في مشهد يعكس التناقض الحاد بين الأقوال والأفعال، تعالت اليوم أصوات قيادات جماعة الحوثي في صنعاء متباكية على ما وصفته بـ"الحرمان الصحي والجماعي" عقب إعلان منظمتي الصحة العالمية (WHO) ويونيسف (UNICEF) وقف برامجهما الصحية واللوجستية في معظم مناطق سيطرة الجماعة شمالي اليمن، نتيجة الانتهاكات المستمرة التي مارستها الميليشيا ضد وكالات الإغاثة والمنظمات الدولية العاملة هناك.

يأتي هذا التطور في وقتٍ تشهد فيه صنعاء ومدن أخرى تصعيدًا حوثيًا غير مسبوق ضد المنظمات الإنسانية، شمل اقتحام مقرات، ونهب تجهيزات، واعتقال موظفين محليين ودوليين، إلى جانب فرض قيود خانقة على تحركات فرق الإغاثة واتهامها بالتجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.

وقالت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان التابعة للحوثيين في بيان، إن قرار المنظمتين الأمميتين بوقف الدعم يشمل نحو ثلثي المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة، ويهدد بإغلاق أكثر من 2000 وحدة صحية و72 مستشفى، إضافة إلى توقف إمدادات الوقود والأكسجين والأدوية، وتعليق برامج التغذية العلاجية التي يستفيد منها مئات الآلاف من النساء والأطفال.

ووصف البيان القرار بأنه "عقوبة جماعية تستهدف 80 في المئة من السكان"، دون الإشارة إلى الأسباب الحقيقية التي دفعت المنظمات الأممية إلى هذا الإجراء، والمتمثلة في الانتهاكات الحوثية المتكررة بحق العاملين في المجال الإنساني ومكاتبهم.

وكانت تقارير أممية سابقة قد حذرت من تعرض موظفين تابعين للأمم المتحدة للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في صنعاء والحديدة، فيما أكدت الأمم المتحدة في بياناتها المتكررة أن الحوثيين يحتجزون نحو 60 موظفًا يعملون في وكالات تابعة للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية.

ويأتي "الصراخ الحوثي" بعد سلسلة اقتحامات نفذتها الجماعة خلال الأسابيع الأخيرة ضد مقرات منظمات دولية، أخرها  ACTED الفرنسية، والإغاثة الإسلامية، والعمل لمكافحة الجوع (ACF)، حيث قامت بمصادرة وثائق ومعدات وإغلاق مكاتب ومنع الموظفين من الدخول، وفقًا لتقارير ميدانية محلية.

كما تعرضت مكاتب الأمم المتحدة لعمليات مداهمة متكررة، شملت احتجاز موظفين ومصادرة بيانات حساسة، ما دفع المنظمة الدولية إلى إجلاء عدد من موظفيها الدوليين من صنعاء. هذه الانتهاكات، وفقاً لمصادر حقوقية يمنية، ليست سوى جزء من سياسة "الهيمنة الإنسانية" التي تمارسها الميليشيا، بهدف السيطرة على مسارات التمويل الدولي وتوجيه المساعدات وفقاً لأجندتها الخاصة.

ويقول مصدر عامل في منظمة إغاثية بصنعاء إن الميليشيات "تصرخ اليوم من قلة الدعم الذي كانت تعتبره بالأمس أداة تجسس أميركية وإسرائيلية". وأضاف أن الجماعة تختطف موظفين أمميين وتستعد لإخضاع بعضهم لمحاكمات صورية لإصدار أحكام جائرة بحقهم، بينما تدّعي حرصها على استمرار الخدمات الصحية والطبية المقدمة من المنظمات نفسها التي تتهمها بالخيانة.

وأشار المصدر إلى أن ما تمارسه الميليشيات من تضييق واقتحامات واعتقالات هو ابتزاز واضح للمنظمات الدولية بهدف السيطرة على أموال المساعدات والمانحين، وتحويلها إلى مشاريع تخدم مصالح الجماعة وأذرعها في مناطق سيطرتها.

هذا السلوك يعكس ازدواجية بنيوية في نهج الحوثيين، حيث تستخدم الجماعة الملف الإنساني كأداة سياسية واقتصادية؛ فهي من جهة تُهاجم المنظمات الأممية وتتهمها بالتجسس، ومن جهة أخرى تُحمّلها مسؤولية انهيار الخدمات الأساسية عندما تتوقف عن العمل، متجاهلة أن السبب الجوهري هو ممارساتها القمعية وتعنتها الميداني والإداري.

ويحذر عاملون في القطاع الصحي من أن قرار المنظمات الأممية سيؤدي إلى كارثة إنسانية جديدة في مناطق الشمال، حيث يعتمد ملايين السكان على المساعدات الدوائية والغذائية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

ويشير تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) إن نحو 17.8 مليون يمني بحاجة إلى دعم صحي عاجل، وأن أي تعطيل إضافي لأنشطة المنظمات الإغاثية سيؤدي إلى تفاقم الوضع بشكل غير مسبوق.

وبينما تستمر الميليشيا الحوثية في تكميم أفواه العاملين في المجال الإنساني وفرض مزيد من القيود على أنشطة الإغاثة، يتكشف وجهها الحقيقي أمام العالم كجماعة تستخدم المعاناة الإنسانية ورقة للابتزاز السياسي. وبينما تصرخ الميليشيات احتجاجاً على وقف الدعم الأممي، تتجاهل أنها هي من أغلقت الأبواب أمام المنظمات، ودفعت آلاف المرضى والأطفال إلى مواجهة مصيرٍ قاسٍ في بلدٍ أنهكته الحرب والجوع والوباء.


المصدر: نيوزيمن

إقرأ أيضاً:

المنظمات الأهلية الفلسطينية: المساعدات التي تدخل غزة لا توازي حجم مأساة المواطنين

قال أمجد الشوا مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، إنّ ما يدخل إلى قطاع غزة من مساعدات لا يتجاوز ما بين 20 و30% من الاحتياجات الفعلية للمواطنين، موضحًا أن استمرار الحصار الإسرائيلي المشدد ومنع دخول المساعدات الإنسانية يفاقمان الأزمة المعيشية في القطاع بشكل خطير.

تفاقم الأزمات الإنسانية في غزة.. غارات إسرائيلية تضرب صور في لبنانالرئيس الفلسطيني يكشف 8 أولويات بشأن الأوضاع في غزةتفاقم الأزمات الإنسانية في غزة وسط خروقات متواصلة لوقف إطلاق النارالهلال الأحمر يُطلق قافلة زاد العزة الـ 67 حاملة نحو 9 آلاف طن مساعدات إنسانية إلى غزة

وأضاف الشوا، في مداخلة هاتفية عبر قناة "القاهرة الإخبارية"، أن الكميات التي وصلت حتى الآن لا توازي حجم المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ أشهر.

وأوضح الشوا أن أزمة الإيواء تمثل التحدي الأكبر في الوقت الراهن، إذ لم يدخل سوى بضعة آلاف من الخيام رغم حاجة القطاع إلى أكثر من 300 ألف خيمة لإيواء المتضررين واستبدال الخيام المهترئة، مشيرًا إلى أن نحو 1.5 مليون مواطن فقدوا منازلهم جراء العدوان الإسرائيلي المستمر.

وأشار إلى أن قطاع غزة على أعتاب فصل الشتاء، ما يزيد من خطورة الأوضاع الإنسانية، خاصة في ظل النقص الحاد في الأغطية والملابس والفُرش، مؤكدًا أن الاحتلال يمنع دخول المساعدات الخاصة بوكالة أونروا رغم وجود نحو 600 شاحنة تنتظر على الحدود منذ فبراير الماضي، كما يمنع دخول آلاف الشاحنات التابعة للمنظمات الدولية.

طباعة شارك غزة قطاع غزة اخبار التوك شو فلسطين الاحتلال

مقالات مشابهة

  • مركز دراسات: الحوثيون يواجهون تحديات متزايدة تهدد استمراريهم
  • الحوثيون يوسّعون نفوذهم تحت الأرض .. حروب الأنفاق تشتعل في اليمن
  • المعلمون يبيعون غرف نومهم للبقاء أحياء.. والأرامل يبعن خزائن ذكرياتهن لإنقاذ أطفالهن.. الجوع يطارد اليمنيين في مناطق الحوثي
  • الدعم السريع تعلن موافقتها على الهدنة الإنسانية برعاية الرباعية
  • المنظمات الأهلية الفلسطينية: المساعدات التي تدخل غزة لا توازي حجم مأساة المواطنين
  • الأمم المتحدة: الدعم السريع تنفذ انتهاكات جسيمة ضد الإنسانية في السودان
  • تصعيد جديد ضد العمل الإنساني في اليمن.. الحوثيون يقتحمون مقرات 5 منظمات دولية بصنعاء
  • نهب الأراضي واختطاف المزارعين.. الحوثيون يعززون قبضتهم في ضواحي صنعاء
  • قيود إسرائيلية جديدة تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة.. بهذه الطريقة