ليست العروش وحدها هي من تشيد لتبقى ففي أعالي القمم الشاهقة حيث يعانق السحاب صخور الصمود تبنى المواقف من منحنيات الروح ومن صلابة الإيمان ومن حكمة الأجداد الذين أدركوا أن الحق لا يورّث كالممتلكات بل يرضع مع لبن الأمهات ويشهد عليه بدماء الشهداء.
ها هو اليمن أرض الحكمة والإيمان يعلو صوته فوق ضجيج المدافع ويسمو موقفه فوق متاهات السياسة والمصالح.
لأن اليمن ليس غريباً عن معنى الظلم. يعرف طعم الحصار ومرارة العدوان وصلف المحتل. ولكنه في الوقت ذاته، يعرف حلاوة الكرامة وعبق الحرية وعزة النفس. هذه المعرفة المرة-الحلوة جعلت قلبه نابضاً بألم كل مظلوم على وجه الأرض وجعلت صوته صدى لصرخات المستضعفين في غزة وفي كل أرض عربية وإسلامية. إنها القضية التي لا تقبل المساومة أو التجزئة فهي عقيدة راسخة وليست تكتيكا متحولاً. هي بوصلة لا تزيغ تشير دوماً نحو القدس نحو غزة نحو كل بقعة تنتهك فيها حرمات الله وتهان فيها كرامة الإنسان.
لقد فهم اليمن أن “نصرة المظلوم” ليست كلمات تقال في الخطب أو عبارات تزين البيانات. لقد حولها إلى فعل وجودي إلى ثقافة جماعية إلى قرار سيادي لا يرتهن لموازين القوى المتقلبة.
فالنصرة واجب ديني وإنساني وقومي تتساوى فيه الدماء وتتجه نحو فيه الإرادات. في زمن انشغل الكثيرون بالصراعات الجانبية وتبادل الاتهامات وقياس المصالح بمكيال الربح والخسارة بقي اليمن يحمل راية المبدأ بيد ويقبض على سلاح الإرادة باليد الأخرى.
لقد ذكر العالم أن الأمة لا تموت ما دام فيها من يرفض أن يحني الجباه إلا لله وما دام فيها من يعتبر أن دم الفلسطيني هو دم اليمني والعربي والإنسان.
يقول اليمن بصمته الناطق بالفعل وبفعله الناطق بالإيمان: إن قضية فلسطين هي خط أحمر ليست ملكاً لفصيل دون آخر ولا لحزب دون غيره. هي قضية أمة وضمير إنسانية. وإن هذا الموقف الثابت ليس ترفا سياسيا بل هو استجابة لنداء التاريخ وامتثال لأمر الدين وتحمل لمسؤولية الأمانة.
ها هو اليمن بكل ما يعانيه يقدم للعالم أجمع درسا في الشرف والسيادة. يثبت أن القيمة الحقيقية للدول ليست بضخامة اقتصادها أو قوة جيوشها فقط بل بقيمة مواقفها وثبات مبادئها وإنسانيتها التي لا تستبدل بعرض من أعراض الدنيا.
ستزول الغيوم وستنكشف الحقائق وسيبقى موقف اليمن شامخا في ذاكرة التاريخ نبراسا للأحرار وعلامة على أن الحق -وإن طال الليل- لابد أن يأتي صباحه. فتحية لليمن الأرض والشعب والموقف.. تحية لمن يجعل من الصمود فلسفة ومن النصرة مصيراً.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
المعركة ليست عن الأشخاص… إنها عن رمزية الجيش وبقاء الدولة
المعركة ليست عن الأشخاص… إنها عن رمزية الجيش وبقاء الدولة.
• حين قال البرهان إن المواجهة لن تحسم بالهدن والتفاوض كان يحدد طبيعة اللحظة المفصلية التي يمر بها السودان : لحظة وجودية تتجاوز الأشخاص والوجوه والأسماء، فمن يشغل موقع قائد الجيش يحمل معه رمزية المؤسسة العسكرية نفسها، مهما اختلف الناس حوله أو اختلفت عليه المواقف والاراء .
• الهجوم على البرهان كفرد يغفل جوهر الصراع ما يجري في السودان ليس منافسة سياسية ولا سجالاً حزبياً، او انتخابيا ، بل محاولة لضرب الدولة في مركزها، وفي لحظات كهذه، يصبح استهداف القائد استهدافاً لرمزية الجيش، ومحاولة فصل الشخص عن موقعه ليست سوى خدمة غير مباشرة لقوى تسعى لإضعاف بنية الدولة نفسها وتفكيكها لزراعة مليشيا قوامها مرتزقة عابرة للحدود.
• نحن لا نقدس الأشخاص، ولا نمنح أحداً تفويضاً مطلقاً لكننا ندرك حقيقة ثابتة :
• أن حماية رمزية القيادة العسكرية جزء من حماية السودان نفسه
فالمؤسسات تبقى والدول تبقى، أما الأفراد فزائلون .
• الآن، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج السودانيون إلى فهم أن المعركة الحقيقية هي معركة بقاء الدولة، لا معركة أشخاص ف سقوط رمزية الجيش يعني سقوط السقف الذي يظلل الجميع، مهما كانت الخلافات والانقسامات .
وكفى.
✍️ بشير يعقوب