الثورة نت:
2025-11-08@22:55:58 GMT

الاقتصاد الأمريكي “المتسول القادم بعناد”

تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT

 

 

قالها جوزيف ستيغلتز: “إن الاقتصاد الأمريكي، كالسفينة الضخمة، لا يغرق فجأة، بل يبدأ بالتصدّع من داخله حين تنفصل السياسة عن المنطق”، فحكومة لا تصرف رواتب موظّفيها، وتحاصر اقتصادها بالشلل، تخبرنا أكثر مما يقول خطابها: لقد خسرت القدرة على إدارة نفسها.
تلك “ماما أمريكا”، وشعبويتها الترامبوية في أسوأ أزمة داخلية تعانق ضعف الدولة ونضوب أدواتها الحكوميّة، ليكون الإغلاق الحكومي لمدار 36 يوماً متواصلة، سبباً لكشف هوية حرافيش البيت الأبيض ولكن بصورتهم الهمجية التي أعاقت خلالها عجلة الاقتصاد، وارتدت نتائجه التي تعكس فشلاً في إدارة الشأن الداخلي على خريطة السياسة الخارجية والمكانة الدولية.

بدءاً من بداية النزاع المالي بين الحزبين (الجمهوريين والديمقراطيين) حول تمويل الإنفاق، متحولاً بسرعة الشخصنة إلى اختبار يوميّ لكفاءة المؤسسات، وثقة المواطنين، واستقرار الدولار، بل وللقدرة الأمريكية على أن تكون “الدولة العاملة” التي وعدت بها يوماً.
لقد تراكمت الأرقام وبياناتها في قلب هذا الإغلاق الحكومي لتؤكّد الانهزام القاطه وكأنه إنهيار الحادي من سبتمبر وبرجي التجارة العالمي، بتقديرات تفيد بأن الاقتصاد يفقد ما بين 10 و30 مليار دولار أسبوعياً نتيجة توقف الإنفاق الحكومي، وتعطّل الرواتب وتأجيل الخدمات. لتأخذ خسارة النمو شكل انحدار تدريجي. فمثلاً حينما تتوقف أجهزة الدولة، يتراجع الإنفاق الاستهلاكي، وينكمش الطلب الداخلي المؤسس لاقتصاد يعتمد على حركة المواطنين. كما أن الدولار الأمريكي بدأ يفقد جزءاً من مكانته كـ (دبلرة) عملة الملاذ العالمية، بعدما ظهر للمستثمرين أن الولايات المتحدة عاجزة حتى عن تشغيل مؤسّساتها، فما بالك بإدخال العالم في لعبة الاقتصاد الواهم وحبارير الموت؟..
ومن الداخل كان الكابوس منذ تولي ترمب البيت الأبيض انهار سوق العمل، بوضوح بفصل نحو 670 ألف موظف فيدرالي تعرضوا للإجازة القسرية بلا أجر، فيما نحو 730 ألفاً – في قطاعات حيوية مثل الأمن والمطارات والجيش حتى صار الإضراب في حركة 40 مطار – واصلوا العمل من دون تقبّض رواتبهم. وهنا نري من الأرقام “دورة مقلوبة”: (موظفون بلا دخل، وخسارة للانفاق، وركود في الأنشطة الاقتصادية المرتبطة). ليس هذا فحسب، بل إن جمود التوظيف الحكومي أعاق فرص التوظيف الجديدة في القطاعين العام والخاص، وبدأت بعض الشركات تأجيل خطط التوظيف خوفاً من بيئة غير مستقرة، ما يزيد من احتمال ارتفاع معدلات البطالة خلال الربع الأول من 2026. لكن هذا الإغلاق ضرب ثقة هذه الأسر بعنقها. توقف الرواتب أدى إلى تقليص الاستهلاك، وهو أحد الأعمدة الثلاثة للنمو الأمريكي. وعلى الرغم من ذلك والحكومة الفيدرالية لم تكتفِ بإيقاف صرف الرواتب، بل عطّلت أيضاً برامج الدعم الاجتماعي وبرنامج المساعدة الغذائية (SNAP) وتأخر دفع مساعداته مع دخول الشتاء، ما وضع أرباب الأسر في مواجهة مباشرة مع ارتفاع التكاليف وتقليص الخيارات. وهو ما انعكس سلباً على ملايين الأمريكيين حتى ممن أعطوا أصواتهم لترامب وحزبه الهابط، ليجدوا أنفسهم فجأة في دائرة حرمان وخوف، ما يولّد توتّراً اجتماعياً إلى جانب التدهور الاقتصادي.
أما في قطاع التأمين الصحي، فالأزمة صارت أكثر عمقاً لنحو 20 مليون أمريكي، بتأجيل صرف هذه الإعانات مما زاد من تكاليف التأمين بشكل مباشر للمواطن، وفقدان القدرة على التخطيط المالي الأسري. وأدى لتراجع ثقة المستهلكين في الاقتصاد فانخفضت عمليات الشراء، وتأخّر الاستثمار في الأُسَر الصغيرة، وبدأت معنويات السوق تتراجع.
وخارجياً كانت الطامة انعكاساً لإغراق البيت الأمريكي، ففشلت الإدارة الأمريكية في تسيير الحكومة، فكيف تستطيع تسيير السياسة الخارجية؟ هذا التناقض انعكس سلباً على الثقة بمصداقية واشنطن، وقلق الشركاء الدوليين من قدرة الدولة على الوفاء. بل وجعل ضعف أداء الاقتصاد وانحدار الدولار قدّما مؤشّراً بأن مكانة الولايات المتحدة كقائد اقتصادي عالمي لم تعد مفروغة منه ضمنياً، بل أصبحت محلّ تساؤل أو (المتسول القادم).
إن الإغلاق الحكومي الأمريكي ليس مجرّد أزمة مؤقتة، بل إعلان بأن آليات الحكامة، الميزانية، والإنفاق في أكبر اقتصاد في العالم والبيت الأبيض بإدارته وحرافيشه، يمرّ بمرحلة ترنّح. وقد تكون النقد الأمريكي والعملة الاحتياطية العالمية أول من يشعر بهذا التذّبذَب الخطير لتآكل التوافق السياسي الذي كان يوماً ما ركيزة صلابة الاقتصاد الأمريكي، وإذا كان التاريخ يعلمنا شيئاً، فهو أن الأزمات المالية لا تبدأ من الأسواق، بل من عجز الأنظمة عن اتخاذ القرار.
وأخيراً: “إن الأمة التي تفقد القدرة على تشغيل مؤسّساتها تبدأ بفقدان القدرة على قيادة العالم كونها حبارى لعوب”. و”حين يصبح التعطيل السياسي أداة للحكم، يتحول الاقتصاد إلى رهينة، والمواطن إلى رقم في معادلة المساومة” – بول كروغمان.
* كاتب مصري

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

الذهب يستقر في آسيا بعد قفزة حادة بدعم من تراجع الدولار ومخاوف الإغلاق الحكومي الأمريكي

استقرت أسعار الذهب خلال تعاملات اليوم /الخميس/ في آسيا، بعد ارتفاعها بأكثر من 1% في الجلسة السابقة، مدعومة بتراجع طفيف في قيمة الدولار الأمريكي واستمرار حالة القلق في الأسواق بسبب الإغلاق الحكومي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة.


وسجل الذهب الفوري ارتفاعًا بنسبة 0.2% إلى 3,988.79 دولار للأوقية، بينما صعدت عقود الذهب الأمريكية الآجلة بنسبة 0.1% إلى 3,995.70 دولار للأوقية.


وكان المعدن النفيس قد قفز بنسبة 1.3% في جلسة الأربعاء، وسط موجة عزوف عن المخاطرة في الأسواق العالمية بسبب تصاعد المخاوف من فقاعة في أسهم التكنولوجيا.


وانخفض مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 0.2% خلال تداولات آسيا اليوم، مع عودة بعض المستثمرين إلى الأصول عالية المخاطر بعد التراجعات الحادة التي شهدتها أسهم التكنولوجيا في وقت سابق من الأسبوع.


ورغم هذا الارتداد، فإن الإغلاق الحكومي الأمريكي المستمر – الذي أصبح الأطول في تاريخ البلاد – ما زال يثير قلق المستثمرين، خاصة مع تعليق إصدار العديد من البيانات الاقتصادية الرسمية، ما دفع الأسواق للاعتماد أكثر على المؤشرات الخاصة لتقييم صحة الاقتصاد الأمريكي.


وتحركت أسعار المعادن الثمينة والصناعية في نطاقات محدودة، حيث ارتفعت الفضة الآجلة بنسبة 0.2% إلى 48.12 دولار للأوقية، واستقر البلاتين تقريبًا عند 1,564.60 دولار للأوقية.


وارتفع النحاس في بورصة لندن بنسبة 0.4% إلى 10,771.20 دولار للطن، بينما صعدت عقود النحاس الأمريكية 0.6% إلى 5.02 دولار للرطل.
 

طباعة شارك استقرت أسعار الذهب تراجع طفيف في قيمة الدولار الولايات المتحدة الإغلاق الحكومي الأطول المعدن النفيس

مقالات مشابهة

  • "الشيوخ الأمريكي" يجتمع لإنهاء الإغلاق الحكومي وسط خلافات بين ترامب والديمقراطيين
  • الإغلاق الحكومي يتحول إلى أزمة تهدد الاقتصاد الأمريكي
  • «آي صاغة»: الذهب يستقر محليًا رغم ضغوط الإغلاق الحكومي الأمريكي وتذبذب الأسواق العالمية
  • تراجع ثقة المستهلك الأمريكي إلى مستوى قياسي مع استمرار الإغلاق الحكومي
  • مؤشرات وول ستريت تتعافى وسط آمال بقرب إنهاء الإغلاق الحكومي الأمريكي
  • الشيوخ الأمريكي يرفض تمرير مشروع قانون ينهي أزمة الإغلاق الحكومي
  • البيت الأبيض: تأثير الإغلاق الحكومي أسوأ بكثير‭ ‬من المتوقع
  • الإغلاق الحكومي الأمريكي يعطل رحلات كندية ويجبر شركات الطيران على تقليص عملياتها
  • الذهب يستقر في آسيا بعد قفزة حادة بدعم من تراجع الدولار ومخاوف الإغلاق الحكومي الأمريكي