ﻗﻮات دوﻟﻴﺔ ﻹﺳﺮاﺋﻴﻞ لمراﻗﺒﺔ وﻗﻒ اﻟﻨﺎر ﻓﻰ ﻏﺰة
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
«روبيو» فى تل أبيب.. و«فانس» يتنبأ باتفاقيات إبراهيميه فى الشرق الأوسط نائب «ترامب» يشيد بالدور المحورى للدول العربية.. وتحفظات إسرائيلية على تركيا
أرسلت بريطانيا قوات إلى إسرائيل ضمن قوة مهام دولية تقودها الولايات المتحدة لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار فى غزة، فى خطوة عسكرية جديدة تعكس حجم التحديات التى تواجه خطة السلام التى أطلقها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
وقالت وزارة الدفاع الفلبينية إن الولايات المتحدة طلبت دمج فرقة صغيرة من ضباط التخطيط العسكرى الفلبينيين فى قوة الاستقرار المعروفة باسم مركز التنسيق المدنى العسكرى (CMCC)، مؤكدة أن واشنطن تشرف على العملية التى تهدف إلى ضمان التزام جميع الأطراف بالهدنة. وتقدم الولايات المتحدة ما يصل إلى 200 جندى، بينما امتنعت بريطانيا عن تحديد عدد أفرادها المشاركين، مكتفية بالإشارة إلى أن الكادر البريطانى سيضم نائب قائد برتبة لواء. وفقا لصحيفة التليجراف
وتضم القوة، بحسب مصادر دبلوماسية، عناصر من مصر وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة، وستتولى مهمة مراقبة الهدنة وتأمين تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة. وتعد هذه القوة منفصلة عن بعثة الاستقرار الدولية الأوسع نطاقًا التى نصت عليها خطة ترامب المكونة من عشرين بندًا لضمان الأمن طويل الأمد فى المنطقة.
وقال متحدث باسم وزارة الدفاع البريطانية إن المملكة المتحدة تواصل العمل مع الشركاء الدوليين لدعم وقف إطلاق النار فى غزة وتحديد أفضل سبل المساهمة فى عملية السلام. ويأتى هذا الإعلان بعد أسبوع واحد فقط من تصريح وزيرة الخارجية إيفيت كوبر التى قالت فيه إن بريطانيا «لا تخطط» لإرسال قوات إلى المنطقة، فى وقت تزداد فيه الضغوط الأمريكية لتفعيل القوة متعددة الجنسيات.
وكشفت مصادر دبلوماسية أن وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو يعتزم زيارة إسرائيل خلال الأيام المقبلة، ليكون رابع مسئول أمريكى رفيع المستوى يزور الدولة العبرية خلال أسبوعين، بعد زيارة ترامب فى 13 أكتوبر عندما أعلن أن السلام «أصبح واقعًا فى الشرق الأوسط».
وقال نائب الرئيس الأمريكى جيه دى فانس إن اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة الذى توسطت فيه واشنطن يمكن أن يشكل بداية مرحلة جديدة من التحالفات الإسرائيلية فى الشرق الأوسط تمهد لإحياء اتفاقيات إبراهيم على نطاق أوسع. مؤكدا أنه سيتم إنشاء «قوة أمنية دولية» بموجب خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لوقف إطلاق النار المكونة من 20 نقطة من أجل الحفاظ على السلام فى غزة مع انسحاب إسرائيل ويفكر عدد من حلفاء الولايات المتحدة فى الانضمام إلى هذه القوة، لكن لن تتواجد أى قوات أمريكية على الأرض داخل غزة، بل سيتم التنسيق من خلال مركز التنسيق المدنى العسكرى فى كريات جات فى إسرائيل.
وخلال مؤتمر صحفى عقده فى الأراضى المحتلة أمس، أوضح فانس أن اتفاق غزة ليس مجرد خطوة لإنهاء القتال، بل يمثل جزءا محوريا فى جهود واشنطن لإعادة بناء التوازن الإقليمى على أساس التعاون بين إسرائيل والدول العربية. وقال إن اتفاق غزة يشكل جزءا أساسيا من فتح اتفاقيات إبراهيم فى إشارة إلى سلسلة اتفاقيات التطبيع التى وقعتها إسرائيل مع عدد من الدول العربية عام 2020.
وتابع أن الشرق الأوسط يعيش مرحلة مصيرية تتطلب قرارات حاسمة، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة ستكون معقدة للغاية وتشمل نزع سلاح حركة حماس وإعادة إعمار غزة وتحسين الأوضاع المعيشية للسكان. وأوضح فانس أن المحادثات التى أجراها خلال الساعات الماضية مع الجانب الإسرائيلى وعدد من الدول العربية كانت إيجابية وبناءة، مؤكدًا أن تلك الدول تضطلع بدور محورى فى دعم العملية السياسية الحالية.
وأكد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أن بلاده تعمل على صياغة رؤية جديدة تماما لما بعد الحرب فى غزة، موضحا ان النقاشات الجارية تتركز حول الجهة التى ستتولى إدارة القطاع والمسئوليات الأمنية فيه، مشيرا الى أن هناك أفكارًا وصفها بالجيدة للغاية مطروحة على الطاولة. وأضاف أن الطريق لن يكون سهلًا لكنه ممكن التحقيق.
وفى معرض تعليقه على احتمال وجود دور تركى فى غزة، شدد نتنياهو على أن القرار النهائى بشأن من سيتولى هذه المهمة سيبقى بيد إسرائيل، لافتا إلى أن لديه مواقف واضحة جدًا تجاه هذه المسألة.
وختم فانس حديثه بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة تعمل مع حلفائها على بناء خطة سلام متكاملة وبنية سياسية جديدة لم تكن موجودة قبل أسبوع فقط، مؤكد أن هذه العملية تتطلب جهدًا كبير وابتكار سياسى متواصلًا. وقال إن نجاح التجربة فى غزة قد يشكّل نموذجًا لاتفاقات سلام مستقبلية فى مناطق أخرى بالعالم.
ورد فانس على سؤال بشأن استمرار الزيارات الأمريكية رفيعة المستوى إلى إسرائيل رغم استقرار وقف إطلاق النار فى غزة، مؤكدا أن تلك الزيارات لا تهدف إلى المراقبة أو الإشراف المباشر، بل إلى ضمان استمرار الالتزام بالمهام المتفق عليها بين الجانبين. وقال فانس إن الأمر لا يتعلق بمراقبته كما لو كان مراقبة طفل صغير، بل يتعلق برغبة الإدارة الأمريكية فى التأكد من أن مسئوليها يواصلون تنفيذ ما تم الاتفاق عليه وضمان سير الجهود المشتركة كما هو مخطط لها.
وتعد هذه الزيارة الأولى له منذ توليه منصبه، ورفض تحديد موعد نهائى لنزع سلاح حماس، ودعا إلى المرونة فى السعى لتحقيق السلام. وأعرب فانس عن تفاؤله قائلًا إن «السلام فى وضع جيد»، محذرًا فى الوقت ذاته حماس من أن عدم الالتزام سيؤدى إلى «إبادتها».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: روبيو شرق الأوسط دونالد ترامب وقف إطلاق النار فى غزة الولایات المتحدة الشرق الأوسط إلى أن
إقرأ أيضاً:
هل الولايات المتحدة في طريقها إلى ثورة؟
أثار مقتل تشارلي كيرك الشهر الماضي مخاوف من كون الولايات المتحدة في طريقها إلى حرب أهلية ثانية شاملة أو إلى ثورة. ووفقا لاستطلاع مؤسسة يوجوف في مطلع العام الحالي؛ «يعتقد أغلب الأمريكيين باحتمال أن تشهد الولايات المتحدة حربًا أهلية خلال العقد القادم» بينما توقع مئات عدة من أساتذة العلوم السياسية والمؤرخين في استطلاع تم في أبريل 2025 انزلاق الولايات المتحدة نحو الاستبداد مع ولاية ترامب الثانية. وفي ظل قيام ترامب بنشر قوات الجيش والحرس الوطني في الداخل، وتعهده بقمع «العدو الداخلي»، ووصف مستشاره المحلي ستيفن ملر للحزب الديمقراطي بـ«المؤسسة المتطرفة الداخلية»؛ يسهل أن نرى تهيئة المسرح لاستيلاء استبدادي على السلطة. والثورات لا تأتي من عدم، غير أن الكيفية والميعاد غالبا ما يأتيان فجأة.
انفجار العنف السياسي
حتى قبل مقتل تشارلي كيرك كان عدد الاغتيالات يتصاعد بحسب قاعدة بيانات العنف السياسي الأمريكية (USPVDB) للأكاديمي بيتر تورتيشز؛ فقد شهدت السنوات الخمس بين 2020 و2024 سبعة اغتيالات، وذلك أعلى من الذروة السابقة خلال ستينيات القرن الماضي رغم أنها أقل بالنصف من اغتيالات الستينيات.
سجلت التهديدات بالعنف الموجهة للمشرعين رقما مرتفعا في العام الماضي؛ فمنذ انتخابات 2020 أصبح مسؤولو الانتخابات المحليون أهدافا لتهديدات العنف والتحرش، وكذلك القضاة الفيدراليون والمدعون العموميون وغيرهم من موظفي المحاكم. واعتبارا من أبريل وقع أكثر من 170 حادثة تهديد وتحرش استهدفت مسؤولين محليين في قرابة أربعين ولاية هذا العام وفقا لبيانات مجموعة مبادرة «تجسير الفجوات» في جامعة برينستن.
وقد حققت شرطة الكابيتول في أكثر من تسعة آلاف تهديد لأعضاء الكونجرس في عام 2024 في ارتفاع كبير عن السنوات السابقة. وقد أفادت وزارة الأمن الوطني بصعود التهديدات والتحرش ضد العاملين في الانتخابات خلال دورة 2024 الانتخابية. وفي ظل مخاوف من تزايد العنف السياسي أعلن قادة مجلس النواب بعد مقتل كيرك أن أعضاء الكونجرس سوف يحصلون على «عشرة آلاف دولار شهريا لتغطية تكاليف أمنهم الشخصي»، وهو ضعف الرقم المخصص حاليا. كما طلب البيت الأبيض حديثا «زيادة 58 مليون دولار في تمويل الأمن للفرعين التنفيذي والقضائي».
العنف اليميني أكثر انتشارا
يتبين من البحوث الحكومية والأكاديمية على السواء أن أغلبية العنف المتطرف منذ عام 1994 مرتبط بمتطرفين يمينيين. فقد أشار مركز التطرف التابع لرابطة مكافحة التشهير في تقريره لعام 2024 إلى أن «جميع الاغتيالات المرتبطة بالتطرف في عام 2024 ارتكبها متطرفون يمينيون من شتى الأنواع». وفي السنوات الأخيرة انخفض العنف الإسلامي على المستوى المحلي، غير أنه وفقا لبرنامج الحرب والتهديدات غير النظامية والإرهاب التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية [CSIS]؛ فإن النصف الأول من عام 2025 «اتسم بزيادة في الهجمات والمؤامرات الإرهابية السارية. ورغم أن العنف اليساري تاريخيا أقل دموية من العنف اليميني فإن أعمال القتل اليسارية الأخيرة ـ من قبيل اغتيال لويجي مانجيوني لبرايان طومسون الرئيس التنفيذي لشركة يونايتد هيلث كيرفي مدينة نيويورك في ديسمبر 2024، وإطلاق النار المميت على المتظاهر اليميني آرون دانييلسون في بورتلاند بولاية أوريجون في أغسطس 2020، وربما جريمة قتل كيرك نفسه ـ قد تكون بادرة صراع عريض متنام. في المقابل؛ ارتبط كثير من الهجمات المتطرفة اليسارية في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي بحركات أناركية أو بيئية.
وكان أغلب المهاجمين من اليسار أو اليمين «ذئابًا منفردة». وليست الولايات المتحدة البلد الوحيد الذي يعاني من صعود مثل هذه الهجمات؛ فبحسب معهد الاقتصاد والسلام «انخفضت في الغرب الحوادث الإرهابية انخفاضا كبيرا منذ ذروتها في عام 2017، غير أن عدد الهجمات تزايد بما بين 20 و52 في عام 2024 عند مقارنته بالعام السابق. وقد بلغت الهجمات في الغرب ذروتها في عام 2017 بتسجيل 176 هجمة».
هذه «الذئاب المنفردة» تطرفت ذاتيا عبر الإنترنت لا عبر الانضمام إلى جماعة. وبحسب ما قالت راشيل كلاينفيلد من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي؛ فإن «أفكار تفوق العرق الأبيض، وأسلوب الميليشيات، ونظريات المؤامرة تنتشر عبر مواقع الألعاب وقنوات يوتيوب والمدونات؛ إذ تقوم لغة ملتوية من الميمات والعامية والنكات بطمس الخط الفاصل بين اتخاذ الموقف وإثارة العنف، وتطبيع الأيديولوجيات والأنشطة المتطرفة». وقد تبين لتحليل أجرته جامعة شيكاغو على المشاركين في تمرد عام 2021 في مبنى الكابيتول الأمريكي أن هؤلاء المتمردين يميلون إلى أن يكونوا أكبر سنا من متطرفي الستينيات، وأنهم في الغالب يشغلون وظائف ويعرِّفون أنفسهم بوصفهم مسيحيين.
المثير للقلق أيضا في العنف الأخير هو تنامي قبول المجتمع له؛ فقد أصبح لويجي مانجيوني المتهم بقتل برايان طومسون الرئيس التنفيذي لشركة يونايتد هيلث كير «بطلا شعبيا يساريا» بحسب ما قال بروس هوفمان من جامعة جورج تاون؛ إذ تعرض الآن مسرحية «لويجي» الموسيقية، وترفرف أعلام التنظيمات الإرهابية في المظاهرات والاحتجاجات. وقد شجع ترامب «المشاركين في مسيراته على «أن يبرحوا المتظاهرين ضربا»، وأشاد بعضو في البرلمان اعتدى بالضرب على صحفي، ودافع وعفا عن مثيري شغب السادس من يناير 2021 الذين طالبوا بـ«شنق مايك بينس».
الخسارة
تعتقد كلاينفيلد أن المتطرفين اليمينيين متحدون على إيمان بأنهم ـ بوصفهم ذكورا بيضا مسيحيين ـ يخسرون «قوتهم الثقافية ومكانتهم» لصالح جماعات أخرى منها النساء، والأقليات العرقية، والمجتمعات السوداء. وثمة دليل قوي لتأكيد آرائهم؛ إذ أظهر تعداد 2020 أن الولايات المتحدة تشهد تنوعا سكانيا أسرع من المتوقع. ففي عام 1980 كان السكان البيض يشكلون قرابة 80% من الشعب، والسكان السود 11.5% واللاتينيون أو الهسبانيون 6.5%، والأمريكيون الآسيويون 1.8%.
وبحلول عام 2019 تسارع انخفاض نسبة البيض؛ ففقدوا أكثر من عشرين نقطة مئوية عن مستواها قبل عشرين عاما. في المقابل ازدادت نسب السكان ذوي الأصول اللاتينية أو الهسبانية والآسيوية إلى 18.5% ونحو 6% على الترتيب بينما ظلت نسبة السود مستقرة. والأهم من ذلك أن أكثر من 50% من الشباب الذين تقل أعمارهم عن ستة عشر عاما باتوا يعرفون أنفسهم بوصفهم أقلية عرقية أو إثنية.
ومن أهم التغيرات الفعلية التي تحول أمريكا من بلد ذي أغلبية بيضاء إلى بلد ذي أغلبية أقلوية أن هناك نزوعا إلى المغالاة في تقدير نسبة السكان السود أو المنتمين إلى جماعة أقلية عرقية. وقد أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة يوجوف أمريكا على مستوى البلد عام 2022 أن المشاركين البالغين يعتقدون أن 41% من الأمريكيين سود في حين أن النسبة تقترب من 12%. وخلصت نتائج دراسة أكاديمية سيكولوجية عام 2016 حول المواقف العامة في البلاد الغربية إلى أن «التنوع المتزايد في البلد قد يؤدي في الواقع إلى مزيد من العداء بين الجماعات».
يمثل الخوف من الخسارة الاقتصادية أيضا جزءا من تلك العداوة، ومرة أخرى لا تفتقر تلك المخاوف إلى أسس؛ فالتفاوت يتنامى في الولايات المتحدة بمعدل أسرع منه في بلاد أخرى. وثمة فجوة ضخمة في الثروة بين البيض والأقليات العرقية والإثنية (باستثناء الآسيويين) رغم بعض المكاسب للأقليات. ولقد أظهر راج تشيتي من جامعة هارفرد أن الأطفال المولودين لأسر بيضاء منخفضة الدخل لا يتخلفون فقط عن أندادهم البيض ذوي الدخل الأعلى، لكن عن أندادهم السود أيضا. وعدد المتزوجين أقل، والمتخرجين في الجامعات أقل، والمسجونين أكبر، ومتوسط العمر المتوقع لدى الكثيرين أقل منه لدى الأثرياء أو الأفضل تعليما.
غالبا ما ينظر البيض المحرومون إلى العالم في ضوء أنه لعبة لا يفوز فيها غير واحد، فيلومون نجاح المجتمعات الأخرى على شقائهم. وبحسب دراسة لجامعة شيكاغو عن متمردي الكابيتول سنة 2021؛ فإن «الاعتقاد بأن السود والهسبان يتفوقون على البيض يزيد من احتمالات الانخراط في حركة التمرد إلى ثلاثة أمثالها». وهذا أحد أسباب شعبية حملة ترامب الصليبية على ما يعرف بالـ DEI (أي: التنوع والمساواة والاحتواء) وسط قاعدته.
عوامل دورية
لقد درس المؤرخون الكميون (الإحصائيون) العلاقة بين عوامل من قبيل الديموغرافيا والتفاوت وبين الانهيار الاجتماعي. ويضع بيتر تورتشين ـ ولعله أشهر أولئك المؤرخين ـ أهمية كبيرة لما يصفه بإفراط الإنتاج النخبوي في تفكك المجتمعات المتقدمة. وفيما يكافح المزيد والمزيد من الناس من أجل تحسين وضعهم؛ فإنهم يجدون فرصا أقل في القمة؛ فقد حالت الامتيازات الأرستقراطية في فرنسا القديمة دون صعود البرجوازية بينما أدى إفقار النبلاء في روسيا ما قبل الثورة إلى تطرف شخصيات مثل فلاديمير لينين.
في الولايات المتحدة اليوم تبدو هذه الانقسامات الطبقية نفسها فاعلة. وقد بينت دراسة أكاديمية حديثة أن «أبناء عائلات الـ1% العليا لديهم فرص تزيد على الضعف» في الالتحاق بجامعات النخبة مقارنة بأبناء عائلات الطبقة الوسطى من ذوي الدرجات المتقاربة في اختباري SAT/ACT. ووفقا للباحث الفرنسي جابرييل زوكمان؛ فإن «متوسط ثروة الـ 0.0001% العليا من سكان العالم ارتفع بنسبة 7.1% سنويا في الفترة من 1987 إلى 2024 مقارنة بـ3.2% للبالغ العادي».
تبين لزوكمان أيضا أن أغنى أربعمائة أمريكي يدفعون معدل ضريبة فعليا يبلغ إجمالا 23.8% من دخلهم، وهو مماثل لمعدل ما تدفعه الطبقة الوسطى. وقد كافح أبناء الطبقة المتوسطة المولودون عام 1984 لتحقيق حياة أفضل من آبائهم، ولم ينجح سوى 50% منهم، مقارنة بنسبة 90% من المولودين عام 1940.
شهدت أمريكا ذلك من قبل؛ فخلال العصر الذهبي (1876-1900) كان كبار الصناعيين -أو «بارونات السطو»- يتباهون بثرواتهم التي جنوها من احتكار الفتوح التكنولوجية الحديثة - من قبيل السكك الحديدية والصلب والنفط - بما وسّع الفجوة مع الطبقة المتوسطة والفقراء. كحالنا اليوم؛ كان الحزبان الكبيران منقسمين بالتساوي بحيث يستحيل إحداث إصلاحات. وبلغت الهجرة ذروتها، وكذلك العنف والتمييز ضد الوافدين الجدد.
ظهر حزب شعبوي وسط المزارعين والعمال. وتنامى العنف السياسي أيضا، وكتب المؤرخ بيفرلي جيج أن «الجماعات الراديكالية والثورية اليسارية ـ من الأناركيين والنقابيين والجماعات العمالية وأعضاء الاتحادات المتشددين ـ ظهرت بوتيرة ملحوظة». وبلغ هذا الاضطراب ذروته في اغتيال الرئيس وليم ماكينلي على يد ليون تشولجوش الذي كان يعد نفسه أناركيا.
لماذا لم يؤد هذا الاندلاع للعنف إلى ثورة واسعة النطاق؟ يرجع معظم المؤرخين الفضل إلى العصر التقدمي وإصلاحاته العديدة في وقف الانجراف نحو الثورة. جعل ثيودور روزفلت -الذي تولى الرئاسة بعد ماكينلي- الإصلاح محور إدارته. وشهد العصر التقدمي تحسنا في أوضاع العمل وحقوق العمال، وزيادة في تنظيم كبرى الشركات، وسن قوانين لحماية المستهلك، وحفاظا على الموارد الطبيعية. وبحلول عام 1920 كانت النساء قد ظفرت بحق التصويت.
ما من نمط واضح لبدء الثورات
كان إحراق بائع فاكهة نفسه في تونس شرارة أطلقت انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بنظام بن علي ومبارك في تونس ومصر. غير أنه خلال العقد المنصرم منذ ذلك الحين لا يزال الشرق الأوسط يبدو شديد البعد عن الديمقراطية. والثورات لا تقتضي تمردات حاشدة؛ فألمانيا وإيطاليا انزلقتا إلى الفاشية والدكتاتورية عبر تلاعب انتخابي وترهيب سياسي. وانهيار الاتحاد السوفييتي كان سلميا إلى حد كبير، وتسبب فيه اقتصاد راكد، وفشل إصلاحات جورباتشوف، وتفكك الجمهوريات السوفييتية.
والانقلابات هي أرجح سبل بداية الثورات العنيفة. وتتضمن الأمثلة استيلاء البلاشفة على السلطة في أكتوبر 1917 وحرب فرانكو ضد جمهورية أسبانيا الثانية في عام 1936. ويعد النزاع على الانتخابات أحيانا مقدمة لانقلاب، كما حدث في ميانمار عندما استولى الجيش على السلطة بعد خسارته انتخابات عام 2020. ويعتمد نجاح الانقلاب أو فشله على «وجود تعبئة شعبية سلمية». ووفقا لصندوق النقد الدولي حدث تراجع عام في الانقلابات. ومع ذلك فإن كثيرا من العوامل الكامنة التي لا تزال تسهم في الانقلابات موجودة في الولايات المتحدة من قبيل الاستقطاب السياسي، وتنامي الانقسامات الطبقية.
هل يصعب تصور ثورة أمريكية ثانية؟
وفقا لمركز بيو للبحوث؛ «وصلت الثقة في مؤسسات أمتنا أدنى مستوياتها». 22% فقط من البالغين الأمريكيين قالوا: إنهم يثقون في أن الحكومة الفيدرالية تفعل الصواب في أغلب الوقت، وذلك انخفاضا من 77% قبل ستة عقود. ولا يقتصر الأمر على الحكومة الفيدرالية وحدها؛ إذ تشير جالوب إلى أن 36% من الشعب يثقون في الكنائس والأديان النظامية هبوطا من 65% سنة 1973. وخلال الفترة نفسها تقريبا انخفضت الثقة في النظام الطبي من 80% إلى 36%. ويرى أنصار شعار «لنجعل أمريكا عظيمة مجددا» في ترامب منقذا لأمريكا من اختلالها وانحدارها، بل إن بعض معارضيه مفتونون بنشاطه في تحدي الركود السياسي المعتاد. والثورات تبدأ عندما يصبح النظام القديم جزءا من المشكلة.
يعد نشر ترامب غير المسبوق للجيش لمكافحة الجريمة في المدن الأمريكية خطوة تهدد بتقويض موقف الجيش كجهة محايدة سياسيا. وفي الاجتماع العسكري الأخير أخبر ترامب القادة العسكريين بضرورة الاستعداد لمحاربة «العدو الداخلي»، وهي عبارة تنذر بالسوء كما أن لها تاريخا حافلا. فضلا عن ذلك؛ فإن عفو ترامب عن المتظاهرين الذين اقتحموا مبنى الكابيتول يوجه رسالة خطيرة؛ لأنه يجيز فعليا محاولة انقلاب. وعدم تجاهل علامات التحذير هو الخطوة الأولى لمنع الانقلابات والثورات.