النصيرات – لم يكن نسيم الزيناتي الموظف الجامعي الهادئ في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية في غزة، يتخيّل أن مهاراته في الإدارة التكنولوجية والريادة ستتحوّل يومًا إلى سلاح لمواجهة الجوع والموت؛ فالرجل الذي حصد جوائز دولية في مجالات الابتكار والاستدامة، وتوّج مؤخرا بلقب "بطل الاستدامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، وجد نفسه وسط حرب لا تعرف الرحمة، يقود مبادرات إنسانية بجهد شخصي لنجدة آلاف العائلات المنكوبة.

كان الزيناتي طوال سنوات ما قبل الحرب أحد الداعمين للشباب في مشاريع الريادة والتنمية، وساهم في تأسيس شبكة الشباب العربي للتنمية المستدامة، ناشرًا الوعي حول أهداف التنمية وربطها بالمبادرات المجتمعية، لكن حرب الإبادة الأخيرة غيّرت كل شيء.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أبرز الصور في أسبوع.. معاناة غزة مستمرة رغم وقف الحربlist 2 of 2إسطنبول تستضيف القمة الإنسانية الدولية من أجل غزة في نوفمبر المقبلend of list

يقول الزيناتي للجزيرة نت "لم أتخيّل يومًا أن أكون أنا نفسي في قلب تجربة إنسانية بهذا الحجم، كنت أدعم مبادرات الشباب، فإذا بي أبدأ مبادرتي الخاصة حين رأيت الجوع يزحف على وجوه الناس والبيوت المهدمة تبتلع أحلامهم".

في الأيام الأولى للحرب، لم يكن أمامه سوى دافع داخلي صادق، وشعور بالعجز لا يحتمل، حيث بدأ بخطوات بسيطة، يجمع ما تيسّر من المواد الغذائية والمياه، ويُعد الطعام في بيته المتواضع للنازحين الذين احتموا به.

لم يكن هناك دعم مؤسسي ولا إطار تنظيمي، فقط إنسان يحمل في قلبه همّ الناس، ومع الوقت كبر الجهد الفردي واتّسع، وانضم إليه زملاء وأصدقاء حتى تحوّل العمل إلى مبادرة أكثر تنظيمًا حملت اسمًا دافئا وسط البرد والجوع "لقمة صمود".

"لقمة صمود"

في قلب المجاعة التي خنقت قطاع غزة ولا سيما شماله، كانت مبادرة "لقمة صمود" بمثابة شريان حياة لعائلاتٍ بلا مطابخ ولا وقود ولا طعام، اعتمدت على إعداد وجبات بسيطة -غالبها من الأرز والخضار- وتوزيعها على الأسر في الخيام والمناطق المدمّرة.

إعلان

يروي الزيناتي "كنا نعمل كخلية نحل، لا ننام إلا بعد أن نطعم المئات، لا أستطيع أن أحدد عدد المستفيدين بدقة، لكن في كل يوم كنا نصل إلى نحو مئتي أسرة أو أكثر حسب ما يتوفر من المساهمات".

يتابع "كنت أرى أن دوري لا يتوقف عند توزيع المساعدات، بل في نقل صوت الناس إلى العالم، وإظهار وجوههم المرهقة التي لم تعد تملك حتى حق البكاء؛ طريق الإغاثة في غزة محفوف بالمخاطر، فالحصار الإسرائيلي والدمار الواسع جعلا الوصول إلى المواد الأساسية معركة يومية، حيث كنا نواجه صعوبة هائلة في توفير الطحين (الدقيق) والعدس والوقود، وفي بعض الأيام كنا نطهو الطعام على الحطب، الحصار جعل كل شيء مستحيلاً من نقل المواد إلى تأمين المياه النظيفة".

يحكي الزيناتي أحد المواقف التي لا تغيب عن ذاكرته "قابلت سيدة انفجرت بالبكاء عندما أعطيناها ربطة خبز، قالت وهي تمسكها بيديها المرتجفتين: هذه لي؟ والله أغلى من الذهب، منذ أسبوعين لم تدخل فمي كسرة خبز"، كان ذلك المشهد كافيًا ليُدرك أن الخبز في زمن الحرب ليس طعامًا، بل كرامة محفوظة في كفّ إنسان آخر.

لم تكن التحديات لوجستية فقط، بل قاسية إلى حد الفقد الشخصي خلال الحرب، بعد أن استهدفت قوات الاحتلال منزل الزيناتي، وأصيب هو بجراح، واستُشهد ابنه، ومع ذلك واصل العمل كما لو أن الفقد لم يزده إلا إصرارًا.

كان يستمدّ قوته من مشاهد البسطاء الذين صمدوا رغم الجوع، ومن تفاعل الناس داخل غزة وخارجها الذين قدّموا ما يستطيعون، ولو كان قليلاً، معبرا عن ذلك بقوله "في كل ابتسامة شكر كنت أشعر أن جهدي لم يذهب سدى، وأن العالم ما زال فيه أناس يسمعون نداء غزة".

الشباب والأمل

يرى الزيناتي أن الشباب هم الوقود الحقيقي للعمل الإنساني في قطاع غزة، وأن طاقاتهم قادرة على تحويل الألم إلى فعل، ويقول "الشباب هم من يصنعون الفارق، لا ينتظرون أحدًا، بل يبتكرون الحلول رغم الحصار؛ دورهم في الأزمات لا يقل أهمية عن أي منظمة دولية"، وهو يدعوهم دائمًا إلى أن يبدؤوا بخطوات صغيرة، لأن العمل الإنساني لا يحتاج إلا إلى نية صادقة وجرأة في الفعل.

اليوم، وبعد عامين من الحرب، يواصل نسيم الزيناتي جهوده الإغاثية في المبادرات، ويسعى إلى بناء نماذج مستدامة تضمن التعافي الحقيقي لا المؤقت، كما يطمح إلى إطلاق مشاريع تركز على تمكين الشباب اقتصاديا، ودعم التعليم في مناطق النزوح، وتوفير مساحات عمل آمنة للطلبة الجامعيين، لأنه يؤمن أن الاكتفاء الذاتي هو الطريق الوحيد لبقاء غزة واقفة على قدميها.

يوجّه الزيناتي رسالة إلى العالم، تبدو كصرخة صادقة من قلب الركام "كفوا عن النظر إلى غزة كخبر أو رقم في نشرة المساء. هنا يعيش بشر لهم أسماء وأحلام وأطفال ينتظرون الحليب والماء. نحن بحاجة إلى دعم عاجل ومفتوح، ورفع الحصار فورًا، لأن العالم إذا صمت اليوم، سيُذكر غدًا كشريكٍ في الجريمة".

ويختم حديثه بكلماتٍ تشبه وصية الميدان "تجربتي علمتني أن كل جهد إنساني مهما كان صغيرا يمكن أن يُحدث فرقا. لا شيء أعظم من إنقاذ حياة أو حفظ كرامة إنسان. نحن في غزة لا نملك ترف اليأس، بل نعيش على الأمل، ونؤمن أن الخبز الذي نمنحه للآخرين هو الذي يُبقينا أحياء".

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات

إقرأ أيضاً:

الدقهلية: تنفيذ مبادرة دعم الشباب لإقامة المشروعات وتشجيع العمل الحر للحد من البطالة

كلف اللواء طارق مرزوق، محافظ الدقهلية، بعقد سلسلة من الندوات التوعوية الهادفة إلى تشجيع الشباب على إقامة المشروعات والعمل الحر، للحد من البطالة وتوفير حياة كريمة للمواطنين.

وعقدت  ندوة موسعة بقاعة الشهيد إبراهيم الرفاعي بديوان عام رئاسة مركز ومدينة بلقاس، تحت إشراف المحاسب غادة الحمادي، رئيس المركز والمدينة، بعنوان “دعم الشباب لإقامة المشروعات وطرق التمويل وتشجيعهم على العمل الحر للحد من البطالة والهجرة”.

حضر الندوة ممثلو المحافظة وعدد من القيادات التنفيذية، من بينهم المحاسب وليد عبد العزيز، مدير عام إدارة “مشروعك” بمحافظة الدقهلية، والدكتورة نرمين فهمي، مدير إدارة بناء وتنمية القرية، وإدارة شباب الخريجين بالمحافظة، والأستاذ محمد عبد الوهاب، مدير إدارة “مشروعك” بمركز المنصورة، إلى جانب ممثلي البنوك المشاركة في تمويل المشروعات، وهم البنك الأهلي المصري، وبنك مصر، وبنك الإسكندرية – فروع بلقاس.

كما شارك في الندوة عدد من الشباب والعاملين برئاسة مركز ومدينة بلقاس، وممثلو الإدارات المختلفة منها: الإدارة الصحية، الشؤون الاجتماعية، الشباب والرياضة، والوحدات المحلية القروية.

محافظ الدقهلية يتابع حملة مشتركة للكشف عن تعاطي المواد المخدرة والمخالفات بطريق أجا/ميت غمرأعلنوا عن أنفسهم على الإنترنت.. القبض على شخصين وسيدة يمارسون الرذيلة والفجور بالدقهليةصدمته سيارة مسرعة.. مصرع طفل في إحدى قرى الدقهليةالدقهلية: تحصين 17348 رأس ماشية في الحملة القومية الثالثة للتحصين ضد مرض الحمى القلاعية والوادي

 حيث تناولت الندوة آليات وطرق تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وسبل تنويعها لتتناسب مع احتياجات السوق المحلي وتوفير فرص عمل جديدة، إلى جانب مناقشة تيسير الإجراءات للحصول على القروض والمساعدة في تسويق المنتجات، بما يضمن تحقيق الجدوى الاقتصادية للمشروعات وتشجيع العمل الحر كوسيلة فعالة للحد من البطالة والهجرة.

وأكد الحضور أن هذه الندوات تأتي في إطار تنفيذ توجيهات محافظ الدقهلية بدعم وتمكين الشباب وفتح آفاق جديدة أمامهم نحو مستقبل أفضل، تحقيقًا لأهداف المبادرة الرئاسية في “حياة جديدة لبناء الإنسان”.

طباعة شارك الدقهلية مبادرة محافظ مشروعات

مقالات مشابهة

  • آثار باليستي إيران في إسرائيل شاخصة بعد 4 أشهر على الحرب
  • الدقهلية: تنفيذ مبادرة دعم الشباب لإقامة المشروعات وتشجيع العمل الحر للحد من البطالة
  • قال إن العالم يراقب .. مسعد بولس: على الدعم السريع فتح ممرات إنسانية و حماية المدنيين بالفاشر
  • شيخ الأزهر: صمود الضَّمير الإنساني في وجه المجازر هو الأمل الأخير للبشريَّة
  • "طلبات" تُحوِّل "شهر الأبطال" إلى مبادرة شبابية للعطاء
  • "مشروعك".. مبادرة وطنية لتمكين الشباب ودعم المشروعات الصغيرة بالشرقية
  • وكيل حقوق النواب: وطن السلام رسالة إنسانية خالدة من مصر إلى العالم
  • الأمم المتحدة تحذر: آثار حرب غزة ستستمر لأجيال بسبب الدمار ونقص الغذاء والخدمات
  • قيادي في «صمود» ينتقد غموض الحكومة السودانية بشأن مفاوضات واشنطون