عندما ينصب التركيز على تحقيق الأرباح في الاستثمار أو التداول، قد يغفل البعض عن التكاليف الخفية التي تتسلل لتلتهم جزءًا معتبرًا من تلك الأرباح. صحيح أن المستثمر ينظر إلى فرق السعر بين الشراء والبيع كمحدد للربح أو الخسارة، لكن هناك عناصر أخرى تدخل في المعادلة وتؤثر على العائد الصافي الحقيقي. من أبرز هذه العناصر: فروقات السعر (السبريد)، والعمولات والرسوم المختلفة، وتكلفة تمويل الصفقات المدينة (فوائد الهامش أو تبييت العقود).

ومن منظور إدارة المخاطر باحترافية، فإن فهم هذه التكاليف وقياس أثرها التراكمي، ثم إدارتها ضمن خطة واضحة، أمرٌ حاسمٌ خاصةً للمستثمرين النشطين، إذ قد تكون الفاصل بين استراتيجية رابحة وأخرى خاسرة رغم تحقيقها مكاسب اسمية. لنستعرض كل منها بتفصيل:

السبريد (Bid-Ask Spread)

السبريد هو فرق السعر بين سعر الطلب (الشراء) والعرض (البيع) لأصل مالي في لحظة معينة. يمكن اعتباره تكلفة غير مباشرة لكل صفقة يدفعها المتداول إلى السوق (أو صانع السوق) مقابل التنفيذ الفوري. مثلًا، إذا كان بإمكانك بيع سهم بسعر 100$ (سعر العرض) وشرائه فورًا بسعر 100.5$ (سعر الطلب)، فالسبريد هنا 0.5$ هو تكلفة التداول. هذه التكلفة قد تبدو صغيرة في الصفقة الواحدة، لكنها “تأكل” من العائد خصوصًا مع تكرار الصفقات أو كِبر حجمها. ففي المثال أعلاه، أي صفقة شراء فورية للسهم تجعلك تبدأ بخسارة غير مرئية قدرها 0.5$ للسهم لأنك لو حاولت البيع فورًا ستبيع بأقل بهذا القدر. ومع إزالة العمولات عن كثير من التداولات مؤخرًا في الأسهم (لدى بعض الوسطاء)، برز السبريد بوضوح كمصدر ربح للوسطاء وكلفة على المستثمر، حتى وصفت التقارير شعار “التداول المجاني” بأنه مخادع لأن المنصة تعوّض عمولتها عبر توسيع السبريد.على سبيل المثال، منصة لا تتقاضى عمولة مباشرة قد تنفذ أمرك بسعر شراء أعلى قليلًا أو سعر بيع أدنى قليلًا من سعر السوق المركزي، محققةً ربحًا ضمنيًا من تلك الفروق. وبالتالي يكون التداول ظاهريًا بدون عمولة لكنه ليس بدون تكلفة. وهنا تتقاطع استراتيجيات التداول على حركة السعر مع إدارة التكلفة، فاختيار مناطق دخول وخروج دقيقة واستخدام أوامر محددة قد يقلّص دفع السبريد ويُحسّن العائد الصافي دون المساس بصرامة الخطة.

تتجلى خطورة السبريد على العائد خاصةً في الأسواق ذات السيولة المنخفضة أو الأصول ذات السبريد المرتفع. فمثلًا، بعض الأسهم الصغيرة أو العملات الرقمية المغمورة قد يكون السبريد فيها بنسبة 1-2% من السعر أو أكثر، مما يعني أنك تخسر هذه النسبة فور دخولك الصفقة. وإذا كنت مضاربًا يوميًا يدخل ويخرج بشكل متكرر، فإن مجموع السبريد عبر العمليات قد يستهلك جزءًا كبيرًا من أرباحك. تخيّل مضاربًا يجري 100 صفقة يوميًا بربح وسطي 0.2% لكل منها، بينما متوسط السبريد 0.1% - هنا نصف الربح يضيع في تكلفة السبريد وحدها دون احتساب باقي الرسوم! لهذا السبب ينصح الخبراء بالتداول في الأسواق ذات السيولة العالية حيث السبريد ضيق، واستخدام أوامر محددة السعر عند الممكن لتجنب دفع سبريد واسع، وعدم الإفراط في التداول قصير الأجل خاصةً إن كان السبريد يشكّل نسبة مؤثرة من الحركة المتوقعة.

العمولات والرسوم

وهي التكاليف المعلنة التي تفرضها الجهات المختلفة لقاء الخدمة. قد تكون هذه عمولة تنفيذ صفقة يتقاضاها الوسيط (مثلاً 0.1% من قيمة الصفقة أو مبلغ ثابت لكل أمر)، أو رسوم إدارة واشتراكات سنوية للحسابات، أو رسوم حفظ وتسجيل للأصول، إلى غير ذلك. هذه التكاليف تخفض العائد الصافي مباشرةً. فلو حققت صفقة ربحًا مقداره 50 دولار ولكن العمولة كانت 15 دولارًا، فإن الربح الفعلي هو 35 دولار فقط. وإذا كانت ربحية استثماراتك هامشية، قد تمحوها العمولات تمامًا بل وتقلبها إلى خسارة. على سبيل المثال، إذا كنت تحقق 5 دولارات ربح في المتوسط لكل عملية تداول صغيرة ولكن تدفع 10 دولارات عمولة، فكل عملية رابحة لديك تنقلب إلى خسارة 5 دولارات صافية! حتى مع انخفاض عمولات وسطاء الأسهم مؤخرًا إلى الصفر في كثير من الأحيان، لا يزال هناك أسواق ومنتجات تفرض رسومًا - مثل العقود الآجلة، الخيارات، السندات - وهذه يجب أخذها بالحسبان. أضف إلى ذلك رسومًا أخرى مستترة كتكلفة اشتراك بيانات السوق اللحظية أو رسوم تحويل الأموال أو فروق تحويل العملات إذا كنت تتداول أصولًا بعملة مختلفة، وغيرها. وكلها ربما تبدو صغيرة منفردة لكنها تؤثر عند تجمعها. الحل هنا هو اختيار شركات وساطة منخفضة التكلفة قدر الإمكان، والتعرف المسبق على جداول الرسوم لكل نشاط تقوم به لتجنب المفاجآت. وقارن دائمًا بين الوسطاء فيما يخص العمولات لأي سوق تنوي دخوله - المنافسة الشديدة تعني أنك غالبًا ستجد عرضًا أقل تكلفة يناسبك. أيضًا، كن واعيًا لرسوم إدارة المحافظ أو الصناديق التي تستثمر فيها (Expense Ratios)، فالفوارق ولو ببضع أعشار في المئة سنويًا تتراكم مع الزمن وتقلل من نمو استثمارك.

نصيحة أخرى هي تجنب الإفراط في التداول (Overtrading) غير المبرر، فكل عملية غير ضرورية تقوم بها تعني تكاليف إضافية دون داعٍ. بعض المستثمرين بعدم خبرة يقومون بتعديلات مستمرة على محافظهم (بيع وشراء متكرر) معتقدين أنهم يحسنون الأداء، بينما الواقع أنهم يحققون نفس العوائد أو أقل مقارنةً بالاحتفاظ الطويل ولكن مع تكاليف مضاعفة أكلت الأرباح. لذا تبنَّ استراتيجية واضحة وتداول عند وجود مبرر قوي، ولا تجعل محفظتك فريسة للعمولات المتكررة دون طائل.

تكلفة التمويل والرافعة (فوائد التبييت)

الكثير من المستثمرين اليوم يستخدمون التداول بالهامش أو المنتجات المشتقة التي تتضمن فوائد مدينة على المراكز المبيّتة. على سبيل المثال، إذا كنت تتداول العقود مقابل الفروقات (CFDs) أو الفوركس برافعة مالية، فإن الشركة الوسيطة تفرض رسوم تمويل يومية على أي مركز تبيته لليوم التالي - تسمى أحيانًا رسوم التبييت أو السواب (Swap). هذه الرسوم تعادل فائدة على مبلغ التمويل الذي وفره لك الوسيط لزيادة حجم مركزك. خطورة الأمر أنها رسوم متكررة يوميًا، فحتى لو بدت صغيرة في اليوم الواحد، يمكن أن تتراكم بسرعة وتقلل من ربحية الصفقة كلما طالت مدة الاحتفاظ بها. على سبيل المثال، قد تكلفك صفقة ذات رافعة فائدة 0.02% يوميًا. هذا يبدو رقما ضئيلا، لكنه يعني حوالي 7% سنويًا من حجم الصفقة كتكلفة تمويل. فإن احتفظت بالمركز لشهور، ينبغي أن يربح السهم أو الأصل أكثر من 7% فقط لتغطية تكلفة التمويل قبل أن تحقق أنت أي ربح إضافي. كثيرون يغفلون عن هذا فيرون أن مركزهم “الرابح” تآكلت أرباحه أو انقلب لخسارة رغم أن السعر تحرك لصالحهم بشكل طفيف، وذلك بسبب رسوم التبييت المتراكمة. الأمر نفسه ينطبق على التداول بالهامش في الأسهم، حيث يُفرض عليك فائدة على الرصيد المدين في حسابك يوميًا. لذا، إذا استخدمت الرافعة فاحرص على أن يكون ذلك لتداولات قصيرة الأجل تدرك فيها أن الربح المتوقع يتجاوز التكلفة، أو لفترات يكون معدل الفائدة منخفض جدًا لا يؤثر كثيرًا. أما الاحتفاظ الطويل برافعة عالية فهو وصفة لخسارة جزء مهم من العائد لصالح شركة الوساطة. في المقابل، بعض المنتجات توفر فوائد مدينة لصالحك (مثلاً عند بيع عملة بفائدة أعلى مقابل عملة بفائدة أقل قد تكسب فرق الفائدة)، لكنها حالات محدودة ولا تعوّل عليها كثيرًا لأنها قد تتغير حسب ظروف السوق.

التأثير التراكمي لهذه التكاليف

قد يقول قائل ما أهمية بضعة أجزاء من المئة هنا أو هناك؟ لكن الحقيقة أن هذه النسب الصغيرة لها أثر مركب كبير على المدى الطويل. تخيل محفظة تحقق 10% سنويًا قبل التكاليف. إذا كانت تكاليفك الإجمالية (سبريد + عمولات + رسوم) 2% سنويًا، فأنت فعليًا تحقق 8% فقط صافي. الفرق 2% هذا لو أُعيد استثماره كان سينمو مع الفائدة المركبة بشكل هائل عبر السنوات. هناك دراسات أشارت إلى أن الفارق في الأداء بين صناديق استثمارية كثيرة يعود في جزء كبير منه إلى اختلاف التكاليف وليس البراعة الاستثمارية فقط. أيضًا بالنسبة للمتداول النشط، كل نقطة مئوية يدفعها هنا وهناك تعني عتبة أعلى للربحية يجب تجاوزها. من الأمثلة البسيطة، إذا كنت تتداول عقودًا آجلة وتدفع عمولة + سبريد يعادل 0.1% لكل عملية دخول أو خروج (أي 0.2% ذهابًا وإيابًا)، فأنت بحاجة على الأقل لتحقيق 0.2% ربح من كل عملية لتغطي التكلفة وتصل نقطة التعادل. إن حققت أقل من ذلك تكون خرجت خاسرًا رغم أنك على الورق ربحت قبل التكاليف.

كيفية إدارة هذه التكاليف

الخبر الجيد أن كثيرًا من هذه التكاليف يمكن تقليصها والتحكم بها من خلال اختيارات مدروسة: اختر دائمًا وسيطًا يقدم فروق أسعار ضيقة وتنفيذًا جيدًا، قارن بين البنوك والوسطاء في تكلفة التمويل والهامش وابحث عن الأقل، قلل دوران المحفظة بلا داع، استثمر عبر منتجات قليلة التكلفة (مثلاً صناديق المؤشر ذات المصاريف المنخفضة بدلًا من الصناديق المدارة ذات الرسوم العالية)، حاول زيادة حجم الصفقة الواحدة بدل تنفيذ عدة صفقات صغيرة متتالية تكلفك عمولات متكررة، وإن كنت مستثمرًا طويل الأجل استفد من العروض كإعفاء عمولات بحجم تداول معين أو خدمات النقل المجاني للمحافظ. كذلك راقب كشف حسابك دوريًا لترى بالضبط كم تدفع من رسوم وعمولات، فقد تتفاجأ أحيانًا أن الرقم أكبر مما ظننته - وعندها تعيد حساباتك.

باختصار، التكاليف الخفية هي عدو صامت للعائد.النجاح الاستثماري لا يُقاس فقط بنسبة الربح قبل التكاليف، بل بالأهم بالنسبة المتبقية في جيبك بعد خصم كل شيء. والمستثمر الفطن هو من يخفض هذه التكاليف إلى الحد الأدنى الممكن لتعظيم عوائده. تذكر مقولة شهيرة في وول ستريت: “الأرباح تتحذب بالجنيهات، لكن التكاليف تتسلل بالبنسات” - فلا تدع البنسات تتراكم دون انتباه. بالإدارة الحكيمة، يمكنك تحويل كثير من هذه التكاليف إلى نسبة ضئيلة غير مؤثرة، وبالتالي تجعل محفظتك أكثر كفاءة وربحية على المدى الطويل.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الرسوم الاستثمار التداول أزمة الرسوم الجمركية التكاليف العمولات

إقرأ أيضاً:

إيران في مرمى عواصم أوروبا.. تقرير يكشف "المشهد الخفي"

نشر موقع إلمونيتور تقريرا تحليليا، اعتبر فيه أن المواجهة الدبلوماسية الأخيرة بين إيران وبولندا بشأن مبيعات الطائرات المسيرة لروسيا، كشفت عن هشاشة الموقف الإيراني في أوروبا، في ظل ما وصفه التقرير بتراجع قدرة طهران على الموازنة بين التودد إلى أوروبا، وتعزيز تحالفها العسكري مع موسكو.

ويرى التقرير، أن هذه المواجهة بين وارسو وطهران، يعكس المأزق الأوسع الذي تواجهه إيران، مع تنامي انحيازها العسكري إلى موسكو في ظل الصراع الأوكراني، مما جعلها في عزلة متزايدة أوروبا، وتضاؤل نفوذها في الدبلوماسية النووية.

ماذا حدث؟

لجأ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة للرد على الانتقادات البولندية لمزاعم توريد طهران طائرات بدون طيار إلى روسيا، إذ كان يأمل في إظهار التحدي.

إلا أن هذا التبادل أبرز مدى هشاشة الدبلوماسية الإيرانية الأوروبية في ظل الصراع الأوكراني وتنامي انحيازها العسكري إلى موسكو.

وبدأ الخلاف بعد أن حثّ وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي طهران علنا على وقف مبيعات الطائرات بدون طيار وتراخيص إنتاجها إلى روسيا، متهما طهران بمساعدة موسكو في حربها في أوكرانيا.

ونشر سيكورسكي على موقع إكس: "من الجيد أن يكتب وزير خارجية إيران باللغة البولندية، لكن كان من الأفضل عدم بيع طائرات بدون طيار أو تراخيص إنتاجها لروسيا خلال عدوانها على أوكرانيا".

وأضاف لاذعا، مشيرا إلى أنه بدلا من "تصدير الثورة الإسلامية وتخصيب اليورانيوم"، ينبغي على إيران التركيز على "إعادة بناء الحضارة الفارسية، التي أذهلت العالم يوما ما".

وردّ عراقجي بسرعة، ونشر باللغتين الفارسية والبولندية، وقال إنه دعا نظيره البولندي لتبادل وثائق مدعومة بالأدلة بشأن هذه القضية.

وكتب عراقجي: "التهرب من المساءلة، وتكرار الادعاءات التي لا أساس لها، والإدلاء بتصريحات تدخلية لن يحل المشكلة".

كما استشهد بالتاريخ لتخفيف حدة المواجهة، مذكّرا وارسو بأنه خلال الحرب العالمية الثانية، آوت إيران أكثر من 100 ألف لاجئ بولندي وساعدت في تأسيس جيش بولندي على نفطها.

وأضاف: "يحاول أشخاص معادون للعلاقات الودية بين إيران وأوروبا اختلاق روايات لا تعكس الروابط التاريخية، بما في ذلك تلك بين إيران وبولندا".

عرض مسيرة إيرانية

ومع ذلك، كان التبادل أكثر بكثير من مجرد مشاعر تاريخية، فقد جاء بعد أيام قليلة من حدث رفيع المستوى داخل البرلمان البريطاني، حيث عرضت جماعة "متحدون ضد إيران النووية"، ومقرها الولايات المتحدة، ما زعمت أنه طائرة مسيرة إيرانية الصنع من طراز "شاهد-136" تستخدمها القوات الروسية على نطاق واسع في أوكرانيا.

وقد أثار العرض، الذي حضره مسؤولون بريطانيون وبولنديون، غضب طهران.

وندد عراقجي بالحدث ووصفه بأنه حيلة من تدبير "اللوبي الإسرائيلي ورعاته"، متهمًا الحكومات الغربية بـ"أداءات سخيفة" تهدف إلى مزيد من تقويض علاقات إيران الأوروبية.

وبالنسبة لطهران، أعادت هذه الحادثة للواجهة واحدة من أكثر مشاكلها الدبلوماسية إلحاحاً: الاتهام بأن طائراتها المسيرة من طراز "شاهد" منحت روسيا تفوقا حاسما في الضربات ضد الأهداف المدنية وأهداف البنية التحتية الأوكرانية.

وبينما تُصرّ إيران على أن تعاونها الدفاعي مع موسكو يعود إلى ما قبل الحرب ولا يشمل الطائرات المسيرة المستخدمة في أوكرانيا، فقد قدمت أجهزة الاستخبارات الغربية والسلطات الأوكرانية مرارا وتكرارا أدلةً من حطام الطائرات تُشير إلى خلاف ذلك.

وردّ مارك والاس، رئيس منظمة "متحدون ضد إيران النووية"، على نفي عراقجي، متهمًا القيادة الإيرانية بنشر العنف وممارسة القمع في الداخل والخارج.

وكتب والاس على موقع "إكس": "إيران في حالة تراجع تاريخي، لأنكم (يقصد عراقجي) وخامنئي قد رعيتما وكلاء إرهابيين مُهلكين الآن، وأرسلتم طائراتكم المسيرة الانتحارية القاتلة حول العالم".

لطالما وضعت الحرب في أوكرانيا إيران في وضع دبلوماسي حرج.

فبعد تعميق تعاونها العسكري مع روسيا في ظل العقوبات الغربية التي ضغطت على البلدين، تجد طهران نفسها الآن أكثر اعتمادا من أي وقت مضى على موسكو في التكنولوجيا والتجارة والغطاء الدبلوماسي في الأمم المتحدة.

لكن هذا الاعتماد يأتي بتكلفة باهظة، وهي تزايد العزلة عن أوروبا، وتضاؤل ​​نفوذها في الدبلوماسية النووية، وتضرر سمعتها حتى لشركائها التقليديين غير الغربيين.

"رواية طهران"

كما يأتي الخلاف المتعلق بالطائرات المسيرة بعد بضعة أشهر فقط من المواجهة المؤلمة التي استمرت 12 يوما بين إيران وإسرائيل، والتي كشفت عن نقاط ضعف في رواية طهران الرادعة.

ورغم أن الصواريخ الإيرانية اخترقت أجزاءً من أنظمة الدفاع الإسرائيلية، إلا أن هذه الحادثة قللت من مزاعم طهران بالهيمنة الإقليمية وأثارت شكوكا بشأن قوتها العسكرية.

في الداخل، حاولت قيادة طهران إعادة صياغة قضية الطائرات المسيرة على أنها نفاق غربي، حيث اتهمت وسائل الإعلام الرسمية الحكومات الأوروبية بازدواجية المعايير - إذ أدانت إيران على ما يُزعم أنها عمليات نقل أسلحة، بينما استمرت في تزويد إسرائيل بأسلحة متطورة.

لكن إصرار إيران على قدرتها على التودد إلى أوروبا، وتسليح روسيا، وبسط نفوذها الإقليمي في آنٍ واحدٍ بدأ يتلاشى.

فقد حذّر الاتحاد الأوروبي مرارا وتكرارا من أن نقل الطائرات المسيرة الإيرانية قد يُؤدي إلى فرض عقوبات إضافية، بينما خفّضت أوكرانيا مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع طهران.

حتى الحكومات المتعاطفة، مثل الصين والهند، توخّت الحذر، مُدركةً مخاطر التقارب الوثيق مع دولةٍ مُتهمة بتأجيج حربين كبيرتين على سمعتها.

وذكر تقرير إلمونيتور: "ربما كان استحضار عراقجي للتراث الثقافي المشترك - مُستدعًا ذكرى اللاجئين البولنديين - يهدف إلى تخفيف وطأة الصدمة، لكنه سلّط الضوء أيضا على حاجة إيران المُلحّة إلى إنقاذ سمعتها في أوروبا في وقتٍ يتآكل فيه نفوذها إقليميا وعالميا".

مقالات مشابهة

  • مركز الاقتصاديات السيبرانية يناقش الكلفة الاقتصادية لغياب الأمن السيبراني وأثرها على الاقتصادات الكلية للدول
  • كيف تميز السجائر الأصلية من المغشوشة؟ الشعبة توضح
  • استجابة النباتات للمؤثرات الصوتية المحيطة وأثرها على الإنتاجية والتأقلم المناخي
  • إيران في مرمى عواصم أوروبا.. تقرير يكشف "المشهد الخفي"
  • ما أفضل شركة وساطة ببورصة مسقط؟
  • رئيس «علوم العمران» يتوقع استمرار انخفاض أسعار العقارات وزيادة عدد الصفقات العقارية
  • إزاي أعمل شهادة صحية لكتب الكتاب؟.. السعر والأماكن
  • أضرار السكر الأبيض.. العدو الخفي لصحتك وجمالك
  • نقص فيتامين د.. السبب الخفي وراء التعب والمزاج السيئ