ترميم الفكر والروح.. الفرد والمجتمع

 

 

لينا الموسوي

كلمات جميلة عميقة المعاني واسعة المفاهيم ذات أبعاد متنوعة قرأتها لأحد المعماريين العرب وهو يتحدث عن ترميم الأبنية والآثار وكيفية إعادة صياغتها بجمالية تتناسب مع الحضارة والقيمة التي كانت تحملها في الماضي.

قد يعتقد القارئ لكوني مهندسة معمارية مهتمة بشؤون العمارة والبنيان، أنني سأتحدث في هذا المقال عن الترميم العمراني وأهميته في الحفاظ على التراث ونقل الحضارات.

لكنني في الحقيقة أحببت أن أتحدث عن نوع آخر من الترميم الذي له أبعاد اجتماعية مهمة، والتي بدورها لها أثر في إظهار القيمة الحقيقية لكل ما هو قديم وقيّم، ألا وهو ترميم فكر وذاكرة الفرد الذي يُعتبر أساس تكوين الحضارات والحفاظ على قيمتها.

الترميم الذي يجمع ما بين المادي والمعنوي هو في الحقيقة يعني إعادة الشيء التالف إلى حالته الأصلية أو تجديده. حيث إن ترميم الشيء يعني إصلاحه، وترميم المباني الأثرية يعني إعادة شكلها الجمالي وإظهار قيمتها الفنية لاستعادة هويتها التاريخية.

أما ترميم الفكر وذاكرة العقل والروح فهو يُعتبر ترميمًا ذاتيًا شخصيًا يخص الفرد، وآثاره تنعكس بدورها على محيطه.

لأن في اعتقادي أن فكر ونفس الفرد ما هي إلا عبارة عن مجموعة من خلاصة تجارب حياتية وترسبات نفسية مختلفة تكونت وترسخت على شكل مفاهيم نشأت وتربت في عقله وفكره خلال مراحله العمرية المختلفة، فتحولت بدورها إلى معتقدات وقوانين أسرية تُفرض على أفراد الأسرة وتن عكس بدورها على المجتمع.

كيف نبدأ ترميم الفكر والروح؟ وهنا نتساءل عن كيفية إعادة ترميم فكر وروح الفرد؟ ومن أين يبدأ؟

في هذه الظروف الحياتية المليئة بالحروب والصراعات والهيمنة التكنولوجية العالمية، حيث اختلطت معظم المفاهيم الاجتماعية والثقافية وأخذت المجتمعات تدريجياً بفقدان الهوية الذاتية لتصبح بدورها وحدة واحدة تُحرك كلعبة بأيادٍ فردية تؤثر بدورها على الخصائص الاجتماعية في مختلف الثقافات العالمية.

ففي اعتقادي أن الترميم يبدأ من الإدراك وحب التغيير. وهذا يحدث عندما يقرر الفرد إعادة برمجة أولوياته الشخصية وتنظيم فكره وعقله بحُرية؛ بما يتناسب مع ذاته، والوصول إلى مرحلة التخلي والسلام الداخلي ومحاولة تفهم وتقبل ما يحيط به.

وذلك يكون في التحدث المستمر مع الذات عن أهمية التركيز على كل ما هو إيجابي وجميل في داخله أو من حوله، وتطويره وإظهاره، والتعلم المستمر لكل ما هو جديد يطور منه ومن ذاته ويساعده على الحركة والإظهار داخل منظومة الحياة المتجددة.

ويجب التخلي عن كل ما هو مؤلم وتالف ونسيانه، واليقين بأن عجلة الحياة في تغيّر سريع ومستمر، وما هو إلا جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة السريعة. وإن لم يساعد عقله وروحه على إصلاح وترميم ما أتلفته مشاكل الحياة وتلميع الآثار القيّمة الجميلة وإظهارها، سوف تتلف وتبلى ولن يتذكرها أحد.

وما عليه إلّا أن يتذكر دائمًا بأن الفرد هو أساس الحضارة وأن اختلاف الحضارة باختلاف أقوامها، وأن ترميم أفكارهم ونفوسهم تنعكس كمرآة إلى الخارج. وأنه مهما تقدمت التكنولوجيا وتوحدت أساليب العلم والحياة، لا بُد وأن يبقى لكل قوم حضارتهم وبصماتهم التي تُطبع في الأرض. وإن تغيرت الوسيلة، يبقى الإنسان هو الإنسان والحياة تستمر.

فلنساعد أنفسنا ونرمم كل ما هو مشروخ ومؤلم في عقولنا ونفوسنا، والذي ينعكس بدوره على أولادنا وكل المحيطين من حولنا، ولنتيقن بأن داخل كل فرد جواهر قيّمة إن صُقلت تلمع فتُنير حياتنا وحياة من حولنا.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية