تسرب السائل النخاعي.. عندما يفقد الدماغ درعه الواقي
تاريخ النشر: 10th, November 2025 GMT
تخيّل أن يوقظك صداعٌ أليم يزداد حدةً عند الجلوس أو الوقوف، وكأنك تعرضت لأشعة الشمس لفترة طويلة، أو أنك تعاني من الجفاف، والأصعب أن يستمر الألم أيامًا أو حتى أسابيع أو أشهر، ثم يخفّ فجأة أو يختفي عندما تستلقي على ظهرك.
تُظهر الدراسات أن نوبات الصداع الحادة التي تتحسن عند الاستلقاء قد تكون علامة على تسرب السائل الدماغي النخاعي (Cerebrospinal Fluid – CSF)، وهي حالة يتسرب فيها السائل النخاعي من العمود الفقري.
ويشرح الدكتور كيرت ييغر، جراح الأعصاب في مستشفى "هيوستن ميثوديست"، أن تسرب السائل الدماغي النخاعي يؤدي إلى تغير ضغط السائل في الفراغ المحيط بالدماغ والأم الجافية، مما يسبب صداعًا شديدًا يتحسن عند الاستلقاء بسبب انخفاض الضغط على الأغشية المحيطة بالدماغ.
ما الذي يحدث؟
السائل الدماغي النخاعي مادة واقية تُحيط بالدماغ والحبل الشوكي، تعمل على امتصاص الصدمات وتقليل أثر الإصابات. وهو سائل شفاف يتكوّن من نحو 99% من الماء، بينما تحتوي النسبة المتبقية على البروتينات والغلوكوز والإلكتروليتات.
ويُحفظ هذا السائل داخل أغشية تُعرف باسم الأم الجافية، وعند حدوث تمزق أو ثقب في هذه الطبقة، يبدأ السائل بالتسرب. وقد يحدث ذلك بعد إجراء طبي مثل جراحة العمود الفقري أو التخدير فوق الجافية (Epidural)، أو نتيجة إصابة في الرأس أو الرقبة؛ وأحيانًا لا يُعرف سبب واضح للتسرب.
وترتبط بعض الحالات الطبية بضعف غشاء الجافية، مما يزيد من احتمالية حدوث التسرب التلقائي أو المتكرر، مثل جراحة سابقة في الرأس أو العمود الفقري، أو السمنة، أو انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم (Obstructive Sleep Apnea)، أو اضطرابات النسيج الضام مثل متلازمة "إهلرز-دانلوس" أو "مارفان"، أو ارتفاع ضغط الدم داخل الجمجمة أو تشوه قاعدة الجمجمة.
ويقول د. ييغر: "قد يتمكن الجسم أحيانًا من إغلاق التسرب تلقائيًا، لكن العلاج غالبًا ما يكون ضروريًا. وإذا استمرت الأعراض أكثر من أسبوع أو ساءت تدريجيًا، يجب طلب الرعاية الطبية فورًا، خصوصًا بعد أي إصابة أو إجراء طبي حديث."
أعراض التسرب
تشبه أعراض التسرب أحيانًا أعراض الصداع النصفي أو الجفاف أو الارتجاج. والعرض الأساسي هو الصداع القائم أو صداع الضغط المنخفض، الذي يزداد سوءًا عند الوقوف أو الجلوس.
ومن الأعراض الأخرى: طنين الأذنين أو حساسية للضوء، أو سيلان الأنف أو الأذن بسائل شفاف غير مخاطي، أو ألم أو تيبس في الرقبة، أو غثيان ودوار، أو صعوبة في التركيز أو اضطرابات إدراكية طفيفة.
ويشير د. ييغر إلى أن بعض الأعراض قد تسبق الصداع أو تظهر بعده، وأن وصف شدة الألم ومدته وتغيّره مع الحركة يساعد الطبيب في التشخيص الدقيق.
متى يجب مراجعة الطبيب؟
رغم أن تسرب السائل النخاعي لا يُعدّ عادةً طارئًا، إلا أن تأخر التشخيص قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة. فقد يسمح التمزق أو الثقب في الغشاء الواقي بدخول البكتيريا، ما قد يسبب التهاب السحايا، وهو من أكثر المضاعفات خطورة.
في هذا الصدد يؤكد د. ييغر أن "أكبر مخاوفنا هو العدوى، لأن أي ثقب في الطبقة الواقية قد يفتح الطريق أمام التهابات خطيرة في الدماغ."
لذا يُنصح من يعانون صداعًا يزداد عند الوقوف أو الجلوس بمراجعة طبيب الرعاية الأولية أو عيادة الطوارئ، حيث يمكن تحويل المريض إلى طبيب أو جراح أعصاب عند الاشتباه في وجود تسرب.
التشخيص والعلاج
تشخيص هذا النوع من الحالات يعتمد على التصوير المقطعي المحوسب (CT scan) أو الرنين المغناطيسي (MRI) للرأس والرقبة. وفي حال وجود سيلان أنفي أو أذني، يمكن تحليل العينة مخبريًا للكشف عن بروتين بيتا-2 ترانسفيرين (Beta-2 Transferrin)، الذي يميّز السائل النخاعي عن الإفرازات العادية.
أما العلاج الأولي فيركز على الراحة، وشرب السوائل، ومسكنات الألم البسيطة، وغالبًا تتحسن الأعراض خلال أيام. وإذا ظهرت مؤشرات عدوى، يُستخدم مضاد حيوي مناسب.
وفي الحالات التي لا يُعرف فيها موضع التسرب بدقة، يمكن اللجوء إلى إجراء الرقعة الدموية (Blood Patch)، حيث يُحقن دم المريض أسفل الجافية ليكوّن جلطة صغيرة تُغلق موقع التسرب.
أما إذا حُدد موقع التسرب بوضوح، فقد تُستخدم قسطرة أو تدخلات وعائية طفيفة التوغل لإصلاحه، وفي بعض الحالات النادرة تُجرى جراحة مفتوحة إذا كان التسرب حادًا أو صعب الوصول إليه.
ويختتم د. ييغر بالقول إن "تسرب السائل الدماغي النخاعي حالة قابلة للعلاج تمامًا. والتشخيص المبكر هو المفتاح لاستعادة الراحة وتجنب المضاعفات."
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدموية المريض الراحة السوائل الألم العلاج التصوير بروتين الطوارئ التهابات الدماغ الطبيب السائل الدماغي النخاعي السائل النخاعی تسرب السائل صداع ا
إقرأ أيضاً:
رقائق الدماغ... هل تُغيِّر شكل مستقبل الطب؟
ما كان يبدو حلماً خيالياً في أفلام الخيال العلمي أصبح اليوم واقعاً وحقيقياً؛ حيث نجح أطباء عدة في زرع رقائق كومبيوتر صغيرة داخل جسم الإنسان، لإعادة وظائف أساسية، مثل الرؤية والحركة والكلام.
وحسب مجلة «التايم» الأميركية، فإن هذه التقنية التي تُعرف باسم واجهة الدماغ والحاسوب (BCI)، قد تغير شكل الطب كما نعرفه، وتمد الإنسان بقدرات تبدو وكأنها خارقة للطبيعة.
إعادة الرؤية
في فرنسا، استعادت السيدة أليس شارتون، البالغة من العمر 87 عاماً، جزءاً من بصرها بعد سنوات من ضعف الرؤية الناتج عن التنكس البقعي المرتبط بالسن (AMD)، وهو مرض يصيب نحو مائتي مليون شخص حول العالم.
ويكمن السر وراء ذلك في رقاقة صغيرة بحجم 2×2 مزودة بـ400 قطب كهربائي، زُرعت مباشرة في المكان الذي دمَّره التنكس البقعي المرتبط بالسن في شبكية العين.
وبعد زرع الشريحة، يتم نقل الصور من خلال كاميرا مثبتة على نظارات خاصة، وترسل الإشارات عبر الأشعة تحت الحمراء إلى الرقاقة، ما يتيح لها إدراك الضوء والأشكال.
وكانت شارتون ضمن 38 مشاركاً تمت الاستعانة بهم في تجربة أطلقتها شركة «ساينس»، وهي شركة متخصصة في علوم الأعصاب، تأسست منذ 4 سنوات، ومقرها سان فرانسيسكو.
وخضع جميع المشاركين الذين جُنِّدوا من جميع أنحاء أوروبا، لعملية زرع الرقاقة.
وبعد الجراحة، تحسَّن أداء ما يقرب من 80 في المائة منهم على مخطط النظر، بمقدار 20 حرفاً.
وهذه التجربة ليست مجرد اختبار؛ بل نموذج ملموس لإمكانات هذه التقنية في علاج الأمراض المستعصية.
من العين إلى الدماغ: آفاق لا حدود لها
ولا يقتصر الابتكار على شبكية العين؛ بل تعمل الشركات الرائدة مثل «نيورالينك» و«سينكرون» على تطوير شرائح يمكن زرعها مباشرة في الدماغ، بهدف مساعدة المصابين بالشلل على التحكم في الحاسوب أو الهاتف الذكي بعقولهم.
فبمجرد أن يفكر الشخص في كلمة، يتم تحويلها إلى نص مكتوب أو صوت مسموع.
ويمكن أن تُحدث هذه الإمكانات ثورة في علاج الشلل والأمراض العصبية، مثل التصلب المتعدد أو السكتات الدماغية.
سوق واعد ومجال متسارع النمو
تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 680 شركة تعمل في مجال واجهة الدماغ والحاسوب (BCI)، مما يُشكل قطاعاً قُدرت قيمته بـ1.74 مليار دولار في عام 2022، ومن المتوقع أن ينمو إلى 6.2 مليار دولار بحلول عام 2030.
ومع ازدياد الاستثمار بشكل ملحوظ، وتسارع الابتكارات التقنية، أصبح هذا المجال من أكثر المجالات الواعدة في الطب والتكنولوجيا الحديثة.
التحديات والمخاطر
ولكن الطريق ليس مفروشاً بالورود، فهناك بعض التحديات والمخاطر التي قد تواجه هذا المجال.
فزراعة الرقائق تحتاج حالياً إلى عمليات جراحية دقيقة، ما يرفع احتمالية المضاعفات، مثل العدوى أو تلف الأنسجة.
كما أن هناك مخاطر أخلاقية تتمثل في إمكانية إساءة استخدام هذه التقنية في المستقبل، مثل زرع الأجهزة في الأشخاص الأصحاء، أو التحكم في الأفكار، أو حتى استغلال البيانات العصبية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التكلفة العالية لهذا النوع من التقنيات قد تجعلها متاحة فقط للطبقات الثرية.