واشنطن "د.ب.أ": تتبنى اليابان اليوم استراتيجية دفاعية جديدة تعكس تحولا في دورها العسكري، وتعزيزا لتحالفها مع الولايات المتحدة في مواجهة التحديات الإقليمية المتصاعدة، خصوصا من جانب الصين وتايوان.

ويقول الباحث كريستوفر فاسالو في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إنه مع توقيع اتفاق تجاري جديد مع الولايات المتحدة وتولي رئيسة وزراء جديدة، تركز اليابان الآن على مبدأ المعاملة بالمثل.

ومع استعداد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لزيارة اليابان في وقت لاحق من هذا الشهر، يجدر التوقف عند النموذج الدفاعي الأمريكي الجديد الذي يتشكل بهدوء في شرق آسيا. فقد بدأ يحقق النجاح أساسا بفضل العلاقات القوية والفعالة مع اليابان، الحليف الأكثر ديناميكية في المنطقة. وبتشجيع من واشنطن، تلتزم اليابان بضخ أموال جديدة وتعزيز قدراتها العسكرية بما يتماشى مع رؤية الإدارة الأمريكية للردع في آسيا. وهذه الخطوات تضع التحالف الأمريكي-الياباني على مسار أكثر قدرة على الصمود أمام التحديات المستقبلية من الصين. والمنطق الذي يطرحه الرئيس ترامب بسيط وهو: المعاملة بالمثل بدلا من التبعية.

لقد أدرك الرئيس ترامب وفريقه الإمكانات الاقتصادية الكامنة لدى اليابان، ويعملون على توظيفها لأهداف استراتيجية. ففي الشهر الماضي، أبرمت الولايات المتحدة واليابان اتفاقا تجاريا تعهدت بموجبه اليابان بالاستثمار بقيمة 550 مليار دولار داخل الولايات المتحدة. ومن الواقعي أن نتوقع أن تفي اليابان بهذا الالتزام خلال فترة زمنية معقولة.

وسيوجه جزء من هذه الالتزامات، المقدمة على شكل استثمارات رأسمالية وقروض وضمانات من خلال مؤسسات الإقراض اليابانية الخارجية المتطورة والمخصصة لهذا الغرض، نحو ضخ أموال جديدة في الصناعات الاستراتيجية الأمريكية التي تشكل أساس الردع العسكري، مثل بناء السفن وأشباه الموصلات وبنية تصدير الطاقة التحتية والمعادن الحيوية. والنقطة الجوهرية هي أن هذه الاستثمارات في القطاعات الرئيسية ينبغي أن تساهم في تمويل جزء من القدرة الدفاعية الأمريكية الإضافية اللازمة لضمان مرونة الردع العسكري في آسيا في المستقبل.

سيناريوهات تتعلق بتايوان

وفي الوقت الذي يوظف فيه الفريق الاقتصادي في الإدارة الأمريكية القدرات المالية اليابانية لدعم الردع العسكري على المدى الطويل، يدرك قادة الإدارة في البنتاجون بوضوح محورية الدور الياباني في هيكل الدفاع في شرق آسيا اليوم.

فقد أظهرت محاكاة حربية أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية عام 2023 لسيناريوهات تتعلق بتايوان، أنه من دون الوصول إلى القواعد العسكرية اليابانية، لا تستطيع الولايات المتحدة مواجهة القوة العسكرية الصينية في شمال وجنوب شرق آسيا بشكل فعال، أما مع الحصول على حق استخدام القواعد اليابانية، فيمكن للمقاتلات الأمريكية الوصول إلى أجواء تايوان والعمليات فيها والعودة منها من دون الحاجة إلى التزود بالوقود.

وكما صرح وزير الحرب الأمريكي بيت هيجسيث في وقت سابق من هذا العام: "اليابان هي شريكنا الذي لا غنى عنه في ردع العدوان العسكري الصيني الشيوعي".

إن انتخاب تاكايشي ساناي رئيسة للحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في اليابان، وما ترتب عليه من توليها رئاسة الوزراء، يعد دليلا على أن ناخبي الحزب لا ينفرون من توقع إدارة ترامب بأن تصبح اليابان أكثر قوة وتبادلية في تعاملاتها مع واشنطن.

وقد صرحت تاكايشي بأن أي طارئ في تايوان سيعتبر "حالة طوارئ يابانية"، نظرا للموقع الاستراتيجي الحيوي للجزيرة بالنسبة إلى ممرات اليابان البحرية، وأمنها في مجالي الغذاء والطاقة، وحيويتها التكنولوجية.

إن حقيقة أن الانتقادات العلنية الموجهة للبحرية أصبحت أمرا شائعا، تمنح هذا السلاح ميزة واضحة مقارنة بنظرائه في الفروع العسكرية الأخرى.

ويقول فاسالو إنه بعد أن استوعبت مبدأ المعاملة بالمثل، تبدو تاكايشي متقبلة لدعوات الرئيس الأمريكي والبنتاحون الحكيمة بأن تنفق اليابان المزيد على الدفاع، إذ يتماشى ذلك مع هدفها الرامي إلى توظيف مزيد من رأس المال الخاص بالديون لصالح تجديد الصناعة اليابانية، بما في ذلك قطاع الدفاع.

وقد أعلنت بحزم طموحها لإدراج قوات الدفاع الذاتي اليابانية في الدستور بوصفها كيانا عسكريا، وهي خطوة جديدة في السياسة الحديثة يمكن أن توسع نطاق العمليات العسكرية المسموح بها.

وفي مارس 2025، أنشأت قوات الدفاع الذاتي قيادة عمليات مشتركة دائمة لتنسيق فروعها المختلفة بهدف تسريع الاستجابة للأزمات. كما أعلنت، بتشجيع أمريكي في يونيو 2025، أنها تعمل على تعزيز قدراتها اللوجستية والداعمة عبر إنشاء وحدة النقل البحري الجديدة المخصصة لنقل القوات والمعدات عبر جزر أوكيناوا.

وفي مناطق أخرى من شرق آسيا، تنجح وزارة الحرب الأمريكية في تعزيز الردع العسكري دون إثارة أزمة جديدة في العلاقات الأمريكية الصينية.

فقيادة القوات الجوية في المحيط الهادئ تعيد تأهيل مدرجين في جزيرة تينيان، وهي قاعدة تعود إلى الحرب العالمية الثانية تقع في غرب المحيط الهادئ. واحتفلت القيادة هذا الشهر بـ "مرحلة إنجاز" في مشروع إعادة تأهيل تينيان.

ويعد تطوير تينيان جزءا من رؤية مدروسة لهذه الإدارة لتوزيع القواعد ونقاط الإمداد والتموين إلى ما وراء السلسلة الأولى من الجزر.

ويجدر التنويه بإيجاز إلى أن هذه الإدارة تعمل على ترسيخ العلاقة الدفاعية مع تايوان على أسس أكثر صلابة من خلال تشجيعها على شراء الأسلحة غير المتماثلة بدلا من الاعتماد البطيء على المساعدات العسكرية.

فتايوان، في نهاية المطاف، دولة ذات دخل مرتفع. وفي أنكوريج في أغسطس، أفادت تقارير بأن المسؤولين ناقشوا صفقة تايوانية بمليارات الدولارات لشراء طائرات مسيرة وصواريخ مضادة للسفن وحساسات ساحلية وغيرها من المعدات المشابهة.

وفي سبتمبر، أخطرت الإدارة الكونجرس بعزمها بيع أسلحة بقيمة 500 مليون دولار لتايوان.

وباختصار، شهد عام 2025 سلسلة من التطورات الإيجابية في التحالف العسكري الأمريكي-الياباني، فقد اقترنت الالتزامات اليابانية الضخمة بمئات المليارات من الدولارات لتوسيع القدرات الصناعية الأمريكية، مع تحسين التنسيق والتكامل بين القدرات العسكرية الأمريكية واليابانية في الميدان.

والنتيجة هي ظهور هادئ لبنية جديدة وأكثر استدامة للعلاقات الدفاعية مع اليابان.

كما قال وزير الحرب هيجسيث في مايو الماضي: "لا يمكن للتحالف أن يكون متينا إذا كان ينظر إليه، في الواقع أو في الانطباع، على أنه أحادي الجانب .. هذا الأمر يتغير الآن".

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الردع العسکری شرق آسیا جدیدة فی

إقرأ أيضاً:

أكاديمية الأزهر ومركز الإمام الأشعري يعقدان ندوة حول تجديد الفكر العقدي في مواجهة التحديات

عقدت أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ بالتعاون مع مركز الإمام الأشعري للدراسات العقدية والفكرية، اليوم الثلاثاء، ندوةً علميةً بعنوان: «آفاق تجديد الفكر العقدي الإسلامي في مواجهة تحديات العصر»، بتوجيهاتٍ من الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.

جاء ذلك بحضور فضيلة د. حسن الشافعي، عضو هيئة كبار العلماء، رئيس مركز الإمام الأشعري، وفضيلة د. حسن الصغير، رئيس الأكاديمية، ود. رضا الدقيقي، أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بكلية أصول الدين بطنطا.

الدكتور حسن الشافعي: الوسطية أنقذت الأمة وتظل سبيل وحدتها

وأكد الدكتور حسن الشافعي، أن الأمة الواحدة والعقيدة الجامعة والصف الموحد من بركات العقيدة الإسلامية، موضحًا أن التوحيد ليس فقط إقرارًا عقليًّا، بل هو توحيد للقلب والروح والصف والأمة، مشددا أن التكفير هو بداية استحلال الدماء، وأنه لا يقوم على منهج قويم، بل على تطرف وتشدد يبرأ منه الإسلام، مبينًا أن دعوة الوسطية هي الدعوة الحقيقية لجمع شمل الأمة.

وأوضح الدكتور حسن الشافعي أن الوسطية التي دعا إليها الأئمة الكبار كالأشعري والماتريدي أنقذت الأمة قديمًا وتنقذها اليوم ومستقبلًا، مشددًا على أن التجديد في الدين لا يكون في العقائد والعبادات، بل في الوسائل الاستدلالية، من خلال إحياء التراث الإسلامي وتكامله مع العلوم الحديثة، مع العمل على إنشاء علوم جديدة تلائم تحديات العصر. 

وأشار الدكتور حسن الشافعي إلى أن الأزهر الشريف يؤدي رسالته في جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم، مشيدا بجهود الإمام الأكبر شيخ الأزهر في جمع الشمل الإسلامي من خلال المؤتمرات الدولية وفي مقدمته مؤتمر الحوار الإسلامي الإسلامي الذي استضافت مملكة البحرين نسخته الأولى. 

رئيس أكاديمية الأزهر: التجديد الحقيقي في الفكر لا في الثوابت.. والعقيدة دعامة وحدة الأمة

من جانبه، قال الدكتور حسن الصغير، إننا أحوج ما نكون اليوم إلى أن نجتمع على كلمة سواء، لأننا أهل قبلة واحدة، مؤكدًا ضرورة التوقف عن الخلافات والانقسامات من أجل لمّ الشمل وتنمية الفكر ومواكبة تحديات العصر، مضيفا أن العقيدة الإسلامية لا تحتمل التجزئة أو الخلاف، لأنها تقوم على أصل الإيمان بالله ووحدة الأمة تحت راية الإسلام. 

وأوضح رئيس أكاديمية الأزهر، أن التجديد الحقيقي ليس في الثوابت أو العقائد، بل في الفكر والأسلوب الذي يُقدَّم به الدين للناس بما يتناسب مع واقعهم وتطورهم المعرفي، مشيرا إلى أن الأزهر يضطلع بدور ريادي في إعداد الأئمة والدعاة الذين يحملون هذا الفكر الوسطي المتجدد، القادر على التعامل مع الشباب بلغة عصرية تجمع ولا تفرّق، وتواجه الفكر المتطرف بالحجة والعلم والمنهج القويم.

الدكتور رضا الدقيقي: العقيدة الإسلامية هي أساس الائتلاف بين المسلمين

وفي ذات السياق، أوضح الدكتور رضا الدقيقي، أن العقيدة الإسلامية هي أساس الائتلاف بين المسلمين، مشيرًا إلى أن علم الكلام نشأ لحماية العقيدة من الشبهات التي واجهتها الأمة عبر تاريخها الطويل، مبينا أن دعوة الأزهر للوحدة والائتلاف تنطلق من مفهوم عقدي أصيل، بعيد عن التكفير والإقصاء. 

وأضاف أن العقيدة الإسلامية لا يمكن أن تكون سببًا في الفرقة أو النزاع، بل في تحقيق الأخوة الإيمانية، مستشهدًا بـ وثيقة المدينة التي جمعت بين الطوائف المختلفة على وحدة الهدف والمصير، داعيا إلى تجديد الخطاب العقدي بما يقرب بين المذاهب الإسلامية، وإلى إعداد مقررات تعليمية مشتركة تُبنى على المشتركات بين المذاهب، تحقيقًا لوحدة الصف الإسلامي.

تأتي هذه الندوة في إطار الجهود المتواصلة التي يبذلها الأزهر الشريف لترسيخ منهجه الوسطي في تناول قضايا العقيدة والفكر، وإبراز قدرة المنهج الأزهري على الجمع بين الأصالة والتجديد، ومواكبة التحولات الفكرية والثقافية التي يشهدها العالم المعاصر.

طباعة شارك أكاديمية الأزهر الأزهر مركز الإمام الأشعري آفاق تجديد الفكر العقدي

مقالات مشابهة

  • قائد قطاع قنا للتأسيس العسكري ومدير تعليم نجع حمادي يتفقدان المدارس العسكرية
  • تركيا محاطة بالقواعد العسكرية الأمريكية!
  • السياسة الخارجية المصرية في ظل التحديات والأزمات الإقليمية.. ندوة بجامعة بني سويف
  • أستاذ علاقات دولية: القاهرة شريك لا غنى عنه لأوروبا في مواجهة التحديات
  • أكاديمية الأزهر ومركز الإمام الأشعري يعقدان ندوة حول تجديد الفكر العقدي في مواجهة التحديات
  • استلهام روح نصر أكتوبر في مواجهة التحديات الراهنة .. ندوة بمركز إعلام الداخلة بالوادي الجديد
  • أبو الغيط: ريادة الأعمال تساعد على مواجهة التحديات التنموية
  • مواجهة التحديات..وزير الخارجية يلتقي مبعوث الاتحاد الأوروبي لمنطقة الساحل
  • برلمانية: تصريحات الرئيس السيسي تؤكد أن مواجهة التحديات الاقتصادية تحتاج إلى وعي