تحول الفاشر.. السودان بين التقسيم والتصعيد
تاريخ النشر: 12th, November 2025 GMT
يشكل استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي منعطفا جديدا في الحرب السودانية المستمرة منذ قرابة 3 سنوات، إذ قد تمهّد لوجود سلطة سودانية شبيهة بسلطة حفتر في شرق وجنوب ليبيا.
وحول أسباب إخفاق الجيش السوداني في السيطرة على الفاشر، وسقوطها في يد قوات الدعم السريع، والتداعيات التي قد تغير شكل التركيبة السكانية في المنطقة، نشر مركز الجزيرة للدراسات تقدير موقف بعنوان "تحول الفاشر.
أشارت الدراسة إلى أن سيطرة الجيش السوداني على العاصمة الخرطوم وتحرريها من الدعم السريع، من الأمور التي ساهمت في إخراجه من مدينة الفاشر، إذ ركزت الحكومة على المدن الثلاث الرئيسية: الخرطوم رمز السيادة، وبورتسودان المنفذ التجاري للبلاد الذي يتحكم في 90% من التجارة الخارجية، والقضارف التي تعتبر بمثابة السلة الغذائية.
وتمثل هذه المناطق عقدا إستراتيجية، لذلك خصصت لها الحكومة غالبية القوات العسكرية لحمايتها من قوات الدعم السريع، وأنشأت قواعد جوية جديدة في بورتسودان، ولم يتبقَّ له للدفاع عن إقليم دارفور إلا عدد قليل.
انتهز الدعم السريع نافذة انشغال الجيش السوداني بهذه المدن الثلاث، فركز عملياته في أقصى الغرب بإقليم دارفور، خاصة العاصمة الفاشر.
وتعد هذه المدينة القاعدة التقليدية لقوات الدعم السريع، لا سيما أن حميدتي ينتمي إلى دارفور، ويحظى هناك بقاعدة قبلية معتبرة. كما يتوفر على خطوط إمداد وانكفاء لقواته في الدول المجاورة للإقليم، مثل مناطق الجنوب الليبي التي يسيطر عليها اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وفي هذا السياق، تستفيد قوات الدعم السريع من عائدات ذهب جبل عامر في إقليم دارفور لتمويل عملياتها، وتوظيف المزيد من الدعم الخارجي لزيادة عدد الطائرات المسيرة التي استخدمتها في إحكام الحصار على الفاشر، وإنهاك القوات السودانية والقوات الرديفة لها المدافعة عن المدينة.
إعلان حسابات متغيرةنبهت الدراسة إلى أن سيطرة حميدتي على الفاشر وغالبية إقليم دارفور -الذي يمثل ربع مساحة السودان– قاعدة جغرافية لحكومته الموازية التي أعلن عن تشكيلها في أبريل/نيسان 2025، وسماها حكومة السلام والوحدة.
وتعتزم هذه الحكومة العمل على إدارة 4 ولايات في دارفور وغرب كردفان، وتخطط لطباعة عملة خاصة بها، وإصدار جوازات سفر، وإنشاء سجل مدني.
ورغم أن الحكومة لم تحظَ باعتراف دولي، فإن سيطرتها على إقليم كامل قد يحولها إلى سلطة فعلية تفرض وقائع وتدفع دولا للاعتراف بها في المستقبل أو للتعامل معها دون اعتراف.
وذكرت الدراسة إلى أن مساعي حميدتي للسيطرة على تلك الولايات قد غيّرت الحسابات، وامتدت إلى تغيير التركيبة السكانية لتغليب المكونات الموالية له لتكون حاضنته الآمنة، وتهجير المكونات الأخرى التي يعدها قاعدة اجتماعية للقوات المناوئة له.
ووثّقت الهيئات الحقوقية مثل هيومن راتس ووتش ومختبر ييل للأبحاث الإنسانية حملات تطهير عرقي في الفاشر، وإعدامات جماعية، لفئات إثنية وقبلية يعدها حميدتي مناوئة، مثل الفور والزغاوة والمساليت، وإحلال فئات إثنية وقبلية أخرى مكانها.
وستؤدي سيطرة حميدتي على الفاشر إلى تغيير حسابات الحكومة السودانية التي ستحرص على استعادتها حتى لا يتحول إنجازه العسكري إلى إنجاز سياسي ينازعها في تمثيل السودان خارجيا.
وسيسعى حميدتي بكل قوة إلى السيطرة على الأبيض عاصمة كردفان، لأن مساحتها تبلغ 20% من مساحة السودان، وهو الإقليم الذي يفتح الطريق إلى بورتسودان لتصدير الذهب للخارج.
من جانبها، ستسارع قوات الدعم السريع إلى خوض معركة كردفان، والسيطرة على الأبيض عاصمة الإقليم، مستغلة الزخم الناتج عن استيلائها على الفاشر، ثم لتوجيه قوات الجيش السوداني بعيدا عن دارفور.
سيناريوهاتوفي ما يتعلق بالمواجهة بين الطرفين في المرحلة القادمة وما ستشكله من أثر على الساحة السودانية، فإنها قد لا تخرج عن 3 سيناريوهات محتملة:
السيناريو الأول: احتفاظ الجيش بكردفان
وهو السيناريو الأرجح، لأن الدعم السريع لن تستطيع فرض حصار طويل عليها، فقواتها ستكون مكشوفة لقصف القوات الجوية السودانية، وستحتاج إلى قوات كبيرة لإحكام الحصار، وهي غير متوافرة لديها.
وإذا نجح الجيش في الاحتفاظ بكردفان، سينتج عن ذلك إما انكشاف دارفور أمام معارك الجيش المضادة لاستراد مدينة الفاشر، أو تجمد خطوط القتال، وتعزز احتمال ترسيخ سلطة حميدتي على إقليم دارفور، في سيناريو شبيه بسيناريو حفتر في الشرق الليبي.
السيناريو الثاني: تمكن حميدتي من السيطرة على كردفان
وهو ضعيف، لأنه سيضطر إلى تحمل تكاليف هائلة في أفراد قواته، ورفع أعدادها، والمخاطرة بخسارة الفاشر. وإن غامر رغم ذلك، فإن الجيش لن يتردد في تصعيد المواجهة لأن خسارة كردفان ستفتح الطريق أمام خسارته السيطرة على المفاصل الرئيسية للبلاد.
السيناريو الثالث: استرداد الجيش لإقليم دارفور قبل معركة كردفان
وهو أضعف من السيناريو السابق، لأن الجيش يواجه معضلة لوجيستية في تأمين الإمدادات والدعم لجبهة دارفور وعاصمتها الفاشر.
وقد أظهر أثناء دفاعه عن الفاشر أنه لا يملك قوات إضافية يرسلها لدعم قواته المحاصرة داخل إقليم الفاشر، رغم أن معركة الدفاع هي دائما أسهل من معركة الهجوم لاستعادة الفاشر.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات دراسات قوات الدعم السریع الجیش السودانی إقلیم دارفور السیطرة على على الفاشر
إقرأ أيضاً:
فظائع الدعم السريعفي الفاشر.. حرقوا الجثث ودفنوا المئات منها
كشف منظمة سودانية عن فظائع وجرائم ارتكبتها قوات الدعم السريع في الفاشر خلال هجومها الدموي على المدينة التي تعد عاصمة ولاية شمال دارفور غرب البلاد.
وأعلنت شبكة أطباء السودان، أن قوات الدعم السريع قامت بجمع مئات الجثث من شوارع وأحياء الفاشر، وقامت بدفن بعضها في مقابر جماعية وحرقت أخرى بالكامل، في محاولة لإخفاء آثار المجازر التي ارتكبتها تلك القوات ضد سكان المدينة.
وقالت شبكة أطباء السودان في بيان صحافي: "في جريمة جديدة تضاف إلى سجل الدعم السريع، شهدت مدينة الفاشر واحدة من أبشع الممارسات اللاإنسانية، حيث قامت الدعم السريع خلال الأيام الماضية بجمع مئات الجثث من شوارع وأحياء المدينة، ثم دفنت بعضها في مقابر جماعية وأحرقت أخرى بالكامل في محاولة يائسة لإخفاء آثار جرائمها ضد المدنيين".
وأضافت إن: "ما جرى في الفاشر ليس حادثة معزولة بل فصل جديد من جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، تمارسها الدعم السريع، ضاربة عرض الحائط بكل الأعراف الدولية والدينية التي تحرم التمثيل بالجثث وتمنح الموتى حق الدفن الكريم"، وأدانت شبكة أطباء السودان بـ"أشد العبارات هذه الجرائم المروعة"، محملة قيادة الدعم السريع المسؤولية الكاملة عن هذه المجازر".
وأكدت أن "هذه الجرائم لن تمحى بالتستر أو الحرق"، داعية المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري والعاجل لفتح تحقيق دولي مستقل في ما يجري بالفاشر، وقالت الشبكة: "لقد تجاوزت الأوضاع في الفاشر حدود الكارثة الإنسانية إلى جريمة إبادة ممنهجة، تستهدف الإنسان في حياته وكرامته، في ظل صمت دولي مخز يرقى إلى التواطؤ".
وتداولت بعض الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي لقطات مصورة، قالوا إن عناصر (الجنجويد) يحرقون الجثث جنب سلاح طبي و مستشفي السعودي و أطراف الفاشر لإخفاء معالم جرائمهم، كما يظهر آخرون قرب خندق يضم عدداً من الجثث غربي المدينة الفاشر، فيما تعذر التحقق من صحة تلك المقاطع المصورة.
بدوره، حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من وضع إنساني حرج لآلاف العائلات النازحة من الفاشر، بولاية شمال دارفور في السودان، في أعقاب أعمال العنف الأخيرة، وأكد شالوكا بياني المستشار الخاص لأمين عام الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية، أن المنظمة الأممية توثق انتهاكات هائلة لقانون حقوق الإنسان الدولي، وهجمات مباشرة على المدنيين، وعدم امتثال للقانون الدولي الإنساني الذي ينظم سير الأعمال القتالية".
"الإفلات من العقاب يقع في جوهر الفظائع المرتكبة في #دارفور.
التركيز ينصب على المساءلة والعدالة ونوع الآليات التي يجب إنشاؤها، سواء كانت محاكم استثنائية أو عدالة انتقالية أو محاكم مختلطة".
-شالوكا بياني المستشار الأممي الخاص لمنع الإبادة الجماعيةhttps://t.co/uS5BvAeYdB pic.twitter.com/YY86RLThAg — أخبار الأمم المتحدة (@UNNewsArabic) November 7, 2025
ولفت إلى أن "الإفلات من العقاب يقع في جوهر الفظائع المرتكبة في دارفور، مشددا على أن التركيز اليوم ينصب على المساءلة والعدالة ونوع الآليات التي يجب إنشاؤها، سواء كانت محاكم استثنائية أو عدالة انتقالية أو محاكم مختلطة".
وحذر حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي من أن أي هدنة لا تتضمن حماية المدنيين ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم تعني تقسيم السودان، واعتبر أن أي هدنة يجب أن تسبقها إجراءات محددة تشمل انسحاب الدعم السريع من التجمعات السكنية والإفراج عن المختطفين وتأمين عودة النازحين.
في حين استبعد وزير الموارد البشرية السوداني معتصم صالح أي دور مستقبلي لقوات الدعم في الحياة السياسية أو العسكرية، مؤكدا أنها غير مؤهلة لأن يكون لها أي وضع في مستقبل البلاد بعد الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها بحق السودانيين، وأضاف الوزير السوداني أن ما حدث في مدينة الفاشر يمثل كارثة إنسانية، وأن عدد الضحايا بعد اجتياح قوات الدعم للمدينة يصل إلى عشرات الآلاف.
وكانت ميليشيا قوات الدعم السريع، المنخرطة في حرب دامية مع الجيش السوداني منذ نيسان/أبريل 2023، قد تمكنت من السيطرة على مدينة الفاشر عاصمة إقليم شمال دارفور أواخر الشهر الماضي،
ولاذ عشرات الآلاف من السكان بالفرار عقب سقوط المدينة، ووردت تقارير عن أعمال عنف واسعة النطاق ارتكبتها قوات الدعم السريع، ، ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية، شهادات لعدد من سكان مدينة الأُبيِّض عاصمة ولاية شمال كردفان يعبرون فيها عن خشيتهم من هجوم محتمل لقوات الدعم السريع.