هل يكفي التمويل لتحقيق العدالة المناخية ؟
تاريخ النشر: 12th, November 2025 GMT
لورا كارفالو -
مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ هذا الشهر، تزايدت المؤشرات الدالة على أن دول الشمال العالمي لن تتمكن من الوفاء بوعودها التمويلية، ومع ذلك لا يزال أمام الدول الغنية فرصة لإظهار حسن النية من خلال شكلٍ آخر من أشكال التضامن، وهو تقاسم المعرفة والتكنولوجيا وحقوق الملكية الفكرية التي تشكّل الأساس لعملية الانتقال الأخضر.
ومع اقتراب انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP30) في مدينة بيليم البرازيلية، بات من الواضح أن الالتزام العالمي المشترك بتحقيق انتقالٍ عادل في مجال الطاقة بدأ يتراجع، فبعد مرور عام واحد فقط على توقيع الحكومات في مؤتمر COP29 على اتفاقٍ يهدف إلى زيادة حجم التمويل المناخي — بهدف تعبئة 1.3 تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2035 — بدأت الدول الغنية تتراجع عن تعهداتها المالية، والأسوأ من ذلك أن مظاهر هذا التراجع في الالتزام تأتي في وقتٍ تتزايد فيه تكاليف التكيّف مع التغير المناخي وجهود خفض الانبعاثات الكربونية في البلدان النامية.
إذا لم تعد دول الشمال العالمي راغبة في الوفاء بوعودها التمويلية –كما يبدو مؤكدًا الآن– فلا يزال بإمكانها مع ذلك إظهار حسن النية عبر شكلٍ آخر من أشكال التضامن وهو تقاسم المعرفة والتكنولوجيا وحقوق الملكية الفكرية التي تشكّل الأساس للتحوّل الأخضر، وهذه ليست قضية يمكن تأجيلها إذ إن التحوّل نحو اقتصادٍ أخضر يعيد إنتاج الاختلالات نفسها التي لطالما ميّزت التجارة العالمية، فبدلًا من تعزيز التنمية الشاملة، أصبحت السياسات المناخية تُصاغ بشكلٍ متزايد تحت تأثير إجراءات حمائية وأنظمة للملكية الفكرية تُكرّس احتكار التكنولوجيا في دول الشمال. فعلى سبيل المثال، وقد يُروَّج لآلية ضبط حدود الكربون في الاتحاد الأوروبي باعتبارها وسيلةً لحماية الاقتصاد من «تسرّب الكربون»، لكنها في الواقع تُظهر كيف يمكن استخدام السياسات المناخية لتبرير إجراءات تجارية ذات طابع حمائي.
وتُظهر الشكوى التي قدمتها الصين مؤخرًا ضد الهند بشأن الدعم المقدم لمركباتها الكهربائية وبطارياتها كيف أصبحت السياسات الصناعية الخضراء سببًا متزايدًا لنشوء النزاعات التجارية، وتشير هذه التطورات مجتمعةً إلى تصاعد التوتر بين الأهداف المناخية وقواعد منظمة التجارة العالمية، فهل يمكن أن تتحول التدابير الهادفة إلى مواجهة التغير المناخي قريبًا إلى دافعٍ جديد للإقصاء الاقتصادي؟
وفي صميم هذه الإشكالية يكمن اختلال واضح في التوازن، فالقوى الكبرى مثل: الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تنتج التقنيات الخضراء ذات القيمة العالية، بينما تظل معظم الدول النامية عالقة في تصدير السلع الخضراء منخفضة القيمة – وعلى رأسها المعادن الحيوية. وهذا يعكس نمط تقسيم العمل الذي ساد في الحقبة الاستعمارية، حين كان الجنوب العالمي يوفّر المواد الخام، بينما يحتكر الشمال الابتكار والإنتاج ويجني الأرباح الأكبر.
وتُبرز بيانات المنظمة العالمية للملكية الفكرية عمق هذا الانقسام، فبراءات الاختراع الخضراء -المرتبطة بالطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والتكيّف مع المناخ- تتركّز بشكلٍ ساحق في عددٍ محدود من الدول مثل الصين والولايات المتحدة واليابان وألمانيا.
ففي الفترة بين عامي 2000 و2024، استحوذت أكبر عشر اقتصادات في العالم على ما يقرب من 90% من طلبات براءات الاختراع الدولية في تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، أما البرازيل، فعلى الرغم من احتلالها المرتبة السادسة عالميًا في القدرة المركّبة لطاقة الرياح، فقد ساهمت بنسبة لا تتجاوز 0.4% من براءات اختراع هذا المجال على مستوى العالم. وفي مجال الطاقة الشمسية، لم تتعدَّ حصتها 0.19% فقط.
هذا التركّز التكنولوجي ليس مصادفة، بل هو نتيجة نظامٍ عالمي للملكية الفكرية يمنح الأولوية لأرباح الاحتكار على حساب المنافع العامة، وقد فشلت الجهود الرامية إلى تحقيق تنسيقٍ عالمي أوسع — بما في ذلك من خلال اتفاق الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية (تريبس) — في معالجة المشكلة الجوهرية. فبدون الوصول إلى تقنياتٍ ميسّرة الكلفة، لا يمكن للجنوب العالمي أن يشارك بشكلٍ كامل في مسار التحوّل المناخي، والأسوأ من ذلك أن النظام الحالي يهدّد بإبقاء الدول النامية في شكلٍ جديد من التبعية، إذ تواصل تزويد العالم بالمعادن اللازمة لصناعة البطاريات والألواح الشمسية، من دون أن تمتلك الوسائل لإنتاجها.
ولا يكفي التمويل المناخي لكسر هذه الحلقة. بل يجب أن تكون عمليات نقل التكنولوجيا وإصلاح نظام الملكية الفكرية العالمي في صميم المفاوضات المناخية، ورغم أن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ واتفاق باريس يعترفان بهذا الأمر، إلا أن التقدّم المحرز ما زال محدودًا للغاية.
ولحسن الحظ، هناك سابقة للتغييرات المطلوبة، ففي العقد الأول من الألفية، لعبت البرازيل دورًا محوريًا في تصنيف الحصول على أدوية الإيدز باعتباره منفعةً عامة، لا سلعة تخضع فقط لحقوق الملكية الفكرية. وقد جاء هذا التحوّل نتيجة مزيجٍ من الإجراءات القانونية والسياسية والمجتمعية التي تحدّت نظام براءات الأدوية العالمي ووضعت الصحة العامة في المقام الأول.
وكما أشار الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل جوزيف ستيغلتز، إلى إن مثل هذه الآليات ضرورية لتصحيح إخفاقات السوق وضمان الوصول العادل إلى الابتكار. ولهذا السبب شددت محكمة العدل الدولية، في رأيها الاستشاري الأخير بشأن تغيّر المناخ، على التزام جميع الدول بالتعاون -إلى ما هو أبعد من مجرد تقديم التمويل- في تطوير ونشر التقنيات الخضراء، بما في ذلك من خلال تبادل المعرفة والمشاركة في عمليات نقل التكنولوجيا.
ويُعد برنامج تنفيذ التكنولوجيا (TIP)، الذي جرى الاتفاق عليه في مؤتمر COP28، وسيلةً لتعزيز مثل هذا التعاون. وتحت قيادة البرازيل في مؤتمر COP30، يمكن أن يصبح هذا البرنامج منصةً لتقوية نظم الابتكار الوطنية، وتمكين الدول من تكييف التقنيات وفق ظروفها المحلية وبناء قدراتها على إيجاد حلول مناخية مستدامة، وتقوم الفكرة على استخدام مزيجٍ من الأموال العامة والخاصة لدعم مشاريع تجريبية، ثم توسيع نطاق تلك التي تثبت فعاليتها.
على سبيل المثال، يمكننا دعم مشروعٍ تجريبي يهدف إلى إنتاج أسمدة منخفضة الكربون باستخدام الهيدروجين الأخضر. ففي الوقت الراهن، يُنتَج الأمونيا -وهو المكوّن الأساسي في الأسمدة النيتروجينية— باستخدام الهيدروجين المستخرج من الوقود الأحفوري، وهو ما يجعل هذا القطاع مسؤولًا عن نحو 1 إلى 2% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، ولكن من خلال استبدال الهيدروجين القائم على الوقود الأحفوري بالهيدروجين المتجدد (الأخضر)، يمكن الحصول على الكمية نفسها من الأمونيا مع انبعاثاتٍ أقل بكثير، إضافةً إلى توفير حلٍّ قابلٍ للتوسّع والتكيّف محليًا.
وإذا نجح هذا المشروع التجريبي في هذا القطاع الصعب الخفض للانبعاثات، فسيوفّر نموذجًا يمكن تكراره في دولٍ أخرى. ويمكن لرئاسة البرازيل لمؤتمر COP30 أن توحّد دول الجنوب العالمي خلف رؤيةٍ لبرنامج تنفيذ التكنولوجيا (TIP) تُحقّق العدالة المناخية من خلال الابتكار، فهذه ليست أجندة تقنية فحسب، بل هي أيضًا أجندة سياسية. إذ لا يمكن للدول أن تبني قدراتها إلا بتمكينها من الوصول إلى التقنيات الخضراء، ومن خلال مساعدة بقية العالم على خفض الانبعاثات الكربونية، ستُسهم الدول الغنية أيضًا في مصلحتها الخاصة.
لورا كارفالو مديرة قسم الازدهار الاقتصادي والمناخي في مؤسسة المجتمع المفتوح، وأستاذة مشاركة في الاقتصاد بجامعة ساو باولو
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الملکیة الفکریة من خلال
إقرأ أيضاً:
ڤاليو ومجموعة القصراوي تتعاونان لتوسيع حلول التمويل المرن للسيارات
أعلنت ڤاليو، الشركة الرائدة في مجال التكنولوجيا المالية الشاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عن تعاون استراتيجي مع مجموعة القصراوي، إحدى أكبر المجموعات العاملة في قطاع السيارات في مصر وهي الوكيل الحصري لسيارات جيتور وجاك وستروين، بهدف إتاحة مجموعة متنوعة من حلول التمويل المرنة لشراء السيارات من خلال "Shift"، منتج تمويل السيارات المبتكر من ڤاليو.
يعكس هذا التعاون التزام الشركتين بتوسيع نطاق الوصول إلى حلول تمويل سريعة ومرنة في قطاع السيارات المصري. فمن خلال Shift، سيتمكن العملاء من شراء السيارات الجديدة أو المستعملة، سواء من خلال معاملات التاجر إلى العميل (B2C) أو من العميل إلى العميل (C2C)، مع إجراءات موافقة سريعة وخطط سداد مرنة تمتد من عام إلى سبعة أعوام.
ومن خلال دمج Shift ضمن مجموعة القصراوي، سيستمتع العملاء بتجربة تمويل سلسة تزيل العديد من العقبات التقليدية المرتبطة بامتلاك السيارات. بالإضافة إلى ذلك، سيتم قبول ڤاليو كوسيلة دفع في جميع مراكز خدمة القصراوي، مما يتيح للعملاء دفع تكاليف الصيانة وخدمات ما بعد البيع بسهولة من خلال خطط سداد مرنة. وتشمل مزايا Shift عدم اشتراط التأمين، وإلغاء حظر البيع عند سداد 40% من قيمة السيارة كمقدم، بالإضافة إلى خطط سداد مرنة مصممة لتناسب مختلف الاحتياجات المالية.
قال معتز لطفي، رئيس قطاع تطوير الأعمال والشراكات في ڤاليو: "في ڤاليو، نواصل إعادة تعريف السوق في مصر من خلال التعاون مع المؤسسات الرائدة التي تشاركنا رؤيتنا في تمكين أسلوب الحياة. ومن خلال Shift، نسعى إلى إحداث نقلة نوعية في تجربة تمويل السيارات، بجعلها أسرع وأكثر مرونة، ومتاحة لشريحة أوسع من المصريين. ويعزز تعاوننا مع مجموعة القصراوي شبكة Shift لدينا، ويدعم مهمتنا في دفع نمو قطاع السيارات."
وقال رضا والي، نائب رئيس مجلس الإدارة للشؤون المالية والإدارية في مجموعة القصراوي: "نحن سعداء بشراكتنا مع ڤاليو لتقديم حلول أكثر مرونة وسهولة لعملائنا. في مجموعة القصراوي، نضع الابتكار وتجربة العميل في صميم أعمالنا، ويُعد هذا التعاون خطوة مهمة نحو تمكين المزيد من المصريين من امتلاك سياراتهم المفضلة بسهولة أكثر."
كجزء من هذا التعاون، ستعمل ڤاليو مع مول مصر والقصراوي في حملة "تسوق واربح" القادمة الخاصة بـمول مصر لشهر نوفمبر التي ستستمر لمدة ثلاثة أسابيع، بداية من 12 نوفمبر. ويحق لعملاء المول الذين يقدمون فواتير مشتريات يبلغ مجموعها أكثر من 2,000 جنيه مصري الدخول في سحب للحصول على فرصة للفوز بسيارة Jetour X70 Plus، مقدمة من القصراوي. وكميزة حصرية، سيحصل عملاء ڤاليو على ضعف فرص الدخول في السحب، بمجرد التسوق والدفع عبر ڤاليو.
ويعكس هذا التعاون التزام كلٍ من ڤاليو ومجموعة القصراوي بتقديم حلول تمويلية عصرية تواكب احتياجات العملاء، وتسهم في تيسير امتلاك السيارات ودعم الشمول المالي في السوق المصري