فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT
معايير الزواج لدى الشباب اليوم أراها قد اختلفت بعد أن كان الدين والأخلاق هما أهم المعايير في اختيار الزوجين، أرى أن المال هو المعيار الأساسي لدى الشباب اليوم، فما نصيحتكم وتوجيهكم؟
نعم، وهذا أمر للأسف الشديد منتشر شائع اليوم، ولعله في مجتمعاتنا صار أكثر انتشارًا، وهذا مخالف من الطرفين لما نجده في هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسنته، فإن رسول الله عليه الصلاة والسلام بيّن المعايير التي بها يُقبل الخاطب، قال: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»، وقال: «إذا خطب إليكم الكفء فلا تردوه، فنعوذ بالله من بوار البنات».
وعلى هذا فإن الضابط الأول الذي يُقبل به الخاطب هو الخلق والدين، أن يكون ذا دين مستقيمًا، محافظًا على ما أمر الله تبارك وتعالى به، مؤديًا لحقوق الله عز وجل وحقوق العباد عليه، منتهيًا عما نهى الله عز وجل عنه، ثم أن يكون على خلق قويم، على أدب من هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن صاحب الخلق والدين هو الذي سيحفظ للمرأة مكانتها وحقوقها، هو الذي سيقوم بشأن الأسرة وبشأن الأولاد من بعد، هو الذي سيعين المرأة أيضًا على دينها، وسيكون بارًا بها وبأهلها وذويها.
ومثل هذا يقال في حق المرأة، فإن التوجيه أيضًا للرجال أن يختاروا ذات الدين، حينما بيّن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما تُنكح من أجله المرأة ختم ذلك ببيان السبب الذي تُختار من أجله المرأة، فقال: «فاظفر بذات الدين تربت يداك»، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوصي باختيار المرأة ذات الدين والخلق لأنها ستكون عِرضه وزوجه، وستربي له ولده، وسينشئ معها الأسرة، ويريد المحضن الذي يسوده التواد والتفاهم فيما بينهما، وأن يحققا ما نصت عليه الآية الكريمة في قوله تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة».
فالواجب اليوم علينا جميعًا، على الشباب من الذكور والإناث وعلى أولياء الأمور، أن يصححوا هذه المفاهيم، وأن يرجعوا بالناس إلى هذه المراشد التي أقرتها الشريعة، أما المال، فإنه زائل، بل قد يكون سببًا للتعاسة، قد يتعالى صاحب المال على غيره، وقد يكون بخيلًا قتورًا لا ينفق، وقد يذهب عنه هذا المال بالكليّة، فكل هذه إنما هي عرض زائل، والواجب أن يتحرى كل واحد منهما الدين والخلق في صاحبه، لتسود بينهما المودة والرحمة، وينبغي إشاعة هذا الفهم وهذه الثقافة في مجتمعات المسلمين حيثما كانوا، والله تعالى الموفق.
المصلي إذا صلى صلاة رباعية، واصطف بجانبه شخص جاء مستدركًا أدرك آخر ركعتين مع الجماعة، وبعدما سلم الإمام قام هذا المستدرك لقضاء ما عليه، لكن لوحظ أنه قضى ركعة واحدة فقط، لعله نسيانًا أو سهوًا، هل يلزمنا أن ننبهه بأنه قد قضى ركعة واحدة وترك الركعة الأخرى الباقية عليه، أم لا نتدخل في شؤون الآخرين؟
الجواب باختصار نأخذه من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال: «وإذا نسيت فذكّروني»، لكن هذا التذكير قائم على شرطين: الشرط الأول: أن يتثبت هو من أن هذا المستدرك لم يأتِ إلا بركعة واحدة، يعني وقع في خطأ ناشئ عن سهو أو نسيان، أن يكون متثبتًا، فإن تثبت، فحينئذ يمكن له أن يذكره.
الشرط الثاني: أن يكون هذا الذي سيذكره متنبّهًا للوسيلة التي سيذكره بها، كيف سيذكره، كيف سيعرّفه، ثم هو غير مسؤول بعد ذلك، بمعنى أن ذلك الرجل قد يكون يصلي صلاة أخرى، قد يكون يصلي قضاءً، قد يكون مقلدًا لرأي فقهي معتبر في تلك المسألة، فما عليه إلا التذكير، فليذكره بما وقع منه من سهو، ثم بعد ذلك لا يحمله حملًا.
بعض الناس يصر عليه ويحصل هذا في فتح القراءة، يكون الموضع من المتشابهات فيصر المأموم على الإمام أن يفتح له بآية هو لم يقرأها، وإنما قرأ شبيهتها في موضع آخر، أو في صلاة يكون هذا قد صلى فريضته وقصد القضاء أو قصد النفل، فالحاصل أنه لا يضيّق عليه، أما التذكير فهو الأولى إن تأكد من أن هذا المصلي قد سهى وأخطأ في صلاته، والله تعالى أعلم.
سؤالي عما نراه في واقع الناس عند الزواج، أنهم يغالون ويبالغون في المهور، وبعضهم يشترطون شروطًا مثل السيارة والمنزل وأمور هي فوق طاقة الزوج أو الشاب الراغب في الزواج، هذا الحال ساهم إلى درجة كبيرة في تأخير الزواج، نريد منكم كلمة توجيهية للناس بهذا الصدد؟
يكفينا أن نذكر ما كان عليه هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن السيدة عائشة رضي الله عنها لما سُئلت عما أمهره صلى الله عليه وسلم لنسائه، قالت: كان صداق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنتي عشرة أوقية ونشًّا، ثم قالت لأبي سلمة بن عبدالرحمن: أتدري ما النش؟ هو نصف أوقية، فقدر العلماء ذلك بـ500 درهم، وهو عليه الصلاة والسلام أصدق نساءه اثنتي عشرة أوقية ونشًّا أي 500 درهم، إلا أم حبيبة، والصحيح أن الزيادة هذه كانت من النجاشي للسيدة رملة بنت أبي سفيان رضوان الله تعالى عليها، لم تكن منه عليه الصلاة والسلام.
وزوج بناته على ما دون اثنتي عشرة أوقية، زوج عليه الصلاة والسلام بناته رضوان الله تعالى عليهن بأقل من اثنتي عشرة أوقية، كما ثبت ذلك أيضًا عنه. ولهذا لما غالى الناس في مهور النساء، تنبّه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أيها الناس، لا تغلوا مهور نسائكم، فإنه لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله في الآخرة، لكان أولاكم به وأسبق إليه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه ما أصدق نساءه ولا أصدقت بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية.
هكذا كان هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وورد أيضًا عنه، وصحح هذا الحديث طائفة من المحدثين، أنه قال: «خير النكاح أيسره»، وقال: «خير الصداق أيسره». كل هذه الأدلة الشرعية تدعو الناس إلى تيسير أمور الزواج، وإلى تخفيف الأعباء، وترك هذه المطالبات التي تثقل كاهل الزوج، ويمكن أن تفضي إلى عنوسة الفتيات، وإلى عزوف الشباب عن الزواج بسبب كل هذه التعقيدات والمطالب والإلحاح عليها، والدعوة إلى كثير من المظاهر التي لا تحقق للزواج إلا كثيرًا من التعاسة والنكد.
للأسف الشديد، من المطالب التي لا وجه لها هذا التقليد والمباهاة. قال صلى الله عليه وآله وسلم: «..إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». ومن منا لا يرغب في أن يتحرى هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تبين ما كان عليه الصلاة والسلام في تزوجه لنسائه وتزويج بناته، وهن أعظم الخلق مكانة، أي أمهات المؤمنين وبنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ومن منا يعزف عن هذه الخيرية المودعة حينما قال: «خير النكاح أيسره وخير الصداق أيسره».
فهذه كلمة لبيان الحكم الشرعي، وكلمة للأولياء ولأصحاب القرار، وللجميع في المجتمع، أن يخففوا هذه الأعباء، وأن يتركوا هذه الاشتراطات والمطالبات التي لا وجه لها، مما يثقل الكاهل، ويزعمون أنه ليس من المهر، وأنها مطالب لا علاقة لها بالصداق، فيجعلون الصداق شيئًا مقبولًا، ولكنهم يبالغون في المطالبات، وكل ذلك مما لا يُحمد في هذه الشريعة، والله تعالى المستعان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: علیه الصلاة والسلام الله تعالى قد یکون أن یکون
إقرأ أيضاً:
دعاء لمن تراكمت عليه ديون.. 7 كلمات تقضي عنك ولو كانت مثل جبل
يكثر البحث عن دعاء لمن تراكمت عليه ديون، خاصة في ظل ما يعانيه البعض من ظروف اقتصادية صعبة، ومن هذا الدعاء ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم من كلمات أوصى بها الصحابي الجليل معاذ بن جبل، وبات يعرف بمسميات عديدة منها دعاء لمن تراكمت عليه ديونه، ومنه أيضا دعاء معاذ بن جبل لقضاء الدين.
ونرصد من خلال التالي ما جاء في دعاء لمن تراكمت عليه ديون وإن كانت مثل جبل أحد، كما أخبر الصادق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى من حديث الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
دعاء لمن تراكمت عليه ديونيقول الدكتور رمضان عبد الرازق، عضو اللجنة العليا للدعوة بالأزهر الشريف، إن هناك دعاءً عظيما أخبر به الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فقد روي أن رجلاً أتى سيدنا علي رضي الله عنه وقال: "يا إمام أنا كاتبت سيدي وعجزت عن السداد، فجاء إلى الإمام علي يريد أن يعينه على السداد فقال له كرم الله وجهه: ألا أعلمك كلمات علمني إياهن سيدنا رسول تسدد عنك ديونك ولو كانت مثل جبل أحد، قال فقل دائما: "اللهم اكفني بحلالك عن حرام وأغنني بفضلك عمن سواك".
دعاء لمن تراكمت عليه ديون
وجاء عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد دينا لأداه الله عنك، قل يا معاذ: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء، وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك. رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد كما قال المنذري.
وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم، فإذا برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، فقال: أفلا أعلمك كلامًا إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال: فقلت ذلك، فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى ديني.
كما روي عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه أنّه قال: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا ذهب ثُلُثَا الليلِ قام فقال يا أيُّها الناسُ اذكُروا اللهَ اذكروا اللهَ جاءتِ الراجفةُ تَتْبَعُها الرادِفَةُ جاء الموتُ بما فيه جاء الموتُ بما فيه قال أُبَيٌّ قلْتُ يا رسولَ اللهِ إِنَّي أُكْثِرُ الصلاةَ عليْكَ فكم أجعَلُ لكَ من صلاتِي فقال ما شِئْتَ قال قلتُ الربعَ قال ما شئْتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ قلتُ النصفَ قال ما شئتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ قال قلْتُ فالثلثينِ قال ما شئْتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ قلتُ أجعلُ لكَ صلاتي كلَّها قال: إذًا تُكْفَى همَّكَ ويغفرْ لكَ ذنبُكَ.