جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-27@17:10:21 GMT

أوقفوا غلاء المهور

تاريخ النشر: 27th, October 2025 GMT

أوقفوا غلاء المهور

 

 

 

جابر حسين العُماني **

jaber.alomani14@gmail.com

 

 

أثناء زيارتي الأخيرة إلى مملكة البحرين، جمعتني جلسة حوارية مع عدد من المهتمين بالشأن الاجتماعي، وكان محور النقاش يدور حول قضية غلاء المهور في المجتمعات الخليجية، ولكن فاجئني ما ذكره بعضهم من أن مهر المرأة في مملكة البحرين الشقيقة، لا يتجاوز عند الأغلب ما بين 2000 إلى 3000 ريال عُماني فقط لا غير.

هناك من الأهالي في مملكة البحرين يقدرون عاليا الظروف الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة، ويدركون جيدا أن ارتفاع المهور قد تثقل كاهل الزوج، وتؤثر سلبا على استقرار الحياة الزوجية فلا يطلبون لإتمام مشروع الزواج أكثر من الحاجة المطلوبة.

أما في بعض مجتمعاتنا الخليجية مع الأسف، يجبر الشاب المقبل على الزواج حتى وإن كان فقيرا معدما لدفع مهر باهظ الثمن إلى جانب تغطية تكاليف حفل الزفاف، والتي منها استئجار القاعة الواسعة، وإعداد الوليمة الفاخرة وتوفير هدايا العروس وغيرها، بهدف المباهاة وإرضاء الناس ومجاراة العادات السائدة في المجتمع، وبالتالي يضطر الكثير من الشباب المقبلين على الزواج إلى الاقتراض من البنوك، مما يوقعهم بعد الزواج في دوامة الديون المتراكمة، فتراهم يعيشون بعد حفلة الزفاف مع زوجاتهم تحت عبء وثقل الديون، وينتهي بهم الحال في كثير من الأحيان إلى استجداء المساعدة من الناس والجمعيات الخيرية، أو مواجهة السجن إن عجزوا عن السداد.

إن من أهم الواجبات الاجتماعية التي ينبغي أن يتحملها الجميع هو العمل الجاد والمخلص لمواجهة ظاهرة غلاء المهور، لما لها من آثار سلبية على المجتمع وأفراده.

ويتطلب التصدي لهذه الظاهرة بذل جهود كبيرة، ومن أبرزها وأهمها: توعية المجتمع أن فكرة غلاء المهور تتعارض مع التعاليم الإسلامية المقدسة، والإسلام الحنيف ينهى عن المبالغة فيها، ويدعو الناس إلى التيسير والتخفيف، والاسراع في عملية الزواج وعدم تأخيره أو تعقيده.

إن غلاء المهور يؤدي إلى ظهور العديد من الأزمات والتعقيدات الاجتماعية والاقتصادية داخل الأسرة والمجتمع، الأمر الذي يستدعي تضافر الجهود لمعالجة ظاهرة المبالغة في ارتفاع المهور لما لها من آثار سلبية، والتي من أهمها تأخر الزواج وانتشار العلاقات المحرمة، وعليه ينبغي العمل بجد وإخلاص لما يلي:

• أولًا: رفع مستوى الوعي الاجتماعي والأسري؛ ويأتي ذلك من خلال استغلال وسائل الإعلام عبر انتاج البرامج التلفزيونية والإذاعية التي تسلط الضوء على أهمية الزواج وفضائله، وما هي الآثار السلبية من ارتفاع المهور على الفرد والمجتمع، والتي من لوازمها انتشار الجريمة بكل أشكالها وتكاثر الأمراض.

• ثانيًا: التثقيف الديني؛ ويأتي ذلك من خلال استضافة العلماء الأفاضل في المساجد والجوامع والقاعات الثقافية والنوادي، وتعريف الناس بأقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام وأصحابه الأجلاء حول أهمية الزواج وشؤم غلاء مهر المرأة، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فَأَمَّا اَلْمَرْأَةُ فَشُومُهَا غَلاَءُ مَهْرِهَا" وقال "خَيرُ الصَّداقِ أيسَرُهُ" وهي مفاهيم يجب تعريفها للمجتمع حتى يتمكن من طمس ظاهرة غلاء المهور التي باتت تؤرق الشباب المقبلين على الزواج المقدس.

• ثالثًا: استثمار المدارس والجامعات في عقد اللقاءات التوعوية والحوارات البناءة، واقامة الورش الشبابية والاستفادة من خبرات التربويين من أهل التخصص في علم الأسرة، والتركيز على أهمية كيفية تسهيل الزواج وعدم المبالغة في غلاء المهور.

• رابعًا: إطلاق مبادرات اجتماعية مثل: "الزواج الجماعي" لتسهيل عملية الزواج على الشباب، والحد من التكاليف والجهد والإسراف وغيرها، ويأتي ذلك بدعم الجهات الحكومية والأهلية والجمعيات الخيرية التي ينبغي أن تكون مساندة للشباب في بناء أسر مستقرة ومطمئنة تسهم في خدمة البلاد والعباد.

وتشير الإحصائيات التي أعلنت في بعض مجتمعاتنا الخليجية إلى أن تأخر سن الزواج بات ظاهرة اجتماعية في الآونة الأخيرة، وذلك نتيجة لعدة أسباب باتت تؤرق المجتمع وأفراده، من أبرزها قلة فرص العمل التي جعلت كثيرا من الشباب عاجزين عن الإقبال على مشروع الزواج أو توفير السكن المناسب لهم فضلا عن ارتفاع المهور.

أخيرًا.. تقع على عاتق الجميع مسؤولية عظيمة وهي: الحفاظ على طاقات الشباب في المجتمع من الضياع والفساد، فنحن نعيش في زمن انتشر فيه الفساد كالنار في الهشيم، لذا ينبغي العمل على حماية الشباب من شياطين الجن والأنس، وأفضل ما ينبغي حفظهم به هو تيسير زواجهم واستقرارهم في الحياة.

** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

لقمة صمود.. مبادرة إنسانية تُطعم جوعى غزة وتخفف عنهم آثار الحرب

النصيرات – لم يكن نسيم الزيناتي الموظف الجامعي الهادئ في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية في غزة، يتخيّل أن مهاراته في الإدارة التكنولوجية والريادة ستتحوّل يومًا إلى سلاح لمواجهة الجوع والموت؛ فالرجل الذي حصد جوائز دولية في مجالات الابتكار والاستدامة، وتوّج مؤخرا بلقب "بطل الاستدامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، وجد نفسه وسط حرب لا تعرف الرحمة، يقود مبادرات إنسانية بجهد شخصي لنجدة آلاف العائلات المنكوبة.

كان الزيناتي طوال سنوات ما قبل الحرب أحد الداعمين للشباب في مشاريع الريادة والتنمية، وساهم في تأسيس شبكة الشباب العربي للتنمية المستدامة، ناشرًا الوعي حول أهداف التنمية وربطها بالمبادرات المجتمعية، لكن حرب الإبادة الأخيرة غيّرت كل شيء.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أبرز الصور في أسبوع.. معاناة غزة مستمرة رغم وقف الحربlist 2 of 2إسطنبول تستضيف القمة الإنسانية الدولية من أجل غزة في نوفمبر المقبلend of list

يقول الزيناتي للجزيرة نت "لم أتخيّل يومًا أن أكون أنا نفسي في قلب تجربة إنسانية بهذا الحجم، كنت أدعم مبادرات الشباب، فإذا بي أبدأ مبادرتي الخاصة حين رأيت الجوع يزحف على وجوه الناس والبيوت المهدمة تبتلع أحلامهم".

في الأيام الأولى للحرب، لم يكن أمامه سوى دافع داخلي صادق، وشعور بالعجز لا يحتمل، حيث بدأ بخطوات بسيطة، يجمع ما تيسّر من المواد الغذائية والمياه، ويُعد الطعام في بيته المتواضع للنازحين الذين احتموا به.

لم يكن هناك دعم مؤسسي ولا إطار تنظيمي، فقط إنسان يحمل في قلبه همّ الناس، ومع الوقت كبر الجهد الفردي واتّسع، وانضم إليه زملاء وأصدقاء حتى تحوّل العمل إلى مبادرة أكثر تنظيمًا حملت اسمًا دافئا وسط البرد والجوع "لقمة صمود".

"لقمة صمود"

في قلب المجاعة التي خنقت قطاع غزة ولا سيما شماله، كانت مبادرة "لقمة صمود" بمثابة شريان حياة لعائلاتٍ بلا مطابخ ولا وقود ولا طعام، اعتمدت على إعداد وجبات بسيطة -غالبها من الأرز والخضار- وتوزيعها على الأسر في الخيام والمناطق المدمّرة.

إعلان

يروي الزيناتي "كنا نعمل كخلية نحل، لا ننام إلا بعد أن نطعم المئات، لا أستطيع أن أحدد عدد المستفيدين بدقة، لكن في كل يوم كنا نصل إلى نحو مئتي أسرة أو أكثر حسب ما يتوفر من المساهمات".

يتابع "كنت أرى أن دوري لا يتوقف عند توزيع المساعدات، بل في نقل صوت الناس إلى العالم، وإظهار وجوههم المرهقة التي لم تعد تملك حتى حق البكاء؛ طريق الإغاثة في غزة محفوف بالمخاطر، فالحصار الإسرائيلي والدمار الواسع جعلا الوصول إلى المواد الأساسية معركة يومية، حيث كنا نواجه صعوبة هائلة في توفير الطحين (الدقيق) والعدس والوقود، وفي بعض الأيام كنا نطهو الطعام على الحطب، الحصار جعل كل شيء مستحيلاً من نقل المواد إلى تأمين المياه النظيفة".

يحكي الزيناتي أحد المواقف التي لا تغيب عن ذاكرته "قابلت سيدة انفجرت بالبكاء عندما أعطيناها ربطة خبز، قالت وهي تمسكها بيديها المرتجفتين: هذه لي؟ والله أغلى من الذهب، منذ أسبوعين لم تدخل فمي كسرة خبز"، كان ذلك المشهد كافيًا ليُدرك أن الخبز في زمن الحرب ليس طعامًا، بل كرامة محفوظة في كفّ إنسان آخر.

لم تكن التحديات لوجستية فقط، بل قاسية إلى حد الفقد الشخصي خلال الحرب، بعد أن استهدفت قوات الاحتلال منزل الزيناتي، وأصيب هو بجراح، واستُشهد ابنه، ومع ذلك واصل العمل كما لو أن الفقد لم يزده إلا إصرارًا.

كان يستمدّ قوته من مشاهد البسطاء الذين صمدوا رغم الجوع، ومن تفاعل الناس داخل غزة وخارجها الذين قدّموا ما يستطيعون، ولو كان قليلاً، معبرا عن ذلك بقوله "في كل ابتسامة شكر كنت أشعر أن جهدي لم يذهب سدى، وأن العالم ما زال فيه أناس يسمعون نداء غزة".

الشباب والأمل

يرى الزيناتي أن الشباب هم الوقود الحقيقي للعمل الإنساني في قطاع غزة، وأن طاقاتهم قادرة على تحويل الألم إلى فعل، ويقول "الشباب هم من يصنعون الفارق، لا ينتظرون أحدًا، بل يبتكرون الحلول رغم الحصار؛ دورهم في الأزمات لا يقل أهمية عن أي منظمة دولية"، وهو يدعوهم دائمًا إلى أن يبدؤوا بخطوات صغيرة، لأن العمل الإنساني لا يحتاج إلا إلى نية صادقة وجرأة في الفعل.

اليوم، وبعد عامين من الحرب، يواصل نسيم الزيناتي جهوده الإغاثية في المبادرات، ويسعى إلى بناء نماذج مستدامة تضمن التعافي الحقيقي لا المؤقت، كما يطمح إلى إطلاق مشاريع تركز على تمكين الشباب اقتصاديا، ودعم التعليم في مناطق النزوح، وتوفير مساحات عمل آمنة للطلبة الجامعيين، لأنه يؤمن أن الاكتفاء الذاتي هو الطريق الوحيد لبقاء غزة واقفة على قدميها.

يوجّه الزيناتي رسالة إلى العالم، تبدو كصرخة صادقة من قلب الركام "كفوا عن النظر إلى غزة كخبر أو رقم في نشرة المساء. هنا يعيش بشر لهم أسماء وأحلام وأطفال ينتظرون الحليب والماء. نحن بحاجة إلى دعم عاجل ومفتوح، ورفع الحصار فورًا، لأن العالم إذا صمت اليوم، سيُذكر غدًا كشريكٍ في الجريمة".

ويختم حديثه بكلماتٍ تشبه وصية الميدان "تجربتي علمتني أن كل جهد إنساني مهما كان صغيرا يمكن أن يُحدث فرقا. لا شيء أعظم من إنقاذ حياة أو حفظ كرامة إنسان. نحن في غزة لا نملك ترف اليأس، بل نعيش على الأمل، ونؤمن أن الخبز الذي نمنحه للآخرين هو الذي يُبقينا أحياء".

إعلان

مقالات مشابهة

  • لقمة صمود.. مبادرة إنسانية تُطعم جوعى غزة وتخفف عنهم آثار الحرب
  • كريمة أبو العينين تكتب: هتخلفي يعنى هتخلفي!!
  • «مودة»: نؤهل الشباب من 18 لـ 25 عاما لبناء أسرة مستقرة
  • مودة: نؤهل الشباب من 18 إلى 25 عامًا لبناء أسر مستقرة قائمة على الاحترام والمسؤولية
  • "التضامن": برنامج "مودة" يساعد الشباب على مواجهة مشكلات الزواج دون الانفصال
  • «زوجِك كيوت أو لا»؟
  • مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ.. موضوع خطبة الجمعة القادمة
  • الأوقاف تعقيبا على واقعة السويس: توقير الكبير مروءة ورجولة وأخلاق رفيعة
  • شريف مدكور: 90% من الناس مش مناسبين للزواج