمل على الحوار ضمن أطر محددة، بينما تفسرها أوروبا كفرصة لإعادة بناء الجسور مع طهران.

ويضيف أن الصين وروسيا قد تستقبلان التعيين كرسالة استقرار واستمرار في التحالف، خصوصا أن السفراء الإيرانيين فيهما من المقربين لتيار لاريجاني.

وختم شكيبائي بالقول إن تعيين لاريجاني يعكس عودة العقلانية السياسية إلى موقع القرار، واستعداد طهران لمرحلة جديدة من التفاعل الإقليمي والدولي، مع التركيز على تعزيز الأمن المجتمعي الداخلي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات الأعلى للأمن القومی

إقرأ أيضاً:

مرحلة فارقة في خريف السودان.. دموع “الطرفة البكاية” تبدأ في الهطول

متابعات- تاق برس- أعلن الراصد الجوي السوداني منذر أحمد الحاج عن بداية عينة “الطرفة البكاية” في 3 أغسطس 2025، وهي مرحلة فارقة في موسم خريف السودان.

تتسم هذه الفترة بهطول أمطار غزيرة تغطي معظم أنحاء البلاد، وتستمر لساعات طويلة خلال الفجر والليل، مما يؤدي إلى جريان السيول وامتلاء الوديان وارتفاع مناسيب الأنهار.

 

تتميز “الطرفة البكاية” بقلة مظاهر البرق والرعد، وتكون الأجواء فيها باردة وممتعة. كما تظهر خلالها ظواهر جوية محلية تعرف بـ”العفرت”، والتي ترتبط بكثافة الأمطار وتغيرات الرياح والسحب.

 

هذه المرحلة ذات أهمية كبيرة للزراعة والمياه في السودان، حيث يعتمد عليها المزارعون في ري محاصيلهم، وتشكل جزءًا مهمًا من الثقافة المناخية بالبلاد. خلال “الطرفة البكاية”، يشعر المواطنون بمتعة الخريف الحقيقية، وتأثيرها يمتد إلى مختلف جوانب الحياة اليومية في السودان.

 

عرف السودانيون منذ مئات السنين تقنيات رصد دقيقة لتوقعات الأمطار، اعتمادًا على الزراعة المطرية في معظم أنحاء البلاد. طوروا نظامًا يعتمد على “العين” أو “المنازل القمرية”، وهو نظام يقسم السنة إلى 28 منزلة، كل منها يستمر لمدة 13 يومًا، عدا “الجبهة” التي تستمر 14 يومًا.

 

تتضمن عين الخريف في السودان عشر مراحل، وهي:

 

1. *التريا*: تبدأ في 17 مايو وتستمر حتى 29 مايو، وفيها يتم تجهيز الأرض للحراثة وتخزين الغذاء والوقود.

2. *العصا العطشانة*: تبدأ في 13 يونيو وتتميز بكثرة الكتاحة وتحول اتجاه الرياح من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي.

3. *العصا الرويانة*: تبدأ في 26 يونيو ويكون الجو معتدلًا وباردًا، وفيها يقل شرب الماء.

4. *الضراع*: يبدأ في 7 يوليو ويستمر حتى 21 يوليو، ويعتبر أول عين الخريف الحقيقية. تخضر الأشجار وتنبت الأعشاب وتبدأ الزراعة، وتبتل حيطان الطين، ويهب ريح الدعاش.

5. *النترة*: تبدأ في 22 يوليو وتستمر حتى 3 أغسطس، وتكثر فيها الآفات والحشرات مثل الطيور والفئران والنمل، وتكثر الطيور المهاجرة والجراد.

6. *الطرفة*: تبدأ في 4 أغسطس وتستمر حتى 17 أغسطس، وتتميز بأمطار نهارية وباردة، وتحبس الناس في البيوت، وإن صحت زاد بور البلدات بكثرة ونمو الحشائش.

7. *الجبهة*: تبدأ في 18 أغسطس وتستمر حتى 31 أغسطس، وتتميز بأمطار غزيرة ورعد وبرق، وتنمو فيها النباتات بسرعة، ومنها يتحقق نجاح الخريف.

8. *الخرسان*: يبدأ في 1 سبتمبر ويستمر حتى 13 سبتمبر، وتتميز بأمطار ليلية وبرق متفرق، وتشبع الأرض من الماء، وتكون المياه صافية وراكدة، ويكثر الندى، وينجح المحصول.

9. *الصرفة*: تبدأ في 14 سبتمبر وتستمر حتى 27 سبتمبر، وتتميز بأمطار متفرقة، وتسمى “مطر البخات”، وغالبًا تكون أمطارها عصرا، ويخافها أهل السمسم، ولكن ينتظرونها أصحاب الذرة.

10. *العوا*: يبدأ في 28 سبتمبر ويستمر حتى 10 أكتوبر، وتتميز بصوت الرعد المتباعد، وتخلو السماء من السحب إلا القليل المتفرق.

11. *السماك*: يبدأ في نهاية شهر أكتوبر، ويشير إلى نهاية فصل الخريف وبداية الشتاء، وتكون سحبه خفيفة بيضاء، ويقول الأهالي: “يا سماء أمسك ماك، ويا مطر كفاك، ويا بحر بقفاك”، استعدادًا للحصاد الكبير.

 

هذا النظام المناخي المحلي يعكس فهمًا عميقًا للطبيعة وتغيراتها، وقد ساعد السودانيين على التكيف مع بيئتهم والاستفادة من الموارد الطبيعية. كما أنه يمثل جزءًا مهمًا من التراث الثقافي والفلكي في السودان.

عين الخريف في السودانعينة الطرفة البكاية

مقالات مشابهة

  • العودة المفاجئة لصانع النووي الإيراني.. لاريجاني يطل من بوابة الأمن القومي وسط تصاعد المواجهة مع الغرب
  • عاد لواجهة القرار الأمني في إيران.. من هو علي لاريجاني؟
  • رسميًا: لاريجاني يعود إلى الواجهة أمينًا عامًا لمجلس الأمن القومي الإيراني وسط تغييرات استراتيجية كبرى
  • مجلس الدفاع الإيراني.. هيئة أمنية قيادية عجلت بإنشائها الحرب مع إسرائيل
  • لاريجاني أمينا لمجلس الأمن القومي الإيراني
  • تعيين لاريجاني أمينا للمجلس الأعلى للأمن القومي في إيران
  • ماذا نعرف عن لاريجاني أمين عام أعلى هيئة أمنية إيرانية الجديد؟
  • إيران.. تعيين لاريجاني أمينا للمجلس الأعلى للأمن القومي
  • مرحلة فارقة في خريف السودان.. دموع “الطرفة البكاية” تبدأ في الهطول