المساعدات الخليجية.. نفوذ وهيمنة تحتَ عباءة إنسانية
تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT
لم تعد المساعداتُ الإماراتية والسعوديّة مُجَـرَّدَ مبادراتٍ إنسانية، بل تحوّلت إلى أدوات نفوذ واستعمار جديد يُمارس تحت غطاء الشعارات الخيرية؛ فالأنظمة التي تدّعي الحرصَ على الشعوب هي نفسها التي تُغرقها في الدماء وتغذّي الصراعات الداخلية باسم “الدعم الإنساني”.
في السودان، كما في جنوب اليمن، يُعلنُ أن الطائرات تحمِلُ الغذاء والدواء، لكنها في الحقيقة تحمل المال والسلاح والولاءات المصطنعة.
فالدعم الإماراتي في السودان غذّى النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع، وحوّل البلادَ إلى ساحة حرب بالوكالة.
في اليمن، دخلت الإمارات والسعوديّة بذرائع واهية لاستعادة “الشرعية”، لكن سَرعانَ ما ظهر الوجه الحقيقي: مليشيات موالية، سيطرة على الموانئ والجزر، وإقامة قواعدَ عسكرية.
فقد تحوّلت الأرضُ اليمنية إلى مخلبٍ لخدمة الأجندة الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية.
كما تحوّلت المساعداتُ من إنقاذ الجائع والمريض إلى تسليح المرتزِقة وتثبيت أدوات الاحتلال.
ليس النفاقُ الخليجي جديدًا؛ فمنذ انكشاف ولاء هذه الأنظمة للغرب والكيان الصهيوني، أصبح واضحًا أن كُـلَّ درهم يُصرَفُ ليس لخدمة الأُمَّــة، بل لحماية مصالح العدوّ.
فالأموال الطائلة تُهدَرُ في تمويل الانقلابات وإشعال الحروب، بينما تُترَكُ المقاومة الفلسطينية واللبنانية تواجِهُ العدوان وحدَها.
تُترَكُ المقاومةُ اللبنانية تقاتل وحدَها، وتختار المواقفُ الخليجية الوقوفَ مع من يقتل أطفال غزة، لا مع من يحميهم، ومع من يقصف بيروت، لا مع من يدافع عنها.
هذه هي حقيقة المساعدات الخليجية حين تُقرأ بعيون حرة لا مُنوَّمة بالإعلام المموّل.
تشترى الإمارات والسعوديّة مجدًا زائفًا بأموال مغموسة في دماء العرب.
ففي العلن مشاريع “نهضة”، وفي الخفاء موت وفتن.
يُتحدث عن السلام، بينما التطبيع مُستمرّ والتحالف مع القتلة يبرّر الجرائم؛ فأصبح المال أدَاة غدر لا وسيلة للكرامة.
إن ما يفعله النظامان السعوديّ والإماراتي في المنطقة هو جزء من مشروع صهيوني أمريكي يهدف إلى كسر إرادَة الأُمَّــة وإفراغها من كُـلّ صوت مقاوم.
فتصعيد العدوان في اليمن والسودان بالتزامن مع الحرب على غزة ليس صدفة؛ فالمطلوب إلهاء الشعوب بصراعاتها الداخلية كي لا تلتفت إلى فلسطين.
وإذا كانت المساعدات تبدو كرمًا، فهي في الحقيقة سمٌّ مغلّف بالعسل؛ فمن يرسل الغذاء بيد ويزرع الفتنة بالأُخرى ليس متبرعًا بل مستعمرًا.
والمستشفيات التي تُبنى في المدن المدمّـرة ليست إنسانية بل أدوات تضليل.
لقد باتت الشعوب تدرك أن الخطر الحقيقي ليس فقط من العدوّ الصهيوني، بل أَيْـضًا من أُولئك الذين فتحوا له الأبواب باسم التطبيع، ومن الذين خانوا فلسطين حين أغلقوا حدودها وفتحوا خزائنهم لشراء الصمت.
والمفارقة أن هذه الأنظمة، التي تسرفُ في تمويل المرتزِقة، كانت قادرةً على تحويل وجه التاريخ لو استثمرت تلك الثروات في بناء مشروع عربي موحد يواجه الاحتلال ويستعيد مكانة الأُمَّــة.
لكنهم اختاروا طريق الذل؛ فصاروا أدوات بيد المحتلّين، ينفذون أوامرهم ويبرّرون جرائمهم.
فكل بندقية أطلقت على عربي بريء، وكل فتنة اشتعلت في مدينة عربية، كانت بتمويل مباشر أَو غير مباشر من تلك العواصم التي تدّعي “الأُخوَّة”.
إن كشف هذا النفاق ليس مهمة المثقفين وحدَهم، بل مسؤولية كُـلّ عربي يرى الحقيقة ولا يريد أن يكون شريكًا في الصمت.
فالصمت أمام هذا الخراب خيانة، والتبرير له جريمة.
والمعركة ليست فقط في غزة أَو لبنان، بل في الوعي نفسه: أن تفهم أن كُـلّ “مساعدات” تأتي من أنظمة خانت القدس لن تكون إلا طعنةً جديدة في خاصرة العرب.. ستسقط الأقنعة كما سقطت أقنعة الكيان الإسرائيلي.
فالزيف لا يدوم، والشعوب مهما طال ليلها ستنهض لتقول كلمتها: لن تُشترى كرامتنا بصندوق مساعدات، ولن يُباع دمنا بدراهم النفط، وسنظل نقف مع فلسطين والمقاومة مهما خذلها المنافقون.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
مشروع الاستباحة الصهيوأمريكي للمنطقة العربية .. أدوات النفوذ وتمكين العدو
تشهد المنطقة العربية تحوّلات استراتيجية عميقة يراها العديد من المحللين والباحثين جزءًا من مشروع الاستباحة الصهيوأمريكي، وهو مشروع يسعى لتوسيع نفوذ الولايات المتحدة وكيان العدو الإسرائيلي عبر مسارات اقتصادية وسياسية وأمنية ومجتمعية، وتشير عدد من التحليلات إلى أن هذه الاستراتيجية تتجاوز الأدوات التقليدية، إذ تشمل استخدام مجموعات من المقاتلين المرتزقة في ساحات صراع مختلفة، بما فيها مرتزقة يمنيين، كجزء من بناء معادلة نفوذ جديدة على الأرض.
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
ربط المصالح العربية بمشروع العدو الصهيوأمريكي
تلعب المبادرات الاقتصادية المشتركة دورًا محوريًا في تمكين النفوذ الصهيوأمريكي، حيث تبرز، المناطق الصناعية المؤهلة التي تربط صناعات عربية بمكوّنات إسرائيلية، مشاريع إعادة الإعمار التي تُدار غالبًا بشراكات غربية _ إسرائيلية، بما يجعل الاقتصاد العربي جزئيًا مرتبطًا بآليات هذا النفوذ.
هذه الأدوات تُسهِم في نقل التأثير من المجال السياسي إلى البنية الاقتصادية العميقة، وهو ما يستهدف خلق اعتماد طويل الأمد يصعب فصله لاحقًا.
سياسة التطبيع والنفوذ الناعم
يتجاوز مشروع الاستباحة القنوات الرسمية ليشمل برامج التطبيع الشعبي، خصوصًا تلك الموجهة للشباب، وتُحلّل هذه البرامج بوصفها أدوات تهدف إلى إعادة تشكيل الوعي العربي، وتقديم العدو الإسرائيلي كشريك طبيعي، وتكريس رؤى السلام الاقتصادي والتعايش الثقافي، وهو نوع من الاختراق الاجتماعي الذي يعزّز النفوذ دون أدوات مباشرة.
الأمن والاستراتيجية العسكرية
يحاول العدو الصهيوأمريكي إعادة تشكيل الخريطة الأمنية في المنطقة عبر تقليص قدرات فصائل المقاومة في حماس وفي لبنان واليمن ، وتدفع وبقوة نحو وجود قوات مراقبة دولية أو مليشيات من المرتزقة تتلقى تدريبات ودعم مفتوح على كافة المستويات، من خلال ترتيبات أمنية واقتصادية مشتركة مع عدد من دول المنطقة العربية المطبعة .
هذه الإجراءات تُبرَّر عادة بخطاب الاستقرار، لكنها تعمل فعليًا على ضمان أمن العدو الإسرائيلي وتسهيل توسعها الاستراتيجي.
مرتزقة اليمن .. أداة ميدانية لإعادة تشكيل توازنات القوة
يُعد استخدام المرتزقة اليمنيين أحد أكثر العناصر حساسية في النقاش الدائر حول مشروع الاستباحة، إذ يُنظر إليهم وفق نطاق واسع من التحليلات كجزء من شبكة أدوات يستخدمها العدو الصهيوأمريكي عبر إدارة مباشرة من أدواتها في المنطقة وعلى رأسها السعودية والإمارات، لإعادة هندسة ساحات الصراع بما يخدم مصالحها الاستراتيجية من خلال إنتاج بيئة خصبة لتجنيد المرتزقة، في دور يتم إنشاءه من مجموعة من العوامل المركبة، تبدأ بهشاشة اقتصادية واجتماعية تدفع شبابًا يمنيين للانخراط في شبكات تجنيد عابرة للحدود، ودور تمويلي فاعل من السعودية والامارات أدوات المشروع التي تقوم بربط هؤلاء المقاتلين بجهات دولية ذات مصالح أمنية، ما يجعل هذه الفئات قابلة للاستخدام في صراعات أخرى، وبهذا، يتحول اليمن بسبب ظروفه إلى بيئة خصبة لإنتاج قوة مستأجرة جاهزة للانتقال .
الدور التنفيذي في خدمة موازين العدو الصهيوأمريكي
وفق عدد من الدراسات السياسية، فإن العدو يستخدم هؤلاء المقاتلون في ثلاثة أدوار رئيسية، تبدأ باستهداف فصائل المقاومة المناهضة لمشروع الاستباحة الصهيوأمريكي، وحماية مشاريع اقتصادية ولوجستية كبرى، خصوصًا تلك المرتبطة بممرات بحرية أو مواقع اقتصادية تُعد جزءًا من ترتيبات مشروع الاستباحة للمنطقة، وخلق واقع ميداني يصعب تغييره
حيث تؤدي مشاركة هذه القوات في الصراعات إلى تغيير ميزان القوة، ما يجعل الأطراف المحلية أقل قدرة على السيطرة على أراضيها أو فرض إرادتها.
دور المرتزقة في تثبيت معادلة الاستباحة
يعتبر محللون أن وجود قوة عسكرية تتحرك وفق تمويل وتوجيه العدو الصهيوأمريكي، يؤدي إلى تفريغ السيادة من مضمونها، وتحويل الساحة الداخلية إلى ساحة نفوذ للعدو وتعزيز قدرته على فرض ترتيبات ميدانية لا تتحمل مسؤوليتها المباشرة
وبذلك يصبح المرتزقة واحدة من الأدوات التي تُستخدم لتعميق معادلة الاستباحة وتثبيت نفوذ خارجي طويل الأمد.
الأبعاد الأيديولوجية والإعلامية
تسعى مراكز الفكر ووسائل الإعلام سواءً التابعة لأدوات العدو الصهيوأمريكي في المنطقة وفي مقدمتها السعودية والامارات ، أو وسائل وأدوات إعلامية مباشرة للعدو ، إلى إعادة صياغة الوعي العربي بطرق تخدم مسار التطبيع والتهيئة لمشروع الاستباحة، من خلال ترويج رواية التعايش، وتصوير العدو الإسرائيلي كشريك تنموي، وإضعاف خطاب المقاومة، وتهيئة الجيل الشاب للقبول بالروابط الاقتصادية والسياسية.
وتُعتبر هذه الأدوات مكمّلة للأدوات العسكرية والاقتصادية، ما يجعل المشروع أكثر شمولية.
ختاماً
وفق التقرير فإن مشروع الاستباحة الصهيوأمريكي يعتمد على منظومة متكاملة من الأدوات، اقتصادًا وسياسةً وأمنًا وإعلامًا، ويضيف إليها عنصرًا ميدانيًا بالغ التأثير يتمثل في المرتزقة اليمنيين كقوة يمكن توظيفها لتغيير موازين الصراع وفرض ترتيبات تخدم العدو، ورغم ذلك، تبقى المقاومة والجهاد، والوعي الجمعي، والثوابت الوطنية، عوامل تحدّ من تحويل هذا النفوذ إلى هيمنة دائمة، ويبقى التحدي الأساسي أمام الدول والشعوب العربية ، كيف يمكن إعادة بناء قدرة ذاتية تواجه هذه الأدوات وتحفظ استقلالية القرار الوطني؟