حكم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة الموظفين.. الإفتاء تجيب
تاريخ النشر: 18th, October 2025 GMT
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقوب صاحبه: ما هو حكم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة الموظفين في بيئة العمل؟ وهل يجوز أن يمتد ذلك إلى تتبع خصوصياتهم خارج نطاق الوظيفة؟
وأجابت الإفتاء عن السؤال قائلة: استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل إن كان لمتابعة إنجاز المهام، وضبط أوقات الدوام، وحماية البيانات، ونحو ذلك من الأغراض المشروعة، فلا حرج في ذلك شرعًا إذا روعي فيه أن يكون مقصورًا على نطاق العمل، وفي حدود الضوابط التي تنظمها القوانين واللوائح المعمول بها.
وأمَّا استخدامها في غير ذلك من نحو تتبع الحياة الخاصة للموظفين وتتبع عوراتهم، أو مراقبة ما لا يتعلق بالعمل، أو جمع بياناتهم واستغلالها خارج ما تسمح به اللوائح والقوانين -فإن ذلك يكون مُحرَّمًا شرعًا، ومُجرَّمًا قانونًا.
الحكم الشرعي لاستخدام الذكاء الاصطناعي
بالنظر إلى الحكم الشرعي لاستعمال هذه التقنيات، فإنَّ الأصل في استخدام الذكاء الاصطناعي هو الإباحة، ما لم يندرج في صورةٍ مُحرَّمةٍ شرعًا، وذلك عملًا بالقاعدة الفقهية المقررة أن "الأصل في الأشياء الإباحة".
قال العلامة شيخي زاده في "مجمع الأنهر" (3/ 568، ط. دار إحياء التراث العربي): [واعلم أنَّ الأصل في الأشياءِ كلِّها سوى الفروج الإباحة] اهـ.
وقال الإمام الزُّرقَاني في "شرح مختصر خليل وحاشية البناني" (1/ 320، ط. دار الكتب العلمية): [الأصل في الأشياء الإباحة حتى يثبت النهي] اهـ. وينظر: "الأشباه والنظائر" للإمام الحافظ السُّيُوطي (ص: 60، ط. دار الكتب العلمية)، و"مطالب أولي النهى" للعلامة الرُّحَيبَاني (6/ 218، ط. المكتب الإسلامي).
ضوابط استخدام الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل
استخدام الذكاء الاصطناعي وإن كان مباحًا من حيث الأصل لما تقرر، إلا أنه تابعٌ في الحكم لمقصوده، فمتى كان وسيلة لأمر مشروع أخذ حكم المشروعية، ومتى كان وسيلة لأمرٍ منهيٍّ عنه أخذ حكمه؛ لما تقرَّر في الشرع الشريف من أنَّ "للوسائل أحكام المقاصد"، كما في "قواعد الأحكام" للإمام عز الدين بن عبد السلام (1/ 53، ط. مكتبة الكليات الأزهرية).
ومن ثَمَّ فإنَّ استخدامَ تقنيات الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل يَختلف حكمه باختلاف الغرض والكيفية منه، فإذا كان الاستخدام داخل بيئة العمل لمتابعة إنجاز المهام، وضبط أوقات الدوام، وحماية بيانات الشركة، وصيانة مصالح العمل والعملاء، ونحو ذلك، فهو جائزٌ من حيث الأصل لما تقدَّم، على أن يلتزم بجملة ضوابط؛ أهمها:
- إعلام الموظفين مسبقًا بهذه الرقابة؛ تحقيقًا لمبدأ الشفافية.
- ألَّا يتجاوز النظامُ حدودَ العمل إلى الحياة الخاصة واتباع العورات.
- أن يقتصر على القدر الضروري لتحقيق المصلحة للعمل ومقتضياته.
حكم استخدام الذكاء الاصطناعي لتتبع الخصوصيات والحياة الشخصية للموظفين
أمَّا إذا كان الاستخدام لتتبع خصوصيات الموظفين خارج نطاق العمل، أو الاطلاع على حياتهم الشخصية وما لا صلة له بأداء وظائفهم، فهو أمرٌ محرَّمٌ شرعًا؛ لاشتماله حينئذ على عدة محظورات، من أبرزها: انتهاك الخصوصيات والتعدي عليها، والتجسس على الناس، وتتبع عوراتهم.
ومن المقرَّر في الشريعة الإسلامية صونُ حرمة الحياة الخاصة للأفراد، واعتبارها من الحقوق الشرعية التي لا يجوز انتهاكها أو التعدي عليها بغير مسوِّغ شرعي.
ومن أبرز مظاهر ذلك: ما قرره الشرع الشريف من وجوب الاستئذان في دخول البيوت؛ حفظًا لخصوصية الإنسان في هيئته وشؤونه؛ ذلك لأن المرء في بيته غالبًا ما يكون في صورة غير التي يقابل بها الناس، فحفظ الإسلام له ذلك الحق، وأمر المسلمين ألا يدخلوا بيوتًا غير بيوتهم إلا بعد أن يستأذنوا، بل ويشعروا بالاستئناس بهم أيضًا، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور: 27].
قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (19/ 149، ط. مؤسسة الرسالة): [إن الاستئناسَ الاستفعالُ من الأُنس، وهو أن يستأذن أهل البيت في الدخول عليهم، مخبرًا بذلك مَن فيه، وهل فيه أحد؟ وليؤذنهم أنه داخل عليهم، فليأنس إلى إذنهم له في ذلك، ويأنسوا إلى استئذانه إياهم] اهـ.
كما قررت السُّنة النبوية قاعدة عامة في صيانة خصوصيات الناس وترك التدخل فيما لا يعنيه، فعن أَبِي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مِن حُسنِ إِسلَامِ المَرءِ تَركُهُ مَا لَا يَعنِيهِ» أخرجه الإمامان: الترمذي، وابن ماجه.
كما نهى الشرع الحنيف عن التجسُّس وتتبع عورات الناس، وتحسُّس أفعالهم وأقوالهم، وحذَّر أيَّما تحذيرٍ من الإقدام على أيٍّ من هذه الأفعال، حتى وإن كان الهدفُ إنكارَ المنكر؛ لما في ذلك من تعدٍّ على حُرمة الآخرين، وإفسادٍ للعلاقات الطيِّبة بينهم، وجلبٍ للكراهية والبغضاء، فقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36]، والمعنى: لا تتبع ما لا تعلم ولا يعنيك، كما في "الجامع لأحكام القرآن" للإمام القُرطُبي (10/ 257، ط. دار الكتب المصرية).
وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَا تَجَسَّسُواْ﴾ [الحجرات: 12]، أي: ولا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، كما في "جامع البيان" للإمام الطبري (22/ 304، ط. مؤسسة الرسالة).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِيَّاكُم وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانًا» أخرجه الإمامان: البخاري واللفظ له، ومسلم. ولهذا عدَّ الإمامُ الحافظُ الذهبي في كتابه "الكبائر" (ص: 159، ط. دار الندوة الجديدة) "الكبيرة الثانية والأربعون: التسمع على الناس وما يسرون" من جملة الكبائر التي توعد الله تعالى مرتكبها بالعقاب.
بل قد شدَّد الشرع الشريف في التحذير من التجسس، والخوض في أعراض الناس والتنقيب عن عوراتهم، مبينًا أن من اعتاد ذلك عرَّض نفسه للفضيحة، إذ يفضحه الله تعالى ولو كان في جوف بيته، فعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تُؤذُوا عِبَادَ اللهِ، وَلَا تُعَيِّرُوهُم، وَلاَ تَطلُبُوا عَورَاتِهِم؛ فَإِنَّهُ مَن طَلَبَ عَورَةَ أَخِيهِ المُسلِمِ طَلَبَ اللهُ عَورَتَهُ حَتَّى يَفضَحَهُ فِي بَيتِهِ» أخرجه الإمامان: أحمد واللفظ له، والطبراني في "المعجم الأوسط".
كما حذَّر الشرع من التطلع إلى ما كل ما يخص المسلم من مكتوبٍ أو نحو ذلك دون إذن صاحبه، فجاء الوعيد الشديد لمن تعمد ذلك، سواء أكان بالنظر أو بالاستماع، حتى عُدَّ ذلك في كلام بعض أهل العلم نوعًا من السرقة.
فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَستُرُوا الجُدُرَ، مَن نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيرِ إِذنِهِ فَإِنَّمَا يَنظُرُ فِي النَّارِ» أخرجه الأئمة: أبو داود، والطبراني، والحاكم وصححه.
قال الإمام ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" (4/ 147-148، ط. المكتبة العلمية): [هذا تمثيلٌ: أي كما يَحذَر النارَ فليَحذَر هذا الصنيع. وقيل: معناه: كأنما ينظر إلى ما يُوجِبُ عليه النارَ. ويحتمل أنه أراد عقوبة البصر؛ لأن الجناية منه، كما يعاقب السمع إذا استمع إلى حديث قومٍ وهُم له كارهون، وهذا الحديث محمولٌ على الكتاب الذي فيه سرٌّ وأمانةٌ يَكرَهُ صاحبُهُ أن يُطَّلَعَ عليه. وقيل: هو عامٌّ في كل كتاب] اهـ.
وعنه أيضًا رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنِ استَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَومٍ وَهُم لَهُ كَارِهُونَ، أَو يَفِرُّونَ مِنهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَومَ القِيَامَةِ» أخرجه الإمام البخاري.
قال الإمام ابن هبيرة الشيباني في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (3/ 196، ط. دار الوطن): [المستمع إلى حديثِ مَن لا يُحِبُّ استماعَهُ سارقٌ، إلا أنه لم يسرق بتناول دراهم فكانت تُقطَعُ، ولكنه تناول ذلك عن باب السمع فَصُبَّ فيه الآنُك، والآنُك: نوعٌ من الرصاص فيه صلابة] اهـ.
وقال العلامة الصنعاني في "سبل السلام" (2/ 679، ط. دار الحديث): [والحديث دليل على تحريم استماع حديث من يكره سماع حديثه، ويُعرف بالقرائن أو بالتصريح] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي استخدام الذكاء الاصطناعي التجسس الإفتاء استخدام تقنیات الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی بیئة العمل استخدام الذکاء الاصطناعی أخرجه الإمام حکم استخدام قال الإمام الأصل فی
إقرأ أيضاً:
"جامعة التقنية" تنظم ورشة عمل لتعزيز النزاهة الأكاديمية في عصر الذكاء الاصطناعي
الرؤية- جنان آل عيسى
نظم كرسي الإيسيكو لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية وبالتعاون مع كلية البريمي الجامعية، ورشة عمل تحت عنوان "النزاهة الأكاديمية في عصر الذكاء الاصطناعي: مسؤولية الجميع"، وذلك تحت رعاية سعادة الدكتورة جوخة بنت عبدالله الشكيلية، الرئيسة التنفيذية للهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم، وذلك في إطار الاحتفال باليوم العالمي للنزاهة الأكاديمية الذي يصادف ٢٣ أكتوبر من كل عام.
وهدفت الورشة التي عقدت بولاية البريمي إلى تسليط الضوء على أهمية النزاهة الأكاديمية في ظل التطور المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وكيفية الحفاظ على القيم الأخلاقية في بيئة أكاديمية تشهد تحولاً رقميًا غير مسبوق. كما أن الورشة شهدت مشاركة واسعة من نخبة من الخبراء والمختصين في مجالات الذكاء الاصطناعي والنزاهة الأكاديمية، وذلك في مسعى لتوحيد الجهود بين الأكاديميين، والطلاب، والباحثين، لتعزيز ثقافة النزاهة في الأوساط الأكاديمية.
ويأتي تنظيم اليوم العالمي للنزاهة الأكاديمية في وقت يتزايد فيه الإقبال على استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف الجوانب الأكاديمية، ومنها البحث العلمي والتعليم الإلكتروني. ومع هذا التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي، تصبح النزاهة الأكاديمية تحديًا جديدًا يتطلب مقاربة متكاملة من جميع الأطراف المعنية في المجال الأكاديمي. ويعد هذا الحدث فرصة مهمة للحديث عن دور الذكاء الاصطناعي في تشكيل معايير النزاهة الأكاديمية في المستقبل. من خلال محاضرات وجلسات نقاشية تناول الخبراء جوانب متعددة من هذا الموضوع الشائك، مثل تأثير الذكاء الاصطناعي على التفكير النقدي، وتحديات النزاهة في البحث العلمي، والأخلاقيات في استخدام التكنولوجيا الحديثة.
ويعد تعزيز استخدام أخلاقيات الذكاء الاصطناعي جزءًا من المسؤولية المشتركة بين جميع الأطراف الفاعلة في القطاع الأكاديمي، بدءًا من الطلاب، وصولًا إلى المؤسسات التعليمية والهيئات الأكاديمية المختصة. ومن خلال الورشة، أتيح للمشاركين فرصة لتبادل الأفكار حول كيفية جعل الذكاء الاصطناعي أداةً تخدم النزاهة الأكاديمية بدلاً من تهديدها. وتميز برنامج الورشة بكونه غنيًا بالأنشطة التفاعلية التي شملت محاضرات علمية، جلسات حوارية، ولقاءات مفتوحة مع المتخصصين في مجالات الذكاء الاصطناعي والنزاهة الأكاديمية. وأتيح للمشاركين فرصة النقاش في عدة محاور مثل أخلاقيات البحث العلمي، دور الذكاء الاصطناعي في تطوير التعليم العالي، وتحديات النزاهة الأكاديمية في العصر الرقمي.
وقدم عدد من الخبراء محاضرات متنوعة في هذا الشأن ومنهم: البروفيسور إيمانويل غوفي، رئيس قسم الأخلاقيات في معهد أيسب بفرنسا، الذي أكد خلال مناقشته على أهمية التفكير النقدي كأساس لبناء نزاهة أكاديمية حقيقية. أما الدكتور جاسم حجي، رئيس مجموعة الذكاء الاصطناعي بمملكة البحرين، تحدث في محاضرته حول تشكيل الذكاء الاصطناعي والنزاهة في منطقة الخليج، وتحديات المنطقة وكيفية تطوير سياسات تتماشى مع التطورات العالمية في هذا المجال. كما تحدثت البروفيسورة فاطمة المفرح، مديرة مركز البحث في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بالمملكة العربية السعودية، حول العلاقة بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي في حفظ النزاهة الأكاديمية، وفيما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على توجيه المبادئ الأخلاقية أم لا.
إلى جانب ذلك، قدم الدكتور ضحي الشكيلي، مساعد عميد كلية علوم الحاسوب والمعلومات بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بسلطنة عمان، محاضرة بعنوان: "من مستهلكين سلبيين إلى متعلمين نشطين: كيف نوجه دور الذكاء الاصطناعي في التعليم"، موضحً كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في تطوير أساليب التعلم والتفاعل، ويُحدث تحولًا في كيفية استخدام الطلبة للمحتوى الأكاديمي. كما قدم الأستاذ لؤي أبو شاور، عضو المجلس العالمي للذكاء الاصطناعي بكندا، محاضرة حول كيفية الحفاظ على الثقة والحقائق في الأوساط الأكاديمية في ظل التقدم التكنولوجي السريع، وركز الدكتور ماجد العدوان، أستاذ مشارك في جامعة صحار بسلطنة عمان، والدكتورة خديجة البلوشية – خبيرة اعتماد مؤسسي في الهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم على أهمية النزاهة في التعليم والبحث العلمي.