عربي21:
2025-11-18@05:39:06 GMT

جنتلمان من موسكو

تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT

لم أستطع مقاومة العنوان لأبدأ بقراءة الرواية التي شدتني حتى النهاية، فأنا لا أستطيع مقاومة قراءة ومشاهدة كل ما يتعلق بروسيا البلد الذي عشت فيه وأحببته. 
في “جنتلمان من موسكو” يختار أمور تاولز أن يطوي روسيا النصف الأول من القرن العشرين داخل جدران فندق واحد، حيث يعيد تشكيل العالم في فندق المتروبول الفاخر، في بهوه وغرفه وممراته ومطعمه، ليحوّل مساحة محدودة إلى عالم كامل تُرى من خلاله تحولات التاريخ وأحوال الإنسان معًا.

هكذا يبدأ حكم الكونت ألكسندر روستوف بالمكوث الإجباري في هذا الفندق، لكن حكمًا بالسجن مدى الحياة يتحول تدريجيًا إلى مختبر لفنّ العيش داخل القيود.
روستوف، الأرستقراطي الذي تربّى على الذوق والانضباط، لا يختار تقمص دور البطولة الصاخبة، وبدلًا من ذلك، يقرّر أن يحافظ على أسلوبه، حتى وهو ينتقل من جناحه الفخم إلى غرفة صغيرة أشبه بالمخزن. فالتفاصيل الصغيرة التي كان يمكن أن تبدو عابرة، مثل ترتيب مقعد، أو توقيت فنجان القهوة، أو حتى أسلوب ونبرة الحديث تصبح جوهرية، بل تتحول إلى وسائل مقاومة تحول دون الانكسار، وكأن الرواية تقول إن الخيارات الصغيرة يمكن أن تتحول إلى معيار أخلاقي، وأن  الذائقة هنا ليست ترفًا، بل أداة بقاء وطريقة لتثبيت ملامح الذات في وجه عالم يصرّ على تسييل الفروق الفردية.
على امتداد العقود التي تغطيها الرواية، تظلّ السياسة حاضرة كظلٍ بارد لا يغادر الخلفية، عبر أنظمة تتغير، وحروب تتأجج، ومعسكرات عمل، ووجوه جديدة للسلطة، لكن المتروبول نفسه، بعاداته وطقوسه ورواده، يشكّل عالمًا موازيًا، يُعاد داخله تعريف الزمان والمكان. فالوجوه تتبدل، والعلاقات تنمو لكن في في صمت، فالسجن الخارجي لا يمنع الشخصية من إعادة ترتيب الداخل من خلال ابتكار روتين يومي، وتحويل المساحة المحدودة إلى مسرح مكتمل للحياة.
في قلب هذا المسرح تتكوّن شبكة علاقات تمنح الرواية نبضها الإنساني، طفلة تكبر تحت عينَي الكونت فيصير أبًا من نوع خاص، ووجوه من العاملين في الفندق، من خياطين، وطهاة، ونُدُل، وحرس أبواب  يتدرجون من هامش الحكاية إلى مركزها، وأصدقاء قدامى وزائرون عابرون يتحولون بالتدريج إلى دائرة حميمية تحيط بالبطل. هؤلاء الذين يُفترض أن يكونوا “خلفية” المشهد يغدون، عبر الزمن، حائطه الساند. وما ينقذ روستوف من أن يتحول إلى “شبح أرستقراطي” ليس ماضيه ولا لقبه، بل هذه الروابط اليومية التي يحافظ عليها ويستثمر فيها بالصبر واللطف والوفاء.
في العمق، تقدّم الرواية درسًا هادئًا في الحرية الداخلية بوصفها مهارة تُكتسب بالممارسة، فعندما ينهض روستوف كل صباح ليعيد ترتيب يوم لا يختلف كثيرًا عن سابقيه، فهو لا يهرب من قدره، بل يكتب تعريفًا جديدًا للكرامة، في أن تختار أسلوبك حين لا يمكنك اختيار مصيرك. 
لهذا لا تبدو “جنتلمان من موسكو” رواية عن السجن بقدر ما هي رواية عن كيفية العيش داخل السجن دون الاستسلام لمعناه. انتصاراتها ليست شعارات كبيرة، بل مشاهد قابلة للتكرار: فنجان قهوة مضبوط، مائدة أصدقاء، مقطوعة موسيقية تتكرر حتى تصبح جزءًا من هوية المكان، أبوة تُمارَس بصمت، التزام بآداب المائدة بينما تنهار آداب العالم خارج النوافذ. لمن لم يقرأ الرواية بعد، ألخص الفكرة المركزية للرواية دون كشف للتفاصيل: يمكنك أن تجد نفسك محكومًا بمتروبولك الخاص، غرفتك، عملك، مدينتك، ظرفك الشخصي ومع ذلك يمكنك أن تخرج منه أكثر رهافة ونضجًا، لا لأن الجدران تعمل على تغييرك، بل لأنك قررت ألا تستقيل من ذائقتك وأسلوبك، ففي زمنٍ يعلو فيه الضجيج، تبدو هذه الأناقة الداخلية واحدة من أصدق أشكال المقاومة.
(الغد الأردنية)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه مقاومة موسكو روسيا مقاومة روسيا موسكو مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات أفكار سياسة مقالات سياسة صحافة سياسة اقتصاد سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

ملتقى الحوار الوطني الثالث بإسطنبول يدعو لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني

تتواصل في مدينة إسطنبول التركية لليوم الثاني فعاليات ملتقى الحوار الوطني الفلسطيني الثالث الذي ينظمه المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، بمشاركة واسعة من قيادات سياسية وأكاديميين وحقوقيين وممثلين عن التجمعات الفلسطينية من مختلف القارات، تحت شعار "وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة الإبادة والتهجير والضم".

ويأتي انعقاد الملتقى في لحظة سياسية فلسطينية بالغة الدقة، إذ تتقاطع فيه تطورات الحرب على غزة مع استحقاقات إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، ومعالجة الانقسام الداخلي، ومناقشة أوضاع الفلسطينيين في الشتات، والبحث في رؤى وطنية لمستقبل قطاع غزة بعد الدمار الهائل الذي خلّفته آلة الحرب الإسرائيلية.

ويشارك في الملتقى نحو 220 شخصية فلسطينية من 28 دولة، يجتمعون على هدف رئيس يتمثل في صياغة مواقف عملية وخطط تحرك جماعية، وصولا إلى تشكيل قيادة فلسطينية موحدة في الداخل والخارج قادرة على حماية المشروع الوطني، وفتح أفق سياسي جديد يتجاوز حالة التشرذم الراهنة.

ماجد الزير النائب الأول لرئيس الهيئة العامة للمؤتمر الشعبي رفض "تهميش الفلسطينيين في الخارج" (الجزيرة)ضرورة ترتيب البيت الفلسطيني

وفي جلسة حملت عنوان "ترتيب البيت الفلسطيني وتحقيق التوافق الوطني"، أجمع المتحدثون على أن وحدة القرار السياسي الفلسطيني باتت ضرورة وجودية في ظل ما تواجهه القضية من محاولات لتصفية الحقوق الوطنية، مشددين على أن استمرار الانقسام يفتح الباب أمام الاحتلال لتعميق سياساته الاستيطانية وتهجير الفلسطينيين وقضم أراضيهم.

وقال أمين سر الهيئة العامة في المؤتمر الوطني الفلسطيني معين الطاهر إن المقاومة، بفضل صمودها، "أعادت القضية الفلسطينية من حالة التصفية إلى واجهة الأحداث"، مشيرا إلى أن الإستراتيجية الوطنية المقبلة يجب أن تقوم على تثبيت الشعب الفلسطيني في جميع أماكن وجوده، ودعم المقاومة بأشكالها كافة، والعمل على عزل الاحتلال دوليا عبر فضح جرائمه وملاحقة قادته كمجرمي حرب.

إعلان

وأضاف الطاهر أن واقع الفصائل الفلسطينية، التي يزيد عددها على 25 فصيلا، يتطلب مراجعة نقدية جادة لبرامجها وأدائها كي تكون جزءا من الحل لا جزءا من الأزمة، مؤكدا أن إعادة بناء منظمة التحرير تحتاج إلى إعادة تشكيل بنية الحركة الوطنية في إطار تعددي وديمقراطي واسع، بعيدا عن الاشتراطات التي يفرضها المستعمر.

أما الكاتب والأكاديمي خالد الحروب فقال إن "التجزئة في البيت الفلسطيني هي الثغرة التي يتسلل منها الاحتلال ليمنع قيام قيادة موحدة"، داعيا إلى إنهاء الانقسام باعتباره شرطا لا غنى عنه لمواجهة المخططات الإسرائيلية التي تستهدف نفي وجود الشعب الفلسطيني ذاته.

جلسة بعنوان "رؤية وطنية مستقلة لإدارة غزة" ناقشت أوضاع الأسرى والواقع الإنساني في غزة (إعلام المؤتمر الشعبي)أقدم أسير فلسطيني

وفي جلسة بعنوان "رؤية وطنية مستقلة لإدارة غزة"، انتقل النقاش إلى أوضاع الأسرى والواقع الإنساني في غزة بعد وقف الحرب، حيث تحدث أقدم أسير فلسطيني محرر ومبعد نائل البرغوثي عن الظروف القاسية التي يعيشها الأسرى داخل سجون الاحتلال، والانتهاكات الممنهجة التي تصاعدت في السنوات الأخيرة.

وأكد البرغوثي على أن غياب جهة فلسطينية رسمية تتابع ملف الأسرى أمام المحافل الدولية يفاقم معاناتهم، داعيا إلى تفعيل التحرك القانوني لمحاسبة الاحتلال، وإلى فتح أبواب الدول العربية والإسلامية أمام الأسرى المبعدين، وتوحيد الخطاب الإعلامي في دعم المقاومة وحقوق الأسرى. وشدد على أن قانون الإعدام الإسرائيلي بحقهم "لن يكسر عزيمة شعبنا ولا إرادة مناضلينا خلف القضبان".

من جهته، قدم الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أشرف القدرة عرضا بالأرقام يعكس حجم التدهور في القطاع الصحي تحت الحصار والحرب، مشيرا إلى الإنجازات التي حققها الكادر الطبي رغم شح الموارد، وداعيا إلى تشكيل هيئة وطنية للتعافي الصحي، وتوحيد الموقف الفلسطيني خلف إنقاذ المنظومة الطبية المهددة بالانهيار الكامل.

وفي مداخلة تحليلية، قال الأكاديمي والخبير في الشأن الإسرائيلي محمود يزبك إن صمود أهالي غزة أفشل مشاريع التهجير وكشف حقيقة الاحتلال أمام الرأي العام العالمي، مضيفا أن "إسرائيل تحولت من كيان يحظى بالتعاطف في بداية الحرب إلى عبء على داعميه، خاصة الولايات المتحدة".

كما أشاد بدور وسائل الإعلام في كسر الحجب الإسرائيلي ونقل مشاهد الإبادة إلى كل العالم، ما أسهم في تعزيز التحول الدولي ضد الاحتلال.

أما المحامية والناشطة الحقوقية الأميركية هويدا عراف، فأكدت أهمية التحرك الفلسطيني في المحافل الدولية واستثمار زخم التضامن العالمي، مشيرة إلى أن سفن كسر الحصار عن غزة كانت رسالة سياسية وإنسانية لضرورة إنهاء الحصار وفضح الحكومات الغربية الداعمة لإسرائيل، والدفع نحو سحب الشرعية عن نظامها العنصري.

دور الشتات الفلسطيني

وفي محور آخر، شدد حسن خريشة النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني على أن فلسطينيي الخارج أثبتوا قدرتهم على صناعة رأي عام عالمي لصالح القضية، وحشد الدعم الإنساني والسياسي لها، في وقت تكشفت فيه ازدواجية المعايير وانهيار منظومة القيم الغربية التي طالما تشدقت بحقوق الإنسان.

إعلان

أما رئيس الهيئة العامة للمؤتمر الشعبي سمعان خوري، فدعا إلى إعادة تفعيل دور الشتات باعتباره رافعة سياسية وشعبية وإعلامية وقانونية ودبلوماسية، وإطلاق مبادرات وطنية جامعة تعبر عن المصالح العليا للشعب الفلسطيني وتكرس الوحدة كضمانة أولى لحماية المشروع الوطني.

بدوره، رفض ماجد الزير النائب الأول لرئيس الهيئة العامة للمؤتمر الشعبي ما وصفه بـ"تهميش الفلسطينيين في الخارج" في مختلف المجالات، بما فيها التمثيل الوطني، وحتى في الإحصاءات الرسمية التي لا تشملهم ضمن تعداد الشعب الفلسطيني.

تكريم مستشار الرئيس الكولومبي (الأول يمين) في ملتقى الحوار الوطني الفلسطيني الثالث بإسطنبول (إعلام المؤتمر الشعبي)تكريم كولومبي

وفي لفتة تقديرية، كرّم منظمو ملتقى الوطني الحوار الوطني الفلسطينيي الثالث فيكتور لوغو مستشار الرئيس الكولومبي لشؤون الشرق الأوسط، تقديرا لموقف بلاده الداعم للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية.
وبدوره، أكد لوغو -في كلمة له ضمن فعاليات الملتقى- أن أي تدخل دولي في غزة يجب أن يحترم إرادة الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وأن كولومبيا مستعدة لتقديم الدعم لإعادة البناء في غزة وكل فلسطين، مشددا على أن تحقيق العدل والسلم مرتبط بوقف الإبادة الجماعية وانتصار الفلسطينيين على الاحتلال.

وتعقيبا على هذا التكريم، أشاد هشام أبو محفوظ القائم بأعمال الأمين العام للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج بالدور المتقدم لكولومبيا، داعيا باقي الدول إلى اتخاذ مواقف مماثلة والاستجابة لنداء العدالة في فلسطين.

يذكر أن فعاليات الملتقى تختتم مساء اليوم السبت، حيث من المتوقع صدور بيان ختامي يتضمن توصيات تمثل خطة عمل للفترة المقبلة، وتركّز على إعادة بناء الوحدة الوطنية، وتفعيل دور الشتات، وتبني آليات عملية لدعم صمود الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، بما يحوّل مقررات الملتقى إلى خطوات ملموسة على الأرض.

مقالات مشابهة

  • صدارة لائتلاف السوداني في النتائج النهائية للانتخابات العراقية.. كيف جاء ترتيب الكتل الأخرى؟
  • وزير الخارجية السوري في الصين لتعزيز الشراكة وإعادة ترتيب العلاقات مع بكين
  • "الشارقة الدولي للكتاب" يمنح الموهوبين الجدد أسرار كتابة الرواية والقصة القصيرة
  • موسكو: سياسة العزلة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي لا تفيد شعوبه
  • بري: الانتخابات اللبنانية ستجري في موعدها وإعادة ترتيب الأوضاع حق مشروع لحزب الله
  • نادر خطاطبة يكتب ..”صرخة المناصير” بين الرواية المجهولة والنسخ واللصق الجماعي
  • ملتقى الحوار الوطني الثالث بإسطنبول يدعو لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني
  • من بكين إلى موسكو.. الشرق يعيد ترتيب العالم
  • النزعة الصوفية في الرواية العربية تحت الضوء في مؤتمر نادي القصة بأسيوط