ساحة اختبار لنظام عالمي جديد.. هل يقود الصراع الأوكراني إلى حرب كبرى؟
تاريخ النشر: 9th, September 2025 GMT
تتقاطع التطورات الدولية الأخيرة عند نقطة شديدة الحساسية عنوانها «أوكرانيا»، حيث باتت ساحة اختبار لإرادة القوى الكبرى وصراعها على صياغة النظام العالمي الجديد، ففي الوقت الذي كانت فيه الأنظار تتجه إلى احتمالات تسوية سياسية تنهي الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، جاء إعلان الدول الأوروبية عن «ضمانات أمنية» لكييف ليعيد خلط الأوراق، ويفتح الباب أمام مواجهة مفتوحة مع موسكو.
هذه الخطوة، التي اعتبرتها روسيا مساسًا بأمنها القومي وتجاوزًا لخطوطها الحمراء، ترافقت مع بروز محور مضاد قوامه الصين وروسيا وكوريا الشمالية، مدعومًا بغطاء اقتصادي وعسكري متنامٍ، في مشهد يذكّر بأجواء الحرب الباردة، لكنه أكثر تشابكًا وتعقيدًا، وبين «تحالف الراغبين» الأوروبي في باريس و«تحالف الشرق» في بكين، تتسارع التحذيرات من انزلاق العالم إلى حرب كبرى قد تكون أوسع من الصراع الدائر على الأراضي الأوكرانية.
وأشعلت الضمانات الأمنية التي تعهّدت بها الدول الأوروبية لأوكرانيا التوتر القائم بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة والغرب من جهة أخرى، حيث اشتملت تلك الضمانات على الأسباب الرئيسية التي شنت موسكو من أجلها الحرب ضد أوكرانيا منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وفي الوقت الذي ينتظر فيه العالم الإعلان عن اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا وانتهاء الحرب، خاصة بعد اجتماع ترامب وبوتين في ألاسكا، عقدت الدول الأوروبية قمة في باريس تحت اسم «تحالف الراغبين» لتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا بعد الحرب، لردع روسيا وطمأنة كييف. وقد تعهّدت ست وعشرون دولة أوروبية خلال الاجتماع بتقديم دعم برّي وبحري وجوي لأوكرانيا، شمل تواجد قوات غربية على الأراضي الأوكرانية.
وصرّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في البداية بأن الدول الـ26 ستنتشر في أوكرانيا، لكنه قال لاحقًا إن بعض الدول ستقدّم ضمانات مع بقائها خارج الأراضي الأوكرانية، من خلال المساعدة في تدريب وتجهيز قوات كييف. كما ألمحت فرنسا والمملكة المتحدة إلى إمكانية نشر قواتهما في أوكرانيا بعد التوصل إلى اتفاق سلام.
وصرّحت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بأن إيطاليا لن تفعل ذلك، لكنها ستشارك في تدريب القوات الأوكرانية خارج أوكرانيا. أما ألمانيا فقد أعلنت أنها ستقرّر مدى دعمها العسكري المحتمل لأوكرانيا عندما يتضح مستوى انخراط الولايات المتحدة في الضمانات الأمنية.
وردّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ما تمخّض عنه اجتماع دول «الراغبين» بأن أي قوات عسكرية أجنبية تنتشر في أوكرانيا قبل نهاية الحرب ستُعتبر أهدافًا عسكرية مشروعة لجيشه، وأنه في حال التوصل إلى اتفاق سلام، فإنه لا يرى «جدوى» من وجودها.
غير أن مراقبين استبعدوا نهاية للحرب الأوكرانية إذا مضت الدول الأوروبية قدمًا في تنفيذ هذه الضمانات حتى بعد الحرب، لأن بوتين يرفض رفضًا تامًا وجود قوات غربية في أي دولة مجاورة له، سواء أثناء الحرب أو بعدها. فقد شنّ حربه ضد أوكرانيا من الأساس لمنعها من الانضمام إلى حلف الناتو أو استضافة قواعد عسكرية غربية على أراضيها.
ويعتبر بوتين وجود أي قوات غربية في الدول المحيطة بروسيا خطرًا على الأمن القومي، وهدفًا مشروعًا للاستهداف العسكري. وأشار مراقبون إلى أن ما تم الاتفاق عليه بين الدول الأوروبية في قمة باريس من شأنه أن ينسف أي محاولات لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وجاءت قمة باريس بعد يوم واحد من اجتماع للدول الآسيوية الكبرى، التي كان على رأسها الصين وروسيا وكوريا الشمالية والهند، لإحياء ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد ترأّس الرئيس الصيني شي جين بينغ عرضًا عسكريًا في ميدان تيانانمن، قال خلاله إن «صعود الصين لا يمكن إيقافه»، وكان يقف إلى جانبه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، في إشارة إلى أن هذا التحالف يتحدّى النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.
ويشير مراقبون إلى أن الترحيب الحار الذي حظي به بوتين في الصين، إلى جانب القوة العسكرية والدبلوماسية التي بُذلت خلال القمة والعرض العسكري، كان مُصمَّمًا لإيصال رسالة مفادها أن هذه الدول، التي تتشارك مصالح استراتيجية، قادرة على التحالف وإظهار نفسها للولايات المتحدة وحلفائها كقوة لا يُستهان بها.
وقد أثار تجمع كل من بوتين وشي وكيم ومودي، رئيس الوزراء الهندي، القلق في العواصم الأوروبية التي تخشى من التوسع الروسي، وأشار هذا التجمع إلى استعداد موسكو لمواصلة الحرب إذا لم يقبل الغرب وواشنطن بشروطها للسلام. وردّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على هذا التحالف الذي رافق العرض العسكري قائلًا: «عرض بكين صُمم جزئيًا كي أشاهده، وهذا ما حدث بالفعل»، مضيفًا: «بلّغوا تحياتي لبوتين وكيم في العرض العسكري لأنكم تتآمرون ضد أمريكا».
ويرى مراقبون أن ظهور التحالف الصيني- الروسي-الكوري الشمالي علنًا في هذا التوقيت يبعث برسالة أخرى إلى أوروبا وأمريكا، مفادها أن روسيا لن تقف وحيدة في حربها ضد أوكرانيا إذا استمرت المعارك وشدّدت الدول الغربية العقوبات على موسكو، إذ تتعاون هذه الدول معها لتخفيف أثر العقوبات الغربية.
وتُعدّ بكين ونيودلهي في الوقت الحالي أكبر المستوردين للنفط والفحم الروسي في العالم، كما تُعتبر الصين ثاني أكبر مشترٍ لمنتجات الغاز والنفط الروسية. فيما تزوّد شركات صينية وهندية موسكو بالتقنيات اللازمة لصناعة الرقائق ومعدات الاتصالات التي لا تستطيع روسيا الحصول عليها من أي مكان آخر بسبب العقوبات الغربية.
كما تورد الصين الكثير من المكوّنات اللازمة لصنع الطائرات الروسية من دون طيار، التي تلعب دورًا محوريًا في الحرب الأوكرانية، فيما تقوم كوريا الشمالية بإمداد موسكو بالجنود لدعم الجيش الروسي في المعارك.
وتتمثّل شروط روسيا للسلام في عدم انضمام كييف إلى حلف الناتو، وعدم وجود أي قوات غربية على الأراضي الأوكرانية، وضمّ الأراضي التي سيطرت عليها موسكو أثناء الحرب، وهو ما ترفضه أوكرانيا ودول الغرب بشدة. هذا الرفض يفاقم التوتر بين كتلة الشرق والغرب، في وقت يتصاعد فيه التهديد بنشوب حرب موسّعة تضم الصين، التي يصفها الرئيس الأمريكي وحلفاؤه الأوروبيون بالتهديد الأكبر.
وبعد العرض العسكري الضخم الذي أقامته الصين بحضور روسيا وكوريا الشمالية والهند وعدد من الدول الآسيوية، أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي بتغيير اسم وزارة الدفاع الأمريكية إلى «وزارة الحرب»، وتبديل العقيدة العسكرية من الدفاع إلى الهجوم، وهو ما اعتبره مراقبون تهديدًا مباشرًا لمعسكر الشرق.
ويرى مراقبون أن اندلاع حرب كبرى بين المعسكرين قد تبدأ شرارتها إذا تفاقم التوتر بين روسيا والغرب، وقامت موسكو باستهداف الجنود الأوروبيين على الأراضي الأوكرانية في حال تنفيذ الضمانات الأمنية. وهو ما ينذر بحرب واسعة ضد روسيا قد تنضم إليها كل من الصين وكوريا الشمالية، التي تشارك بالفعل بقوات في الحرب الدائرة في أوكرانيا.
اقرأ أيضاًالكرملين: حل الصراع الأوكراني دون استعادة العلاقات بين موسكو وواشنطن أمر مستحيل
الكرملين يعلق على استعداد ترامب للوساطة في حل الصراع الأوكراني
وسط الصراع الأوكراني.. سياسي أوروبي يقترح الانتقال إلى اقتصاد الحرب
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: روسيا الصين أوكرانيا كوريا الشمالية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الصراع الأوكراني حرب كبرى أجواء الحرب الباردة اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا على الأراضی الأوکرانیة الصراع الأوکرانی الدول الأوروبیة وکوریا الشمالیة فی أوکرانیا قوات غربیة
إقرأ أيضاً:
تحوّلات الموقف الآسيوي من القضية الفلسطينية بعد طوفان الأقصى.. ورقة علمية
أصدر مركز الزيتونة ورقة علمية بعنون: "رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) وطوفان الأقصى"، وهي من إعداد الأستاذ الدكتور وليد عبد الحي، خبير الدراسات المستقبلية. وتستعرض الورقة موقف دول رابطة آسيان من الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، خصوصًا في ظل طوفان الأقصى، وتُبيّن الأبعاد السياسية والدبلوماسية والديموغرافية والاقتصادية لهذا الموقف.
وعرضت الورقة الواقع السياسي للدول الأعضاء في آسيان، حيث أشارت إلى تباين في مدى استقرارها السياسي، ما يُؤثر على قدرة الدولة على اتخاذ مواقف حاسمة تجاه القضية الفلسطينية.
أما على صعيد الموقف الرسمي من "طوفان الأقصى" فقسّم الباحث دول آسيان إلى ثلاث مجموعات بحسب موقفها من الصراع، الأولى تضم الدول القريبة من الموقف الإسرائيلي، حيث أنها تعترف بدولة الاحتلال، وتدعم "حقها إسرائيل في الدفاع عن النَّفس". أما المجموعة الثانية، فهي تضمّ الدول المناصرة للموقف الفلسطيني حيث أنها غير معترفة بدولة الاحتلال، وتنتقد عدوانها على قطاع غزة. وتضم المجموعة الثالثة الدول البراجماتية التي تحاول الموازنة بين مصالحها ومواقفها السياسية من دولة الاحتلال.
وأشارت الورقة إلى الدور الذي تلعبه العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين آسيان و"إسرائيل"، حيث أن بعض الدول التي كانت تدعم فلسطين تاريخيًا بدأت تُظهر انفتاحًا في العلاقات مع إسرائيل، بسبب المصالح الاقتصادية أو الاستراتيجية. وضرب الباحث مثالاً في علاقات فيتنام مع "إسرائيل" والتي شهدت تطوراً قوياً على مدى ثلاثة عقود، لا سيّما في مجاليْ التجارة والتكنولوجيا، إذ نمت التجارة الثنائية بينهما من عشرات الملايين من الدولارات الأمريكية إلى عدة مليارات دولار أمريكي في الوقت الحاضر، ورأى الباحث في توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين "إسرائيل" وفيتنام سنة 2023 مؤشراً على النزوع البراجماتي للحزب الشيوعي الفيتنامي.
دول آسيان صوتت بأغلبها لصالح قرارات في الجمعية العامة التي تدعو لوقف إطلاق النار، ودعم الأونروا، وإنهاء العدوان. ولفتت الورقة الانتباه إلى التطور التدريجي الذي شهدته مواقف دول أسيان، من التردد أو الامتناع إلى التأييد في غالب القرارات الأخيرة.أما على صعيد التصويت في الأمم المتحدة ودعم قرارات وقف الحرب، فقد أشارت الورقة إلى أن دول آسيان صوتت بأغلبها لصالح قرارات في الجمعية العامة التي تدعو لوقف إطلاق النار، ودعم الأونروا، وإنهاء العدوان. ولفتت الورقة الانتباه إلى التطور التدريجي الذي شهدته مواقف دول أسيان، من التردد أو الامتناع إلى التأييد في غالب القرارات الأخيرة.
وأشارت الورقة أنّ استطلاعات الرأي لدول الآسيان أظهرت أنّ 36.7% من الرأي العام للدول العشر في سنة 2025 يرون أنّ الصراع في الشرق الأوسط بعد طوفان الأقصى أكثر أولوية وأهمية من الصراع في مناطق أخرى، مثل بحر الصين الجنوبي أو أوكرانيا، لكن ذلك الموقف بدأ بالتراجع لاحقاً، خصوصاً في الدول ذات الأقلية المسلمة، وأنّ 41.8% يرون أنّ "إسرائيل" ذهبت بعيداً في مستوى الرد على هجوم حماس في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ولكن هذه النسبة ترتفع في الدول ذات الغالبية الإسلامية؛ إذ تبلغ 79.2% في بروناي، و%77.7 في إندونيسيا، و%64.4 في ماليزيا، بينما تصل في سنغافورة إلى %46.2. كما أشارت بالمقابل، أنّ %7.5 من الرأي العام للآسيان يرى أن هجوم المقاومة في تشرين الأول/ أكتوبر لم يكن له ما يبرره، وأنّ %27.2 يُبدون قلقهم من الدعم الأمريكي لموقف "إسرائيل" في الصراع الدائر في غزة.
أما عن الدعم الشعبي للمواقف الحكومية، فتحدث الباحث عن تفاوت مستوى الرضا الشعبي عن أداء الحكومات في موضوع حرب غزة من دولة لأخرى، تبعًا لمدى تطابقها مع وجهة نظر الجمهور، ورأى فيه أمراً يستحق العناية للتعرف على كيفية استثماره، باعتبار أنه من المرجّح أن يترك أثره على المواقف الرسمية، خصوصاً المعلنة، في الصراع الدائر في الشرق الأوسط.
وخلصت الورقة إلى أن دول آسيان ليست كتلة موحدة في موقفها، لكن هناك ميل متزايد لديها نحو تأييد الحقوق الفلسطينية، خصوصًا مع تزايد الضغوط الدولية وتطوّر الرأي العام، ودعت الفلسطينيين إلى إعادة بناء استراتيجياتهم تجاه آسيا، للاستفادة من التأييد الشعبي المتنامي، ولملء الفراغ بعد اهتزاز مكانة "إسرائيل" الدولية بشكل كبير في أعقاب ردّ الفعل العالمي على سياساتها في المنطقة، والذي يمكن لـ"إسرائيل" أن تملأه لو تُرِكَت الأمور بدون متابعة. خاصة وأن "إسرائيل تسعى لتعزيز نفوذها في منطقة جنوب شرق آسيا لضمان توسيع التأييد الدولي لها ومحاولتها التواصل مع قوى في دول المنطقة ذات الأغلبية السكانية المسلمة، من خلال العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، أو عبر غواية بعض الدول بالتكنولوجيا أو بالمساعدة في العلاقات مع الولايات المتحدة أو بوعود المساندة الدبلوماسية، كوعد "إسرائيل" لإندونيسيا بمساعدتها للانضمام إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مقابل أن تنخرط إندونيسيا في "اتفاقات أبراهام".
ودعت الورقة إلى توظيف الإمكانات العربية في مثل هذا الإقليم الآسيوي المهم، لقطع الطريق على "إسرائيل" لإعادة علاقاتها الطبيعية مع دول هذه المنطقة، ودعا الباحث لإثارة مصالح دول الآسيان مع العالم العربي، مشيراً إلى أنّ نسبة تحويلات العاملين من دول الآسيان في الخليج العربي، والتي تمثّل نسباً تتراوح ما بين 4% إلى %8 تقريباً لكل دولة من إجمالي الناتج الإجمالي المحلي لرابطة الآسيان.
وأوصت الورقة دبلوماسية المقاومة الفلسطينية إلى إيلاء اهتمام أكبر بمنطقة آسيان، خاصة وأن حوالي 42% من سكانها مسلمون تقريباً، حيث يمكن استثمار روابط الديانة والثقافة في تلك الدول للتواصل والدعم، كما أشارت إلى أهمية تفعيل العلاقات مع قوى داخلية مثل بعض الشخصيات المؤثرة والكنائس ومنظمات المجتمع المدني في تلك الدول.