بلدٌ ينجو فيه #المستثمر من “ #وحوش_الخارج ”… ويقع #فريسة لـ“ #تعقيدات_الداخل ”!

بقلم: أ.د محمد تركي بني سلامة

في عالم الأعمال، توجد ثلاث درجات من الصعوبة:
الأولى… أن تنافس.
الثانية… أن تنجح.
الثالثة… أن تحاول الاستثمار في أماكن تُدار فيها الإجراءات مثل الأحجيات، وتتحرك فيها المعاملات بسرعة سلحفاة تعاني التهاب المفاصل!

ولأن السخرية أحيانًا أبلغ من الجد، دعونا نبدأ القصة من رجل اسمه زياد المناصير… رجل صنع ثروته في أسواق خارجية لا ينقصها الشراسة، وواجه فيها من “الضغوط” ما يكفي لكتابة مسلسل من خمسة أجزاء.

بيئات فيها من التعقيد ما يكفي لقياس صبر أي مستثمر، ومن المنافسة ما يحتاج إلى أعصاب فولاذية.

مقالات ذات صلة “تصريح يهزّ جبل عمّان… وحكومة تردّ بعد صلاة العصر!” 2025/11/16

ومع ذلك… نجا، ونجح، وتفوّق.

لكن المفاجأة ليست هنا.
المفاجأة الحقيقية أنه حين عاد ليستثمر في وطنه، اكتشف أن أصعب المعارك ليست هناك… بل هنا!

فمن كان يظن أن كل تلك التجارب الخارجية التي تجاوزها الرجل ستبدو، مقارنة ببعض تفاصيل بيئة الاستثمار المحلية، أشبه بـ… “رحلة استجمام في منتجع خمس نجوم”؟

يا لها من مفارقة تستحق الضحك… لو لم تكن مؤلمة.

فنحن لا نتحدث عن مافيات ولا عصابات، بل عن نظام إداري إذا حاولت فهمه، فإما أن تفقد صبرك، أو أن تحتاج خريطة ومرشد سياحي ودليل إرشادات طارئ.
قرارات تتغير بالطقس، وإجراءات تختلف من نافذة لأخرى، وتعليمات لا يفهمها إلا من كتبها… وربما حتى هو غير متأكد منها!

وإذا جرّب مستثمر كبير أن يفتح مشروعًا، يدخل في متاهة تبدأ بـ “تعال بكرة”، وتمرّ بـ “الملف عند فلان”، ثم “راح فلان”، ثم “ارجع بعد العيد”، وتنتهي بأن يشعر المستثمر أن الاستثمار خارج البلاد… أكثر استقرارًا من الاستثمار فيها!

والمضحك المبكي أن ما يقوله المناصير اليوم لا يفاجئ أحدًا.
فالناس يعرفون، والقطاع الخاص يعرف، ومن حاول فتح مشروع بسيط يعرف… ويعرف جدًا.
لأن القصة ليست قصة رجل واحد، بل قصة وطن يخسر—وبسخرية القدر—مئات الفرص التي يمكن أن تتحول إلى مصانع، وشركات، ومشاريع، وآلاف الوظائف.

لكنها تضيع… ليس بسبب نقص الأموال، بل بسبب نقص الوضوح.
ليس بسبب ضعف المستثمرين، بل بسبب قوة التعقيد.
وليس بسبب صعوبة الخارج، بل بسبب سهولة “تعطيل الداخل”.

وهنا تكمن الكارثة الحقيقية.

بلدٌ يملك موقعًا استراتيجيًا، وعقولًا نادرة، وطاقات بشرية هائلة… ثم يخسر الاستثمار لأن “معاملة” تُعرقل أو “صلاحية” تتداخل أو “إجراء” يُساء فهمه.
وكأننا نقول للمستثمر:
“ابدأ مشروعك… إن استطعت!”

السؤال الذي يطرح نفسه—ساخرًا وموجعًا في آن واحد—هو:
إذا كان من تجاوز عقبات بيئات أعمال شرسة يجد الاستثمار في وطنه أصعب… فماذا سيقول المستثمر العادي؟

أليس هذا وحده كافيًا لندرك أننا بحاجة إلى إصلاح جذري… لا تجميل سطحي؟

إن الأردن لا تنقصه الفرص… بل تنقصه القدرة على عدم قتل الفرص.

ولا ينقصه المستثمرون… بل ينقصه حماية المستثمر من الغرق في ورق لا ينتهي.

ولا ينقصه الطموح… بل ينقصه نظام يعامل الاستثمار كطوق نجاة لا كمعاملة تحتاج عشرة أختام وثلاثة توقيعات ومزاجًا رائقًا.

فهل نضحك… أم نبكي؟
ربما نفعل الأمرين معًا.
فالواقع يضحكنا من شدّة الألم، ويؤلمنا من شدّة السخرية.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: المستثمر فريسة تعقيدات الداخل

إقرأ أيضاً:

المسؤول وعدوه الخفي

عندما تنهار مؤسسة أو يتراجع قائدها، تتوجه أصابع الاتهام إلى الخارج: البيروقراطية، وضعف الموارد، أو تراخي الفريق. غير أن الحقيقة غالبًا تختبئ في مكان أعمق بكثير؛ في داخل القائد نفسه. فهناك، في أعماق الوعي، تسكن معتقدات خفية تحرك قراراته وتوجّه سلوكه دون أن ينتبه. القيادة الحقيقية لا تبدأ من المكتب ولا من المنصب، بل من الداخل، من لحظة يواجه فيها ذلك المسؤول نفسه قبل أن يواجه الآخرين.
ليست المشكلة في المهارات ولا في الشهادات، بل في تلك الأفكار التي تشكّلت عبر السنين حتى غدت جزءًا من الهوية. المسؤول الذي يظن أن عليه أن يراقب كل تفاصيل قطاعه، يظن أنه حريص، بينما هو في الحقيقة يخنق فريقه. والذي يعتقد أنه وحده يملك الصواب، يغلق الباب أمام الإبداع ويصنع حوله جدارًا من العزلة. ومن يظن أن الخطأ عيبٌ لا يُغتفر، يعيش في خوف دائم يمنعه من التقدم. إنها أفكار صغيرة في ظاهرها، لكنها تتحول مع الوقت إلى سلاسل ثقيلة تُقيد المدير المسؤول من الداخل، حتى وهو يبدو قويًا أمام الآخرين.
تحت كل سلوك متكرر فكرة غير مرئية، وتحت كل قرار خاطئ خوفٌ لا يُقال. المسؤول الذي يريد كل شيء بسرعة يزرع في مؤسسته بذور التوتر، ومن لا يعرف كيف يرفض، يغرق في بحر من الالتزامات التي تسرق طاقته. أما من يقيس الجميع على نفسه، فلا يرى إلا نسخة باهتة من ذاته، فيقتل التنوّع الذي يولّد الإبداع. هذه المعتقدات لا تُرى بالعين، لكنها تُرسم في القرارات اليومية، في طريقة الحوار، في الصمت، في ملامح الوجه. إنها أشبه بظلٍ يتبعه أينما ذهب، مهما حاول تجاهله.
قرأت مؤخرًا مقالًا يؤيد هذا الكلام بعنوان”المعتقدات الخفية التي تُقيد القادة”، يوضح أن أكبر العوائق التي تواجه القائد ليست حوله؛ بل فيه، داخل تلك المعتقدات التي يظنها منطقية، بينما هي في الحقيقة قيود نفسية. سبعة منها تتكرر في أغلب قادة القطاعات: الرغبة في السيطرة، الحاجة إلى الكمال، الخوف من الخطأ، الإصرار على أن يكون دائم الصواب، أو الشعور بعدم الانتماء. والنتيجة واحدة: قائد ناجح في الظاهر، لكنه منهك في الداخل، يقاتل أشباحًا لا يراها.
القوة لا تكمن في الإنكار، بل في الوعي. أن يتوقف القائد لحظة ويسأل نفسه: لماذا أفعل ما أفعل؟ ما الذي يدفعني للسيطرة؟ ولماذا أرهق نفسي بالكمال؟ متى فقدت الثقة في أن الخطأ جزء من التعلم؟ تلك الأسئلة هي بداية التحرر، كما اشار اليها كاتب المقال. فحين يدرك ذلك المسؤول أن خوفه من الفشل هو ميراث قديم، يبدأ بالتحرك نحو قرار شجاع. وحين يكتشف أن حاجته إلى الكمال ليست سوى قناع يخفي خوفه من النقد، يصبح أكثر استعدادًا لفتح الباب أمام الآخرين للمشاركة، والفرق كبير بين القائد والمدير.
القيادة ليست أن تكون بلا أخطاء، بل أن تكون قادرًا على مراجعة نفسك بشجاعة. فحين يفهم القائد ذاته، يتحول من مدير إلى مُلهم؛ وقائد في ذات الوقت، لأن الناس يتعلمون من سلوك قائدهم أكثر مما يتعلمون من كلماته.

مقالات مشابهة

  • سياسات ترامب تُعمّق انقسام الداخل… وتقلق حلفاء الخارج!
  • المسؤول وعدوه الخفي
  • محافظ جنوب الباطنة يستعرض المشاريع الاستثمارية في لقاء بوكيلة "التجارة"
  • صحة غزة: مرضى أنهوا علاجهم في مستشفيات الداخل ويرغبون بالعودة للقطاع
  • خطيب زاده: المفاوضات مع أميركا ليست نزيهة ولا محايدة
  • معلومات الوزراء: بيئة الاستثمار العالمي تواجه تحديات بسبب الانقسامات الاقتصادية والصراعات الإقليمية
  • "البعثة الروسية" تتعرف على الفرص الاستثمارية بالقطاع الصناعي
  • حوادث النجوم.. أحمد ينجو بأعجوبة ومحمد صبري وإسماعيل الليثي يودعان الحياة
  • أفريقيا تبحث مقاربة موحّدة للهجرة وسط تعقيدات الأزمة بالقارة