موقع إسرائيلي: طالب فلسطيني يكتب كلمات وداعه الأخير لغزة
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
في نص ينضح وجعا وصدقا، يروي الشاب الفلسطيني عبد الله الجزّار لحظات مغادرته غزة إلى أيرلندا حاملا معه حقيبة صغيرة وأثقالا من مشاعر الذنب والحب والذكريات، بعد حصوله على منحة دراسية، تاركا خلفه أمّه وإخوته ومدينة تغتالها الحرب وتنهشها المجاعة.
منذ الوهلة الأولى في حكايته التي كتب تفاصيلها نصا بمجلة (+972) الإسرائيلية الإلكترونية، يتجلى الصراع بين الأمل والخجل، بين حلم النجاة والشعور بالذنب.
هناك، بين صالون الحلاقة المتواضع وخيمته في منطقة المواصي، تبدأ رحلة الفراق حيث اختلق "كذبة صغيرة" لحلاقه أخبره فيها أنه سيتقدّم لخطبة فتاة يحبها، فقط ليقنع الحلاق بالاهتمام بقصَّ شعره لكي يبدو في مظهر أنيق عندما يغادر في يوم الوداع الأخير.
يروي الجزار، وهو فلسطيني من غزة، أن الحكومة الأيرلندية اتصلت به في يوم ثلاثاء من أغسطس/آب الماضي لتبلغه بأن عليه الاستعداد لمغادرة غزة إلى أيرلندا حيث "تستعد جامعة مايوث لاستقبالك".
ويقول: "كنت، طوال أكثر من عام، أتدرّب على مغادرة بيتي في غزة، كما يتدرّب أخي الصغير على الطيران بطائرته الورقية. والآن انتهى التدريب، وحان الموعد الحقيقي".
ويضيف: "كانت لديّ خطط كبيرة، لكن كيف يمكن للمرء أن يترك حياته؟ كيف يتخلى عن بيته؟ أردت أن أغادر وظهري مستقيم، وكرامتي محفوظة".
ويردف قائلا إنه لم يُرد أن يشعر كأنه يهرب، "لكن الرحيل بكرامة عبارة فقدت معناها منذ زمن".
المرة الأولى
حين نظر في المرآة رأى وجه أخيه نور، "الشرطي المفقود" منذ قصف خان يونس، وكأنه يستأذنه للمغادرة. كانت المرة الأولى التي يصبح فيها هو "الراحل"، بعد أن اعتاد أن يكون هو "من بقي" في غزة.
وبين خوفه من أن يمنعه جندي إسرائيلي التوجه إلى معبر كرم أبو سالم، كان منظر غزة المدمرة يمر أمام ناظريه.
إعلانوفي مشهد مفعم بالعاطفة، يصف الجزار لحظة الوداع قائلا: "استأجرت سيارة أجرة بدل عربة يجرّها حمار لتنقلني من المواصي إلى دير البلح في وسط القطاع، ومنها بحافلة إلى المعبر".
في تلك الأثناء أدرك أنها ربما تكون لحظة الوداع الأخير. ودّع أمه التي لا تعرف الكراهية رغم أن الحرب سلبتها أحبتها، وقال لأخيه الصغير علي: "اعتنِ بنفسك وبأمك، حسنا؟".
عبد الله الجزار: لم ألتفت لأرى عائلتي مرة أخرى. كنت أشعر بالخجل. كنت أغادر نحو السلام، بينما يبقون هم أسرى الحرب والجوع. شعر بالخجل"كانت هذه كلماتي الأخيرة إلى غزة. لم ألتفت لأرى عائلتي مرة أخرى. كنت أشعر بالخجل. كنت أغادر نحو السلام، بينما يبقون هم أسرى الحرب والجوع".
وعند معبر كرم أبو سالم، بين دخان السجائر التي أشعلها المسافرون كأنها بخور الرحيل، بدأ يذوب بين المنفى والمجهول.
وعلى الجانب الإسرائيلي من المعبر، بدا موظفو السفارة الأيرلندية -في نظره- كأنهم ملائكة يقدّمون الماء والطعام للمسافرين، في حين تأشيرة واحدة تُخرجه من الجحيم. ورقة واحدة فصلت بينه وبين موطنٍ يتداعى إلى الرماد.
يراه في أحلامه
في الطريق إلى دبلن عاصمة أيرلندا، ظلّ طيف أخيه نور يزوره في الحلم، يقول له: "احملني معك، لا كعبء، بل كجناحين". ويضيف: "في الليل، أراه في أحلامي يبحث عني. أناديه: أراه في أحلامي يبحث عني. أناديه: أنا في أيرلندا، حبيبي. كل شيء هنا أخضر وجميل".
ويتابع مخاطبا نزر في حلمه: "انتقلت إلى سكني في مايوث، غرفة واحدة لكنها تتسع لاثنين. احتفظت بمكان لك قرب النافذة. فقط قل لي أين أنت يا حبيبي، وسآتي لأخذك".
كيف ينجو من وطنهحمل الجزار أخاه نور في قلبه، وهو يستعيد أطلال بيت ومصنع ومزرعة التهمتها الحرب. حتى حين أُعلن عن وقف إطلاق النار، لم يشعر بالسكينة، بل بالحيرة: كيف ينجو المرء من وطنه؟ وكيف يُشفى ممن يحبّ؟
ثم جاء الخبر السعيد. وعن تلك اللحظة، كتب يقول: "نور حيّ. أسيرٌ، لكنه حي"، قبل أن ينهار باكيا كما لو أن القلب تذكّر نبضه بعد طول صمت.
في دبلن، يدرس عبد الله الجزار حاليا لنيل درجة الماجستير في جامعة مايوث بأيرلندا، حيث يشغل منصب منسّق برنامج الطلاب الفلسطينيين القادمين من غزة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات عبد الله
إقرأ أيضاً:
موقع عبري: نتنياهو يحاول طمس الكارثة عبر تغيير اسم حرب غزة
لا يتوقف رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن ابتكار المزيد من الألاعيب لإشغال الرأي العام لديه عن حقيقة الفشل الذي يُجلّله بسبب إخفاقه الذي لن يمحى يوم السابع من أكتوبر، ولذلك فقد أقدم أخيرا على الحصول على مصادقة حكومته على تغيير اسم الحرب على غزة إلى "حرب النهضة"، وهي خطوة أخرى في سعيه لطمس مسؤوليته عن هجوم الطوفان المروع، ومحاولة بناء رواية جديدة لا تدور حول أكبر فشل في تاريخ الدولة، قاده بنفسه.
باراك سيري الكاتب في موقع ويللا، ذكر أن "نتنياهو بدأ أولى محاولاته لمحو ذكرى السابع من أكتوبر، أو نسيانها، وطمسها، بعد أن أدرك فورًا أن كارثة كهذه تشكل أسوأ فشل ذريع في تاريخ إسرائيل، وسيُكتب في كتب التاريخ بحروف سوداء، مع الإشارة إلى أنه شغوف بالتاريخ، فهو ابن المؤرخ بن تسيون نتنياهو، وعندما اتضحت أبعاد الهجوم، والحرب من بعده، فقد استحوذ على نتنياهو، أنه بعد مئة عام، ومئتي عام، وسبعمائة عام، سيُخلّد ذكراه في كتب التاريخ، وسيُخصّص له سطر واحد: "في عهده، وقعت أكبر مجزرة للشعب اليهودي منذ المحرقة".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أنه "بجانب رغبته في ضرب حماس، وتفكيك حزب الله، وإضعاف إيران، انشغل نتنياهو باستمرار بالبقاء، وتأجيل الانتخابات قدر الإمكان، ومحو فشله الذريع الذي حلّ في السابع من أكتوبر، بعد أن سادت فوضى عارمة في الأيام التي تلت الهجوم، وارتباك كبير، وخوف، وانهيار للوزارات الحكومية، وفشل الجيش والشاباك، لا أحد يشك في ذلك، لكن الفشل الذريع كان على عاتق نتنياهو، الذي بدل أن يعلن عن موعد تنحيه عن السلطة، فقد توفرت لديه خطط أخرى".
وأكد أن "أبرز خطط نتنياهو بعد الهجوم تمثلت في التهرب من المسؤولية، وإثبات براءته، وإلقاء اللوم على الجميع: الجيش، الشاباك، المحكمة العليا، المستشار القانوني، وزير الحرب، باستثنائه، صحيح أنه تحدث عن فشل ذريع، ووعد بتقديم إجابات، لكنه في الوقت ذاته، بذل قصارى جهده للنأي بنفسه عنه، لذلك، تمسك بالائتلاف المكون من 64 عضوًا، واقترح انضمام بيني غانتس وغادي آيزنكوت إليه لكسب مزيد من الشرعية، لكنه سرعان ما طردهما، واستمر في إسقاط الاتهامات على الجميع".
وأشار أن "نتنياهو بذل كل ما بوسعه للتغلب على كل عقبة سياسية، من أجل الابتعاد قدر الإمكان عن التاريخ الملعون الذي يريدنا أن ننساه: 7 أكتوبر الرهيب، ويستثمر الكثير من الوقت والتفكير في ذلك، ومن ذلك مثلا أنه في ذكراه السنوية قبل أيام، لم يأتِ على الحدث إلا بكلمات قليلات، وفي آخر اليوم، وفي الوقت الذي شهدت فيه الدولة حالة أشبه بالحداد، وخصصت جميع القنوات التلفزيونية، باستثناء قناته المفضلة 14، والمواقع الإلكترونية ومحطات الإذاعة والشبكات، ذلك اليوم لبث خاص، من الصباح حتى الليل، لكنه لم يُرِد ذلك، ولا يريد لأحد أن يتذكره، لأن هذا اليوم مكتوب باسمه، ولذلك فهو يريد محوه".
وأضاف أن "نتنياهو مُصمّم جدا على محو كل أثرٍ للسابع من أكتوبر، ولذلك جاء بفكرة تغيير اسم الحرب "حرب القيامة أو النهضة أو البعث"، بهدف بناء روايةٍ جديدةٍ لها، مفادها أن حماس وباقي الأعداء ثاروا على الدولة لتدميرها، وأنا قدت هذه الحرب التي أنقذتها، دون ذكر لهجوم الطوفان".
وتشير هذه المحاولة من قبل نتنياهو إلى أنه يسعى لتسويق ما يعتبرها إنجازات عسكرية في حرب العامين الأخيرين، وعلى مختلف الجبهات، من خلال تغيير وعي الجمهور الإسرائيلي، لكن الواقع يقول إننا أمام محاولة مبتذلة فاشلة، لأنه حتى في الأجيال القادمة لن ينسى أحد ما مرت به دولة الاحتلال في ذلك اليوم من هجوم مرّغ أنفها في التراب لعقود قادمة.