دمشق- في خطوة حملت دلالات مهمة على صعيد الرأي العام والسياسة الدولية، جددت الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتماد قرار يؤكد السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني في أراضيه المحتلة وللسوريين في الجولان السوري المحتل على مواردهم الطبيعية، وسط تأييد دولي واسع.

واعتمدت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالمسائل الاقتصادية والمالية -الأربعاء الماضي- مشروع قرار بعنوان "السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، وللسوريين في الجولان السوري المحتل على مواردهم الطبيعية".

وتقدّمت بالمشروع مجموعة الـ77 والصين، وحاز على تأييد 152 دولة، مقابل معارضة إسرائيل و7 دول أخرى، بينها الولايات المتحدة الأميركية، في حين امتنعت 12 دولة عن التصويت.

لجنة الأمم المتحدة المعنية بالمسائل الاقتصادية والمالية تعتمد مشروع قرار قدمته مجموعة الـ77 والصين، يؤكد سيادة الشعب الفلسطيني على موارده الطبيعية، ويطالب إسرائيل بالكف عن استغلالها pic.twitter.com/T9kBBTJbIM

— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 13, 2025

تأكيد الحقوق

ويعيد القرار التأكيد على الحقوق غير القابلة للتصرف لكل من السوريين في الجولان المحتل والفلسطينيين في أرضهم ومواردهم الطبيعية، بما يشمل الأراضي والمياه وموارد الطاقة.

ويشير مدير مركز جسور للدراسات، محمد سرميني، إلى وجود دلالات قانونية لاعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع القرار، أبرزها:

التأكيد على عدم قانونية الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة، وترسيخ مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة. الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في المطالبة بالتعويض عن استغلال موارده الطبيعية أو إتلافها. اعتبار الجدار العازل والمستوطنات انتهاكا صريح للقانون الدولي ومصدرا لحرمان الفلسطينيين من مواردهم الطبيعية، بما يُعزّز حججهم القانونية أمام الهيئات الدولية. إعادة التأكيد على انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي المحتلة منذ عام 1967، وإلزام إسرائيل باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني. منح القرار وزنا سياسيا وقانونيا كبيرا بسبب التصويت الساحق لصالحه، ما يجعله مرجعا مهما في محكمة العدل الدولية ومداولات مجلس الأمن. تعزيز الإجماع الدولي بشأن طبيعة الاحتلال وسياساته، وتشجيع الدول والمنظمات على الالتزام بسياسات تحترم القانون الدولي. تأكيد دعوة مجلس الأمن للتمييز بين "إقليم دولة إسرائيل" والأراضي المحتلة عام 1967 في كافة المعاملات الدولية.
تكمن أبعاد القرار قانونيا باعتباره المستوطنات انتهاكات للقانون الدولي (الجزيرة)

ويرى سرميني، في حديث للجزيرة نت، أن تصويت الدول الغربية على مشروع القرار يدل على تحول ملحوظ في موقف الغرب، ولا سيما دول الاتحاد الأوروبي وكندا، تجاه سياسات الاحتلال الإسرائيلي.

إعلان

ويشير إلى أن هذا التحول يؤكد أن هذه الدول لم تعد تمنح إسرائيل غطاءً دبلوماسيا تلقائيا كما في السابق، ويُبرز قلقها من الأضرار الناتجة عن المستوطنات والجدار وانتهاكات الموارد الطبيعية.

ويوضح سرميني أن الدول الأوروبية تبرز التزامها بالتمييز بين "أمن دولة إسرائيل" والسياسات الاحتلالية في الأراضي المحتلة، وأن التقييم النهائي لهذا التحول سيظهر عبر سلوك هذه الدول في مجلس الأمن وتنفيذها للسياسات العملية المتعلقة بالتمييز بين إسرائيل والأراضي المحتلة.

إسرائيل تفرض على مرتفعات الجولان القمع ذاته الذي تطبقه في الضفة الغربية.. ما التفاصيل؟#الجزيرة_رقمي pic.twitter.com/BDTNfLmYCk

— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) November 11, 2025

دعم للتفاوض

ويأتي اعتماد مشروع القرار الأممي في وقت تسعى فيه دمشق إلى التوصل لاتفاق أمني مع إسرائيل يضع حدا لاعتداءاتها المتكررة على الأراضي السورية، ويُبدّد مزاعمها بالتعرض إلى التهديد، وهو ما يعتبره الباحث المختص بالشأن السوري وائل علوان بمثابة "ورقة دعم مهمة للحكومة السورية في مفاوضاتها مع إسرائيل".

لكن علوان يوضّح أن موقف دمشق سيظل ضعيفا نسبيا أمام التغوُّل الإسرائيلي المستمر و"الدعم الأميركي المتواصل لمصالح إسرائيل على حساب مصالح المنطقة".

وأوضح أن القوة الأساسية لسوريا في المفاوضات مع إسرائيل تكمن في الضغط الإقليمي والدولي، بما في ذلك الضغط الأممي، لكنه يؤكد أن هذا الضغط لا يحقق تأثيرا فعليا على إسرائيل ما لم يصاحبه ضغط أميركي حقيقي.

ويرى علوان أن مصالح الولايات المتحدة قد تتوافق جزئيا مع هذا الضغط، رغم أن إدارة دونالد ترامب اعترفت سابقا بالجولان لإسرائيل مخالفة بذلك القرارات الدولية الصريحة.

وهو ما يذهب إليه الباحث محمد سرميني أيضا، معتبرا أن القرار الأممي يتيح لسوريا تعزيز موقفها التفاوضي بشأن الجولان المحتل، مؤكدا أن القرار يضمن حق السكان العرب في السيادة على مواردهم الطبيعية ويمنع استغلالها أو تدميرها، ما يوفر لدمشق قوة ضغط إضافية في أي مفاوضات مستقبلية.

ويرى المحلل أن التصويت الدولي الساحق لصالح اعتماد مشروع القرار يزيد من عزلة إسرائيل، ويدعم المطلب السوري بإنهاء الاحتلال وفق القانون الدولي، مؤكدا أن القرار يربط بين الوضع في الجولان ونظيره في الأراضي الفلسطينية، ويُدعّم موقف سوريا في مطالبتها بحل سلمي شامل وعادل.

ويشير سرميني إلى أن القرار يُمثّل أداة دولية قوية للضغط على إسرائيل، ويعطي الدول والمجتمع الدولي إطارا للتمييز بين سياسات الاحتلال ومصالح الدول في المنطقة، ما يُعزّز من احتمالية التوصل إلى تسويات سلمية عادلة.

جنود إسرائيليون يطلون على سوريا من هضبة الجولان المحتلة (رويترز)استثمار مستقبلي

ورغم تأكيد مشروع القرار على سيادة السوريين والفلسطينيين على مواردهم الطبيعية، يرى الباحث وائل علوان أن مسألة الموارد "تخضع غالبا لمنطق القوة وليس الحق، ما يجعل الانتهاكات الإسرائيلية واضحة قانونيا ومدانة، لكنها إدانات لا تغير الواقع على الأرض".

ولكن في الوقت نفسه، يشدد الباحث على أن الحكومة السورية لا يمكنها تجاهل هذه القرارات والمواقف الدولية؛ لأنها تمثل ورقة أساسية يمكن الاعتماد عليها في أي مفاوضات مستقبلية.

إعلان

وأشار إلى أن سوريا تستطيع كسب دعم إقليمي ودولي في هذا المجال، خصوصا مع الاستياء المتزايد من سياسات حكومة بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة– على المستويين الأوروبي والإقليمي.

ويعتبر علوان أن استثمار هذا الاستياء يزيد الضغط على إسرائيل ويؤثّر على الموقف الأميركي المنحاز لها، ما يمنح سوريا فرصة لتقوية موقفها التفاوضي والسعي نحو تسويات مستقبلية عادلة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات على مواردهم الطبیعیة الأراضی المحتلة مشروع القرار فی الجولان أن القرار

إقرأ أيضاً:

بين القرار الأممي والتحديث المرتقب.. هل دخل الحكم الذاتي المغربي مرحلة الحسم؟

لم يكن قرار مجلس الأمن الأخير بخصوص الصحراء المغربية مجرّد تمديد تقني لولاية "بعثة المينورسو" كما اعتادت الدبلوماسية الأممية منذ سنوات، بل خُطوة حملت ملامح تحوّل في مقاربة المجتمع الدولي للنزاع. فالقرار رقم 2797، الصادر أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2025، أيّد صراحة المبادرة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها: "الأساس الوحيد والواقعي للحل السياسي"، وذلك في صياغة غير مسبوقة منذ تقديم الرباط لمبادرتها سنة 2007.

واعتمد مجلس الأمن، القرار، عقب تصويت 11 بلدا لصالحه من بين الدول الـ15 الأعضاء، وامتناع روسيا والصين وباكستان، وعدم مشاركة الجزائر في التصويت.



في هذا التقرير، تبرز "عربي21" ملامح التحوّل الذي أعاد ترتيب الأوراق داخل أروقة الأمم المتحدة، وفتح نقاشا مستجدّا حول معنى "تحيين" المبادرة المغربية، والحدود الجديدة للعلاقة بين السيادة، التنمية، والواقعية السياسية.

المبادرة.. في سياق جديد

لم يتأخر العاهل المغربي، الملك المغربي محمد السادس في التقاط دلالة القرار الأممي، حيث أعلن في خطابه بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، أنّ: المغرب سيعمل على تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، لتقديمها بصيغتها المحدثة إلى الأمم المتحدة "بوصفها المرجع الوحيد للتفاوض".

ودعا الملك المغربي، الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إلى: "حوار أخوي صادق لتجاوز الخلافات، وبناء علاقات جديدة تقوم على الاستقرار"، مؤكدا التزام بلاده بالعمل لإحياء الاتحاد المغاربي على أساس الاحترام المتبادل والتعاون والتكامل بين دوله.



في سياق متصل، سبق أن أشار المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى أنّ فريقه يعمل على إنجاز اتفاق بين البلدين في الفترة المقبلة، متوقعا "التوصل إلى اتفاق سلام خلال 60 يوما"، وأنّ: "حل هذا الملف سيكون بوابة لمصالحة أوسع في المنطقة المغاربية".

وأبرز مضامين المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي اطّلعت عليها "عربي21"، هي: "التركيز على أنّ الحل النهائي للنزاع لا يمكن أن يكون إلا سياسيا متوافقا عليه، يضع حدا للجمود الطويل ويتيح إرساء مصالحة شاملة بين أبناء المنطقة".

وأكدت المبادرة، أيضا: "التزام المغرب بالعمل بروح الانفتاح وبناء الثقة، والانخراط في مفاوضات جدية وبحسن نية تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يضمن مقاربة سلمية ومقبولة لدى جميع الأطراف. وبهذه الرؤية، تعتبر المبادرة أن حل النزاع لا يقتصر على الجوانب السياسية والإدارية فحسب، بل يشمل أيضا إعادة بناء الثقة والمصالحة بين السكان والجهات الرسمية".

اقترحت المبادرة، في السياق ذاته: "منح سكان الأقاليم الصحراوية صلاحيات واسعة لإدارة شؤونهم المحلية، عبر هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية تمارس سلطاتها داخل الجهة في مختلف المجالات، بما يضمن إدارة تشاركية لشؤون السكان المحليين (الأمن والشرطة الجهوية، التخطيط الاقتصادي وتشجيع الاستثمار والتجارة والسياحة، البنية التحتية والنقل والطاقة والماء..)".

وفيما يخص السلطة القضائية، نصت المبادرة، وفقا لما اطّلعت عليه "عربي21": على: "استحداث محاكم جهوية مستقلة تصدر أحكامها باسم الملك، إلى جانب محكمة عليا جهوية تختص بالنظر في تأويل القوانين المحلية، وذلك دون المساس باختصاصات المجلس الأعلى للقضاء (أعلى هيئة قضائية في المغرب) والمحكمة الدستورية للمملكة (تختص بالنظر في مدى موافقة القوانين للدستور)".

ماذا يقول الدستور المغربي؟

بحسب الباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، مريم بليل، فإنّ: "الدستور المغربي لسنة 2011 لم يدرج صراحة ما يتعلق بنظام الحكم الذاتي، ولكن عموما واستنادا إلى الفصل الأول الذي ينص على أن التنظيم الترابي للمملكة لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة".

وأبرزت بليل، في حديثها لـ"عربي21" أنّ: "هذا المبدأ يمكن أن يشمل صيغة متقدمة من الحكم الذاتي ما دامت لا تمس بالوحدة الوطنية والترابية ولا بشكل الحكم الملكي ولا بالدين الإسلامي".

إلى ذلك، استدركت الباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية بالقول: "يحدد الفصل 172 والفصل 173 من الدستور طريقتين لمراجعة الدستور: اقتراح من الملك. اقتراح من رئيس الحكومة أو من البرلمان (بمبادرة من ثلثي أعضاء أحد المجلسين على الأقل). ويعرض أي مشروع أو مقترح مراجعة على الاستفتاء الشعبي".

من الجمود إلى التموقع.. ما الذي حصل؟

منذ أكثر من عقد، ظلّت قرارات مجلس الأمن تكتفي بالإشارة إلى المبادرة المغربية بوصفها "جادة وذات مصداقية"، غير أنّ القرار الأخير قد تجاوز الحياد اللغوي إلى: توصيف سياسي حاسم.

ويرى الأستاذ الباحث في العلاقات الدولية، حسن بلوان، أنّ: "المغرب حقّق نجاحا دبلوماسيا غير مسبوق في ملف الوحدة الترابية بعد أن حاز صك الشرعية الدولية من خلال قرار مجلس الأمن التاريخي 2797 والذي اعتمد مخطط الحكم الذاتي كخيار وحيد للتفاوض ضمن السيادة المغربية".

وأوضح بلوان في حديثه لـ"عربي21": "انتقل المغرب بعد قرار مجلس الأمن من معركة الدفاع عن الموقف أمام المنتظم الدولي إلى مرحلة بناء النموذج داخل الوطن الواحد، ما يستدعي تحيين مبادرة الحكم الذاتي وتفصيلها كما جاء في خطاب الملك محمد السادس في 31 أكتوبر الماضي، إضافة إلى تكييف الترسانة القانونية المغربية مع هذا المستجد الحسّاس والدقيق الذي يقبل عليه المغرب بدءا من الدستور المغربي، مرورا بالقوانين التنظيمية ذات الصلة، وصولا إلى بناء مؤسسات التدبير الحكماتية".



وبيّن الباحث في العلاقات الدولية، أنّ: "تغيير الدستور على خصوصية الأقاليم الجنوبية التي سيطبق فيها الحكم الذاتي، بات أولوية قصوى تتفرّع عنه مجموعة من القوانين المفصلة للتنزيل الأمثل لمخطط الحكم الذاتي".

إلى ذلك، استدرك المتحدث نفسه بأنّه: "من السابق لأوانه الحديث عن تعديلات وآليات دستورية وتنظيمية جديدة ما لم: ينتهي المغرب من الصيغة المحينة للحكم الذاتي ومعرفة تفاصيله السياسية والمؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. مع انخراط الجزائر والبوليساريو في مفاوضات حقيقية تساهم في بلورة شكل وتفاصيل هذا المخطط تحت رعاية الأمم المتحدة".

الجزائر والبوليساريو.. في مواجهة ضغط الواقعية

في المقابل، يجد من باتوا يوصفوا بكونهم "خصوم المغرب"، أنفسهم، أمام معادلة جديدة. فبينما اعتادت الجزائر التمسّك بخطاب "حق تقرير المصير"، باتت اليوم تواجه واقعا دبلوماسيا مختلفا؛ حيث لم تصوّت على القرار الأخير ولم تستخدم كذلك خطاب الرفض المعتاد، وذلك في إشارة إلى تحوّل تكتيكي أو تراجع محسوب.

أما جبهة البوليساريو، فإنّها قد وصفت القرار الأممي بكونه: "انحياز سافر"، غير أنّها لم تجد صدى واسعا لموقفها حتى بين حلفائها التقليديين. ويرى عدد من المحللين السياسيين، أنّ: "التحول في الموقف الدولي قد جعل البوليساريو في عزلة تفاوضية، عقب أن تحوّل شعار الاستفتاء إلى مطلب رمزي أكثر منه خيارا عمليا".

إلى ذلك، يبدو أن الرّهان المغربي خلال المرحلة المقبلة هو تحويل الدعم الأممي إلى مسار مؤسساتي داخلي. فـ"تحيين" المبادرة قد يشمل أيضا إدراجها في القانون التنظيمي للجهوية المتقدمة، مع ربطها بمشاريع اللامركزية الاقتصادية والإدارية.

ووفقا لعدد من التقارير الإعلامية، المتفرٍّقة، فإنّ: "المغرب على مدار السنوات الماضية، كان يمارس جدّيا، جزءا من مضامين الحكم الذاتي في الجنوب، عبر الاستثمار في البنية التحتية والطاقة وكذلك من خلال الربط الإفريقي، فيما يودّ الآن منحها صبغة قانونية ودستورية واضحة المعالم".

وبحسب المصادر ذاتها، فإنّ: "مدينتي العيون والداخلة، على سبيل المثال، باتت نموذجين مصغرين لما يمكن أن يكون عليه الحكم الذاتي في صورته التطبيقية؛ فمن خلال آليات الجهوية المتقدمة تجسّدت مبادئ المشاركة المحلية للسكان، وربط القرار بالتنمية الملموسة".

وكان الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية الكاملة على الصحراء محطة مفصلية في هذا المسار، وهو ما أشار إليه الملك في الخطاب ذاته: "ونعتز بالقرار السيادي للولايات المتحدة الأمريكية..".



وترى الباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، مريم بليل، في حديثها لـ"عربي21" أنّه: "انطلاقا من تنفيذ قرار مجلس الأمن الذي يؤكد على خيار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية التامة، يتوجب: سحب قضية الصحراء المغربية من اختصاصات اللجنة الرابعة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وإدراج نظام الحكم الذاتي في الصياغة الدستورية والهيكلة المؤسسية".

وفي أول الاجتماعات المخصّصة لموضوع تحيين وتفصيل مخطط الحكم الذاتي، ترأس ثلاثة من مستشاري الملك محمد السادس، أول أمس الاثنين، لقاء مع زعماء الأحزاب السياسية الممثلة بمجلسي البرلمان؛ تنفيذا لمضامين الخطاب الملكي عقب صدور القرار التاريخي الأخير لمجلس الأمن، إذ تمت دعوة الأحزاب لتقديم تصورات ومقترحات بخصوص تحيين وتفصيل المبادرة وفقا للشرعية الدولية.

مرحلة ما بعد القرار.. أيّ ملامح؟

ما بعد القرار الأممي ليس كما قبله. فالمبادرة المغربية التي طُرحت قبل 18 عاما باتت اليوم مرجعية دولية معترفا بها، غير أنّ الرّهان الحقيقي أصبح يكمن في الانتقال من الدعم السياسي إلى تجسيد مؤسسات الحكم الذاتي فعليا على الأرض.

وفي هذا السياق، يرى الأستاذ الباحث في العلاقات الدولية، حسن بلوان، أنّ: "الحديث عن مرحلة انتقالية ضرورة ملحّة لتهيئة الظروف السياسية والقانونية والنفسية لتنزيل هذا المخطط، خاصة وأن الخطاب الملكي الأخير توجّه مباشرة إلى المغاربة الصحراويين المحتجزين في تندوف للانخراط في المبادرة، وبناء النموذج المغربي المشترك في إطار وحدة الأرض والوطن".



وأكّد بلوان، في ختام حديثه لـ"عربي21" أنّ: "الكرة الآن في الملعب الجزائري بعد وساطات معلنة تقوم بها مجموعة من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي اقتنعت أنّ مفتاح حل مشكل الصحراء وتنزيل الحكم الذاتي يوجد في قصر المرادية وليس في مخيمات الرابوني بتندوف".

هكذا، يتحول "تحيين المبادرة المغربية" من مجرد تحديث سياسي إلى تحوّل في فلسفة إدارة النزاع، ومن صراع سيادة إلى شراكة تنموية داخل الإطار الوطني. إذ أنّ السيادة في المفهوم المغربي الجديد ليست هي: السيطرة الجغرافية، بل: القدرة على تحويل الأرض إلى فضاء للتنمية والاستقرار.

وبذلك، يبدو أن القرار الأممي الأخير لم يُغلق ملف الصحراء بقدر ما فتح أمامه أفقا جديدا؛ يجعل من الواقعية السياسية مفتاحا للسيادة الحديثة، ومن مبادرة الحكم الذاتي مشروعا سياسيا متجددا يختبر ذكاء الدبلوماسية المغربية، وذلك في أصعب ملفات المنطقة.

مقالات مشابهة

  • وزيرا البيئة والكهرباء والطاقة المتجددة يبحثان التنسيق والعمل المشترك والتعاون في قضايا البيئة والطاقات المتجددة والموارد الطبيعية
  • الأمم المتحدة: اعتماد مشروع قرار حول السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني على موارده الطبيعية
  • وزيرا البيئة والكهرباء يبحثان العمل المشترك في قضايا البيئة والطاقات المتجددة والموارد الطبيعية
  • بين القرار الأممي والتحديث المرتقب.. هل دخل الحكم الذاتي المغربي مرحلة الحسم؟
  • الكهرباء والبيئة يبحثان التعاون فى الطاقات المتجددة والموارد الطبيعية
  • قرار أممي يؤكد سيادة الفلسطينيين على مواردهم الطبيعية
  • الأمم المتحدة تعتمد مشروع قرار حول السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني على موارده الطبيعية
  • اعتماد مشروع قرار السيادة الدائمة لفلسطين على مواردها الطبيعية
  • فلسطين تدعو الدول الأعضاء بالأمم المتحدة لإنهاء حصانة إسرائيل