ساسة أوروبيون: فلسطين تعيد تشكيل المشهد الأوروبي
تاريخ النشر: 15th, November 2025 GMT
باريس - صفا
أجمع ثلاثة سياسيين أوروبيين على أن فلسطين تعيد تشكيل المشهد الأوروبي في اللحظة الراهنة، في الجلسة الأخيرة لمؤتمر "فلسطين وأوروبا"، الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – فرع باريس وكرسي التاريخ في "كوليج دو فرانس".
وشارك في الجلسة التي كان عنوانها "كيف تعيد فلسطين تشكيل أوروبا"، المقررة الخاصة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فرانشيسكا ألبانيز، ورئيس الوزراء وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، دومينيك دو فيلبان، ورئيس CIDOB والممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، وأدارتها الفرنسية أنياس لوفالوا.
وقدّم السياسيون الثلاثة خلاصة سياسية وأخلاقية مكثّفة حول موقع فلسطين اليوم داخل المشهد الأوروبي، أظهرت حجم التحوّل الجاري داخل الرأي العام الأوروبي والمؤسسات الرسمية في ظل حرب الإبادة على غزة.
وقف الدعم غير المشروط ل"إسرائيل"
السؤال الرئيس الذي ركزت عليه الجلسة والذي وجهته لوفالوا بشكل مباشر إلى المتحدثين: كيف تعيد قضية فلسطين تشكيل أوروبا؟ والبداية كانت مع الإسباني بوريل، الذي عبّر عن استنكاره إلغاء "كوليج دو فرانس" استضافته المؤتمر، مشيداً بعزيمة المنظمين عقده في موعده.
واعتبر ذلك انتصاراً معنوياً، وقال إنّ ادعاءات معاداته للسامية غير صحيحة، لافتاً إلى أنَّ المؤتمر كان أكاديمياً وموضوعياً، وقد أثبت تنوع المشاركين ومداخلاتهم رصانته.
وقال بوريل إنّ الاتحاد الأوروبي "يعاني أزمة عميقة في تحويل المبادئ إلى سياسات فعلية، وأن التناقض بين خطاب أوروبا بشأن حقوق الإنسان وممارستها العملية أدّى إلى اتهامات بأنها متواطئة أو صامتة تجاه جرائم الحرب والإبادة".
ودعا بوريل إلى مقاربة أوروبية جديدة تقوم على وقف الدعم غير المشروط، وممارسة ضغط جدي لإيقاف العمليات العسكرية، وفرض آليات محاسبة سياسية وقانونية على إسرائيل. ووصف بوريل الدعم الممنوح لإسرائيل داخل المؤسسات الأوروبية بأنه "ثابت وعميق"، وقال إنّ جميع الإجراءات أو العقوبات المطروحة غالباً ما تبقى "حبراً على ورق" من دون تنفيذ فعلي.
وأوضح أنّ غالبية الدول الأعضاء ترى أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وهو ما يحد من قدرة الاتحاد الفعلية على ممارسة ضغط حقيقي أو إحداث تغيير ملموس. ورغم هذا الواقع، شدّد بوريل على أنّ التغيير الفعلي "ممكن، ولكنه يحتاج إلى وقت، وأنه بدأ يظهر في الرأي العام الأوروبي، الذي بدأ يُظهر وعياً أخلاقياً متنامياً تجاه مأساة الفلسطينيين ويشكّل القوة الحقيقية لدفع الاتحاد إلى إعادة النظر في مواقفه".
على أوروبا أن تعيد النظر في سياساتها تجاه فلسطين
من جانبها، بدأت الإيطالية ألبانيز، مداخلتها بتأكيدها أنّ ما يجري في الأراضي الفلسطينية "ليس مجرد تجاوزات، بل منظومة عنف ممنهجة، وأن صمت أوروبا يشكّل مشاركة فعلية في استمرار الانتهاكات".
وأكدت أنّ أوروبا مطالبة باتخاذ إجراءات فعلية، وليس الاكتفاء بإصدار بيانات قلق أو دعوات رمزية للتهدئة.
وشدّدت على ضرورة أن تستيقظ أوروبا وتعيد النظر في سياساتها تجاه فلسطين، وأن تمارس ضغطاً فعلياً على "إسرائيل"، الدولة التي لا تكترث للقانون الدولي وتمارس الإبادة ضد المدنيين الفلسطينيين.
وأوضحت أن الاتفاقيات والشراكات الاقتصادية مع "إسرائيل"، بما فيها اتفاقية الشراكة التجارية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، يجب أن يُعاد تقييمها بدقة، "لأنّ استمرار التعامل معها شريكاً طبيعياً يعزز الإفلات من العقاب ويشرعن الانتهاكات".
وشدّدت ألبانيز على ضرورة "أن تستيقظ أوروبا وتعيد النظر في سياساتها تجاه فلسطين"
وأكدت ألبانيز أنّ أوروبا تتحمّل مسؤولية أخلاقية وقانونية تجاه الفلسطينيين، داعية إلى فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على "إسرائيل"، ومساءلة الشركات الأوروبية التي تساهم في تجارة الأسلحة والتقنيات الأمنية المستخدمة في الأراضي المحتلة.
كما أشارت إلى أنّ الرأي العام الأوروبي بدأ يظهر علامات وعي أخلاقي جديد بفعل صور المعاناة الفلسطينية وجرائم الإبادة، مؤكدة أن التغيير الحقيقي لن يتحقق إلا من خلال محاسبة إسرائيل على أفعالها، وليس عبر الدعم غير المشروط أو التصريحات الشكلية.
وختمت مداخلتها بتأكيد أن القضية الفلسطينية لم تعد مسألة خارجية فقط، بل أصبحت معياراً لتقييم القيم الأوروبية، داعية إلى تحويل الشعور بالقلق إلى أفعال ملموسة لوقف الانتهاكات وحماية المدنيين.
فلسطين أصبحت محرّكاً لإعادة تعريف أوروبا نفسها
أما دو فيلبان فبدأ مداخلته بتأكيد أهمية حرية الكلمة وتمكين الباحثين والمثقفين من التعبير بحرية، مشيراً إلى المخاطر المرتبطة بتقييد النقاش الأكاديمي، كما تجلّت في قرار إلغاء المؤتمر في "كوليج دو فرانس".
ثم انتقل إلى جوهر حديثه، مؤكداً أنّ القضية الفلسطينية ليست ملفاً خارجيّاً فحسب، بل تمسّ القيم الأساسية وأخلاقيات القرار السياسي في فرنسا وأوروبا.
وأوضح أن التعامل مع فلسطين بوصفها قضية بعيدة عن أوروبا يعكس ازدواجية المعايير ويفقد القارة مصداقيتها، مؤكداً أنّ القضية يجب أن تحتل أولوية قصوى على جدول الأعمال الأوروبي والفرنسي.
واستعرض دو فيلبان طبيعة الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية، مشدداً على ضرورة تسمية الأمور بمسمياتها بشكل صريح ومن دون مواربة باعتبار ذلك خطوة أساسية نحو مساءلة حقيقية.
وأكد أن السياسة الأوروبية يجب أن تكون واضحة وحازمة، لا شكلية أو رمزية، مع ضرورة استخدام جميع الأدوات المتاحة، السياسية والدبلوماسية والقانونية والاقتصادية، للضغط على "إسرائيل" لإيقاف الانتهاكات.
كما أشار إلى أن الحلول الحقيقية للأزمات في فلسطين تقوم على ممارسة الدبلوماسية الفاعلة بدل العنف أو التواطؤ، وأنّ على أوروبا التحلّي بالشجاعة الأخلاقية لتطبيق القانون الدولي وحماية المدنيين.
وفي أكثر من ساعة، قدّم المتحدثون الثلاثة صورة واضحة عن اللحظة الأوروبية الراهنة: أوروبا تواجه انقساماً غير مسبوق بين حكومات حذرة أو صامتة، ورأي عام غاضب يخرج في مظاهرات أسبوعية، وجيل جديد يرفض الخطاب السياسي التقليدي.
وخلصت الجلسة إلى أن فلسطين لم تعد مجرد قضية خارجية في السياسة الأوروبية، بل أصبحت محرّكاً لإعادة تعريف أوروبا نفسها: صورتها وقيمها ووزنها الدولي.
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: اوروبا النظر فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
أوروبا عند مفترق الابتكار والسيادة الرقمية.. نموذج محاكاة الاتحاد الأوروبي بجامعة أسيوط
نظم طلاب جامعة أسيوط، فعاليات نموذج محاكاة الاتحاد الأوروبي في موسمه العاشر لعام 2025، تحت عنوان "أوروبا عند مفترق الابتكار والسيادة الرقمية: الذكاء الاصطناعي بين الحكومة والأمن والاقتصاد".
جاء النموذج بتنظيم كلية التجارة، برعاية الدكتور أحمد المنشاوي رئيس جامعة أسيوط وإشراف الدكتور محمد أحمد عدوي نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف العام على النموذج، والدكتورة مروة بكر منسق الأنشطة الطلابية، وبحضور السفيرة أنجلينا إيخورست رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي لدى مصر.
شهد الفعالية الدكتور علاء عبد الحفيظ عميد كلية التجارة، والدكتور أحمد الشوري أستاذ مساعد العلوم السياسية ومنسق برنامج PPIS بالكلية، إلى جانب المشرفين الأكاديميين على النموذج الدكتورة إحسان محمد و محمود عثمان، وعدد من أعضاء هيئة التدريس، وممثلي سفارة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة، والطلاب المشاركين في النموذج.
وأكد الدكتور أحمد المنشاوي أن نماذج المحاكاة التي تنفذها جامعة أسيوط تهدف إلى إعداد طلاب يمتلكون العلم والمعرفة والقدرة على مواجهة التحديات العالمية، ليصبحوا قادة قادرين على التأثير الإيجابي في مجتمعاتهم.
إشراك الشباب في عملية اتخاذ القراروأشار إلى أن هذه النماذج تمثل أدوات فاعلة لإشراك الشباب في عملية اتخاذ القرار، وتعظيم الاستفادة من طاقاتهم الإبداعية في ابتكار حلول لقضايا عالمية معقدة.
وأضاف رئيس الجامعة أن نموذج هذا العام شارك فيه نحو (100) طالب وطالبة يمثلون (27) دولة من دول الاتحاد الأوروبي، ناقشوا أبرز القضايا الاقتصادية والتكنولوجية الراهنة، وتطور العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة في مجالي الصلب والتكنولوجيا، إلى جانب دور الذكاء الاصطناعي في دعم الأمن الجماعي لأوروبا، وحماية الحدود والبنية التحتية والقيم الديمقراطية.
استفادة جميع الدول الأعضاء من التحولين الرقمي والاقتصاديكما تناولت جلسات النموذج كيفية استفادة جميع الدول الأعضاء من التحولين الرقمي والاقتصادي بشكل متوازن، والتوجهات المستقبلية للمجلس الأوروبي في مجال الدبلوماسية الرقمية، خاصة في علاقاته مع أمريكا اللاتينية وآسيا، بما يعزز نظامًا رقميًا عالميًا يتمحور حول الإنسان.
وناقش الطلاب كذلك آليات التعامل مع الصين في ظل المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية، وسبل التعاون بين المجلس والمفوضية والبرلمان الأوروبي لضمان تنفيذ قانون الذكاء الاصطناعي بفاعلية، إلى جانب طرح رؤيتهم لمستقبل أوروبا في ظل التحولات التكنولوجية والجيوسياسية المتسارعة.
وفي كلمته خلال الجلسة، أكد الدكتور محمد عدوي أن نموذج محاكاة الاتحاد الأوروبي يمثل تجسيدًا عمليًا للشراكة الإستراتيجية الممتدة بين مصر والاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى توافق الجانبين في عدد من القضايا المحورية، وفي مقدمتها السلم والأمن والقضية الفلسطينية.
وأشاد نائب رئيس الجامعة بالأداء المتميز للطلاب، وقدرتهم على التعبير عن آرائهم بوعي وثقافة عالية، مثمنًا جهودهم ومعارفهم الواسعة التي مكنتهم من مناقشة الجوانب الأخلاقية لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، وتوظيف التكنولوجيا لخدمة التنمية.
كما توجه بالشكر إلى القائمين على النموذج لدعمهم المتواصل ونجاح التجربة على مدار عشرة مواسم متتالية.
ومن جانبها، أعربت السفيرة أنجلينا إيخورست عن سعادتها البالغة بأداء طلاب جامعة أسيوط خلال الجلسة، مشيدة بالتزامهم بالبروتوكولات الرسمية ودقة ترتيب الجلسات، وتناغم الخطابات بين ممثلي الدول المختلفة.
وأثنت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي على قدرة الطلاب على الحوار بعدة لغات من لغات الاتحاد الأوروبي مثل الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والألمانية، وهو ما يعكس عمق الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي.
وأكدت أن نموذج محاكاة الاتحاد الأوروبي في جامعة أسيوط يعد تجربة فريدة ومتميزة على مستوى الجامعات المصرية، موجّهة الشكر لكافة المشرفين والطلاب المشاركين في التنظيم والتنفيذ.
وفي السياق ذاته، عبّر الدكتور علاء عبد الحفيظ عن فخره بالمستوى المتميز الذي ظهر به الطلاب في تمثيل الدول الأعضاء، وقدرتهم على طرح القضايا بوعي ودقة، مؤكدًا أن هذا النجاح يجسد التعاون الوثيق والعلاقات التاريخية بين مصر وأوروبا، ومتمنيًا للطلاب دوام التوفيق والتميز.
كما أشارت الدكتورة مروة بكر إلى حرص الجامعة على دعم طلابها وتشجيعهم على المشاركة في الأنشطة التي تنمي شخصيتهم وتصقل مهاراتهم خارج الإطار الأكاديمي، مقدمة الشكر لإدارة الجامعة والكلية وفريق الإشراف والطلاب المبدعين على جهودهم، وكشفت عن التجهيز لعدد من الأنشطة المستقبلية بالتعاون مع سفارة الاتحاد الأوروبي خلال الفترة القادمة.