الرغبة داخل العلاقة ليست رفاهية يمكن تجاهلها، ولا تفصيلة إضافية تأتي في المرتبة الثانية بعد المسؤوليات اليومية. هي لغة كاملة من الحضور، ومؤشر عميق على مدى اتصال الطرفين ببعضهما، ونافذة تكشف ما لا يقال بالكلمات. لذلك عندما تبدأ الرغبة في التراجع، يشعر كل طرف بأن العلاقة فقدت نبضًا أساسيًا فيها، كأن شيئًا كان حيًا في الداخل صار يختفي ببطء.

تباطؤ الانجذاب لا يحدث دفعة واحدة، بل يتسلل بهدوء. يبدأ بتراجع بسيط في المبادرة، ثم يتحول إلى حرج خفيف من الاقتراب، ثم صمت ممتد حول ما كان طبيعيًا قبل الزواج. ليس لأن أحدهما فقد مشاعره، بل لأن الجسد أحيانًا يعكس ما تعجز الروح عن قوله.

فالعلاقة الحميمية ليست مجرد اتصال جسدي؛ هي امتداد لمشاعر خفية، لطمأنينة، لثقة، لراحة نفسية، ولحضور ذهني يسمح للجسد أن يقترب دون خوف أو ضغط أو تقييم.

وعندما تبهت الرغبة، يشعر أحدهما أو كلاهما أنه أصبح مطالبًا بأن يشرح ما لا يعرف كيف يشرحه. الرجل يخاف أن يُفهم تراجعه كفقدان اهتمام، والمرأة تخشى أن يُفسر ترددها كبرود مقصود. وفي الحقيقة، لا أحد يريد إيذاء الآخر، لكن الصمت يتضخم، والافتراضات تتحول إلى حقائق مزيفة، ويبدأ كل طرف في بناء قصة داخل رأسه: ربما لم أعد مرغوبًا، ربما لم تعد تراني، ربما هو اكتفى، ربما هي أصبحت بعيدة.

الأسباب متعددة، وأكثرها نفسي. فالتوتر المستمر يقتل الرغبة دون أن يعلن ذلك، والضغوط الاقتصادية، والعمل، وتربية الأطفال، والقلق المزمن، كلها عوامل تستنزف الطاقة الداخلية التي يُفترض أن تتجه نحو الشريك. فالعقل المثقل لا يستطيع أن ينخرط في لحظة حميمية؛ لأن اللحظة تحتاج فراغًا عاطفيًا يسمح للإنسان بأن يشعر بذاته وبالآخر. وعندما يمتلئ الداخل بالمسؤوليات، يصبح الجسد مجرد تابع، ينفذ ما يراه العقل مهمًا: الأولوية للعمل، للبيت، للسلامة النفسية، أما الرغبة فتُؤجَّل إلى وقت غير معلوم.

وهناك جانب آخر لا يقل أهمية: المشاعر المتراكمة. كل كلمة موجعة، كل تجاهل، كل خيبة، كل انتظار بلا رد، كل يوم يشعر فيه طرف بأنه غير مرئي، كل لحظة فقد فيها أحدهما الإحساس بأنه مرغوب أو مُقدَّر. هذه التفاصيل الصغيرة تُكدّس طبقات من البعد العاطفي، فتتراجع الرغبة ليس لأنها اختفت، بل لأنها تبحث عن مكان آمن تعود إليه. الجسد لا يقترب من مساحة يشعر فيها بأنه مرفوض أو مُستنزَف.

والمرأة على وجه الخصوص، غالبًا ما ترتبط رغبتها بالحالة النفسية، وبشعورها بأنها مُحترمة ومسموعة ومفهومة. فإذا شعرت بأن العلاقة أصبحت واجبًا أو استجابة تُطلب منها في نهاية يوم مرهق، تتراجع رغبتها تلقائيًا. والرجل بدوره يتأثر بشدة إذا شعر بأنه مرفوض أو غير مُستجاب؛ فيبدأ بالتراجع حفاظًا على كرامته، أو خوفًا من أن يظهر ضعيفًا، أو لأنه لا يريد أن يتلقى إشارات باردة تزيد من جرحه الداخلي.

ومن الأخطاء الشائعة أن الطرفين يعتقدان أن الحل جسدي فقط. فيلجآن لأساليب ميكانيكية تعيد اللحظة على المستوى السطحي، لكنها لا تُعيد شعور الأمان الذي تحتاجه الرغبة كي تُزهر من جديد. المشكلة في معظم الأحيان نفسية بامتياز: انعدام وجود وقت مخصص للعلاقة بعيدًا عن الركض، غياب الكلمات الحنونة، تراجع اللمسات البسيطة، انطفاء الاهتمام اليومي، أو شعور دفين بأن العلاقة فقدت رقتها الأولى.

ومع ذلك، تظل الرغبة قابلة للعودة. ما يخفت يمكن أن يتوهج، وما يبتعد يمكن أن يقترب مرة أخرى. العودة لا تحتاج معجزة، بل تحتاج شجاعة في الاعتراف بأن هناك شيئًا انطفأ، وأن استعادته لا تعني اعترافًا بالفشل بل رغبة صادقة في إنقاذ ما يستحق. التواصل الصريح، تخصيص وقت مشترك، إعادة إدخال اللمسات الصغيرة في اليوم، منح كل طرف مساحة ليشعر بأنه مرغوب ومرحب به، كلها خطوات قادرة على إعادة الحياة لهذا الجانب الحساس من العلاقة.

والأهم من هذا كله، أن يتوقف كل طرف عن تفسير التراجع بوصفه إدانة للآخر. الرغبة ليست اختبارًا لرجولته ولا امتحانًا لأنوثتها. هي مرآة تعكس ما يحدث داخلهما، وما يتعرضان له من ضغوط، وما تراكم فوق القلوب من صمت أو تعب. فإذا توقف كل منهما عن الشعور بأنه المتهم، وبدأ ينظر للرغبة ككائن يحتاج عناية مشتركة، سيتغير الكثير.

وفي أعماق معظم العلاقات، لا تختفي الرغبة لأن الحب مات، بل لأنها فقدت البيئة التي كانت تتنفس فيها. الرغبة تحتاج ضوءًا نفسيًا، تحتاج هدوءًا داخليًا، تحتاج لمسة صادقة بلا توقعات، تحتاج كلمة تُعيد الطمأنينة، تحتاج قربًا يشعر فيه الطرفان بأنهما متساويان في الحاجة والحنين. وعندما تُمنح هذه المساحة، يعود الجسد ليتحدث من جديد، وتعود العلاقة لتتنفس، ويستعيد الحب جزءًا من بريقه الذي كان.

طباعة شارك الرغبة الضغوط الاقتصادية تربية الأطفال

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الرغبة الضغوط الاقتصادية تربية الأطفال کل طرف

إقرأ أيضاً:

هل ينبغي التوقف عن تناول الدجاج أو البيض بسبب إنفلونزا الطيور؟ إليك كل ما تحتاج إلى معرفته

قامت إسبانيا بعزل جميع الدواجن في المزارع المفتوحة بعد تسجيل 14 حالة تفشٍّ لإنفلونزا الطيور، ما أدى إلى ذبح 2.5 مليون طائر. لكن كيف ينتقل هذا المرض إلى البشر؟ وهل يشكّل خطراً فعلياً؟

السؤال الذي يشغل بال كثيرين اليوم هو: كيف يُصاب الإنسان بإنفلونزا الطيور؟ والإجابة ليست بسيطة. فانتقال العدوى إلى البشر ليس سهلًا، لكنه ممكن في ظروف محددة. ولحدوث الإصابة، يجب أن يكون الشخص في اتصال مباشر ووثيق مع طيور أو حيوانات مصابة، سواء كانت حية أو نافقة، أو مع بيئات ملوّثة بإفرازاتها.

تنتقل العدوى بطريقتين رئيسيتين: إما بشكل مباشر عبر استنشاق الفيروس. أو بشكل غير مباشر عندما يلمس الشخص عينيه أو أنفه بيدين ملوثتين بعد مخالطة طيور مصابة وهي طريقة تشبه إلى حد كبير ما كان شائعًا خلال جائحة كوفيد-19.

ورغم سرعة انتشار الفيروس بين الحيوانات، فإن الأمر يختلف لدى البشر، إذ لا ينتقل المرض بسهولة من شخص لآخر. لكن تبقى هناك فئة واحدة في دائرة الخطر: العاملون في قطاع الدواجن، نظرًا إلى تعرضهم المستمر والمتكرر للطيور، ما يجعل احتمال إصابتهم أعلى مقارنة بغيرهم.

Related خبراء في الأمم المتحدة يحذرون: أزمة أنفلونزا الطيور تهدد الأمن الغذائي العالمياليابان تطور طائرات مزودة بالليزر لحماية الدواجن من الحيوانات المفترسة وإنفلونزا الطيورمصائب واشنطن.. مكاسب لأنقرة: إنفلونزا الطيور تدرّ على تركيا 26 مليون دولار! ما مدى خطورة إنفلونزا الطيور على الناس؟

تختلف خطورة إنفلونزا الطيور بشكل كبير من حالة إلى أخرى.

وتشرح سوزانا مونج، عضو مجموعة عمل مراقبة الصحة العامة التابعة للجمعية الإسبانية لعلم الأوبئة، لـ EFE أنه نظرًا لكونه فيروس تنفسي، فإن "الطيف السريري متنوع للغاية".وهذا يعني أن الشخص المصاب يمكن أن يكون عديم الأعراض تمامًا أو قد تظهر عليه أعراض تتراوح بين الخفيفة والشديدة:

التهاب الملتحمة (حالات خفيفة) البرد (حالات متوسطة) الالتهاب الرئوي (الحالات الشديدة)

ويقول الخبراء إن الخطر الحقيقي لا يكمن في الفيروس الفعلي بقدر ما يكمن في ما يمكن أن يحدث إذا تحور الفيروس. ويحذر مونج من أن أحد أكبر المخاطر هو أن "فيروسات إنفلونزا الطيور والإنفلونزا الموسمية تتعايش معًا في نفس الشخص، ويمكن أن يتعايش كلاهما معًا". وإذا حدث ذلك، يمكن أن يتبادل الفيروسان أجزاءً من الجينوم وينتج فيروس جديد قد يكون أكثر خطورة.

لهذا السبب من الضروري أن يتم تطعيم العاملين في مجال الدواجن ضد الأنفلونزا الموسمية، مما يقلل من إمكانية تزامن الفيروسين في نفس الشخص.

الحماية والوقاية: ما هي التدابير التي يجب اتخاذها؟

بالنسبة لعمال الدواجن، فإن التدابير الوقائية صارمة، إذ يجب عليهم "ارتداء معدات وقائية مع المآزر والأقنعة والأحذية والنظارات الواقية" في جميع الأوقات. ويجب على الشركات، من جانبها، تنفيذ تدابير جماعية مثل التهوية الكافية للمزارع.

وفيما يتعلق بالتطعيم، يوضح مونجي أن "الخطوة الأخيرة هي التطعيم" وأن هناك حاليًا لقاحات تم اختبارها ضد إنفلونزا الطيور ولكنها مخصصة لحالات التفشي المحتملة، وليس للاستخدام العام.

ماذا عن الدجاج والبيض؟

ربما يكون هذا هو السؤال الأكثر شيوعًا بين عامة الناس، والإجابة صريحة: لا يجب التوقف عن تناول البيض أو لحم الدجاج.

وعلّق فيكتور بريونيس، أستاذ الصحة الحيوانية بجامعة كاليفورنيا في مونتريال، قائلاً إن مستوى السلامة الحيوية المرتفع داخل مزارع الدواجن اليوم يضمن عدم وصول أي منتجات ملوّثة إلى المستهلكين. ويعود ذلك إلى إجراء صارم متّبع عالميًا، فعند اكتشاف أي تفشٍّ للمرض داخل مزرعة ما، تُذبح جميع الطيور الموجودة فيها بالكامل، ما يعني أن أي دواجن مصابة لا تدخل مطلقًا في السلسلة الغذائية.

أما خوسيه ماريا إيروس، مدير المركز الوطني للإنفلونزا في بلد الوليد، فهو أكثر وضوحًا: "استهلاك الطعام لا يؤدي إلى انتشار إنفلونزا الطيور".

ويتفق كلا الخبيرين على أنه "ليس من الضروري الحد من استهلاك" هذه المنتجات.

وقد أمرت الحكومة بحصر جميع الدواجن التي يتم تربيتها في الهواء الطلق بعد اكتشاف 14 حالة تفشٍ في المزارع المهنية (سبعة في كاستيا إي ليون، وثلاثة في كاستيا لا مانشا، واثنان في الأندلس، وواحد في إكستريمادورا وواحد في مدريد)، مما أدى إلى ذبح 2.5 مليون حيوان.

ويهدف هذا الإجراء إلى منع المزيد من العدوى في ضوء التفاقم المتوقع للوضع.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • طبق شتوي شهي.. طريقة عمل القرنبيط بالبشاميل
  • عمار الحكيم: المنطقة تحتاج لمقاربة أمنية جديدة تستند لثلاثة معايير
  • بابنوسة… حين ينهض الجسد الوطني ويرفض الانكسار
  • تيسير مطر: الرئيس السيسي وجّه رسالة للمصريين تؤكد أنه يشعر بهم
  • الأيام الوطنية.. تجسيدٌ للمسيرة وتجديد للعهد
  • "الأشياء التي تقتلها".. تجربة سينمائية نفسية عميقة لأول مرة بـ"مهرجان القاهرة"
  • سينر يشعر بالأفضلية رغم فقدانه للصدارة الدولية
  • هل ينبغي التوقف عن تناول الدجاج أو البيض بسبب إنفلونزا الطيور؟ إليك كل ما تحتاج إلى معرفته
  • انتخابات مصر.. لم يشعر أحد ولم ينجح أحد!!