شهدت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، واحدة من أعنف الهجمات منذ اندلاع الحرب في السودان، حيث تمكنت قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) من السيطرة على المدينة بعد حصار طويل ومعارك دامية استمرت قرابة العامين وبعد فشل 270 هجوما تمكنت قوات التمرد من اقتحام المدينة والسيطرة عليها وارتكاب أبشع أنواع جرائم القتل والذبح والحرق ضد المدنيين في مشهد وحشي أصاب الشارعين العربي والإسلامي بالذهول والصدمة.

الغريب أن مشاهد القتل المروعة نقلتها هواتف قوات التمرد وهم يتفاخرون بسحق أبناء جلدتهم من الشعب السوداني وكأنهم يستدعون أحد مشاهد التتار والمغول من التاريخ وكان مشهد قتل أكثر من 500 مريض ومصاب داخل المستشفيات وذبح أحد الرجال احتفالا بالنصر وقتل النساء والأطفال والرجال العزل يظهر ثقة مطلقة من قيادات وأفراد الدعم السريع بأنهم لن يُلاحقوا جنائيا أو دوليا لأن هناك مظلة دولية ساندت وتساند التمرد على الدولة السودانية.

أسرار الهجوم تفاصيل الهجوم والسيطرة على المدينة

بدأ الهجوم النهائي على الفاشر بعد أشهر من الحصار الذي فرضته قوات الدعم السريع، حيث اعتمدت القوات المهاجمة على قصف مدفعي مكثف وضربات بطائرات مسيّرة استهدفت مواقع داخل المدينة ومحيطها، بما في ذلك أحياء سكنية ومخيمات للنازحين.

تؤكد شهادات السكان والناجين أن قوات الدعم السريع نفذت عمليات اقتحام منزلية وإعدامات ميدانية بحق المدنيين، كما دمرت منشآت حكومية ومستودعات طبية، في مشهد يوصف بأنه الأعنف منذ بداية الحرب.

وهو ما وثّقته منظمات دولية ومحلية قائلة إن قوات التمرد ارتكبت جرائم واسعة النطاق شملت إعدامات ميدانية واعتداءات على النساء واختطاف الأطفال.

كما استهدفت الميليشيات المستشفيات ومراكز الإيواء بالقصف المباشر، وسُجلت حالات قتل لمرضى داخل المستشفيات ومنع الطواقم الطبية من أداء مهامها.

وتصف الأمم المتحدة هذه الأفعال بأنها قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

الأسلحة والتقنيات والمرتزقة

اعتمدت قوات الدعم السريع في هجومها على أسلحة متطورة شملت طائرات مسيّرة هجومية مزودة بذخائر دقيقة، ومدفعية ميدانية وصواريخ قصيرة المدى.

وتشير تقارير أمنية إلى أن طواقم أجنبية شاركت في تشغيل هذه الطائرات وتقديم الدعم التقني، فيما تم رصد مرتزقة من دول إفريقية وإقليمية شاركوا في القتال إلى جانب الدعم السريع.

وتؤكد التقارير أن الطائرات المسيّرة والتقنيات الحديثة وصلت إلى أيدي المتمردين من خلال شبكه إقليمية ودولية معقدة، حيث نقلت الأسلحة من الدول المصدرة إلى دول إقليمية والتي قامت بنقلها إلى دول الجوار السوداني ومن ثم تم تسليمها إلى قوات التمرد التي فاجأت الجيش السوداني بكل هذه الأسلحة المتقدمه وطرق استخدمها.

كواليس 48 ساعة قبل الهجوم على الفاشر

من جانبه، أكد مسؤول سوداني رفيع المستوى لـ «الأسبوع»، أن الأسلحة الحديثة المستخدمة كانت تتحرك بواسطة خبراء دوليين من المرتزقة، كما أن جهات دولية استخبارية نجحت في التشويش على اتصالات الجيش قبل وأثناء الهجوم وتم قطع جميع الاتصالات بين قيادة الجيش وقواته داخل مدينة الفاشر وهو ما أحدث المفاجأة للقوات العسكرية التي تم حصارها داخل المدينة لقرابة عامين كاملين.

وكشف المصدر، عن استخدام الميلشيا لغاز الأعصاب ضد وحدات الجيش بالمدينة مما أجبرها على الانسحاب الفورى قبل الهلاك وقال المصدر لدينا معلومات مؤكدة حول مشاركة القوات الدولية المتواجدة في ليبيا في عمليات التشويش الراداري وقطع الاتصالات وهي العمليات التي كان لها الدور الرئيسي في نجاح قوات التمرد في السيطرة على المدينة.

وأضاف المصدر أن مجموعات كبيرة من المرتزقة من دول الجوار شاركت بشكل موسع في الهجوم على مدينة الفاشر من كافة الاتجاهات وهذه المجموعات والأسلحة تم نقلها عبر جسر جوي من قواعد عسكرية في دول الجوار قبل 48 ساعة من هجوم قوات التمرد على مدينة الفاشر.

ردود الفعل الدولية

وللمرة الأولى ينتبه العالم لجرائم الدعم السريع رغم استمرارها لأكثر من عامين، حيث أدان الأمين العام للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الهجوم على الفاشر وطالبوا بتحقيق دولي مستقل حول الانتهاكات.

كما أدانت منظمة الصحة العالمية استهداف المرافق الصحية واعتبرت ما حدث انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.

وطالب عدد من الدول الغربية والعربية بوقف فوري لإطلاق النار، بينما اقترحت أطراف إقليمية وساطات عاجلة لإنقاذ المدنيين وفتح ممرات إنسانية لتوصيل الاغاثات العاجلة للمحاصرين داخل المدينة وإخلاء المرضى والمصابين والسماح بخروج آمن للمدنيين، كما نادت بعض الأصوات الدولية لضرورة محاكمة قادة الميليشيا على الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها.

وفي محاولة لوقف طوفان الإدانات الدولية، أعلن عبد الرحيم دقلو القائد الثاني لميليشيا الدعم السريع عن عدة قرارات تضمن ملاحقة مرتكبي الجرائم، إضافة إلى إعلان القبض على المجرم الدولي بالميليشيا أبو لولو الذي صور قيامه بعمليات قتل وذبح لـ 900 مدني سوداني وزعمت الميليشيا بأنها اعتقلت المجرم الجمعة الماضية بالرغم من استمرار ارتكابه للجرائم طوال العامين الماضيين.

مطالب باعتبار الدعم منظمة إرهابية

وسائل إعلام أمريكية وأجنبية مثل رويترز نقلت أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة يطالبون الإدارة الأمريكية باتخاذ موقف حازم ضد الدعم السريع، واصفين الهجوم على الفاشر بأنه “مجزرة مخطَّط لها” وأن على الولايات المتحدة إعلان الدعم السريع منظمة إرهابية أجنبيّة.

في الولايات المتحدة، دعا السناتور الجمهوري جيم ريش رئيس لجنة العلاقات الخارجية إلى تصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية أجنبية، متهماً إياها بتنفيذ أهوال دارفور في الفاشر كجزء من خطة ممنهجة ترتكب فيها جرائم وإبادة ضد المدنيين.

وكانت الصحف الأمريكية قد وصفت سقوط الفاشر بأنه نهاية استراتيجية لحصار طويل، وأن الدعم السريع انتهج تكتيكات تدميرية من الحصار والجوع إلى القصف والطائرات المسيرة، مما يعكس تحوّلاً نحو استثمار الحرب الشاملة بدل المواجهة المباشرة فقط.

ومن جهة أخرى، يتوالى ظهور دلائل على مشاركه بريطانية بالسلاح والاستخبارات مع قوات الدعم السريع ليس فقط من خلال رصد الجيش السوداني لهذه الدلائل ولكن هذا أيضا بدأ يتسرب إلى الصحف البريطانية نفسها، حيث نشرت صحيفة الجارديان البريطانية تقريرا استقصائيا حول كيفية ظهور أسلحة ومعدّات بريطانية الصنع في مناطق القتال التي يسيطر عليها الدعم السريع، بما في ذلك أنظمة استهداف صغيرة ومحركات منصات مدرعة استخدمت في القتال ضد الجيش السوداني، التقرير أثار تساؤلات حول دور الحكومة البريطانية في مراقبة تصدير الأسلحة إلى دول قد تُحوّلها لمجموعات مسلّحة، وطالب التقرير بمحاسبة المسؤولين عن تصدير هذه الأسلحة باعتبارهم متواطئين مع قوات التمرد ويمكن تحميلهم مسؤولية المشاركة في جرائم الإبادة والجرائم ضد الانسانية التي يقوم بها أفراد التمرد بالفاشر وغيرها من جبهات القتال.

في السياق، وصفت منظمات حقوق الإنسان البريطانية مثل أمنيستي علّقت التقارير القادمة من الفاشر بالمروعة، ونبهت إلى أن الترخيص البريطاني لبيع أسلحة للدولة التي قد تنقلها لاحقًا إلى الدعم السريع يثير شبهة التواطؤ أو الغفلة عن الانتهاكات.

فيما أصدرت الخارجية البريطانية، عبر وزيرة الخارجية إيفيت كوبر، بياناً شديد اللهجة جاء فيه:

نتابع بتروٍّ التقدّم الذي حققته قوات الدعم السريع في الفاشر وتأثيره المروّع على المدنيين. مئات الآلاف محاصرون، ويواجهون تشرّدًا وعنفًا عشوائيًا. يجب أن يُسمَح للمدنيين بالخروج الآمن والحصول على المساعدات دون عرقلة.

وأضافت أن ما يُرصد من قتلٍ منهجيّ وتعذيب وعنف جنسي يقوّض أي مبرّر عسكري للعمل، وأن النساء والفتيات يواجهن انتهاكات كالاغتصاب كسلاح حرب.

سيناريوهات ما بعد الفاشر

سيطرة الدعم السريع على الفاشر قد تؤدي إلى إعادة رسم خريطة السيطرة في السودان.

السيناريو الأول الأكثر ترجيحًا هو استمرار تلقي المتمردين للأسلحة المتقدمة والدعم السياسي من ممثلي الاستعمار الجديد والزحف نحو بقية المدن والولايات السودانية وخاصة ولايات جنوب وغرب وشمال كردفان.

وفي هذا الاتجاه يتوقع المراقبون أن تتحالف قوات الدعم السريع مع بعض دول الجوار مثل إثيوبيا وجنوب السودان لاقتطاع أجزاء من الاراضي السودانية لصالح الدولتين خاصة إقليم الفشقة في شرق السودان الغني بالأراضي الزراعية الخصبة والذي تطمع فيه إثيوبيا ومنطقة ابيي الغنية بالبترول في جنوب البلاد وهي ما تطمع فيها دولة جنوب السودان.

وفيما يبدو أن هناك اتفاقا بين حميدتي وعبد العزيز الحلو برعاية دولية على إقامة دويلة تضم دارفور وكردفان وتتخلي عن هاتين المنطقتين، ويتفق المراقبون على أن إقليم دارفور الغني بالمعادن الاستراتيجية وإقليم كردفان الغني بالأراضي الخصبة يشكلان معا قلب الدولة السودانية ومعظم ثرواتها وبتزعمهما يصبح تقسيم السودان إلى دويلات قبلية أمرا حتميا، كما أن عمليات قتل وإبادة موسعة بين القبائل المتناحرة يمكنها أن تقسم السودان إلى خمس دول في دارفور وكردفان والشرق والوسط والشمال.

السيناريو الثاني وهو إجبار الحكومة السودانية على التسليم بانفصال دارفور وجنوب كردفان مقابل الاحتفاظ ببقية الدولة السودانية في الوسط والشرق والشمال، خاصة أن الشمال والشرق ليس بهما جيوش مسلحة يمكنها إقامة دويلات انفصالية دون دعم دولي.

ويبقى سيناريو ثالث وأخير وهو وقوف تحالف عربي وإسلامي خلف مجلس السيادة والجيش السوداني لمواجهة مخططات تفتيت الدولة وإشاعة الفوضى والدخول في نزاعات قبلية لعشرات السنين القادمة ويعد هذا السيناريو هو الأضعف نتيجة لحالة الترضي العربي وإن كان هو المخرج الوحيد لإنقاذ السودان من ناحية وإنقاذ جميع الدول العربية والإفريقية من تنفيذ خطط الاستعمار الجديد في تدمير الدول وإعادة تشكيلها.

وفي النهاية فإن تقسيم السودان وإشاعة الفوضى سوف يحول البلاد إلى ميدان عسكري واستخباري دولي مما يشكل تهديدا مباشرا على الأمن القومي المصري ويشتت جهود الدولة المصرية التي تحاول وقف نزيف الدم العربي في غزة ولبنان وسوريا وليبيا ولكن جرح السودان سوف يكون أكثر إيلاما على الدولة المصرية لأنه يجلب أعداء إقليميين مثل إثيوبيا إلى جانب المطامع الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية.

الفرنسيون ينتفضون فى ساحة الباستيل ضد مجازر الدعم السريع فى الفاشر

إيران تدين الهجمات الأخيرة في مدينة الفاشر بالسودان

مصطفى بكري: تقرير بعثة تقصي الحقائق وثق جرائم ومذابح ميلشيا الدعم السريع في الفاشر

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو حميدتي مدينة الفاشر قوات الدعم السریع الجیش السودانی مدینة الفاشر قوات التمرد على الفاشر دول الجوار الهجوم على

إقرأ أيضاً:

واشنطن تدين "فظائع الدعم السريع" بحق المدنيين في الفاشر السودانية

أدانت الولايات المتحدة، السبت، "الفظائع الجماعية" التي ارتكبتها "قوات الدعم السريع" بحق المدنيين في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور غربي السودان.

 

وفي 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، استولت "قوات الدعم السريع" على مدينة الفاشر، وارتكبت مجازر بحق مدنيين بحسب مؤسسات محلية ودولية، وسط تحذيرات من تكريس تقسيم جغرافي للبلاد.

 

وقالت وزارة الخارجية، في بيان عبر منصة شركة "إكس" الأمريكية: "تدين الولايات المتحدة الفظائع الجماعية المبلغ عنها التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الفاشر".

 

وأعربت واشنطن عن قلقها البالغ إزاء سلامة المدنيين داخل المدينة والفارين إلى المناطق المجاورة، وفق البيان نفسه.

 

وأضاف البيان: "يجب على الدعم السريع الكف عن الانخراط في أعمال الانتقام والعنف العرقي، يجب أن لا تتكرر مأساة مدينة الجنينة بولاية غرب درافور غربي السودان".

 

وفي 9 أبريل/ نيسان 2024، استنكرت الأمم المتحدة تصاعد العنف القبلي الدامي في مدينة الجنينة، ودعت إلى إجراء تحقيق مستقل.

 

وأكدت الخارجية الأمريكية أن "الولايات المتحدة ستواصل العمل مع شركائها لإيجاد مسار سلمي في السودان".

 

وشددت على أنه "لا يوجد بالسودان حل عسكري قابل للتطبيق، والدعم العسكري الخارجي لا يؤدي إلا إلى إطالة أمد الصراع".

 

وحثت الولايات المتحدة الطرفين على انتهاج مسار تفاوضي لإنهاء معاناة الشعب السوداني، وفق البيان.

 

والأربعاء، أقر قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" بحدوث "تجاوزات" من قواته بالفاشر، مدعيا تشكيل لجان تحقيق.

 

ويشهد السودان منذ أبريل/ نيسان 2023، حربا دامية بين الجيش و"قوات الدعم السريع" أدت إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو 13 مليون شخص.

 

وحاليا، باتت "قوات الدعم السريع" تسيطر على كل ولايات إقليم دارفور الخمس غربا من أصل 18 ولاية بعموم البلاد، بينما يسيطر الجيش على أغلب مناطق الولايات الـ13 المتبقية بالجنوب والشمال والشرق والوسط، بما فيها العاصمة الخرطوم.


مقالات مشابهة

  • سفيران سودانيان يتوعدان بطرد الدعم السريع من الفاشر
  • واشنطن تدين "فظائع الدعم السريع" بحق المدنيين في الفاشر السودانية
  • آلاف المدنيين في “خطر داهم” بعد سقوط الفاشر بيد قوات الدعم السريع
  • لماذا استماتت قوات الدعم السريع للسيطرة على الفاشر؟
  • حين سقطت الفاشر.. سقطت الإنسانية
  • السودان: معارك دامية بين الجيش والدعم السريع بعد سقوط الفاشر
  • آلاف السودانيين يواجهون خطرا وشيكا بعد سقوط الفاشر
  • آلاف السودانيين في دائرة الخطر بعد سقوط الفاشر بيد قوات الدعم السريع
  • مقتل واختفاء المئات بعد سقوط مدينة سودانية في أيدي قوات الدعم السريع