بريطانيا تلجأ للذكاء الاصطناعي لإصلاح أخطاء نظام السجون وتقليص الكلفة التشغيلية
تاريخ النشر: 11th, November 2025 GMT
في خطوة تعكس اتساع اعتماد المؤسسات الحكومية البريطانية على التقنيات الحديثة لتحسين الكفاءة التشغيلية وخفض الأخطاء المكلفة، أعلنت وزارة العدل البريطانية أنها منحت الضوء الأخضر لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة عمليات الإفراج داخل السجون، عقب سلسلة من الحوادث التي شهدت إطلاق سراح سجناء عن طريق الخطأ.
وقال وزير العدل جيمس تيمبسون أمام مجلس اللوردات - وفق ما ذكرته صحيفة (الجارديان) البريطانية عبر موقعها الإلكتروني - إن تجربة جديدة ستُطلق في سجن واندسوورث جنوب غرب لندن، حيث سيتم تشغيل روبوتات محادثة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتدقيق الملفات الورقية، والتحقق من الهويات والأسماء المستعارة للسجناء، ودمج قواعد البيانات المتعددة لحساب مدد العقوبات وتواريخ الإفراج بدقة.
وأكد الوزير البريطاني أن "فريقًا تقنيًا متخصصًا زار السجن الأسبوع الماضي لتحديد حلول رقمية عاجلة"، مشيرًا إلى أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في العمليات الإدارية يمكن أن يحد من الاعتماد على الموظفين الجدد وقلة الخبرة، الذين يتولون حاليًا مراجعة الملفات يدويًا باستخدام أوراق وآلات حاسبة.
وتأتي الخطوة في وقت تواجه فيه الحكومة البريطانية انتقادات سياسية حادة بعد الإفراج بالخطأ عن مجرم ومحتال مالي خلال الأسبوعين الماضيين، ما تسبب في إطلاق عمليتي ملاحقة موسعتين وإحراج كبير لوزارة العدل البريطانية.
وتضاعف الضغوط على الوزير ديفيد لامي، الذي وعد بإصلاح إداري عاجل وتحسين البنية الرقمية داخل السجون.
ووفقًا لبيانات حكومية، بلغ عدد حالات الإفراج الخاطئ 262 حالة في العام المالي المنتهي في مارس 2025، بزيادة 128% عن العام السابق.
ويرجع مسؤولو السجون والنقابات هذه الزيادة إلى نقص الكوادر، وتراكم المستندات الورقية، وتعقيد برامج الإفراج المبكر التي تُدار يدويًا دون نظام إلكتروني موحد.
ويرى محللون أن التحول الرقمي في قطاع السجون يمثل اختبارًا لقدرة الحكومة على تطبيق حلول الذكاء الاصطناعي في الخدمات العامة، وسط أزمة تمويل وضغط سياسي متزايد لإصلاح البنية التحتية العدلية.
وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني إن الحكومة تعمل على إنشاء 14 ألف مكان إضافي في السجون، بالتوازي مع توسيع استخدام الحلول التقنية لتحسين الكفاءة وتقليل الأخطاء البشرية.
ويُتوقع أن يساهم المشروع التجريبي في واندسوورث في خفض الكلفة التشغيلية وتحسين الشفافية والرقابة على إجراءات الإفراج، في وقت تشير فيه بيانات وزارة العدل إلى أن الأخطاء الحالية تسببت في خسائر مالية وإدارية متزايدة داخل النظام العقابي البريطاني.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: وزارة العدل البريطانية استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي في طريقه إلى ما يفوق الذكاء
ترجمة: أحمد شافعي
قبل وقت غير بعيد أصبح الذكاء الاصطناعي ذكيًا. وقد يرفض البعض هذا الزعم، ولكن عدد من يشكّون في فطنة الذكاء الاصطناعي يتناقص.
وفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة يوفجوت سنة 2024، تقول أغلبية واضحة من الراشدين الأمريكيين إن أجهزة الكمبيوتر بالفعل أشد ذكاء من الناس أو ستكون كذلك عما قريب.
ومع ذلك، لكم أن تتساءلوا عما لو أن الذكاء الاصطناعي فعلا ذكي؟
في عام 1950، ذهب عالم الرياضيات آلن تورينج إلى أن هذا سؤال خاطئ؛ لأنه أشد غموضا من أن يستحق البحث العلمي. وذهب إلى أنه بدلا من محاولة تحديد ما إذا كانت أجهزة الكمبيوتر ذكية، يجب علينا أن نرى ما لو أنها قادرة على الاستجابة للأسئلة بطريقة لا تتميز عن طريقة البشر. ورأى هذا الاختبار، المعروف باختبار تورينج، لا بوصفه معيارًا للذكاء وإنما بوصفه بديلا أكثر برجماتية لهذا المعيار.
وبدلًا من افتراض تعريف للذكاء، ثم التساؤل عما لو أن الذكاء الاصطناعي يستوفي هذا التعريف، فإننا نفعل أمرًا أكثر ديناميكية؛ إذ نتفاعل مع الذكاء الاصطناعي متزايد التطور ونرى كيف يتغير فهمنا لما نحسب أنه الذكاء.
لقد تنبأ تورنج بأنه في نهاية المطاف «سوف يتبدل استعمال الكلمات والرأي العام المستنير تبدلًا كبيرا بحيث يتسنى للمرء الحديث عن آلات تفكر دون أن يتوقع اعتراضًا من أحد».
واليوم وصلنا إلى هذه النقطة. فالذكاء الاصطناعي لا يقل في كونه ذكاء عن كون التصوير الفوتوغرافي الرقمي تصويرًا فوتوغرافيًا.
والذكاء الاصطناعي الآن في سبيله إلى القيام بأمر أشد روعة: وذلك أن يكون ذا وعي. وسوف يحدث هذا بمثل الطريقة التي أصبح بها ذكيا. فمع تفاعلنا مع ذكاء اصطناعي متزايد التطور سوف يتكون لدينا مفهوم للوعي أكثر احتواء.
قد تعترضون على هذا وتعتبرونه لعبًا بالكلمات، وترون أنني أقول إن الذكاء الاصطناعي سوف يصبح واعيًا لأننا سوف نشرع في استعمال كلمة «الوعي» على نحو يشمله. لكن ما من تلاعب بالكلمات؛ فثمة دائما حلقة تغذية ارتجاعية بين نظرياتنا والعالم، فتتكون مفاهيمنا بقوة ما نكتشفه.
وانظروا إلى الذرة. على مدى قرون، كان مفهوم الذرة لدينا يضرب بجذوره في نظرية يونانية قديمة عن وحدات الواقع غير القابلة للانقسام. وحتى أواخر القرن التاسع عشر، كان علماء فيزياء من أمثال جون دالتن لا يزالون يرون أن الذرات كريات صلبة غير قابلة للانقسام. لكن بعد اكتشاف الإلكترون سنة 1897 واكتشاف النواة الذرية عام 1911، روجع مفهوم الذرة، فتحولت من كيان غير قابل للانقسام إلى كيان قابل للتفكك، أشبه بنظام شمسي تدور فيه الإلكترونات حول النواة. ومع تزايد الاكتشافات تزايدت مراجعة المفاهيم، بما أدى إلى ما لدينا الآن من نماذج الذرة المعقدة القائمة على ميكانيكا الكم.
ولم تكن تلك محض تغيرات لفظية؛ فقد تحسن فهمنا للذرة من خلال تفاعلنا مع العالم. ولذلك فإن فهمنا للوعي سوف يتحسن من خلال تفاعلنا مع الذكاء الاصطناعي متزايد التطور.
قد يعترض المشككون على هذا التشبيه. وسوف يذهبون إلى أن اليونانيين كانوا مخطئين في تصور طبيعة الذرة، لكننا لسنا مخطئين في تصور طبيعة الوعي لأننا نعرف مباشرة ما الوعي: وهو التجربة الذاتية الداخلية. وسوف يصر المشككون في برنامج الدردشة الآلي على أنه لا يتكلم عن إحساس بالسعادة أو الحزن إلا لأن هذه العبارات جزء من بياناته التدريبية، لكنه لن يعرف أبدا ما إحساس السعادة أو الحزن.
لكن ما معنى أن نعرف ماذا يكون إحساس الحزن؟ وكيف نعرف أنه شيء لا يمكن أن يجربه الوعي الرقمي؟ قد نظن ـ بل لقد تعلمنا بالفعل أن نفكر ـ أننا معشر البشر لدينا بصيرة مباشرة في عالمنا الداخلي، بصيرة لا تتأثر بالمفاهيم التي تعلمناها؛ غير أننا بعد أن نتعلم من شكسبير كيف يمكن أن يكون حزن الفراق عذبًا، نكتشف أبعادًا جديدة في تجربتنا. فأكثر ما «نشعر» به إنما نتعلمه.
لقد ذهبت الفيلسوفة سوزان شنيدر إلى أنه سوف تكون لدينا أسباب لاعتبار الذكاء الاصطناعي واعيا إذا ما قال نظام كمبيوتري دونما تدريب إن لديه تجارب ذاتية داخلية للعالم. فلعل هذا يشير إلى وعي لدى نظام الذكاء الاصطناعي؛ لكن هذا معيار بعيد، وهو معيار نحن البشر أنفسنا قد لا نستوفيه؛ لأننا أيضا مدرَّبون.
يتخوف البعض من أنه في حال اكتساب الذكاء الاصطناعي الوعي سوف يستحق منا مراعاة معنوية، أي أنه سيصبح ذا حقوق، ولن يتسنى الاستمرار في استعماله كيف نشاء، وأننا قد نضطر إلى حمايته من الاستعباد. لكن في حدود ما أفهم، ما من تبعة مباشرة تترتب على الزعم بأن مخلوقًا واعٍ، ومفادها أنه يصير بذلك مستحقا للاعتبار المعنوي. ولو أن ذلك قائم، فإن أغلبية هائلة من الأمريكيين على الأقل يبدون غير واعين به. فليس النباتيون إلا نسبة ضئيلة من الأمريكيين.
وكما أن الذكاء الاصطناعي دفعنا إلى رؤية سمات معينة في الذكاء البشري باعتبارها أقل قيمة مما كنا نتصور (من قبيل القدرة على الحفظ وسرعة الاسترجاع)، فسوف يدفعنا وعي الذكاء الاصطناعي إلى استنتاج أنه ليست أشكال الوعي كافة تستحق الاعتبار المعنوي. أو أنه بالأحرى سوف يعزز الرأي الذي يبدو أن الكثيرين يتبنونه: وهو أنه ليست كل أشكال الوعي ذات قيمة معنوية مماثلة لقيمتنا.
لقد كنت حتى وقت قريب أجادل في مسألة ما إذا كان الكمبيوتر ذكيا. وقبل أن أنتبه، وجدتني أجادل في ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يمكن أن يفوقنا ذكاء. وعندي فضول لأن أعرف إن كنتم تظنون أن الذكاء الاصطناعي قادر على تكوين وعي، أم أنكم ترون أن دون ذلك عوائق لا تحصى. ولو أن الذكاء الاصطناعي قادر على تكوين وعي، فهل يجعلنا هذا ملزمين معنويا بمعاملته على نحو معين؟
باربرا جيل مونتيرو أستاذة الفلسفة في جامعة نوتردام ومؤلفة كتاب «فلسفة العقل: مقدمة موجزة جداً».
الترجمة عن ذي نيويورك تايمز